معركة أولي البأس

لبنان

يوم الحسم والإختبار.. هل تقنع
21/10/2019

يوم الحسم والإختبار.. هل تقنع "ورقة الحريري" الشارع ؟

إنه يوم الحسم، اليوم الخامس للتحركات الشعبية في كافة المناطق اللبنانية. الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم ركزت على انتهاء مهلة الـ72 التي قدمها رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث يترقب اللبنانيين الورقة الإقتصادية التي تم الإتفاق عليها مع أطراف الحكومة والتي تشمل عدة إصلاحات قد تخفف من غليان الشارع، فهل تقنع "ورقة الحريري" المواطنين بالإنسحاب من الشارع؟ أم أن الشعب لن يكتفي بها؟ 

يوم الاختبار: هل تُقنع السلطة الناس؟ 

بداية مع جريدة "الأخبار" التي قالت أن الحدث لم يعُد في وسط بيروت وحسب، بل في كل ساحات لبنان. من صيدا الى صور والنبطية والبقاع. ومن جونية الى جبيل وصولاً إلى طرابلس وعكار. مشهد شكّل واحدةً من أكثر المفاجآت المباغِتة للسلطة والشعب معاً. وباتَ هذا الأخير هو الرقم الصعب، وبدأت الأحزاب والتيارات السياسية من دون استثناء تبحث عن حلول لإرضائه. فالحشود البشرية التي ضاقت بها الطرقات في كل المناطِق، قفزت فوق الإجراءات التي اعتادت الحكومة اتخاذها كمُخدر. أصبحَ بُركان الاعتراض في مكان آخر، لا يُمكن أن تُخمِد ناره إلا إجراءات استثنائية، تحقّق اختراقاً حاسماً في موضوع الإصلاح ووقف الهدر والفساد.

وفي اليوم الرابع، احتدمت الأحداث السياسية والشعبية، تاركةً عشرات علامات الاستفهام حول مصير لبنان الذي لن يكون واقعه كما كان قبلَ 17 تشرين الأول. ولئِن كانت لغة الأعداد هنا غير مهمة، فإن الأكيد أن الهبّة التشرينية لا تُشبه أي انتفاضة أخرى في تاريخ لبنان، كونها حققت ضربة معنوية كبيرة للنُخب الحاكمة، إذ طالت رموزاً كانت لا تُمس وكسرت هيبة لطالما أحاطت هذه النخب نفسها بها. هذا التحول النوعي في الشارع، وإن كانَت الطبقة الحاكمة لم تستوعبه حتى ليل أمس، إلا أنه أجبرها على اقتراح إجراءات (جرى تسريب بعضها) لم يكن الجزء الأكبر من مكونات مجلس الوزراء يرضى بها سابقاً، ويدلل مرة أخرى على الخداع الذي كانت تمارسه هذه السلطة بالادعاء أن الخروج من الأزمة لا يُمكن أن يحدث إلا بتدابير إصلاحية موجعة للطبقات الفقيرة والمتوسطة. وعلى العكس من كل ما جرى تسويقه منذ «سيدر»، تعد السلطة بإنجاز موازنة من دون عجز (!)، بلا حاجة إلى فرض ضرائب جديدة على ذوي الدخل المحدود والمتوسط، ومن دون المس بحقوق العاملين في القطاع العام، بل عبر مضاعفة الضريبة على أرباح المصارف، وتحميلها مع مصرف لبنان كلفة الدين العام في موازنة 2020. لكن ما تصفه مكوّنات مجلس الوزراء «بالإنجاز»، تدور شكوك جدية حول إرضائه الشارع المنتفض، المطالب بتحقيق «كل شيءّ» تقريباً، لأن «لا شيء» تقريباً «ماشي حالو». كما أن بنود الورقة تبدو «إبرة مورفين» لعام واحد، من دون ضمان ما سيأتي لاحقاً.

وفيما كانت الضغوطات تشتدّ على القوى المشاركة في الحكومة قبلَ 24 ساعة من انتهاء المدة التي أعطاها الرئيس سعد الحريري لشركائه للقيام بخطوة جدية والا فـ«الكلام الآخر»، حصلت تطورات سياسية مساء، قالت مصادر بارزة إنها أعادت «بث الروح» في رئيس الحكومة، وجعلته يتمهّل في حسم بعض نقاط «الورقة الإصلاحية». الموقف الذي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية الذي «دعم الحراك السلمي»، واعتبره حافزاً للحكومة لتحقيق الإصلاحات، جعل الحريري يشعر بانتعاش إضافي. وأكدت المصادر أن «الحريري صامِدٌ في وجه الاستقالة التي لا تحبّذها عواصم غربية خشية دخول لبنان في المجهول».

