لبنان
قرار القاضي ابراهيم بحق المصارف يتفاعل..والأنظار تتجه نحو جلسة الحكومة غداً
في ظل اقتراب موعد استحقاق الدفعة الأولى من سندات اليوروبوند، والموعد المفترض لإعلان الحكومة عن موقفها النهائي حول السداد والجدولة والهيكلة يوم غد السبت، تزاحمت التطورات حكومياً وقضائياً وسياسياً، فعقد مجلس الوزراء جلسة في قصر بعبدا أقرت خلالها مشروع قانون لرفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام، ليشهد يوم أمس من جهة ثانية صخباً سياسياً وإعلامياً حول القرار القضائي الذي أصدره المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم بمنع التصرف بأصول عشرين مصرفاً، وأصول مدرائها وأصحابها.
"الأخبار": دولة المصارف تنتصر على القضاء
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الأخبار" إن القرار الذي اتّخذه القاضي علي إبراهيم أمس في حقّ المصارف أتى ليثبِت مرة جديدة أن القطاع المصرفي هو دولة فوق الدولة. وأن سياسة الطمع والجشع التي يمارسها محميّة بأركان السلطة التي هبّت للدفاع عن المصارف بدلاً من الدفاع عن الفقراء. والغريب أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقفَ في الصفوف الأولى لحمايتها دافعاً الى تجميد القرار.
واضافت "بينما كانَت الأنظار شاخصة الى الموقِف اللبناني الرسمي المُتوقّع إعلانه في ما خصّ سندات «اليوروبوند»، ذُهِلت البلاد أمس بقرار غير مسبوق للنائِب العام المالي القاضي علي إبراهيم، قضى بوضع إشارة «منع تصرف» على أصول 20 مصرفاً لبنانياً، وإبلاغه الى المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجلّ التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئة الأسواق المالية، مع تعميم منع التصرف على أملاك رؤساء مجالس إدارة هذه المصارف".
واشارت الصحيفة إلى أن "الخطوة المُفاجئة، والجريئة، للقاضي إبراهيم، والتي كانَ من الواجِب استتباعها بخطوات أكبر، ووجِهت بحملة مكثفة من الضغوط، وأثبتت مرة جديدة، وبما لا يقبل الشك، أن سياسة الجشع والتعسف التي مارستها البنوك محمية من رؤوس كبيرة في الدولة، وأن القطاع المصرفي في لبنان هو «دولة فوق الدولة». كما أعدت كشف العلاقة المشبوهة بين مُلكية المصارف وقوى سياسية هبّت أمس لحماية البنوك بدلاً من حماية الفقراء، وخصوصاً أن القرار القضائي هو قرار تمهيدي يصبّ في إطار مُساءلة المصارف بعدَ الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها، بداية من احتجاز أموال المودعين الصغار، وصولاً الى التضييق في المعاملات المصرفية والتحويلات الى الخارج بعدما هرّبت أموال أصحاب المصرف وكبار المساهمين".
ولفتت "الأخبار" إلى أن ما حصل أمس أظهر وجود كتلة كبيرة من القوى السياسية واصحاب المصارف ووسائل الإعلام المُصرّة على منع أي إجراء جدّي لمعالجة الأزمة، ولا سيما إعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي أو اللجوء الى عمليات من نوع الـ«هيركات» (شطب جزء من الديون ومصادرة جزء من الودائع الكبيرة). وتجميد القرار يعني حسماً مبكراً لمعركة تحديد الجهات التي ستدفع كلفة التصحيح، وقد باتَ واضحاً أن الجهات السياسية التي استنفرت في وجه قرار إبراهيم تريد أن تحمّل الناس هذه الكلفة وتعفي المصارف وكبار المودعين منها، على رغم أنهم السبب الأول في الأزمة الاقتصادية والانهيار الذي يواجهه البلد. والأخطر هو وجود معلومات عن كون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يتعمّد تنفيذ إجراءات تؤدي إلى رفع سعر الدولار في مقابل الليرة اللبنانية في السوق الموازية، بهدف الضغط على الحكومة للتراجع عن قرار عدم دفع الدين العام بالدولار (سندات اليوروبوندز)، وتحميل رئيسها حسان دياب مسؤولية تراجع قيمة العملة الوطنية، تمهيداً لإسقاطه في الشارع. وتشير المعلومات المتداولة إلى أن ما يقوم به سلامة يُنفَّذ بالتكافل والتضامن مع مصرفيين كبار، ويحظى بتغطية سياسيين نافذين من «حزب الناهبين».
