لبنان
استمرار التحرك الشعبي مواجهاً القمع .. و72 ساعة مهلة الحكومة
استمر التحرك والغضب الشعبي في مختلف المناطق اللبنانية لليوم الثاني توالياً، حيث تركزت الاحتجاجات في رياض الصلح. الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم سلطت الضوء على القرار بقمع الحراك، بعد أن تدخل الجيش اللبناني ليلاً لمساندة القوى الأمنية اخذا قرار فض "الإنتفاضة". ومن جانب اخر ركزت الصحف على مهلة الـ72 ساعة التي أعلن عنها الحريري ورفضها الشارع، في انتظارٍ لما سيأتي في الأيام القادمة. وبالتزامن مع التحركات يترقب اللبنانيون كلمة الأمين العام لحزب الله التي سيتناول فيها التطورات الأخيرة.
السلطة إلى القمع المفرط... بعد المسّ بمصرف!
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي تساءلت هل يكون زجاج واجهتَي مصرفين في وسط بيروت أمس كـ«بلاطة» حائط فندق «لوغراي» في المنطقة عينها عام 2015؟ حينذاك، كان سقوط «البلاطة» الشرارة التي أطفأت التحرّكات التي انطلقت إثر أزمة النفايات. الأجهزة الأمنية التي تعاملت مع المتظاهرين أول من أمس بمستوى منخفض نسبياً من القمع، لجأت أمس إلى العنف المفرط، في مواجهة من تسمّيهم «المشاغبين» الذين كسروا زجاج واجهتَي مصرفين، ما يُنذر بإمكان اللجوء إلى القمع في وجه التحركات! قبل ذلك، كانت القوى المكوّنة للحكومة تتقاذف مسؤولية الأزمة التي فجّرت الغضب الشعبي، بصورة كرّرت فيها ما تُجيده: المزيد من الكذب
وأضافت أن البلاد لم تعُد مُستعصية على الثورات. وأن انتفاضة شعبية يشهدها لبنان من أقصاه إلى أقصاه، فجّرتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة، بفعل تمادي السلطة في سياسة التجويع وفرض إجراءات ضريبية، لا هدف لها سوى تركيز الثروة في يد القلة من اللبنانيين. للمرة الأولى منذ التسعينيات، لم يعُد الشارع فسيفساء من الانتماءات الطائفية المُتناحرة. خرج منذ يومين بهوية وطنية جامعة لا ولاء فيها للطوائف، ليقول للطبقة الحاكمة «كفى»، ولا يزال مستمراً في تحركه، فاتحاً الباب على مصراعيه أمام الأحزاب والتيارات السياسية التي أثبتت يومَ أمس أنها تغرق في حالة من الإنكار التام. فأمام زخم الغضب الشعبي والغليان الذي قُطع معه عدد كبير من الطرق التي تربط المناطق في مختلف المحافظات، واصل المسؤولون تقاذف مسؤولية الفشل والإخفاق والوعود الكاذبة، كما لو أنهم أمام أزمة سياسية عادية كتلكَ التي تُحلّ على طريقة «تبويس اللحى». وليلاً، لجأت السلطة إلى العنف المفرط، لتفريق المتظاهرين، بذريعة ملاحقة «المشاغبين الذين اعتدوا على الأملاك الخاصة والعامة». صدف أن استخدام قدر كبير من العنف، من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي، بدأ بعد تكسير واجهتي مصرفين في وسط بيروت.
وتابعت "الأخبار" أنه حتى يوم أمس، لم يكُن أهل السلطة قد استوعبوا بعد أن القصة ليسَت قصّة رغيف ولا زيادة أسعار المحروقات والدخان وأزمة دولار، ولا حتى فرض رسوم على تطبيق «واتسآب»، بل قصة كيل طفح بمكيال الكذب والإفقار والظلم وحجم البطالة والركود الاقتصادي ونظام المُحاصصة. إذ حاولت أغلبية القوى المشاركة في الحكومة ركوب موجة التحركات الشعبية، وخلق شارع مقابِل شارع عبر تبادل الاتهامات، لكنها فشلت في ذلك. الكل بدأ يتحدث كما لو أنه في موقع المعارضة ولا علاقة له بكل الإجراءات التي اتُّخذت في المرحلة السابقة.
