معركة أولي البأس

 

الخليج والعالم

الانحياز الأميركي لـ "إسرائيل" يقوض موقعها في صراعها العالمي مع الصين
03/09/2024

الانحياز الأميركي لـ "إسرائيل" يقوض موقعها في صراعها العالمي مع الصين

كتبت لين كوك مقالة نشرت في مجلة "فورين أفيرز" تحدثت فيها عن تراجع أميركي في مناطق مهمّة في آسيا، مشيرةً إلى استطلاع أجراه معهد "ISEAS-Yusof Ishak " وهو معهد أبحاث تموله حكومة سينغافورة، وهو استطلاع سنوي يشمل ما بين 1,000 و2,000 مستطلع يعملون في المجال الأكاديمي ومراكز الدراسات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والإعلام وعلى المستوى الحكومي وأيضًا في المنظمات الإقليمية والدولية من عشر دول في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).

ولفتت الكاتبة إلى أن غالبية المستطلعين هذا العام اختاروا الصين على الولايات المتحدة عندما سُئلوا مع أي طرف يجب أن تصطف آسيان إذا ما كان عليها أن تختار بين البلدين. كما نبهت إلى أنها المرة الأولى التي اختار فيها المستطلعون الصين منذ أن بدأت الاستطلاعات بطرح هذا السؤال عام 2020.

كذلك شددت الكاتبة على أن هذا التراجع بالدعم للولايات المتحدة يجب أن يثير المخاوف في واشنطن التي تعتبر الصين منافسها الأساس، وترى منطقة المحيطين الهندي والهادئ ساحة صراع محورية.

وأضافت الكاتبة بأن جنوب شرق آسيا تقع جغرافيًا في قلب هذه المنطقة الشاسعة، حيث يوجد حليفان أميركيان وهما الفلبين وتايلاند، بالإضافة إلى عدد من الشركاء المهمين. وتابعت أن أهداف الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تعرقل بسبب التراجع أمام الصين.

وأردفت أن تنامي نفوذ الصين في جنوب شرق آسيا يقوض قدرة أميركا على الانخراط على مستوى ثنائي وتعددي بشكل إستراتيجي، وذلك حتّى في غياب الحرب. ولفتت إلى أنَّ العديد من دول جنوب شرق آسيا ليست ديمقراطية ليبرالية وأن حكوماتها لا تمارس بالضرورة سياسات خارجية تعكس الرأي العام، إلا ان المستطلعين شملوا مسؤولين حكوميين، مبينةً أنه حتّى الدول غير الليبرالية تشعر بالضغط استجابة لآراء المواطنين.

وأضافت الكاتبة أن الصين تخطت الولايات المتحدة في استطلاع عام 2024 كالخيار للشريك الحليف، حيث اختارت نسبة 50.5 في المئة الصين مقابل 49.5% اختاروا الولايات المتحدة، موضحةً أن التراجع الأميركي الأكبر أمام الصين كان في دول مثل ماليزيا بنسبة 20% مقارنة مع عام 2023، وأندونيسيا بنسبة 20% أيضًا مقارنة مع العام الماضي. ولفتت إلى تراجع واشنطن أمام بيكين أيضًا في دول مثل ميانمار وتايلاند.

وفي نفس الوقت، أشارت الكاتبة إلى أنَّ الولايات المتحدة لا تزال تحظى بدعم كبير في الفيلبين، حيث اختارت نسبة 83% واشنطن بدل بيكين، وفيتنام حيث تبنت نسبة 79% موقفًا مماثلًا.

وأوضحت الكاتبة لين كوك أن ذلك يعني أن المستطلعين وبمن فيهم مسؤولين حكوميين في العديد من الدول في جنوب شرق آسيا، أصبحوا يقولون إنّهم سيختارون الصين على الولايات المتحدة إذا ما فرض عليها خيار التحالف مع أحد الطرفين، منبهة في الوقت نفسه إلى أن من بين هذه الدول أطرافاً حليفة مثل تايلاند، وطرفين شريكين تسعى الولايات المتحدة إلى تقوية العلاقات معهما، وهما أندونيسيا وماليزيا.

هذا، وأشارت كوك إلى أنَّ التراجع الأكبر لتأييد الولايات المتحدة كان في دول، حيث غالبية السكان هم من المسلمين، ولفتت إلى أن استطلاع عام 2024 كشف عن تنامي حالة الاستياء مقارنة مع عام 2023، إذ إن 75% من الماليزيين و73% من الأندونيسيين قالوا، إنهم يفضلون الاصطفاف مع الصين على الولايات المتحدة، بعدما كانت بلغت هذه النسب 55% و54% العام الماضي.

كما قالت الكاتبة: "وبينما لم يطرح الاستطلاع سؤالًا حول سبب هذا الاختيار، فإن اللافت هو أن قرابة نصف المستطلعين اعتبروا أن النزاع بين "إسرئيل" وحركة حماس هو الملف الجيوسياسي الأهم بالنسبة لهم، حيث تخطت هذه نسبة تلك التي اعتبرت أن الخلاف في بحر الصين الجنوبي هو الملف الأهم".

