لبنان
اجتماع رئاسي مالي في بعبدا لمواجهة استحقاق "اليوروبندز"
ركّزت الصّحف اللبنانيّة الصّادرة صبيحة اليوم من بيروت على الملف المالي الأثقل المتمثّل بكيفية سداد لبنان لسندات "الأوروبوندز" المستحقة عليه في 9 آذار/مارس المقبل، إذ يعقد اليوم اجتماع مالي في بعبدا قبل جلسة الحكومة يضمّ رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة اضافة الى وزير المال والحاكم المركزي ورئيس جمعية المصارف لاتخاذ القرار المناسب ومن ثم طرحه على طاولة مجلس الوزراء لمواجهة هذا الاستحقاق قبل الوقوع في المحظور.
"النهار": الحكومة أمام خيارات الديْن: الكحل أم العمى؟
بداية مع صحيفة النهار التي رأت أنه غداة نيلها الثقة النيابية وسط اجواء الاحتجاجات الشعبية التصاعدية والشكوك الديبلوماسية والاقتصادية في قدرتها على مواجهة التحديات المصيرية التي تتحكم بواقع لبنان، بدأت الحكومة امس مقاربتها الأولى للملف الأثقل اطلاقاً ضمن رزمة الملفات المالية والاقتصادية الشائكة وهو ملف الديون من خلال الاعداد لاتخاذ قرار مفصلي حاسم في شأن تسديد الاستحقاق المقبل لسندات "الأوروبوندز" في 9 آذار المقبل والتي يبلغ مجملها ملياراً و200 مليون دولار. واذ اتسمت التحضيرات الحكومية لمواجهة هذا الملف بشبه استنفار غير معلن للرئاسات الثلاث والوزراء المعنيين، فإن التطور الأبرز الذي طغى على المشهد تمثل في قرار واضح اتخذه لبنان بالاستعانة بالمساعدة "التقنية" لصندوق النقد الدولي في هذا الملف، وكذلك في الخطة الانقاذية المالية التي تعتزم الحكومة وضعها والشروع في تنفيذها كما تعهد رئيسها حسان دياب في البيان الوزاري كما في رده على مداخلات النواب في جلسة التصويت على الثقة.
أضف أن تكثيف الاتصالات والاجتماعات العلنية أو البعيدة عن الاعلام في السرايا ووزارة المال عكس التهيب الرسمي للدولة كلا ومعها حاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف حيال دقة الخيارات التي يواجهها لبنان في ملف "الأوروبوندز" سواء قرر تسديد قيمتها في موعد الاستحقاق، أو لجأ الى تأجيل التسديد والتفاوض مع المدينين أو ركن الى استشارة صندوق النقد الدولي أولاً وقبل اتخاذ قراره النهائي. ذلك ان كلا من هذه الخيارات يرتب تداعيات بالغة الدقة والخطورة من شأنها تعريض لبنان خارجياً لتجارب غير مسبوقة، الأمر الذي يضع الجميع أمام معادلة "الكحل أحلى من العمى" أي الاتجاه نحو خيار طلب استشارة صندوق النقد الدولي والذي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري أول من لمح إليه عبر "النهار" قبل يومين.
هذا الامر استدعى عقد اجتماع استثنائي قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا استباقاً لجلسة مجلس الوزراء ظهراً المخصصة للبحث في الملف المالي والاقتصادي. وسيكون الاجتماع رئاسياً ووزارياً ومالياً، اذ يعقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء حسان دياب ووزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير.
وأفادت معلومات ان دياب التقى أمس وفداً من البنك الدولي بعيداً من الاعلام.
"الأخبار": دار الإفتاء تدعم دياب: دريان يعدّل تموضعه
بدورها صحيفة الأخبار اشارت الى أنه في اليوم التالي بعد نيل حكومة الرئيس حسان دياب الثقة، هو يومٌ جديد في دار الإفتاء. استُقْبِل دياب أمس استقبال «رئيس حكومة كل لبنان» كما وصفه المفتي عبد اللطيف دريان بعد أخذه في أحضانه. قبل يومٍ من ذلك، كان دياب بعيداً كل البعد في عرف المفتي ومجموعة من المشايخ وأئمة المساجد المقرّبين منه في بيروت وغيرها من المناطق، عن «تمثيل السّنة». وأمضى هؤلاء الشهر الماضي يرفعون الصوت ضدّ حكومة دياب المكلّفة، ويطالبون بعودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، فيما لاذ المفتي بالصمت، مترقّباً مصير دياب.
لكنّ رئيس «الأمر الواقع»، لا يمكن أن تكون دار الإفتاء خصماً له بعد الآن. في الأصل، تتبع دار الإفتاء قانوناً لرئاسة الحكومة وليس العكس، والرئيس البيروتي الجديد صار، منذ الآن، عضواً في المجلس الشرعي، وفي أكثر من إطار إداري وقانوني لدار الفتوى. ومن الآن فصاعداً، لن تتوقف دار الإفتاء عن التصويب على دياب فحسب، بل سيتحوّل جيش المشايخ المقرّبين من المفتي إلى مدافعين عنه، في انتظار موقف مشايخ الجماعة الإسلامية وغيرهم ممن يواصلون الهجوم على الحكومة بشكل عام. فالشخص لم يعد مهمّاً، إنه «موقع الطائفة».