واضافت الصحيفة أن قرار إبراهيم لم يستنفِر أصحاب المصارف حصراً، بل شركاءهم من سياسيين وغير سياسيين هبّوا للدفاع عن القطاع وحمايته. وبينما كان هذا التصرف متوقّعاً من البعض كرئيس الحكومة السابق سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط وباقي فُتات فريق 14 آذار، فإن التصرف الصاعق خرج من قصر بعبدا، حيث تقدّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جيش المُدافعين عن القطاع الذي سرق أموال الناس ويعمَد الى إذلالهم يومياً، فكانَ أول من تصدّى للقرار. وبدلاً من أن يتصدّر المقام الأول في الدفاع عن القرار، كسر سجله «الأبيض» ووعوده بالمحاسبة، وذهب الى تسييس القرار وتمييعه، واضعاً إياه في إطار «حرتقة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لإطاحة العهد»، ووقفَ في صف رئيس جمعية المصارف سليم صفير. فبعد اتصال من الأخير، تواصل عون مع المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات وطالبه بتجميد القرار. فيما قالت مصادر قضائية لـ «الأخبار» أن رئيس الحكومة حسان دياب استدعى عويدات، وأبلغه بأنه «بعد قرار المدعي العام المالي، بدأت المصارف العالمية بإخراجنا من النظام المالي العالمي، وهذا القرار يجِب التراجع عنه». لكن مصادر حكومية أكّدت لـ«الأخبار» أن دياب قال لمدعي عام التمييز إن «القرار فيه ثغرة قانونية يجب معالجتها، بشكل يمنع الحجز على أموال المودعين أو أصول المصارف خارِج لبنان، طالباً منه تعديل القرار وفقَ هذه المعطيات لا إلغاءه أو التراجع عنه».
وبينما صدر عن المكتب الإعلامي للرئيس بري بيان أكد أنه «لم ولن يتدخل في عمل القضاء في يوم من الأيام، وكل الأخبار التي تحدثت عن أنه يقف وراء القرار غير صحيحة جملة وتفصيلاً»، قالت مصادر عين التينة لـ«الأخبار» إن «كل ما يحكى عار من الصحة، صحيح أن موقفنا معروف من قضية اليوروبوند والسندات وإننا ضد الدفع، لكننا لا نخلط الأمور ببعضها»، وأضافت المصادر إن «المصارف أخطأت في الكثير من الإجراءات التي قامت بها، ولا يجوز تصويرها وكأنها بريئة بالمطلق».
مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر وصفت قرار القاضي إبراهيم بـ«العشوائي»، لأنه «يقضي على ما تبقّى من القطاع المصرفي». ولفتت الى أن هذا القطاع «بالتأكيد بحاجة الى إعادة هيكلة، وبعض أصحاب المصارف متورطون في تهريب الأموال الى الخارج وفي تسريع الانهيار»، إلا أن «هاجسنا الأساس هو الحفاظ على أموال المودعين، وإقفال المصارف أو دفعها الى إعلان افلاسها يضيع على هؤلاء مدخراتهم». المصادر نفسها أشارت الى أن القرار «تشوبه عيوب قانونية»، إذ «لا يوجد شيء اسمه منع التصرف بالأصول لأن الديون هي أيضاً من الأصول وهذا يؤذي المودعين. كما أن المدّعي العام يدّعي ولا يحكم». وسألت: «هل كان التحقيق مهنياً؟ ولماذا لم يشمل بعض المصارف التي تنطبق عليها شروط الادعاء، فيما ادّعى على مصارف ثبت أنها لم تحوّل أموالاً الى الخارج بعد 17 تشرين ولم تتاجر باليوروبوند أبداً؟». من جهة أخرى، أكدت المصادر «أننا مع إعادة هيكلة الدين حتماً وعدم دفع المبالغ المتوجبة علينا حالياً، لكننا مع أن يجري ذلك بالتفاهم وبالتفاوض مع الجهات الدائنة».
وبينت الأخبار أن من أول المستنفرين بعد رئيس الجمهورية، كان الرئيس الحريري الذي غرّد عبر حسابه على موقع «تويتر» حول القرار قائلاً «وضع اليد على المصارف بالطريقة التي جرى الإعلان عنها انقلاب على النظام الاقتصادي وخطوة تعيد لبنان إلى زمن الأنظمة الشمولية». وتبعه جنبلاط «الاشتراكي» بتغريدة اعتبر فيها أن «القرار بداية خطة لتأميم المصارف وغير المصارف في بلد فيه ازدواجية سلطات، ويبدو المطلوب دفن لبنان الكبير في مناسبة المئوية». أما النائب نهاد المشنوق فاعتبره «إعلان حرب عديمة المسؤولية مع المصارف، في ذروة خوف الناس على ودائعها وعلى سعر صرف الليرة. وهو يأتي في لحظة قلق الناس على ودائعها، من خلال بيان مبهم نشر في الوكالة الوطنية أشبه بالبيان الرقم واحد. وهذه خطوة تفتح الباب أمام كمّ هائل من الشائعات وعلى حرب ضدّ أموال الناس العالقة في الوسط بين الطرفين، المصارف والسلطة السياسية».
الحاكم والناهبون يريدون اسقاط الحكومة بسعر الدولار
ولفتت إلى أنه بعد استنجادها بأوركسترا سياسية وإعلامية هوّلت بخطورة القرار على اعتبار أنه «يضرب استقرار القطاع»، نشرت الجمعية العمومية للمصارف خبراً أقرب الى الابتزاز والتهديد بورقة الإقفال، قالت فيه إنها «ستجتمع لتبحث في إمكانية اتخاذ قرار بإقفال المصارف حتّى تاريخٍ غير محدّد»، لكنها عادت وأعلنت أن «اليوم هو يوم عمل عادي في المصارف» قبلَ دقائق من إصدار القاضي عويدات قراراً بتجميد قرار إبراهيم ومفاعيله، بعدَ لقاء جمعه مع وفد من الجمعية. وفي بيان له، قال عويدات إن «التدبير المتخذ من النائب العام المالي بمعزل عن صوابيته أو عدمه هو تدبير إداري موقت يمكن الرجوع عنه أو تجميده متى أصبحت المصلحة الوطنية مهدّدة»، مشيراً إلى أن «الاستمرار بتدبير كهذا من شأنه إدخال البلد وقطاعاته النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى، ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوات المالية التي هي قيد الإعداد لمواجهة الأزمة التي تمرّ بها البلاد». وقال عويدات «وردنا من مصادر موثوقة أن السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها، لذا قرّرنا تجميد القرار المتخذ ومفاعيله إلى حين درس تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين وعلى الأمن الاقتصادي».
تجدر الإشارة إلى أن المدعي العام المالي اتّخذ قراره بعد استماعه إلى إفادات صفير ورؤساء مجالس الإدارة وممثلين عن المصارف، بشأن تحويل الأموال إلى الخارج، بعد 17 تشرين الأول، والتي قاربت 2.3 مليار دولار، وفق المعلومات المتوافرة، كما قبل هذا التاريخ. وتركز التحقيق على أمور أخرى، أبرزها عدم تمكين المودعين من السحب بالدولار من حساباتهم ووقف عمليات التحويل إلى الخارج للمودعين، والتثبت ممّا إذا كانت المصارف قد التزمت بزيادة رأسمالها لدى مصرف لبنان، إضافة إلى موضوع الهندسات المالية وبيع سندات اليوروبوند اللبنانية إلى الخارج.
"البناء": الحكومة تقرّ مشروع رفع السريّة المصرفيّة
من جهتها صحيفة "البناء" قالت انه مع اقتراب موعد استحقاق الدفعة الأولى من سندات اليوروبوند، والموعد المفترض لإعلان الحكومة عن موقفها النهائي حول السداد والجدولة والهيكلة، تزاحمت التطورات حكومياً وقضائياً وسياسياً، فعقد مجلس الوزراء جلسة في قصر بعبدا تخللتها مواقف لرئيس الحكومة حسان دياب أكد خلالها العزم على محاسبة كل الذين ساهموا بالانهيار المالي والاقتصادي، بينما أقرت الحكومة مشروع قانون لرفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام من سياسيين ومدراء وإعلاميين ونشطاء، فيما تستعد الحكومة لأيام حاسمة بصدد خطتها المالية والاقتصادية التي ستواكب قرارها بصدد هيكلة الدين العام، بعدما شهد أمس صخباً سياسياً وإعلامياً حول القرار القضائي الذي أصدره المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم بمنع التصرف بأصول عشرين مصرفاً، وأصول مدرائها وأصحابها، من عقارات وسيارات، كضمان لعدم التصرف بها أسوة بما حدث مع سندات اليوروبوند والأموال التي تمّ تهريبها، وهو ما اعتبره إبراهيم ضماناً لأموال المودعين ورسالة جدية حول المساءلة عن الارتكابات، بينما تفجرت سلسلة مواقف تحذّر من القرار وتصفه بالتأميم والشمولية، كما قال الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط، قبل أن يصدر المدعي العام التمييزي غسان عويدات قراره بتجميد قرار المدعي العام المالي للنظر في تداعياته على النقد الوطني ومصالح المودعين والاقتصاد الوطني.
ولفتت "البناء" إلى أن الوسط السياسي والمصرفي والإعلامي انقسم بين معسكر مؤيد لقرار إبراهيم بعدما «تفرعن» أصحاب المصارف، وباتوا أقرب لارتكاب جرائم مالية وطنية موصوفة بالتنمّر على قرارات الحكومة المرتقبة حول الهيكلة التي تنتظر سندات الدين، تماشياً مع خطة داخلية وخارجية لدفع البلد نحو الانهيار، ومعسكر مقابل مؤيد لقرار عويدات باعتباره رداً لمعيار التوازن في العلاقة مع المصارف ومنعاً لتفاقم الأذى الذي لحق بسمعة القطاع المصرفي، رأت مصادر سياسية ومالية متابعة أن الخطوتين متكاملتان، فقرار إبراهيم هزّ العصا للمصارف وأظهر ما يمكن ان تذهب إليه الأمور إن هم واصلوا أساليب التلاعب والتذاكي، وهم يعلمون أن الانهيار إذا حدث فسيودي بمصارفهم وأموالهم وسيساقون للمحاكم كمجرمين، وسيكون منع التصرف بالأملاك ومنع السفر أفضل ما يمكن أن ينتظرهم، وسيكون الحديث عن التأميم الذي ظهر اليوم كتهويل، فرضية واردة. وبالمقابل قالت المصادر، إن قرار عويدات منح المصارف وأصحابها ومن معهم من السياسيين، الفرصة للتفكير ملياً بما يمكن فعله في الأيام القليلة المقبلة لملاقاة سياسات الحكومة في تقديم خطتها لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية، بحيث يسجل لهم موقف وطني يبرر الوقوف إلى جانبهم والدفاع عنهم.
وقالت الصحيفة انه فيما ينشغل لبنان الرسمي والشعبي بقرار الحكومة المرتقب إعادة هيكلة الدين، برز تطور قضائي نوعي تمثل بقرار المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم الحجز على اصول عدد من المصارف. فعقب الاستماع الى إفادة عدد من رؤساء مجالس إدارة مصارف في قضية تحويل اموال الى الخارج بعد 17 تشرين الاول، قرر ابراهيم وضع إشارة “منع تصرف” على اصول عشرين مصرفًا لبنانياً وإبلاغها الى المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجل التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئة الأسواق المالية. كما عمّم منع التصرف على أملاك رؤساء ومجالس إدارة هذه المصارف.
والمصارف هي: بنك عودة، بنك لبنان والمهجر، فرنسبنك، بنك بيبلوس، بنك سوسيتيه جنرال، بنك بيروت، بنك البحر المتوسط، بنك اللبناني الفرنسي، بنك الاعتماد اللبناني، بنك انتركونتينانتال، فيرست ناشونال بنك، بنك لبنان والخليج، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك الشرق الاوسط وافريقيا، سيدروس بنك، بنك فدرال لبنان، الشركة الجديدة لبنك سوريا ولبنان، بنك الموارد، بنك اللبناني السويسري، بنك مصر لبنان وبنك سرادار.
واستغرب القاضي إبراهيم، في اتصال مع «الوكالة الوطنية للإعلام» «الضجة المضخمة، حول القرار الذي صدر عنه». وأشار الى أن «هذا القرار، هو ملف كغيره من الملفات القضائية التي نتابعها، فمنع التصرّف بالأصول تعني بكل بساطة أنه ممنوع التصرف بالأسهم والعقارات والسيارات والممتلكات والمباني».