وأضافت أنه يفترض أن تنتهي اليوم مساءً المهلة التي أعطاها الحريري، حيث ستكون الحكومة أمام الاختبار الحقيقي. فإما التنازل أو الذهاب الى خيارات انتحارية، ما يعزز الخشية من محاولات قد تعمد اليها السلطة للدفع نحو تخريب الحراك، ولا سيما أنها تستمر في حالة الإنكار ورفض تقبّل الواقع الجديد، تضاف اليهما حقيقة أن القاسم المشترك بين السلطة والحراك هو غياب الرأي والإدارة والخطة، إذ لا تزال الشعارات المرفوعة في الشارع فضفاضة ولا وجود لبنود مطلبية محددة. الثابت حتى الآن أن الجيش لا يزال يرفض الاصطدام بالمتظاهرين، إذ خلال اليومين الماضيين جرى البحث في مخارج ووضع خطة أمنية تمنع الفوضى وقطع الطرقات، لكن قيادة المؤسسة العسكرية كانت واضحة في ردّها على القوى السياسية بأنها «لن تستخدم القوة مع الشارع». ويبقى السؤال الأساسي: هل يستمر الحراك «من دون ضربة كف» أم ستشهد الأيام المقبلة إدخال «طابور خامس» (من بعض القوى الممثلة في الحكومة) لتبرير القمع، أو اللجوء الى خيار «شارع مقابل شارع» فيما لو فشلت السلطة اليوم في الاختبار؟

الحريري يقدّم للحكومة في بعبدا ورقته الاقتصادية

بدورها ركزت "البناء" على أن الحراك الذي انطلق من الاحتجاج الغاضب على ضريبة الواتساب، يكشف الحسابات البعيدة التي لا تنظر نحو لبنان بعيون تقيم حساباً لأوجاع الناس بل لكيفية توظيف هذه الأوجاع في خدمة مشاريعها، فتحدّث الأميركيون عبر قناة الحرة وصحيفة الواشنطن بوست عن متابعتهم عن كثب لما يشهده لبنان، والمشترك دائماً هو التأكيد أن الأولوية الأميركية لم ولن تتغيّر وهي محاصرة حزب الله. وخريطة الطريق هي تجريد رئيس الجمهورية المساند لحزب الله من أي شراكة سياسية لحلفاء واشنطن والمطالبين بدعمها لهم وللاقتصاد اللبناني، لفتح الطريق نحو مسار سياسي جديد يلقى الدعم المالي للخروج بالاقتصاد من المأزق من واشنطن والمؤسسات المالية والخليج. وقد قرأ الكثيرون استقالة وزراء حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من الحكومة في هذا السياق، وقرأوا مثله تردّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في البقاء في الحكومة أو الانسحاب منها، بسبب حساباته القلقة من تراجع أميركي جديد يضعه في مواجهة لا يريدها مع حزب الله.

وأشارت إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري الذي يبدو مصمّماً على السير في منتصف الطريق، بتقديم ورقة اقتصادية تتضمّن ما تنصح به الدوائر الغربية المعنية اقتصادياً من الإسراع بخصخصة قطاع الاتصالات، وتتبنّى بالمقابل ما يطالب به حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر من مساهمة حقيقية للقطاع المصرفي، وتبتعد عن الضرائب والرسوم الجديدة على الطبقات الشعبية، يبدو سياسياً أيضاً في منتصف الطريق فهو يأمل بإقناع الحزب التقدمي الاشتراكي بالبقاء في الحكومة، مع إدراكه بأن ما يقرر بقاء الاشتراكي أو انسحابه ليست المطالب الإصلاحية، التي عرضها علناً الوزير وائل بوفاعور باسم الحزب كشرط للبقاء في الحكومة، كما يأمل الحريري ببقاء جنبلاط أن يستردّ جعجع، الذي لا يبدو أن الحريري سيقبل استقالة وزرائه سريعاً.

وتابعت "البناء" أن الأمين العام لحزب الله الذي تحدّث بإيجابية عن الحراك الشعبي الغاضب، رفض شعارات استقالة الحكومة، وحكومة تكنوقراط، وانتخابات مبكرة، معتبراً أنها ستهدر وقتاً ومالاً لتعود بالتكوينات السياسية ذاتها، داعياً لعدم إضاعة الوقت والجهد والتركيز على إنتاج خطة إنقاذ تصغي لغضب الشعب في الحساب بالابتعاد عن الضرائب التي ترهق كاهل الطبقات الفقيرة، وتعالج مكامن الهدر والفساد، محذراً الذين شاركوا في الحكومات التي تسببت بالأزمات وتتحمّل مسؤولية بلوغ لحظة الانهيار من الهروب، لأن مَن يهرب سيُحاكم.

ميدانيا، وفي ساحات الحراك كبرت الأسئلة عن دعوات صدرت آخر الليل لقطع الطرق اليوم في كل المناطق اللبنانية، ومعها أسئلة عن حفلات الترفيه ومَن ينظّمها وسواها من التجهيزات الخاصة بتقوية الإنترنت وبالصوتيات، في كل الساحات الممتدة على مساحة لبنان بالعشرات، ومَن يموّلها، بقي قرار قطع الطرق أكبر من أن يتخذه أفراد لا يعرف بعضهم بعضاً، فمن اتخذ القرار؟ ومَن سيقوم باستئجار الشاحنات التي قيل إنها ستحمل الرمال والحجارة إلى الطرق الرئيسية ولم يعلن الجيش في بيان موقفاً مما سيكون عليه الحال إذا تمّ قطع الطرق الرئيسية بين المناطق اللبنانية، وهل سيسمح بذلك وهو المكلّف بحفظ الأمن، وهل سيعتبر إقفال الطرق نوعاً من التعبير السلمي، وحقوق الإنسان؟ وماذا عن اجتماع مجلس الوزراء اليوم، وكيفية وصول الوزراء إلى الاجتماع في بعبدا؟

وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطوّرات في ظل تهديد بعض المتظاهرين بالعصيان المدني، ينعقد مجلس الوزراء في قصر بعبدا اليوم، برئاسة الرئيس العماد ميشال عون في جلسة لا يمكن وصفها الا بالجلسة المصيرية للحكومة ورئيسها لا سيما أنها تعقد على وقع الاحتجاجات المطلبية التي يزداد أعداد المشاركين فيها يوماً بعد يوم. وفيما تحوّل بيت الوسط الى خلية نحل يومَيْ السبت والأحد، حيث أجرى سلسلة لقاءات مستمرّة ومكثفة بعيدة من الإعلام ودرس كلّ خياراته المفتوحة على جميع الاتجاهات وعقد اجتماعاً وزارياً مصغراً شارك فيه وزراء من أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر والمردة ومستشارون للحريري، فيما غاب الحزب التقدمي الاشتراكي عنه.

يوم الحسم بين خيارات الحكومة وخيارات الشارع

من جهتها، تناولت "اللواء" أحداث اليوم الرابع من التحرك، وفي أوّل أحد بعد إعلان الشعب اللبناني «الثورة.. الثورة» أو ما يمكن وصفه بانتفاضة لبنان ضد الطبقة السياسية الحاكمة، تعاظمت الأسئلة عن مسار التطورات: مجلس الوزراء يجتمع اليوم قبل الظهر في القصر الجمهوري لإقرار «حزمة الاصلاحات» التي توافقت عليها القوى السياسية، مع الرئيس سعد الحريري، بالتزامن مع كلام منسوب إلى النائب السابق وليد جنبلاط انه لن يبقى في حكومة تضم الوزير جبران باسيل، وسط معلومات خاصة بـ«اللواء» ان الرئيس سعد الحريري ليس بوارد الاستقالة، لأن البديل كخطوة كهذه تعني مباشرة دخول البلد في نفق خطير ليس أقله الانهيار المالي والاقتصادي.

وبالتزامن، كشفت أوساط متابعة ان الوضع الحالي، دخل مرحلة فاصلة، وحاسمة لجهة إقرار ورقة الإصلاحات التي تفتح الباب امام دعم دولي بمليارات الدولارات للبنان، وفقا لمسؤول في الخارجية الأميركية، كشف ان بلاده تواكب التظاهرات والتحركات الجارية، في وقت قلل فيه مصدر وزاري من تأثير خطوة استقالة «القوات اللبنانية» على المسار العام للوضع الحكومي أو السياسي في البلاد.

وإلى ذلك، يفترض عملياً ان تنتهي المهلة التي اعطاها الرئيس الحريري لنفسه ولشركائه في التسوية السياسية ظهر اليوم، بالتزامن مع الجلسة التي تقرر ان تعقد لمجلس الوزراء في قصر بعبدا، والتي يؤمل ان تقر ورقة إصلاحية شاملة اعدها الرئيس الحريري، منذ تلاوة بيانه للمتظاهرين، ويفترض ان تُلبّي مطالب الجماهير الغفيرة التي ملأت الساحات من بيروت وطرابلس وصيدا وصور والنبطية والجبل والبقاع، بشكل غير مسبوق في التاريخ اللبناني الحديث.

وبحسب بعض التقديرات قالت "اللواء" إن أكثر من ثلاثة ملايين لبناني نزل أمس الأحد إلى الشوارع وتوزعوا على كافة المدن والبلدات والقرى، هاتفين بإسقاط النظام ورحيل الطاقم السياسي الحاكم، وساندتهم مجموعات من اللبنانيين المغتربين في بلاد الانتشار الذين نظموا تظاهرات في عواصم دول العالم مثل باريس ولندن وواشنطن وسان فرانسيسكو ولوس انجلوس، تأييداً لمطالب اخوانهم في الوطن الأم.

وذكرت معلومات ان الرئيس الحريري يأمل ان ترضي ورقته الإصلاحية اللبنانيين الغاضبين، قبل ان ترضي السياسيين، بحيث تسرب بأن الورقة تشمل كل الأفكار المطروحة في الأوراق التي تقدمت بها القوى السياسية، ومنها ما لم يطالب بها السياسيون، لا سيما لجهة إعادة النظر بكل الرواتب العالية والتقديمات لكبار موظفي الدولة من وزراء ونواب حاليين وسابقين، بحسب ما كشفت وكالة «رويترز» إلى جانب تعديل في خطة الكهرباء وخصخصة قطاع الاتصالات، لكن مصادر مطلعة أوضحت ان ورقة الإصلاحات اما تقبل كما هي، واما يُصار إلى بعض التعديلات والاضافات بالتوافق، واما لكل حادث حديث. وأشارت هذه المصادر إلى ان الحريري عقد لقاءات مكثفة خلال الساعات الماضية مع مجموعة من الخبراء الحاليين والاقتصاديين للاستماع إلى آرائهم في كيفية الخروج من الأزمة والاستفادة منها في المقترحات التي عرضها على القوى السياسية.

لكن المعلومات لا تُشير إلى توافق سياسي على مضمون الورقة، بسبب تحفظات من قبل الوزير جبران باسيل، بخصوص موضوع الكهرباء، ورفض رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أضاف «انعطافة جديدة في الأزمة تمثلت برفضه البقاء مع باسيل في الحكومة».

الشعب يُجبر السياسيين على "خطّة إنقاذيّة"

وسيطر على صفحات "النهار" المشهد السياسي الذي بدا متبدلاً يوم أمس، إذ انقشع بعض الغيوم، قبل انقضاء مدة الساعات الـ 72 التي حددها الرئيس سعد الحريري مهلة للحل، وربطها بقراره الاستقالة من رئاسة الوزراء، بعد أن يكون استنفد طاقته على محاولة العلاج والاصلاح تجنباً لانهيار مالي واقتصادي كبير.

وذكرت "النهار" أنه ليل أمس ظهر الشارع الذي أحرق معظم الطبقة السياسية حقق غايته، وان لم يبلغ حد اقالة الحكومة واسقاطها في الشارع، وهو أمر له تداعياته السلبية حالياً، فإنه فرض على القوى السياسية تبني خطة يمكن القول انها اصلاحية، واقرارها اليوم في جلسة لمجلس الوزراء تعقد ظهراً، ويخرج منها الدخان الابيض لاقناع المتظاهرين في كل المناطق والساحات بأن النية جدية لتحقيق المطالب وإن على دفعات، وهي نية تبدو جدية أمام الواقع الجديد الذي رسمه الحراك الشعبي والذي صار من غير الممكن تجاوزه، أو التسبب بتكراره في فترة قصيرة، لان التحرك التالي سيكون أشد غضباً وأكثر عنفاً ويتسبب بمزيد من الخسائر على كل المستويات.

وفي السياق، ينعقد مجلس الوزراء ظهراً في بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون للبحث في الخطة، على وقع تصاعد الاحتجاجات المطالبة برحيل العهد والحكومة معاً واجراء انتخابات نيابية مبكرة. 

إقرأ المزيد في: لبنان