ليس هذا ما يشكل رأي المفتي فحسب. في المرحلة الماضية، وبُعيد الاتجاه نحو تكليف اسم جدي لتولّي رئاسة الحكومة بدل الحريري، اتضح لاحقاً أنه دياب، انحاز المفتي دريان انحيازاً كاملاً للحريري، مع علمه بأن الأخير هو من تخلّف عن تحمل مسؤولياته.
ترك موقف دريان صدمة عند كثيرين في الساحة السنيّة حيال هذا الانحياز، خصوصاً أن دريان جاء إلى سدّة المسؤولية في دار الإفتاء على أساس تسوية، تحفظ مكان دار الإفتاء كمرجعية على مسافة واحدة من جميع القوى، تحت سقف توافق سعودي - مصري - سوري غير معلن.
ولم يظهر حتى الآن أي مؤشّر على رفض «عربي» للرئيس الجديد، لا سيّما من السعودية ومصر والإمارات، الدول التي باتت تحرص على خطوط اتصال وصداقة مع كل القوى السنية، وتتبع سياسة المسافة الواحدة. فلماذا يكون دياب استثناءً وهو على العكس من الآخرين، في موقع رئاسة الحكومة؟
المفتي سرعان ما استدرك موقفه أمس، متملّصاً من انحيازه. وخلال اجتماعه مع دياب، الذي دام حوالي أربعين دقيقة، لم يبدِ المفتي إلا كل إيجابية، مع تأكيد على ضرورة «توحيد الكلمة في الطائفة والتعاون بين دار الإفتاء والحكومة» معبّراً عن دعمه لجهود الرئيس الجديد.
"البناء": حكومة دياب واليوروبوند: اجتماع بعبدا الرئاسيّ لكشف السياسيّ من الماليّ
أما صحيفة البناء اعتبرت أن حكومة الرئيس حسان دياب تواجه بعد نيلها الثقة النيابية، أول استحقاق عملي يتمثل بكيفية التعامل مع سندات اليوروبوند المستحقة لعام 2020، والبالغة قرابة الأربعة مليارات دولار إذا أضيفت إليها الفوائد، وتشكل أول دفعة منها بقيمة تقارب المليار دولار اختباراً أولَّ، بعد قرابة الشهر، ويعقد لبلورة الموقف الحكومي لقاء رئاسيّ في بعبدا يترأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويحضره رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب ووزيرا المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف، وفيما كانت الأسابيع التي أعقبت تأليف الحكومة شهدت مناقشة لمشروع الخضوع لوصفة صندوق النقد الدولي، وما تتضمّنه من إمداد لبنان بقروض مقابل رفع الضرائب خصوصاً ضريبة القيمة المضافة، وزيادة أسعار المحروقات، وبيع قطاعات الكهرباء والاتصالات. ولم تنته هذه المناقشات رغم تقدّم توجه رفض هذا الخيار على قبوله، جاء موفدو البنك الدولي لمزيد من الضغط بهذا الاتجاه، ولعرض خدماتهم تحت عنوان أن لبنان طلب المعونة، وهو ما نفته مصادر حكومية، وفي ظل ضبابية المعلومات والخيارات التي يقدمها مصرف لبنان، يهدف اجتماع بعبدا لتبيان الخيط السياسي من الخيط المالي في الاستحقاقات وما يحوم حولها من ضغوط وعروض وتلاعب، فوفقاً لمصادر مالية عندما جرى عرض خيار السواب، بما يعنيه من استبدال السندات بسندات مؤجلة مع دفع الفوائد على بعضها، كان صاحب العرض حاكم مصرف لبنان، ولما لقي تجاوباً من المعنيين، تبخر العرض من خلال ما كشف عن قيام مصارف لبنانية ببيع سنداتها المستحقة بعد شهر لجهات خارجية لم تكشف هويتها، وصارت نسبة السندات العائدة للأجانب أكثر من ثلثي الاستحقاق، بعدما كانت أقل من الثلث. والسؤال هو لماذا سيُقدم أجانب على شراء سندات لبنانية قريبة الأجل يقال إنه مشكوك بتحصيلها؟ والسؤال الثاني كيف يمكن السماح والتساهل مع قيام حاملي هذه السندات من المصارف اللبنانية التي سبق وهربت قرابة الثلاثة مليارات خلال الشهور الماضية وقرابة عشرة مليارات خلال العام الماضي، أن تهرّب مبلغاً جديداً من خلال بيع سنداتها لأجانب وإبقاء المبالغ الناتجة عن البيع في الخارج؟
مصادر مالية قالت إن مصرف لبنان والمصارف كانا معاً خلال سنوات طوال على ضفة الربح من عائدات دخول لبنان في النفق المجهول، وكان لبنان يغرق أكثر والفريقان يوزّعان المعلومات المفبركة عن الأحوال المطمئنة، وكلمتهما المشهورة، لا تقلقوا كل شيء تحت السيطرة، ولم يقم أي من الفريقين خلال عشرين عاماً عندما صار الدين فوق طاقة الاقتصاد، بضرب يده على الطاولة امتناعاً عن مواصلة لحس المبرد، بل تواطأ الفريقان لزيادة الفوائد وسحب ودائع الناس وتحويلات اللبنانيين من الخارج وصارت كلها ديوناً وتبخرت، وهما اليوم يضغطان لإنفاق ما تبقى من آخر المال لتسريع ساعة الإفلاس وفتح الباب للأثمان السياسية سواء في ملفات عاجلة كترسيم حدود النفط والغاز، أو في تغيير السياسة اللبنانية تجاه عودة النازحين السوريين وتأمين اندماجهم في المجتمع اللبناني، كما تقول الأمم المتحدة ويقول الأوروبيون، ويقف الأميركي في الظل وراء الفريقين، فيما يلفت الانتباه أن قادة الحراك في أغلبهم ينتمون إلى جمعيات تعتاش من ملف النازحين والمساهمات المالية الخارجية المرتبطة ببقاء النازحين، وكثير منهم يجاهر بادعاءات ومزاعم إنسانية لرفض عودة النازحين، بينما تبقى كلمة السر المالية في التوطين.