كذلك، رجحت أن يكون الدعم الأميركي القوي لـ"إسرائيل" قلب الموازين لصالح الصين، مضيفة بأن المستطلعين في الدول ذات الغالبية المسلمة—وهي ماليزيا وإندونيسيا وبروناي—صنفوا "النزاع بين "إسرائيل" وحماس بالملف الجيوسياسي الأهم بالنسبة لهم.

ورأت الكاتبة، أنَّ نتائج الاستطلاع تنسجم ومحادثات أجرتها مؤخرًا في المنطقة، وبأن دبلوماسيين أندونيسيين تحدثت معهم انتقدوا بقوة الموقف الأميركي حيال الحرب في غزّة. كما كشفت أن دبلوماسياً ماليزياً بارزاً قال إن بلاده ستختار الصين بسبب غزّة.

ولفتت الكاتبة إلى أن وسائل الإعلام الغربية عادة ما تنشر تقارير عن مشاكل الديون المرتبطة بمبادرة حزام واحد ــ طريق واحد الصينية، إلا أن مشاريع "حزام واحد ــ طريق واحد" هي في العموم موضع ترحيب في جنوب شرق آسيا، على أساس أنها توفر فرصاً من أجل تحقيق النموّ والتنمية. وأضافت أن أحد الدبلوماسيين الكبار في المنطقة وصف "طريق واحد ــ حزام واحد" بأنه نموذج لكيفية "كسب القلوب والعقول".

كما تحدثت الكاتبة عن مقاربة آسيان الحذرة حيال موضوع بحر الصين الجنوبي، إذ إنه ورغم أفعال بيكين العدوانية المتزايدة في المنطقة الاقتصادية الخاصة للفليبين، فإن التكتل لم يصدر أي بيان ينتقد الصين بالاسم.

وتابعت الكاتبة: "تراجع الولايات المتحدة في المنطقة يضر بموقعها في أماكن أخرى، سواء كان على صعيد كسب الدعم من أجل إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا أو كسب التأييد لسياساتها في الشرق الأوسط. كما قالت إن دعوات واشنطن من أجل رد عالمي أقوى ضدّ انتهاكات روسيا الفاضحة للقانون الدولي (دائمًا وفق توصيف الكاتبة) لا يلقى في العموم آذاناً صاغية في جنوب شرق آسيا".

ولفتت إلى أنَّ العديد من الأصوات في جنوب شرق آسيا تكرّر نفس النقاط التي تثيرها روسيا والصين حول الحرب، وأن النظر إلى الولايات المتحدة على أنها تمارس ازدواجية المعايير في سياستها الخارجية وتعتمد أهدافاً أنانية في ما يخص الصين، إنما يقوض قدرتها على كسب دعم أكبر، مبينةً أن هناك طيفاً واسعاً في جنوب شرق آسيا ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها بلد يعاني من الخلل في الداخل، بينما يعمل على أجندة أنانية في الخارج.

هذا، وتحدثت الكاتبة عن ضرورة أن تكثف واشنطن انخراطها الاقتصادي مع المنطقة، مشددةً على أن الأمن الاقتصادي هو بمثابة الأمن لدول جنوب شرق آسيا. وأشارت في هذا السياق إلى أن الاستطلاع المذكور بيَّن أن 60% اعتبروا أن الصين هي القوّة الاقتصادية الأكثر تأثيرًا، مقابل 14% سموا الولايات المتحدة. كما تحدثت عن مخاوف العواصم في جنوب شرق آسيا من تبني واشنطن نهج المواجهة التي لا داعي لها وإشعالها الصدام مع الصين، أو الأضرار أكثر بالنظام الاقتصادي القائم الذي حقق لهم المكاسب.

وتابعت الكاتبة، أنه وبينما تريد الولايات المتحدة أن تتصدّى "للمعلومات الصينية المضللة"، فإن المساعي من أجل ذلك يجب أن تعالج الأسباب الجوهرية في هذا الموضوع، لافتةً إلى أن الصين تصف الولايات المتحدة بأنها تحرض على الحروب في غزّة، وبأن العديد ممن تحدثت معهم في جنوب شرق آسيا بمن فيهم من لا ينتمون إلى الإسلام قالوا، إن هذا التوصيف يبدو في محله بالنسبة لهم.

كما نبهت من أن التوصيف لن يكون ليحظى بهذا التأييد لو لا الطريقة التي تعاملت فيها واشنطن مع الأزمة في غزّة، حيث دعمت أو أقله رضخت لأبشع الممارسات "الإسرائيلية".

ورأت الكاتبة أنَّ العديد من الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا ليست فريدة من نوعها وتأتي في إطار معضلة أكبر وهي كيفية كسب الجنوب العالمي وخاصة الدول النامية التي تحاول الصين جاهدة استقطابها، أو أقله منعها من أن تدور في فلك الصين.

هذا، وشدَّدت على أنَّ منطقة جنوب شرق آسيا تحمل أهمية خاصة للإستراتيجية الأميركية، لأنها تقع في قلب منطقة صنفتها واشنطن بالأولوية، مضيفةً أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ هي التي ستحدد الفائز في الصراع مع الصين.

الولايات المتحدة الأميركية

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة