لبنان
"بعبدا" نحو الإستشارات النيابية.. وسعيٌ أميركي للتقسيم
عادت الإستشارات النيابية مجدداً إلى أصداء الصحف اللبنانية بعد جمود استمر منذ أواخر أيلول الماضي عقب اعتذار مصطفى أديب.
أجواء حركتها مساعي رئيس الجمهورية ميشال عون إلى إجراء الاستشارات النيابية الملزمة الأسبوع المقبل. ويبقى الإختلاف حول الإسم المطروح، في وقت أشارت الصحف إلى استبعاد "تعويم الحكومة المستقيلة"، وإلى اقتراح أن يقوم الرئيس عون بمشاورات سريعة من خلال بعض الاتصالات تمهد للاستشارات.
وفي غضون ذلك، تستمر المحاولات الأميركية لزعزعة الإستقرار والأمن في لبنان، وفي خطوة جديدة تسعى لعزل مناطق لبنانية عن أخرى، عبر مشروع قانون في الكونغرس يهدف إلى فرض عقوبات على المصارف التي تقع في محيط بيئة المقاومة.
خطوة أميركية نحو تقسيم لبنان
بداية مع صحيفة "الأخبار" التي أشارت إلى سعي نواب أميركيون الى ابتكار نوع جديد من العقوبات على المقاومة وبيئتها، ذات طبيعة تقسيمية للبنان. وهذه العقوبات، التي لا تزال اقتراح قانون في مجلس النواب الأميركي، تسعى الى «عزل مناطق تابعة لنفوذ الحزب» وجعلها خالية من المصارف، وقطع تواصل أي مصارف عاملة في هذه المناطق مع النظام المصرفي العالمي.
وبحسب "الأخبار" يُثير تجدّد الحديث أسبوعياً، عن فرض عقوبات أميركية أو تشديدها على أصدقاء وحلفاء حزب الله في لبنان، تساؤلات عديدة حول المستهدف في المرة المقبلة. لكن ما يجِب التوقف عنده هذه المرة هو طبيعة هذه العقوبات التي يسعى نواب في الكونغرس الأميركي الى تطوير فعاليتها السياسية بما يخدم مشروع العزل الذي تسعى واشنطن إلى تنفيذه بحق المقاومة وبيئتها.
فبعد معاقبة عدد من المؤسسات والأفراد، تسعى جهات في الولايات المتحدة الأميركية إلى ابتكار نوع جديد من العقوبات تستهدف هذه المرة كامل البيئة اللبنانية المؤيدة لحزب الله، والمناطق الجغرافية التي للحزب وجود شعبي فيها. فقد تقدّم أخيراً، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي في مجلس النواب الأميركي النائب جو ويلسون، بمشروع قانون بعنوان The Hezbollah Money Laundering Prevention Act of 2020 .
وأضافت "الأخبار" أن خطورة المشروع تكمن في تحديد منطقة جنوب لبنان «التي يسيطر عليها الحزب». ويشير الاقتراح الى ما يسميه «المصارف الصديقة للحزب في هذه المنطقة»التي ستكون تحت مرمى العقوبات، وهذا يعني أن تصبح منطقة جنوب لبنان خالية من أي مصرف، إذ لن يجرؤ أي مصرف ــــ في حال صدور هذا القانون ــــ على إبقاء فروع له في المناطق التي تصنفها واشنطن مناطق «خاضعة لسيطرة حزب الله»، خوفاً من العقوبات.
ولا تكمن خطورة المشروع حصراً في كونه مقدمة لعزل منطقة لبنانية عن باقي المناطق، بل تتعدى ذلك إلى أنه أول إشارة رسمية عن نيات أميركية بتقسيم لبنان، ليس بشكل دستوري أو قانوني، وإنما بالممارسة والتعامل. وهو ما ستوفره المصارف التي لطالما كانت «مَلَكية أكثر من الملك»، إذ لم تكتفِ بتنفيذ العقوبات بحق الأشخاص الذين تقرر أميركا معاقبتهم، لا بل تذهب أكثر في محاصرتهم عبر استهداف عائلاتهم وأقاربهم ومن يمتّ إليهم بصلة، من دون أن يكون مشمولاً بأي عقوبة أميركية.
ومع أن الولايات المتحدة تعرف جيداً أن لا علاقة لحزب الله بالقطاع المصرفي، إلا أنها لم تتوقف عن فرض عقوبات على مصارف بحجة أنها تابعة له. وفي اقتراح القانون الأميركي الجديد، تعبير جديد هو «المصارف الصديقة للحزب». وسيكون هذا الوصف سيفاً مصلتاً على المصارف، لدفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات والمعلومات إلى واشنطن. كذلك يسمح هذا التصنيف للولايات المتحدة بتكرار تجربة «جمّال ترست بنك» الذي «أعدمته» وزارة الخزانة الأميركية عام 2019، ما شكّل «صاعقاً»لبدء الانهيار في القطاع المالي، بعدما كانت عوامل هذا الانهيار قد تراكمت على مدى أعوام. وهذا السيف سيكون مشهَراً في وجه المصارف، كما في وجه الدولة اللبنانية برمّتها.
على صعيد آخر، تتدافَع السيناريوات حولَ مآل الأزمة الحكومية التي تعيشها البلاد، وسطَ عدم بروز مؤشرات إلى أنّ الأسابيع الأربعة المتبقيّة من المهلة التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (في خطابه يوم 26 من الشهر الماضي) قد تكون كافية لاستيلاد حكومة، في ظلّ الصراع على تشكيلة وزارية بمعيار تكنوقراطي صرف أو مطعّم بتمثيل سياسي. وفيما ساد المشهد في اليومين الماضيين حديث عن فتح قناة تواصل بين حزب الله وحركة أمل ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير السابق جبران باسيل، ترمي إلى بلوغ تفاهُم على الحكومة الجديدة وفقَ معادلة حكم الأغلبية، وسطَ ضخ معلومات عن دعوة عون الأسبوع المقبل إلى استشارات نيابية، أكدت مصادر سياسية بارزة أن «فريق الأكثرية لن يذهب إلى هذا الخيار حالياً»، وهو يسمَح بمزيد من الوقت، إذ لم يُسقِط من حساباتِه بالكامل أن تٌفضي المبادرة الفرنسية الى حل في النهاية، ولو أن المبادرة يبدو نجاحها حتى الآن مُستبعداً أو صعباً.
وإذ جرى البناء على هذه الاتصالات - من زاوية أن المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل لوّح بخيار الأكثرية النيابية - إلا أن المصادِر أكدت أن «ما بُني عليها ليسَ دقيقاً»، وذلِك لعدة أسباب:
الأول، هو استمرار المبادرة الفرنسية، على الرغم من تراجع زخمها. فهذه المبادرة في جوهر نصّها تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضمّ كل الأطراف الذين اجتمعَ معهم ماكرون على طاولة قصر الصنوبر. وبالتالي لن يُصار الى فرض حكومة من لون واحد، قبلَ اتضاح مصير المبادرة، وخاصة أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلن في خطابه الأخير الانفتاح عليها.
ثانياً، حتى اللحظة يتقدّم خيار التوافق مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على اسم رئيس الحكومة العتيد، لكن هذه المرة تحت سقف التلازم بين التكليف والتأليف. فمن غير الوارِد تكرار تجربة السفير مصطفى أديب، والسماح لفريق الحريري ورؤساء الحكومات السابقين بتلغيم المبادرة مرة أخرى ووضع شروط لتنفيذ انقلاب ضد الأكثرية.
ثالثاً، وفي ظل غياب وسيط محلّي قادِر على المبادرة، هناك انتظار لجواب من الإليزيه، بعدَ وعد باريسي باستئناف النقاش مع المملكة العربية السعودية بشأن ترؤس الحريري للحكومة العتيدة. لكن حتى الآن لا خبر. فإمّا أن نتيجة التواصل كانت سلبية، وإما أنّ المسعى لم يُستكمَل بعد.
الاستشارات مطلع الأسبوع
"البناء" بدورها، أوضحت أنه لم يسجل الملف الحكومي أي مستجدات باستثناء عزم الرئيس ميشال عون الدعوة إلى الاستشارات النيابية مطلع الأسبوع المقبل لتكليف رئيس جديد للحكومة فيما لم تتضح مواقف الكتل النيابية ولا سعد الحريري ولا نادي رؤساء الحكومات السابقين الذين يعتصمون بالصمت إلا نجيب ميقاتي الذي رمى مبادرته في سوق التداول السياسي والحكومي ولم تصدر منه مواقف جديدة على هذا الصعيد. كما لم يعرف ماذا يحضر رئيس المجلس النيابي نبيه بري من مساعٍ وأفكار ومبادرات لحلحلة العقد التي برزت خلال مرحلة تكليف السفير مصطفى أديب.
وقالت مصادرها إن الرئيس عون يتجه إلى اتخاذ قراره قبل نهاية الأسبوع لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة الأسبوع المقبل.
وبحسب المصادر أيضاً، فإذا كانت تسمية رئيس الحكومة المكلف عند رؤساء الحكومات السابقين، وفي ظل طرح ميقاتي الذي لم يقابله أي اعتراض، بما أن الترشيح سيكون منهم، يكون ميقاتي أحد الأسماء المرجّحة. وسألت المصادر: هل سيرشح رؤساء الحكومات السابقون اسم رئيس الحكومة المكلف أم رؤساء الكتل؟ وإذا كانت كرة التسمية عند رؤساء الحكومات، فهل ما زالوا متفقين أم أصبح هناك تباعد بينهم ظهر في بيان ثلاثة منهم (السنيورة وميقاتي وسلام) عقب اعتذار مصطفى أديب من دون الحريري الذي كان له بيان منفرد، كما ظهر ذلك بذهاب الثلاثة الى الكويت للتعزية وبذهاب الحريري بمفرده؟
كما أكدت أن موضوع تعويم حكومة الرئيس حسان دياب غير مطروح ومن الأفكار المطروحة أن يقوم الرئيس عون بمشاورات سريعة من خلال بعض الاتصالات تمهيداً للاستشارات النيابية.
وفي السياق، لفتت مصادر مطلعة في قوى الأغلبية النيابية لـ"البناء" إلى أن "الأغلبية لم تتلقَ أي اقتراحات جدية حتى الساعة وكل ما يرمى في الإعلام ليس سوى محاولات لجس النبض ورصد ردّات الفعل وبالتالي الأمور تراوح مكانها ولم تلحظ أي تقدّم في ظل المشاورات التي تجريها الكتل النيابية كل على حدة لا سيما ثنائي أمل وحزب الله مع الحلفاء استعداداً لتظهير موقفها بعد دعوة رئيس الجمهورية الكتل للاستشارات الملزمة»، لكن بحسب المصادر فإن رئيس الجمهورية سيجري مروحة مشاورات مع القوى السياسية قبيل الدعوة إلى الاستشارات الملزمة.
واستبعدت مصادر "البناء" نجاح مبادرة ميقاتي إذ لا توافق حوله من نادي رؤساء الحكومات قبل معرفة ما إذا كانت قوى الأغلبية النيابية توافق أم لا، خصوصاً أن الرئيس الحريري يرفض الترشح حتى الساعة بحسب مصادر مستقبلية ويرفض أيضاً تسمية أحد، فهل ستسمي قوى الأغلبية ميقاتي بلا موافقة الحريري؟ وهل يترشح ميقاتي أصلاً بشكل منفرد عن الحريري ونادي رؤساء الحكومات السابقين علماً أنه وبحسب مصادر «البناء» فإن الثنائي أمل وحزب الله «يفضل الحريري في رئاسة الحكومة على أي اسم آخر لسبب أن وجوده في هذا الموقع يضمن أمرين أساسيين: تغطية المراجع السياسية والطائفية في الطائفة السنية حوله ويفتح نافذة على المجتمع الدولي".
ودعت المصادر إلى عدم انتظار الانتخابات الأميركية وعدم ربط الملف الحكومي بهذا الاستحقاق لسبب بسيط وهو أن مرحلة الانتخابات وانتقال الحكم والوصول إلى الاستقرار في الولايات المتحدة يمكن أن يمتد الى شباط المقبل إذا فاز المرشح جو بايدن؛ وهذا في حالة حصول انتخابات، فماذا لو لم تحصل في ظل الوضع الصحي الخطير لترامب والانقسام السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة وخطر الانزلاق إلى الحرب الأهلية وتطيير الانتخابات، بحسب ما يتخوف محللون وخبراء بالشأن الأميركي. وتراهن مصادر سياسية على تحريك ملف ترسيم الحدود وانطلاق المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الاسرائيلي في أن يدفع الملف الحكومي قدماً ويسهل العقدة التي تعترض ولادة الحكومة والمتمثلة بواشنطن والسعودية.
إتصالات اقليمية تنصح لبنان بعدم الرهان على تسويات المنطقة
من جهتها، كشفت معلومات "الديار" عن اتصالات اقليمية جرت على مستويات عالية مع رسميين في لبنان ونصحت بعدم الانتظار والرهان على تسويات المنطقة التي قد تطول ولن يستفيد منها لبنان قبل شهر آذار المقبل. وتساءلت الصحيفة: هل يحتمل الوضع الاقتصادي والمالي اللبناني كل هذا الانتظار والمراوحة؟.
وأشارت إلى دعوة الرئيس عون إلى الاستشارات النيابية بداية الاسبوع المقبل على الارجح، اضافة الى ان الرئيس نبيه بري يؤيد ايضا الاسراع في تشكيل الحكومة.
في المقابل، لا ترى اوساط بارزة في 8 آذار لـ«الديار» أن هناك امكانية لاستشارت نيابية من دون «فتحات» في جدار الازمة، فلا استشارات قبل الاتفاق على اسم المكلف وضمن سلة متكاملة تتضمن اسم الرئيس وشكل الحكومة وطبيعتها وعدد أعضائها.
في غصون ذلك، قالت مصادر وزارية ان فرنسا قد تتحرك خلال اليومين القادمين في مسار تشكيل الحكومة، والفرنسيون لم يقطعوا الاتصالات مع اي فريق لبناني حيث ان التواصل بين السفير الفرنسي فوشيه وحزب الله لا يزال جاريا. والرئيس عون ايضا يبدي ايجابية كبيرة تجاه المبادرة الفرنسية حيث قال للجميع وبوضوح انه لا بد من التوافق على اسم الرئيس المكلف، كما ان حزب الله لن يعارض عون بأي قرار سيتخذه، وفقا لمصادر عليمة في الثنائي الشيعي.
من جانبها، قالت مصادر مقربة من قصر بعبدا ان المبادرة الفرنسية في شقها السياسي، وتحديدا في الملف الحكومي، جامدة. ذلك ان تجربة حكومة اختصاصيين برئاسة مصطفى اديب باءت بالفشل ولقيت معارضة من الداخل اللبناني. وتابعت هذه المصادر ان اليوم هناك طرحاً بديلاً ينص على حكومة تكنو-سياسية تجمع بين السياسة والاختصاص، وهذه الصيغة الحكومية كان طرحها الرئيس عون منذ وقت طويل.
واعتبرت هذه المصادر أن الكرة اليوم في ملعب نادي رؤساء الحكومات السابقين مستائلة عما اذا كانت المعادلة السابقة لا تزال جارية. بمعنى اخر، هل ستكون لرؤساء الحكومات السابقين الكلمة في اختيار الرئيس المكلف ؟ ام ستتغيير المعادلة هذه المرة في اختيار الرئيس المكلف؟
أما عن الرحلة الرئاسية إلى الكويت للتعزية بأمير الكويت ، فقالت مصادر وزارية انه لم يتم التطرق بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري الى تفاصيل الوضع الحكومي، بل الى ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة.
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر مقربة من التيار الوطني الحر ان هناك تواصلاً على خطين في مسألة تشكيل الحكومة.الخط الاول هو بين الرئيس عون ونظيره الفرنسي ايمانيول ماكرون حيث بات واضحا عند الفرنسيين ان التعقيدات الطائفية متشعبة في الملف اللبناني، وهذا ما لم يأخذوه في الاعتبار. والخط الثاني هو تواصل بين الرئيس عون وبعض الكتل النيابية لاستمزاج آرائها على قاعدة ان هذه الاجواء ستؤدي الى تسمية رئيس حكومة جديد في اقرب فرصة.