وختمت بالقول أن هذه اللعبة بدأها النائب السابِق وليد جنبلاط من خلال تحريك شارعه للتصويب على «العهد» في محاولة لتمييز نفسه. ولحق به رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي جاءت مواقفه وجنبلاط مشجّعة لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ورمي كرة النار بين يدي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله. الأمر الذي دفع برؤساء الحكومات السابقين للتضامن مع الحريري ورفضهم الاستفراد به. فيما كان لافتاً وواضحاً ارتباك كل من حركة أمل وصمت حزب الله. أما التيار الوطني الحرّ فقد حاول رئيسه الوزير جبران باسيل الاستثمار في غضب الناس لصالحه. الأخير خرج بعدَ لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون وعدد من وزراء التيار ليخاطب الناس. وقف على منبر قصر الرئاسة في بعبدا، ليلقي كلمة موجهة إلى اللبنانيين، كما لو أنه متحدث باسم الرئاسة. قال بأنه «يتفهّم» غضب الشارع، معتبراً أن «ما يحصل هو لصالحنا وليسَ ضدنا»، مكرراً معزوفة الإصلاحات التي يريد العهد تطبيقها، لكنّ أطرافاً أخرى تمنعه من ذلك. علماً أن هذه الإصلاحات التي يتحدّث عنها باسيل وغيره ممن هم في الحكومة، من المستقبل الى القوات الى الاشتراكي ليست ذات منفعة، بل هي إجراءات ستزيد من حجم المشكلة وتأخذ البلاد نحو الانهيار. وراح باسيل يرمي الوعود كعادته من نوع تأمين الكهرباء، قائلاً إنه ضدّ الضرائب، مع أنه هو نفسه الذي شارك في اقتراحها وفي إقرارها.
الحريري في حال إنكار ويُمهل الشركاء 72 ساعة... وفضّ الاعتصام بالقوة
بدورها ركزت "البناء" على القرار الذي بدأ الجيش والقوى الأمنية بتنفيذه من العاشرة ليل أمس، بدعم القوى الأمنية لفضّ الاعتصام الرئيسي الذي نظّمه المنتفضون في ساحتي رياض الصلح والشهداء، بعدما نجحت أعمال التكسير والحرق واقتحام مصارف ومحال تجارية بتقديم الذريعة للتحرّك الأمني، دخل لبنان مرحلة طي صفحة الانتفاضة التي بدأت بمشهد شعبي ناصع صارخ، سواء لجهة التعدّد العابر للطوائف والأحزاب والمناطق، أو لجهة الحشود الضخمة التي شاركت في التوافد إلى ساحات الحضور الشعبي التي زادت عن المئة نقطة على مساحة لبنان شمالاً وجنوباً وجبلاً وعاصمة، خصوصاً بعدما ظهرت الجماعات التي دخلت على خط الانتفاضة سواء للتخريب، أو للاستغلال عبر ما تناقلته بعض المجموعات على الواتساب عن معلومات من ظهور مجموعات على الدراجات النارية تنقل المواطنين عبر الطرق المقطوعة مقابل بدلات مالية وضعت لها تعرفة على طريق المطار بخمسين دولاراً مثلاً.
وتوزّعت الصورة السلبيّة على كل ضفاف المشهد، انتفاضة بيضاء يركب موجتها التخريب والابتزاز ومحاولة تحويرها نحو بعض الاستثمار السياسي، ورئيس حكومة يتقدّم بخطاب للرأي العام لا يرى من خلاله أنه مسؤول ولو جزئياً عن تفجير هذه الانتفاضة الغاضبة، التي فجّرها قرار تبرّع وزيره للاتصالات محمد شقير بتسويقه حتى منتصف ليل أول أمس عبر شاشات التلفزة، بل أكد أن وصفته للحل صحيحة، وقرار الوزير بعض يسير منها، ووفقاً لرسالة رئيس الحكومة المشكلة بعدم وجود دعم كافٍ لقراراته من شركاء الحكم، الذي يلومهم الناس على صمتهم يوم موقعة الواتساب التي مرّت بسلام لو لم ينتفض الناس. فكيف برفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 . ومن جهة موازية الصورة السلبية التي تجسّدت بالذي تعرّض له الناس في الساحات من قسوة واعتقالات وملاحقة، وما بدا من فراغ في الساحة السياسية لحلول ورؤى تضمن ملاقاة الشارع، ومخاطبته بلغة مسؤولة.