ولفتت إلى أن أن القرار فجّر صراعاً قضائياً على الصلاحيات، فعمد المدعي العام التمييزي غسان عويدات وتحت وطأة ضغوط مالية وسياسية الى تجميد قرار ابراهيم ومفاعيله الى حين درس تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وأموال المودعين وعلى الأمن الاقتصادي». وأكدت المعلومات أن «قرار القاضي عويدات يستند الى ورود معطيات من مصادر موثوقة أفادت بأن السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها». وأشارت المعلومات الى أن «قرار القاضي عويدات يشير الى ان الاستمرار بالتدبير من شأنه إدخال البلاد والقطاعات النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوهات المالية التي هي قيد الاعداد لمواجهة الازمة».
وأوضحت أن قرار عويدات جاء عقب اجتماع مع جمعية المصارف هددت خلاله الجمعية بالاضراب الشامل والمفتوح للمصارف اذا لم يتم التراجع عن القرار. كما جاء عقب موقف لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري اعتبر فيه أنّ قرار إبراهيم رسالة سياسيّة شعبويّة غير محسوبة النتائج، لا على مستوى حقوق المودعين صغارًا وكبارًا ولا على مستوى ثقة الأصدقاء والأشقاء بلبنان”. وشدّد في تعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، على أنّ “وضع اليد على المصارف بالطريقة الّتي جرى الإعلان عنها، انقلاب على النظام الاقتصادي وخطوة تعيد لبنان إلى زمن الأنظمة الشموليّة”.
وإذ دعت مصادر نيابية لـ”البناء” القضاء الى التعامل بحكمة ومسؤولية مع ملف المصارف والودائع لان ذلك تكون له تداعيات وانعكاسات على ثقة الموعدين والتعامل مع المصارف الخارجية وعلى النشاط الاقتصادي الداخلي والاستيراد وسعر الدولار، اشارت مصادر أخرى الى أن المصارف تشن حملة تهويل واشاعات وتستخدم سلاح الدولار وسلاح الشارع للضغط على الحكومة للتراجع عن قراراتها بما خص الديون والمصارف. ولفتت لـ”البناء” الى أن “لبنان تجاوز مشروعاً مالياً خطيراً كان يعَدّ في الغرف السوداء لإفلاس لبنان تمهيداً لإخضاعه لوصاية صندوق النقد الدولي الذي يعتبر نافذة مالية لقرار سياسي وبالتالي السيطرة على لبنان وتطويق المقاومة، لكنه فشل المشروع دفع باللوبي المصرفي والقوى التي تدور في الفلك الأميركي الى اطلاق حملة تهويل اعلامي ومالي للضغط على الحكومة قبل اتخاذها قرار إعادة الهيكلة”، لذلك يستعجل هذا الفريق تطويع لبنان قبيل شهر حزيران الذي سيشهد بدء استخراج النفط والغاز، وبالتالي يمكنه الاعتماد على مقدراته الذاتية للخروج من أزماته”.
وبحسب قول عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر لـ”البناء” فإن “لبنان سيواجه بعض تداعيات أي قرار سيتخذه بشأن الديون، لكنه دخل مرحلة الانهيار والتأثيرات السلبية لهذا الانهيار بدأت تظهر على السطح منذ أحداث 17 تشرين الماضي من أزمات مالية وقيود مصرفية وبطالة وإقفال مؤسسات وغيرها من ازمات، والسؤال الذي يجب أن نطرحه جميعاً كيف نخرج من الأزمة عبر خطط اقتصادية مالية والعمل على تطبيقها بكل شفافية وسرعة؟”.
وكان مجلس الوزراء عقد جلسة برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بعبدا وحضور رئيس الحكومة حسان دياب، وتقرر عقد جلسة لمجلس الوزراء نهار السبت عند الواحدة بعد الظهر وستكون حاسمة في تحديد الخيارات، ويسبقها اجتماع مالي يرأسه عون وبوجود الرئيسين نبيه بري ودياب ونائبة رئيس الحكومة زينة عكر ووزير المالية ووزير الاقتصاد ورئيس جمعية المصارف سليم صفير. وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وبدأت الجلسة، بحسب ما علمت “البناء” ببحث مشروع قانون السرية المصرفية، ثم عرضت وزيرة العدل مشروع القانون الذي أعدّته وفيه فصل بين الشق الضريبي ورفع السرية المصرفية وجرى الحديث عن رفع السرية المصرفية استناداً لقانون العام 1991.
