معركة أولي البأس

لبنان

تفويض الأكثرية لبرّي بلورة المشهد.. ورهان على الخارج لتظهير الحكومة
12/08/2020

تفويض الأكثرية لبرّي بلورة المشهد.. ورهان على الخارج لتظهير الحكومة

أسبوع مضى على الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، ولبنان يشهد حركة دبلوماسية متواصلة على أكثر من مستوى، في محاولة للوصول إلى تسوية ما بعد استقالة الحكومة.
وتحدثت الصحف الصادرة اليوم عن نتائج الاجتماع الذي جرى في عين التينة وجمع إلى الرئيس نبيه بري معاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وتفويض بري في الشأن الحكومي، على ان الثوابت تتمثل في عدم الذهاب إلى انتخابات مبكرة ولا حكومة حيادية.
كما لفتت بعض الصحف إلى انتظار إشارات خارجية لتبلور الرؤية حول الملف الحكومي والأسماء المطروحة، على أن زياة المبعوث الأمريكي ديفيد هيل إلى بيروت ستكون ذات أهمية على هذا الصعيد.

 

"الأخبار": «إغراءات» أميركية لحكومة يرأسها الحريري من دون المقاومة وباسيل

«لا انتخابات نيابية مُبكرة ولا حكومة حيادية»، هما الثابتتان اللتان أكد عليهما لقاء عين التينة بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر. لكن حكومة الوحدة الوطنية دونها عقبات، في ظل رفض واشنطن حكومة يتمثل فيها حزب الله وتضم جبران باسيل، في انتظار ما ستسفر عنه وساطة يقودها الرئيس ايمانويل ماكرون

لبنان إلى أين؟ هو السؤال الذي لم يطرحه وليد جنبلاط من عين التينة. لكنه سؤال ما انفكّ يتردّد، بعدما «أُقيلت» حكومة الرئيس حسان دياب في شهرها السابِع. فسقوط الحكومات في هذه البلاد يعني الدخول في مرحلة الإنتظار السلبي، خصوصاً أن الوصول إلى اتفاق حول حكومة جديدة، في الظروف العادية، يستغرق شهوراً عدة. فكيف إذا كانت اللحظة كارثية والإنهيارات المالية والإقتصادية شاملة، والمناخ الدولي إلى مزيد من الإستثمار في الساحة اللبنانية؟
بعدَ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت، عقب انفجار المرفأ الأسبوع الماضي وكلامه عن تسوية داخلية وحكومة وحدة وطنية، رأى البعض أن هذا الموقف جاءه «شحمة ع فطيرة» للتخلص من عبء حكومة التكنوقراط. ثم جاءت الإستقالة كما لو أنها تمهيد لتشكيل حكومة سياسية تتيح للمنظومة الحاكمة العودة إلى سابق عهدها وممارسة سلطتها بالأصالة، قبل أن تصطدِم بمؤشرات تشي بأن الطريق غير معبد بالكامل، رغم الحركة الفرنسية المستمرة.
فقد علمت «الأخبار» أن ماكرون تواصل مع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وكل من سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، وأبلغهم إصراره على وقف الإستقالات من مجلس النواب، مؤكداً أن «الأولوية لتشكيل حكومة وليس إجراء إنتخابات نيابية مبكرة»، وشدد على «ضرورة مشاركة الجميع فيها وإقناع الحريري بهذه المهمة».

وبحسب مصادر في العاصمة الفرنسية فإن عودة الحريري على رأس الحكومة تحظى بدعم أميركي - فرنسي - إماراتي - مصري، فيما تتخذ الرياض موقفاً محايداً. إذ لا تعارض عودة رئيس تيار المستقبل الى السراي، لكنها لا تريد أن تلزم نفسها بما لا تريد ان تلتزمه. كما ان السعوديين مستفَزون مما يرونه محاولة اميركية - فرنسية لإعطاء دور أكبر للامارات في الملف اللبناني.
وبحسب المصادر نفسها فإن الأميركيين «باتوا مقتنعين» بتغيير استراتيجيتهم في لبنان، هو ما ينعكس في إيفاد نائب وزير الخارجية الاميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل الى بيروت وإبعاد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شنكر الأكثر تشدداً عن الملف، على أن يخوض هيل مفاوضات مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لتليين مواقفه من تأليف الحكومة مع التهويل عليه بسيف العقوبات.
وبحسب المعلومات، فإن هيل يحمل معه طلباً أميركياً مباشراً يتعلق بإنجاز ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، ومحاولة الحصول على ضمانات بعدم قيام حزب الله بأعمال جديدة ضد العدو الاسرائيلي، و«تعزيز» (بدل تعديل) مهمات اليونيفيل. وفي المقابل، يتحدث الأميركيون عن «حزمة إغراءات» تتمثل في مساعدة عاجلة من صندوق النقد الدولي بقيمة 10 مليارات دولار، والبحث مع الأوروبيين لمنح لبنان قروضاً وهبات تصل الى أكثر من 25 مليار ليرة بفوائد معدومة شرط الاشراف على عملية الاصلاحات. فيما أخذ الفرنسيون على انفسهم مهمة التحاور مع حزب الله مع «قناعتهم» بامكان التوصل الى حلول رغم التحذيرات الأميركية من مخاطر الفشل.
وبحسب المعلومات، وُضعت القوات في أجواء عدم الممانعة الأميركية - السعودية لعودة الحريري، لكن واشنطن والرياض لا تريدان حكومة يشارك فيها حزب الله وباسيل، والرئيس الفرنسي ملتزم التواصل معهما لإقناعهما بالأمر. هذا الجو أصاب فريق الرابع عشر من آذار بالخيبة، بعدما تأكد بأن الخارج لا يريد إسقاط العهد والمجلس النيابي، وهو مصرّ على إطلاق دورة الحياة السياسية في البلاد. وقد نُقِل عن ماكرون أن «الاصلاح المالي سيكون أولوية وأن على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف التعاون والأخذ بتوصيات صندوق النقد». ونُقل عن الفرنسيين انهم نصرون على تدقيق في مصرف لبنان والقطاع للوصول الى تحديد دقيق للخسائر، وليس على خلفية انتقامية.
وفي إطار تسارع الحركة الدولية والعربية تجاه لبنان، قالت مصادر مطلعة إن «القطريين إتصلوا بعون ورئيس الحكومة المُستقيل، وأبدوا استعداداً لإعادة إعمار المرفأ والإستثمار فيه، بعدَ ورود أخبار عن اقتراح مماثل تقدمت به دبي بواسطة الأميركيين والفرنسيين». وتنقل المصادر عن السفيرة الأميركية دوروثي شيا قولها إنه «في حال سارت خطة ماكرون كما هو مرسوم لها، وتجاوبت القوى السياسية اللبنانية معها، فإن بلادها ستساعد على بناء معامل الكهرباء سريعاً»، كما لفتت المصادر بأن مصر تعمَل على الإتجاه ذاته.
لقاء عين التينة
اللقاء الذي انعقد في عين التينة قبل استقالة دياب بين حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، أكد على ثابتتين: لا انتخابات نيابية مبكرة ولا تقصير لولاية المجلس الحالي، حتى ولو أدى ذلك الى «موت حكومة». مصادر مطلعة أكّدت لـ«الأخبار» أن بري، في اللقاء الذي ضمه وباسيل والوزير السابق علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين الخليل، «خبط على صدره» بأن الحكومة يمكن أن تتشكّل قبل مطلع الشهر المقبل، وقبل عودة الرئيس الفرنسي الى لبنان، ويبدو أن رئيس المجلس «قد أجرى التنسيق المسبق اللازم مع كل الأطراف السياسية في هذا الشأن، خصوصاً الحريري وجنبلاط».
ورغم أن المشاركين في اللقاء يعرفون جيداً أن البلد لا يملك ترف الانتظار طويلاً لتأليف حكومة، إلا أن الثابت لديهم أن «لا حكومة حيادية بل حكومة وحدة وطنية»، يفضّل بري، على الأقل، أن يكون الحريري على رأسها، من دون ممانعة ظاهرية من التيار الوطني الحر. أما حزب الله، فما يعنيه أمران لن يساوم فيهما: الأول، لا حكومة حيادية؛ والثاني، لا قبول بأسماء مستفزة من قبيل ما يسرّب في الإعلام، كإسم السفير السابق نواف سلام أو النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري، «وما رفضه حزب الله سابقاً بعد استقالة الحريري في 29 تشرين الأول الماضي لن يقبله اليوم، والأفضل ألا يضيّع الناس وقت بعضهم بعضاً في إعادة تجريب ما جُرّب سابقاً».
حزب الله لا يمانع حكومة سياسية من دون أقطاب برئاسة الحريري

الحزب الحريص على سرعة التأليف «لأن وضع البلد لا يحتمل أي تأخير»، من أشد المتحمسين لحكومة وحدة وطنية. وهو، «من الأساس»، كان ضد استقالة الحريري لأن حكومته كانت كذلك، كما كان من أشد المتحمسين لعودته رئيساً لحكومة على هذه الشاكلة حتى ولو تحت مسمى «وزارة تقنيين» تراعي التمثيل السياسي. وبالقدر نفسه، كان حريصاً لدى تأليف حكومة دياب «التكنوقراطية» على مراعاة التوازنات السياسية وعدم استبعاد من لا يرغب في استبعاده ولو بالواسطة. وبالتالي، فمن باب أولى أن يكون اليوم مع حكومة وحدة وطنية، وبرئاسة الحريري نفسه، في ظل أزمة اقتصادية وصحية واجتماعية وسياسية حادة، «وبعدما أثبتت حكومة التكنوقراط ما كان معروفاً بأن الأمور في لبنان لا يمكن أن تدار من دون تفاهمات سياسية». وفي هذه النقطة، فإن الحزب «على تنسيق تام وتواصل مستمر» مع بري، على رغم التباين في المواقف الذي رافق استقالة دياب، إذ أن حزب الله لم يكن أساساً في أجواء دعوة رئيس الحكومة المستقيل الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، تماماً كما لم يكن في أجواء دعوة رئيس المجلس المباغتة الى عقد جلسة نيابية لمساءلة الحكومة، وهو ما أنهى عمر الحكومة من دون إعطاء أي فرصة لمساع قد تُبذل لانعاشها.
وبحسب المعلومات، فإن حزب الله لا يمانع أيضاً بحكومة وحدة وطنية «من دون أقطاب» يرأسها الحريري نفسه، ولا يبدو متمسكاً بمعادلة «سعد وجبران» التي شهرها التيار الوطني الحر في المشاورات التي جرت لاعادة تكليف الحريري عقب استقالة حكومته، وعرقلت إعادة تسميته. علماً أن مصادر في التيار الوطني الحر أكدت أنها مع الاسراع في تشكيل حكومة جديدة. وأكد تكتل «لبنان القوي»، عقب اجتماعه أمس، أنه «لن يوفر جهداً لتسهيل ولادة الحكومة وسيكون في طليعة المتعاونين».

الحزب «على تنسيق تام» مع بري رغم التباين الذي رافق الاستقالة

رغم ذلك، فإن لقاء عين التينة الثلاثي، بحسب المصادر، لم يتطرق الى الأسماء رغم ان الحريري، ضمناً، على رأسها، ولا الى التفاصيل، وذلك في انتظار أن يحوز الأخير ضوءاً أخضر سعودياً يسمح له بالعودة الى السراي.
جنبلاط ليس بعيداً عن هذا الجو. ومع أنه حاذر تسمية الحكومة بحكومة الوحدة الوطنية وفضّل تسميتها بحكومة طوارئ، شدد بعدَ لقائه بري أمس على أن «لا بد من حكومة تعالج الوضع الاقتصادي وإعمار بيروت وتقوم بالإصلاح»، مشيراً الى أن «الوقت ليس لتسمية أحد الآن لتولّي رئاسة الحكومة الجديدة ولا أضع شروطاً على أحد من أجل المشاركة فيها. ولا بدّ من حكومة طوارئ أقله لكي لا تبقى حكومة دياب المستقيلة في حكم تصريف الاعمال». مصادر جنبلاط أكدت أن «الرئيس بري وضعه في أجواء اللقاء، وما جرى الإتفاق حوله»، لافتة إلى أنه «لا يمانع حكومة الوحدة الوطنية والمشاركة فيها». لكن المشكلة تكمن في أن «الغرب ليس معنا على الموجة نفسها، وقد نكون اسأنا الفهم وتقدير الموقف»، فالولايات المتحدة «تضغط بكل أوراقها وموقفها بعد ١٧ تشرين لم يتغيّر، والرياض أيضاً موقفها واضح وقد عبّر عنه وزير خارجيتها أخيراً». وبحسب المعلومات «تُصر أميركا على حكومة لا يشارك فيها الحزب، فهل تسمح الرياض للحريري بتشكيل حكومة أو تغطية حكومة فيها حزب الله، وهل يستطيع ذلك من دون رضاها، وهل يقبل الحزب بألا يكون ممثلاً في اي حكومة جديدة؟»
وفي إطار الزيارات التي يقوم بها مسؤولون عرب وأجانب الى لبنان، وصل وزيرا الخارجية المصري سامح شكري والأردني أيمن الصفدي أمس إلى بيروت. واعتبر شكري أن «المرحلة المقبلة من عمر لبنان تتطلب كثيراً من الجهد والإخلاص من كافة الأطراف السياسية اللبنانية، لوضع منهج جديد يُمكّن لبنان من مواجهة التحديات». فيما أكد الصفدي أن «لبنان لن يكون وحيداً في مواجهة تداعيات انفجار المرفأ».
وبينما ينتظر لبنان وصول وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل «لاستكشاف الوضع»، أعلنت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن أن «اليونيفيل ستواصل عملياتها في جنوب لبنان».

 

"البناء": الغالبيّة النيابيّة وجنبلاط لتفويض برّي بلورة المشهد الحكوميّ
تقول مصادر متابعة للمشهد السياسي اللبناني والإقليمي إن ثلاثة أركان تقوم عليها المفاوضات الدولية والإقليميّة هي باريس وواشنطن وطهران، وإنها قطعت شوطاً رئيسياً ومتقدماً في صياغة الحاجة لتسوية سياسية تنتج حكومة لبنانية جامعة، ليست بالضرورة حكومة الصف السياسيّ الأول الذي يرجّح بقاؤه خارج الصورة لما بعد الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها، فيما يتمثل حكومياً بشخصيات غير سياسية من رئاسة الحكومة إلى أعضائها، بما لا يستفز الشارع ويطمئن الخارج ويرضي بالتساوي المكونات السياسية الداخلية. وقالت المصادر إن المقصود هنا ليس أسماء جرى وضعها في التداول الإعلامي من دون أي أساس سياسي كاسم السفير السابق نواف سلام أو نائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد بعاصيري، حيث الأسماء ليست في التداول بعد، ومثل هذه الأسماء لا تنطبق عليه المواصفات المطلوبة، كما تقول المصادر، وتضيف أن شوطاً طويلاً لا يزال ينتظر تبلور المشهد الحكومي، منها تريّث الرئيس سعد الحريري في الدخول على خط التسميات، مع تفضيله عدم ترؤسه شخصياً أي حكومة قبل الانتخابات المقبلة، وانتظاره الموقف السعودي الذي لا يزال متحفظاً على كل لغة التسوية مع حزب الله، كما أوضحت كلمة وزير الخارجية السعودية في المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون تحت عنوان مساعدة لبنان.

المسعى الفرنسي على الخط السعودي قائم، وفقاً للمصادر، عبر ربط الملف اللبناني بالصراع القائم مع تركيا حول ليبيا، وحيث تقف فرنسا والسعودية ومصر في ضفة واحدة، والمسعى الفرنسي يهدف لتفويض مصر بالملف اللبناني، طالما لم تتقدّم المفاوضات الإيرانية السعودية حول الخليج وخصوصاً حول اليمن، على أن تسترد الرياض من القاهرة الإدارة عندما يبدأ التقدم على المسار اليمني، ويضع الفرنسيون الدور المصري الذي ظهر في مرحلة اتفاق الدوحة وتسمية العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية مثالاً لما يمكن أن يحدث راهناً، ويرون أن زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري يمكن أن تؤسس لدور يشبه ما قام به رئيس المخابرات المصرية يومها اللواء عمر سليمان.

المصادر لخصت المشهد الحكومي خارجياً بثلاثية تتولى باريس تنسيقها بين طرفيها طهران والقاهرة، فيما يبقى ملف التهدئة على جبهة الجنوب اللبناني عهدة أميركية، وفي هذا السياق تعتقد المصادر أنه لا يجب الاستعجال في اعتبار الأمور ناضجة للتسويات الحكومية، بينما قد يستهلك الأمر وقتاً يمتد لأسابيع وربما لأشهر، وهو ما سيظهر في ضوء نتائج زيارة المبعوث الأميركي ديفيد هيل وما سيحمله على مستوى ملف ترسيم الحدود، وفي هذا الملف كما في الملف الحكومي يبدو أن التفويض الممنوح لرئيس مجلس النواب نبيه بري توسّعت دائرته، بعدما تجدد تفويض الغالبية البرلمانية لبري في الملف الحكومي وملف ترسيم الحدود، وأضيف تفويض النائب السابق وليد جنبلاط الذي ربط موقفه بموقف بري من الملف الحكومي.

المصادر المتابعة دعت لعدم ربط المسار السياسي بالمسار القضائي، حيث قالت إن حجم الكارثة والتفاصيل الأمنيّة الخطيرة التي يهتم العالم الخارجي بمعرفتها، خصوصا لاستكشاف الجهة المستفيدة من بقاء المواد المتفجّرة في المرفأ، وهو ما يصعب تصديق أنه ناتج عن الإهمال فقط، والشكوك الفرنسية حول صلة ما بتنظيم القاعدة كانت وراء جزء كبير من الاهتمام بالتفجير، وفي خلفيّة البحث بمستقبل المرفأ اقتصادياً. وتوقعت المصادر أن يتواصل التحقيق بجدية بعيداً عن التسويات والحمايات، وصولاً لكشف الكثير من الحقائق، وتحديد الكثير من المسؤوليات.

وانطلقت المشاورات السياسيّة على أكثر من محور تمهيداً للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس لتأليف حكومة جديدة.

وبحسب معلومات «البناء» فقد نشطت الاتصالات بين عين التينة وبعبدا وبيت الوسط وكليمنصو لمناقشة المرحلة الحاليّة وبلورة رؤية أولية لرئيس الحكومة المقبل وشكل الحكومة العتيدة، لكن مصادر «البناء» تشير الى أن «المفاوضات لا تزال في بدايتها ولم تستقر الأطراف السياسيّة على موقف بانتظار جملة تطورات لا سيّما زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل الى بيروت نهاية الأسبوع إضافة الى الجلسة النيابية المرتقبة التي دعا اليها رئيس المجلس نبيه بري الخميس المقبل والتي ستشكل بحسب مصادر نيابية فرصة لجس النبض بين الكتل النيابية حول مقاربتها للمرحلة المقبلة وموقفها من تكليف رئيس لتأليف الحكومة الجديدة.

عين التينة

وأشارت أجواء الاجتماع الذي جمع مساء الاثنين الرئيس بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، أن الاجتماع أدى الى وضع تصوّر مشترك لمقاربة مرحلة ما بعد استقالة الحكومة، مع إعطاء الأولوية راهناً لمسألة اختيار رئيس جديد للحكومة قادر على تشكيل حكومة فاعلة ومنتجة وقوية والإفادة من تجربة الحكومة المستقيلة وتحديداً نقاط الضعف التي اعترتها، بدءاً وليس انتهاء بما سُمّي تجربة التكنوقراط التي لم تكن على قدر التطلّعات.

ومن عين التينة اكّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أنّه «لا بدّ من حكومة، سمّوها كما شئتم، تعالج أوّلًا الوضع الاقتصادي وإعمار بيروت، وقبل كلّ شيء، حيث عجزت الحكومات السابقة، الإصلاح»، لافتًا إلى أنّه «بناءً عليه، نكون قد خطونا خطوات تدريجيّة نحو الأمان ربّما».

وأشار جنبلاط في تصريح بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة إلى أنّه «ليس لدي مرشّح لرئاسة الحكومة، وسأنسّق مع بري كالعادة في كلّ خطوة من الخطوات، لأنّ المطلوب اليوم التنسيق الكامل، والآن ليس وقت تمسية مرشح للرئاسة». وذكر أنّ «الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدّث معي يوم اول امس وقلت له الأمر نفسه، ولا بدّ من حكومة طوارئ كي نخرج البلاد من هذا المأزق».

وأوضح جنبلاط «أنّني لا أضع شروطًا للمشاركة في الحكومة المقبلة، لكن لا بدّ من تشكيل حكومة، كي لا تبقى الحكومة الحاليّة تصرّف أعمالًا».

وكان الرئيس بري ترأس اجتماعاً طارئاً لكتلة التنمية والتحرير، وشددت الكتلة في بيان على وجوب الإسراع بتشكيل حكومة جامعة تكون قادرة على إنقاذ الوطن وإعادة ثقة أبنائه وثقة المجتمع الدولي والعربي بالدولة أدوارها. وجدّدت الكتلة «التزامها وتمسكها بالحوار سبيلاً وحيداً لمقاربة كافة العناوين والقضايا الخلافية وفي مقدّمها الاتفاق والإسراع نحو إقرار قانون للانتخابات النيابية على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي وإنشاء مجلس للشيوخ سبق وقدمته الكتلة والعمل مع كل المخلصين من أجل الوصول الى الدولة المدنية التي تحترم الطوائف وتحمي حرية المعتقد على قاعدة أن تعدّد الطوائف في لبنان نعمة والطائفية نقمة».

بعبدا

أما بعبدا، فتنتظر حصيلة المشاورات الأولية لتحديد موعد الاستشارات النيابية، وكشفت مصادر مطلعة على موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «الحديث في موضوع الحكومة بدأ ضمن إطار المشاورات الجانبية بين كل القوى، ولا نستطيع جزم مدة المشاورات قبل تحديد موعد الاستشارات، ولكن رئيس الجمهورية يفضل تشكيل الحكومة بأسرع وقت. وهذا يتعلق بموقف الكتل النيابية والقوى السياسية والرئيس الذي سيكلف تشكيل الحكومة». وأكدت المصادر على ضرورة قيام المشاورات قبل الاستشارات ليكوّن رؤساء الكتل خياراتهم، معتبرة انه من المبكر الحديث عن رئيس الحكومة المقبل.

وأشارت المصادر إلى أن الجو العام يتجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن التوجه حول نوعية الحكومة ودورها ومهمتها لا يمكن أن يحسم إلا بعد جس نبض الكتل النيابية.

وعن وجود مانع لدى عون من عودة سعد الحريري لترؤس الحكومة، لفتت المصادر إلى أن الرئيس عون يحترم الدستور وينتظر نتائج الاستشارات النيابية.

ولفتت الانتباه تغريدة رئيس التيار النائب جبران باسيل بأن «التيار سيكون في مقدّمة مسهلي التشكيل».

 

"الجمهورية": رهان على الخارج لتظهير الحكومة
إنتقلت الأولوية بين ليلة وضحاها من الاستقالة من مجلس النواب والانتخابات النيابية المبكرة إلى استقالة الحكومة وما يستتبعها من مسار تكليف وتأليف، وكأنّ هناك من قرر التضحية بالحكومة فجأة في محاولة لفرملة مفاعيل زلزال 4 آب، أي أن تقف عند حدود الحكومة وألّا تلامس حدود البرلمان في ظل خشية هذا الفريق من انتخابات نيابية مبكرة قد تجرّ إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وتؤدي إلى قلب النتائج النيابية من ضفة إلى أخرى بسبب الغضب الشعبي العارم الذي يحمِّل السلطة مسؤولية الأزمة الحالية ومتفرعاتها.

ومجرد التضحية بالحكومة عوضاً من مجلس النواب يعني انّ الفريق المُمسك بالأكثرية أيقنَ خسارته واستحالة ان يواصل سياسة «business as usual» وكأنّ شيئاً لم يحدث مع الانفجار الذي هَزّ عواصم العالم التي كسرت حظرها وحصارها على بيروت، ولكنّ استقالة الحكومة لا تعني انّ مسار التكليف ومن ثم التأليف سيكون سهلاً وميسّراً لسببين أساسيين:

ـ السبب الأول، كون الفريق الذي شكّل الحاضنة للحكومة المستقيلة لن يقبل بحكومة لا يمسك بمفاصلها الأساسية على رغم حاجته إلى الإسراع في تشكيلها، خصوصاً انّ الدخول الدولي على خط الأزمة اللبنانية يزيد من هواجسه وقلقه.
- السبب الثاني، كون الفريق المعارض لن يقبل بتغطية حكومة تكون نسخة طبق الأصل عن الحكومة المستقيلة، ما يعني انّ مصيرها لن يختلف عن مصير هذه الحكومة، وبالتالي لن يجد نفسه معنيّاً بتغطية فريق السلطة.

ولكن هل يمكن ان ينجح التدخل الدولي، وتحديداً الفرنسي المفوّض دولياً، بتقريب المسافة بين الفريقين من أجل الوصول إلى حكومة لا تثير قلق الفريق الأوّل وتُرضي الفريق الثاني؟ وهل سينجح الفرنسي في تسريع مسار التكليف والتأليف كما دعت وزارة الخارجية الفرنسية؟ وما هو سقف التنازلات الذي يقبل به فريق السلطة، مقابل سقف المطالب الذي يضعه الفريق المعارض؟ وكيف سيتعامل العهد مع واقع انّ مرشّحه لرئاسة الحكومة لن يدخل نادي رؤساء الحكومات، وانه مضطر للتعاون مجدداً مع الرئيس سعد الحريري الذي تتوجّه الأنظار في اتجاهه، ليس فقط كرئيس حكومة محتمل، إنما لكونه يشكّل المعبر الى السرايا الحكومية؟

وقد رصدت في الساعات الأخيرة محاولة لتسويق فكرة العودة إلى الحكومة السياسية بحجّة انّ حكومة التكنوقراط فشلت فشلاً ذريعاً، وانّ حِدة الأزمة تستدعي حكومة سياسية لا تكنوقراطية. ولكن هذا النوع من الحكومات ما زال يواجه رفضاً مطلقاً لدى المعارضة التي تعتبر أنّ طبيعة المرحلة تتطلّب حكومة اختصاصيين مستقلين وليس على شاكلة الحكومة الحالية.

وقد بَدا واضحاً أمس انّ رئيس الجمهورية لن يدعو إلى استشارات تكليف، على غرار المرة السابقة، قبل ان تبلغ الاستشارات السياسية مداها، وهذه الاستشارات كانت قد بدأت إثر الاستقالة، حيث فتحت خطوط التواصل، ليس بين القوى السياسية حصراً، إنما أيضاً مع الفرنسيين وغيرهم، في محاولة لتقصير مرحلة الفراغ التي تفاقم الوضع المالي تأزّماً.

على وقع استمرار الغضب الشعبي، انطلقت أمس مشاورات سياسية على كل المستويات تمهيداً للإستشارات النيابية الملزمة التي سيدعو رئيس الجمهورية إليها لتسمية رئيس حكومة جديد، في وقتٍ لم تجف بعد دماء الشهداء ودموع أمهاتهم التي غَطّت أرض بيروت وشوارعها، جرّاء الانفجار الذي دمّر المرفأ ومحيطه. وقد دفعت استقالة حكومة الرئيس حسان دياب كلّ الاتجاهات السياسية الى البحث في شكل الحكومة المُقبلة.