مصادر متابعة قالت إن الوضع المالي اليوم يرقى إلى مرتبة الأمن القومي، وإن اجتماع بعبدا معني بالضرب بيد من حديد لوقف دلع المصارف التي بنت ثروات أصحابها من مال تمّ تحصيله بلعبة خبيثة اسمها سندات الخزينة، والمطلوب بسيط وهو إفهام أصحاب المصارف بأن لا خيار أمامها سوى أن تشتري سندات الخزينة المستحقة لعام 2020 من أصحابها في الخارج، بالأموال التي هرّبتها خلال عام 2019، وإلا فالهيكل لن يسقط على رؤوس اللبنانيين الفقراء ويترك أصحاب المصارف يغادرون البلد إلى عواصم العالم لينفقوا ما جمعوه من أموال الشعب اللبناني، بينما لبنان يعلن إفلاسه وينهار على رؤوس أبنائه، وإلا فلا يستغربنّ أحد أن يصير مطلب تأميم المصارف، فوق الطاولة وفي الشارع.
بعد نيلها الثقة النيابية شدّت الحكومة الرحال لخوض رحلة مواجهة التحديات المالية والاقتصادية والنقدية تصدّرتها استحقاقات سداد سندات «اليوروبوندز» التي تستحق في شهر آذار المقبل، وسط تباين حكومي حيال تسديدها من عدمه أو البحث عن خيار ثالث يتمثّل بتجميد الدفع لمرحلة زمنية معينة بالتفاوض مع الدائنين. هذا الخيار رجحت كفته حتى الآن بحسب معلومات «البناء» والذي يؤيده كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر ورئيس المجلس النيابي نبيه بري وينحاز إليه رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المالية غازي وزني وسط معارضة شديدة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف.
وأعلن مصدر حكومي لرويترز أن لبنان سيطلب من صندوق النقد الدولي مساعدة فنية لوضع خطة لتحقيق الاستقرار في ما يتعلق بأزمته المالية والاقتصادية، بما في ذلك كيفية إعادة هيكلة دينه العام. وأوضح المصدر أن الطلب الرسمي للمساعدة الفنية سيُرسَل إلى صندوق النقد الدولي قريبًا. وقال «هناك تواصل مع صندوق النقد الدولي لكن لبنان سيرسل طلبًا رسميًا خلال الساعات المقبلة ليكون لديه فريق مخصص للتعامل مع المساعدة الفنية».
ويعقد اليوم اجتماع يضمّ رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة اضافة الى وزير المال والحاكم المركزي ورئيس جمعية المصارف سليم صفير لاتخاذ القرار المناسب ومن ثم طرحه على طاولة مجلس الوزراء. لكن موقف جمعية المصارف التصعيدي كان لافتاً وسلبياً إذ هددت الدولة بالمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المالية والجهات المانحة ورابطة بين سداد الديون والدعم الدولي المالي المرتقب، علماً أن المصارف حققت أرباحاً كبيرة وخيالية جراء الهندسات المالية التي أجراها مصرف لبنان بحسب خبراء ماليين، ودعت الجمعية الى «وجوب سداد استحقاق آذار في موعده والشروع فوراً في الإجراءات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله»، مشيرةً إلى أن «التعامل مع هذا الحدث المالي الكبير من قبل حكومة الرئيس حسان دياب الجديدة، يشكِّل مؤشراً هاماً إلى كيفية التعامل مع المجتمع الدولي مستقبلاً».
وعشية جلسة لمجلس الوزراء التي ستعقد في بعبدا لمناقشة الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية رأس رئيس الحكومة في السراي اجتماعًا للجنة الوزارية الاقتصادية المالية، كما التقى رئيس جمعية المصارف الذي خرج من دون الإدلاء بأي تصريح.
إقرأ المزيد في: لبنان
25/11/2024
عمليات المقاومة ليوم الاثنين 25-11-2024
25/11/2024