أما في المواقف السياسية للأطراف المعنية، فإن حركة أمل التي توقفت عند الانتفاضة كتعبير مشروع عن الغضب، لفتها الذي تعرّضت له من محاولات لحرفها نحو استهداف الحركة ومكاتب نوابها، بينما التيار الوطني الحر على لسان رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل، بدا في موقف مشابه أدلى به من القصر الجمهوري بعد لقاء مع رئيس الجمهورية ضمّه مع وزراء ونواب تكتل لبنان القوي، فيما كان ثنائي القوات والاشتراكي على لسان رئيسيهما النائب السابق وليد جنبلاط وسمير جعجع يحوّلان الانتفاضة لمنصّة هجوم على حزب الله. وهما يشجّعان الرئيس الحريري على الاستقالة، بِرهان ترك رئيس الجمهورية تحت ضغط مطالبة مشابهة بالاستقالة، وتحميل حزب الله مسؤولية التعاطي مع الوضعين المالي والاقتصادي، في ظل الهجمة التي يتعرّض لها دولياً. وهذا البعد الذي سيحضر في إطلالة منتظرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم، كان حاضراً في قراءة الحزب السوري القومي الاجتماعي عبر مواقف أدلى بها رئيس الحزب فارس سعد تعليقاً على ما شهده لبنان، معتبراً أن الغضب المشروع تعبير عن عقم وإفلاس السياسات الخاطئة، مؤكداً رفضه للضرائب التي تطال المواطنين خصوصاً الطبقات الأشدّ ضعفاً، ودعوته للانفتاح على المحيط القومي، خصوصاً في ظلّ الفرص الهامة التي يوفرها للاقتصاد التعاون مع سورية والعراق.
ورأت أوساط مراقبة لـ "البناء" الى أن الحريري كان يخاطب باسيل بكلامه رابطة مهلة الـ 72 ساعة بالمهلة الدستورية لإقرار الموازنة في الحكومة وإحالتها الى المجلس النيابي، مع إصرار باسيل على إدخال الإصلاحات ضمن الموازنة. إلا أن الأوساط لفتت الى أن كلام الحريري هروب من الواقع وتنصّل من المسؤولية ورميها على شركائه في الحكومة. فالحراك الشعبي لا يستهدف الثلاث سنوات الماضية فقط من عمر العهد بل الثلاثين سنة من السياسات المالية الاقتصادية الحريرية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه .
إنتفاضة اليوم الثاني تواجه محاولة تعويم الحكومة .. والتسوية!
من جهتها عنونت "اللواء" أن انتفاضة 18 ت1، آخذة في الإتساع، على الرغم من غموض مساراتها البعيدة. ولم تفلح لليوم الثاني على التوالي، تعهدات الرئيس سعد الحريري، ضمن مهلة 72 ساعة بإقرار موازنة مع إدخال إصلاحات، تساهم في إطفاء الدين العام، والاستفادة من شروط الوصول إلى موازنة تعيد العافية إلى النمو والاقتصاد.
وإذا كانت المحصلة الأخيرة لليوم الثاني والطويل من الاحتجاجات الشعبية، قد انتهت بتحديد الرئيس سعد الحريري لنفسه مهلة 72 ساعة لأن يعطيه شركاؤه في التسوية وفي الحكومة جواباً واضحاً وحاسماً ونهائياً يقنعه بأن هناك قراراً من الجميع بالاصلاح ووقف الهدر والفساد، والا سيكون له كلام آخر، فإن ما قد لا يعرفه المتظاهرون الذين ملأوا الشوارع في مختلف المناطق اللبنانية، ان الحريري قبل إعلان موقفه أو خياره، كان قد أمضى يوماً طويلاً من الاتصالات والمشاورات، سبقه إعلان الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة بعد الظهر في بعبدا، بعد اتصال جرى بين الرئيسين ميشال عون والحريري، كما اتصال آخر مماثل بين الأخير ووزير الخارجية جبران باسيل، ولا يخفى ان الحريري واجه أمس 3 احتمالات احلاها مر، ناقشها بتأن مع حلقته الضيقة والمقربين:
1- استقالة فورية تجاوباً تلقائياً مع خطاب الشارع، لكن تداعياتها قد لا تحصى، بدءاً من انعكاسها على حياته السياسية، وليس انتهاء بالفوضى التي ستخلفها تلك الخطوة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إلى جانب انها ستعد تنصلاً من مسؤولياته الوطنية.