وقد اعترفت مصادر مطلعة على اجواء المشاورات الجارية بأنّ مهمة التكليف والتأليف الحكوميين صعبة، وانّ المعنيين ما زالوا في طور البحث في اسم الشخصية التي ستتولى تأليف الحكومة العتيدة.

وقالت مصادر مطلعة على اجواء بعبدا «انّ البحث في الملف الحكومي بدأ ضمن إطار المشاورات الجانبية بين كل القوى، ولا نستطيع تحديد المدة التي ستستغرقها تمهيداً لتحديد موعد استشارات التكليف، ولكن رئيس الجمهورية يفضّل تشكيل الحكومة في أسرع وقت، وهذا مرهون بموقف الكتل النيابية والقوى السياسية والشخص الذي سيكلّف تشكيل الحكومة».

وأكدت «ضرورة» إجراء المشاورات قبل الاستشارات الملزمة لكي يحدد رؤساء الكتل النيابية خياراتهم، معتبرة انه «من المبكر الحديث عن رئيس الحكومة المقبل».

وحول حديث البعض عن وجود «مانع» يحول دون التعاون مع الرئيس سعد الحريري في رئاسة الحكومة، لفتت المصادر الى «أنّ الرئيس عون يحترم الدستور وينتظر نتائج الاستشارات النيابية».

وحول الكلام عن أنّ عون موافق على تكليف السفير السابق نواف سلام تأليف الحكومة، أشارت المصادر إلى «أنّ الجو العام يتجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنّ تحديد نوعية الحكومة ودورها ومهمتها لا يمكن أن يحسم إلّا بعد جَس نبض الكتل النيابية».

وعمّا اذا كان اسم نواف سلام قد طُرح خلال محادثات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع عون، أوضحت المصادر «أنّ الجانبين شددا على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكن لم تُطرح أسماء خلال المحادثات».

أولوية الحريري
في غضون ذلك، أكدت مصادر تيار «المستقبل» انّ «الهَم الوحيد للحريري حالياً هو مساعدة أهالي بيروت على تجاوز تداعيات الكارثة التي أصابت العاصمة جرّاء انفجار المرفأ»، لافتة الى «انّ هذا الملف يشكل أولوية لديه في هذه المرحلة انطلاقاً من كونه رئيس تيار «المستقبل» ونائباً عن بيروت».

وفيما فضّلت مصادر «المستقبل» عدم التعليق على احتمال تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، موضحة أنّ «هناك توجهاً لتجنّب الخوض في هذه المسألة»، أبلغت أوساط قريبة من «بيت الوسط» الى «الجمهورية» انها «لا تجد انّ هناك أي مصلحة للحريري في تولّي رئاسة الحكومة وسط الظروف السائدة»، معتبرة انّ «ما من جدوى لعودته الى السرايا الحكومية، ولا فرصة للإنقاذ الحقيقي ما لم تتغيّر كل المنهجية المعتمدة في تشكيل الحكومات وفي التعامل مع الازمات التي يمرّ فيها لبنان».

ولم يسجّل أمس في «بيت الوسط» أي تحضير لعودة الحريري الى السرايا الحكومية حتى الآن. وقد غرّد مستشاره الإعلامي حسين الوجه، عبر «تويتر»، كاتباً: «انّ ‏الرئيس الحريري يؤكّد أنّه غير معني بالتحليلات والأخبار التي يتداولها الاعلام في شأن عودته الى رئاسة الحكومة، وانّ جهده وجهد الكتلة والتيّار ينصَبّ الآن على وسائل رفع الكارثة عن بيروت وأهلها».
 وأكدت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» أنّه «حتى الآن لا حديث عن الحكومة في انتظار الاستشارات النيابية».

الى ذلك، قالت مصادر تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية»: «هناك تفاصيل مهمة حول الحكومة، ممّن ستتألف؟ وفي أي ملفات ستغوص؟...»، مؤكدةً «أننا سنؤيّد أي حكومة لديها بَشائر قبول لدى المجتمع الدولي والواقع اللبناني».
 

إقرأ المزيد في: لبنان