وتم عرض الآلية لمحاسبة من يثبت عليه التورط بملفات فساد وهدر، لا سيما كل من تبوأ مركزاً عاماً .
وجرى الحديث حول سندات اليوروبوند وعرض دياب المشاورات التي تحصل مع المستشارين القانونيين والماليين. كما درس مسارات الدفع والتعثر المنظم أو التعثر غير المنظم وتمت إضافة مستشار للتواصل.
"النهار": مَن وراء محاولة الانقلاب الفاشلة على المصارف؟
أما صحيفة "النهار" فكانت مقاربتها لقرار القاضي ابراهيم يصب في مصلحة المصارف لا في مصلحة المحاسبة والوقوف مع القضاء اللبناني، وسألت "من وقف وراء محاولة الانقلاب الاولى في تاريخ لبنان على المصارف ولماذا فشلت وأحبطت؟ هل كانت "هزة عصا" ثقيلة للمصارف من جهة سياسية - قضائية تجاوزت الخطوط الحمر والسقوف التي لا يزال النظام السياسي والاقتصادي والمالي يعمل تحتها على رغم التداعيات الزلزالية للازمة المالية؟ أم تراها كانت "بروفة انقلابية" غير مسبوقة تركت ايحاءاتها ورسائلها تتردد ساعات قليلة قبل لملمة الردود المتفجرة التي كانت تنذر باقحام البلاد في متاهة بالغة الخطورة؟"
وقالت "الواقع ان القرار الذي اتخذه المدعي العام المالي علي ابرهيم بمنع 20 مصرفاً لبنانياً من التصرف بممتلكاتها وأصولها ومنع رؤساء مجالس اداراتها من التصرف بممتلكاتهم، لم يكن في واقعه العملي والقضائي أقل من انقلاب غير مسبوق لم تعرف الجمهورية اللبنانية سابقة له منذ قيامها ولا عرف القطاع المصرفي اجراء يشبهه منذ تأسيس المصرف الاول في لبنان. ومع انه لا يمكن تجاهل تصاعد السخط والغضب الشعبيين من الاجراءات المتشددة التي تتخذها المصارف منذ نحو خمسة أشهر حيال عمليات سحب الاموال العائدة للمودعين والتحويلات الى الخارج، اضافة الى ما يمكن ان تتحمله من جزء من مسؤولية بلوغ الحائط المسدود في الملفات المالية التي تتحمل تبعتها الاساسية السلطة السياسية، فان ذلك لم يكن ليبرر اطلاقاً المغامرة الشديدة الخطورة التي تمثلت في قرار "الحجر" من جانب القضاء المالي على أصول المصارف كأنه بداية تأميم واقعي للقطاع المصرفي ينذر بانقلاب موصوف على القطاع الاعرق في تدعيم النظام المصرفي والاقتصادي خلال عقود طويلة و"تجهيل" مسؤولية السلطة السياسية عن الانهيار المالي. ولعل العامل الاكثر اثارة للهواجس حيال القرار تمثل في ربطه بالمواقف المتعاقبة الأخيرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري من المصارف وحملته الحادة عليها، الامر الذي دفع بري الى نفي أي علاقة له بقرار ابرهيم.
ورأت أن التطور المفاجئ الذي برز في هذا السياق، فتمثل في معلومات توافرت ليلاً بعد الاتجاه الى طي قرار ابرهيم بان هذا الاجراء جاء بطلب بل باصرار من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اراد توجيه رسالة صارمة وقاسية الى المصارف وان الرئيس بري كان قد وضع في جو هذا الاجراء. وقالت لكن توقيت القرار عشية اتخاذ الحكومة القرار الحاسم في شأن سداد استحقاق "اليوروبوندز" لم يترك ادنى شك في ان الصراع بين بعض السلطة السياسية والقطاع المصرفي قد بلغ مستويات متقدمة وخطيرة جاء القرار ليكشف جانباً أساسياً منها مهدداً بتداعيات بالغة الخطورة لو لم يجر تدارك الامر ليل أمس من خلال الاتصالات والمشاورات السريعة التي فعلت فعلها بسرعة بـ"تجميد" قرار المدعي العام المالي تمهيداً لالغائه في مقابل صمت جمعية المصارف وصرفها النظر عن اضراب كانت ستعلنه لولا التوصل الى احتواء تداعيات "الانقلاب" المقنع.