2- احداث صدمة فورية من الدرجة الثانية، تقضي باقالة وزير الاتصالات مطلق شرارة الأزمة، في مسعى للمحاسبة من جهة ولاستيعاب الشارع من جهة ثانية، لكن تبين ان هذه الخطوة لن تكون كافية في ضوء تصاعد التحركات الاحتجاجية في الشارع، وقد يستدل منها ضعف سياسي.
3- الرجوع خطوة إلى الوراء تمهيداً لوضع كل القوى امام مسؤولياتها، عبر مخاطبة الرأي العام، بالتوازي مع إعطاء مهلة أيام قليلة بما يتيح للحكومة تحقيق ما تعذر لجهة إقرار الموازنة والإصلاحات ومتطلبات الخروج من الأزمة واستطراداً تليين موقف الشارع وتحقيق جزء أساسي من المطالب، لكن يتطلب إنجاح هذه الفكرة خطاب وجداني يُحاكي الشارع على ان يكون حازماً في الوقت عينه.
واستناداً إلى الخيارات الثلاثة، اعتمد الرئيس الحريري الاحتمال الثالث، أي الاستقالة المستحيلة أو المرجأة، مع علمه ان المشاورات التي أجراها أظهرت له ان الخطوة التي اتخذها قد لا تكون كافية لتحقيق اختراق جدي، خصوصاً إذا تبين ان ما من شيء سيتغير خلال مهلة الـ72 ساعة، وقد يزداد الضغط الشعبي، وان الذي شكى منه الحريري بالتعطيل والفركشة ما زال ينتظره على «ضفة النهر».
ميدانياً، سجلت دوائر الرصد السياسي مجموعة ملاحظات على التحركات الاحتجاجية التي تواصلت أمس لليوم الثاني على التوالي لعل أبرزها ان الانتفاضة الشعبية تكاد تكون الأولى من نوعها لناحية غياب قيادتها على مدى 24 ساعة، وتحرك البحر الشعبي الذي ملأ ساحة رياض الصلح طوال نهار تحت راية العلم اللبناني لا غير، على الرغم من مشاركة حزبيين كثيرين من أحزاب مختلفة. كما سجلت الدوائر مسارعة عدّة سفارات عربية وأجنبية إلى دعوة مواطنيها إلى اتخاذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم، باستثناء السفارة السعودية التي دعت مواطنيها إلى مغادرة لبنان وخصصت فندقاً في منطقة الروشة كنقطة تجمع تمهيداً للانتقال إلى المطار.
لكن اللافت، ان المتظاهرين استهدفوا طريق المطار باهتمام لافت، حيث بقيت مقطوعة طيلة النهار، وحتى المساء، رغم المحاولات التي قامت به قوى الأمن والجيش لفتحها وإزالة الاطارات المشتعلة والعوائق دون جدوى. وتردد ان المتظاهرين عمدوا على قطع الطريق لقطع الطريق امام الرئيس السنيورة من مغادرة بيروت وكذلك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون ان يعلموا ان السنيورة موجود في المغرب وسلامة موجود في واشنطن.
واللافت في حركة الانتفاضة الشعبية أمس، انها ركزت اهتمامها على محورين: الأوّل ساحة رياض الصلح في مواجهة السراي الحكومي، والتي احتشدت بالالوف، وبقيت هادئة نسبياً باستثناء بضع مناوشات حصلت بين المتظاهرين والقوى الأمنية، عمد خلالها المتظاهرون إلى إلقاء زجاجات مولوتوف على القوى الأمنية، اعقبها ليلاً تحطيم الواجهات الزجاجية في وسط بيروت، لبعض المصارف والمحلات التجارية، اعقبها توقيف عدد كبير من المتظاهرين الذين تبين انهم اندسوا إلى المعتصمين في الساحة.
والمحور الثاني، كان في اتجاه قصر بعبدا، حيث لوحظ ان مجموعات من المتظاهرين قدموا من ساحة رياض الصلح على متن دراجات نارية وتجمعوا علىبعد 1400 متر من القصر الجمهوري، وتقدم هؤلاء الناشط رامي عليق الذي خاطب المتظاهرين عبر مكبر للصوت داعياً اياهم لاقتحام الباحة الداخلية للقصر، واعقب ذلك سلسلة محاولات لكسر الطوق الأمني الذي ضربته القوى الأمنية ولواء الحرس الجمهوري، الذي اقترح على المتظاهرين تشكيل وفد لمقابلة الرئيس عون فوافق عليق ودخل القصر حيث استقبله الرئيس عون مع الوفد المرافق.