وتابعت "والواقع ان جمعية المصارف اجتمعت إستثنائيّاً مساء لاتخاذ القرارات المناسبة ردّاً على القرار الذي أعلنه المدعي العام المالي، وكانت تبحث في إمكان إتخاذ قرار بإقفال المصارف حتّى تاريخٍ غير محدّد. وبناء على اتصالات بين رئيس جمعية المصارف سليم صفير والمراجع الرسمية، زار وفد من الجمعية المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات للبحث في قرار القاضي علي ابرهيم والتشاور في موضوع اقفال المصارف. وعلمت "النهار" ان الوفد شرح تداعيات القرار على أكثر من صعيد بدءاً بالعلاقة مع المصارف المراسلة التي ستعمد الى اقفال كل الاعتمادات المفتوحة لتمويل استيراد النفط والدواء والقمح. كما ان القرار يشكل خطراً على السمعة المصرفية بحيث يتوقف التعامل مع المصارف اللبنانية بسبب الظن برؤساء مجالس اداراتها مما يؤثر بشكل غير مباشر على زبائنها. كما ان منع بيع العقارات التي في حوزة المصارف ومنها ما هو استيفاء لدين سيؤدي الى تجفيف السيولة".
وأفيد لاحقا بحسب الصحيفة أن القاضي عويدات زار السرايا الحكومية وان ثمة توجهاً الى تجميد قرار القاضي علي ابرهيم في حق المصارف وسحبه. وأصدر المكتب الاعلامي لرئيس مجلس النواب بياناً جاء فيه: "تناولت بعض شاشات التلفزة المشبوهة خبراً مفاده أن رئيس المجلس النيابي كان وراء القرار الذي اتخذه المدعي العام المالي علي ابرهيم حيال المصارف. ويؤكد المكتب ان الرئيس نبيه برّي لم ولن يتدخل في عمل القضاء في يوم من الأيام وكل ما أوردته تلك الشاشات غير صحيح جملة وتفصيلاً".
في غضون ذلك، كشفت مصادر وزارية ان الحكومة تضع اللمسات الاخيرة على قرار عدم تسديد استحقاق "اليوروبوندز" الذي تقرر ان تعقد جلسة لمجلس الوزراء بعد ظهر السبت لاعلانه رسميا. وكانت المصارف التي تداعت الى جمعية عمومية أمس للبحث في تداعيات قرار المدعي العام المالي، تلمست تنامي الضغوط الحكومية عليها، بعدما رفضت استجابة طلب الحكومة بتمويل اصدار "اليوروبوندز" من اموالها الخاصة. ذلك ان الاقتراح الذي قدمته المصارف تجلى في تأمين التمويل عبر تحرير المبلغ المجمد لحسابها لدى المصرف المركزي. وقد رفضت الحكومة هذا الاقتراح كما رفضه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لأنه سيؤدي عملياً الى اقتطاع المبلغ من الاحتياطات المتبقية لدى المركزي بالعملات الاجنبية.
وأفادت المصادر الوزارية ان الوقت المتبقي والفاصل عن موعد اعلان قرار التخلف لم يعد كافياً للدخول في مفاوضات مع الدائنين الاجانب، وهو ما أبلغه الى الحكومة صراحة المكتب الاستشاري "لازار" المكلف ادارة المفاوضات، ما يعني عملياً ان لبنان ذاهب السبت الى اعلان تخلف غير منظم عن السداد.
وتجمع ليل أمس عشرات من المحتجين أمام مبنى مصرف لبنان في شارع الحمراء رفضاً للسياسات المالية القائمة وللحالة الاقتصادية والمالية المزرية التي وصلت اليها البلاد، وهتفوا ضد السلطة وحملوها مسؤولية الانهيار الحاصل، وطالبوا بانتخابات نيابية مبكرة ومحاسبة السارقين والفاسدين واسترجاع الاموال المنهوبة والمهربة الى خارج لبنان.