لبنان
لبنان نحو الإقفال العام والعبرة بالنتائج
فاطمة سلامة
لم يعد لبنان في وضع يُحسد عليه كما كان في بداية أزمة فيروس كورونا. حينها آتت التدابير والإجراءات أكلها جراء التزام المواطن وخوفه من الفيروس المستجد، أما اليوم فالالتزام محدود. كيفما اتجهنا نجد من "يستهتر" ويستخف ويتفوّه بعبارات تستدعي التأسف من قبيل كورونا "بدعة" و"مزحة" وما الى هنالك من المرادفات التي تعبّر عن جهل وقلة مسؤولية. ذلك الجهل حدا بنا الى أماكن غير محمودة حتى وصلنا الى الإقفال العام بعدما كانت تجربة الإقفال الجزئي غير مشجّعة. تلك الخطوة تأخرت لاعتبارات كثيرة على راسها الأوضاع الاقتصادية التي تلبث في الدرك الأسفل. يفتتح لبنان السبت المقبل مرحلة الإقفال العام الذي تعلّق عليه الكثير من الآمال للجم عداد الإصابات، والتقاط القطاع الطبي أنفاسه. إلا أنّ تلك النتائج لا شك تبقى رهن وعي المواطن والتزامه كما يجب بالتدابيرمن جهة، ورهن القوى الأمنية والبلديات والجهات المعنية بمراقبة تنفيذ الإجراءات وتطبيق التدابير من جهة ثانية. فهل سنشهد تشدداً في تطبيق الإجراءات هذه المرة؟ وما الآمال المعلّقة على الإقفال القادم؟.
الأسمر: من المفترض أن نشهد تشدداً أكثر من المرات السابقة
أمين عام المجلس الأعلى للدفاع ورئيس لجنة متابعة التدابير لمواجهة "كورونا" اللواء محمود الأسمر يُؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ العقوبات على المخالفين لقرار الإقفال العام ستختلف باختلاف نوع المخالفة، حيث ستتنوع بين محاضر ضبط وإقفال بالشمع الأحمر وغيرها. وفق الأسمر، من المفترض أن نشهد تشدداً هذه المرة في تطبيق الإجراءات أكثر من المرات السابقة، فالوضع الصحي صعب جداً.
وفي معرض حديثه، يلفت الأسمر الى أننا نقف بين حدين؛ من جهة هناك من يصرخ داعياً لعدم الإقفال جراء الوضع الاقتصادي الصعب، ومن جهة ثانية هناك من يدعو للإقفال جراء تفاقم الوضع الصحي. وهنا يشدّد الأسمر على أننا أمام مشكلة فعلية في هذا السياق، ومهما فعلنا لن يعجب الناس. لذلك وضعنا أمام أعيننا هدفا هو ضرورة حماية الناس، خاصة أننا اذا بقينا على المنوال الذي نسير عليه اليوم، من الصعب أن يتمكن المواطن من الدخول الى المستشفى. وفق قناعات الأسمر، بإمكاننا تحمل الجوع قليلاً، ولكننا لن نقدر على تحمل المرض. نعلم أننا "مخنوقون" في الوضع الاقتصادي –يقول الأسمر- لكن بإمكاننا التحمل قليلاً لالتقاط أنفاسنا في مجالات أخرى.
عراجي: للتحلي بالوعي
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور عاصم عراجي يستهل حديثه لموقعنا بمناشدة المواطنين التحلي بالوعي، رغم أننا نتجه نحو إقفال ليس عاماً شاملاً بل يشكّل 70 بالمئة من معنى الإقفال العام. وفق عراجي، وصلنا الى مرحلة حرجة جداً ولا سبيل للخروج من هذا النفق سوى بالتحلي بالوعي وعدم أخذ الأمور بمبدأ الاستخفاف والاستهتار. لا يجوز أن يذهب التزام بعض الناس سدى ويدفعون ثمن صحتهم من بعض "المستهترين".
خارطة طريق ليؤتي الإقفال أكله
يرسم عراجي خارطة طريق يجب اتباعها ليؤتي الإقفال أكله. يُشدّد بدايةً على ضرورة اتخاذ القوى الأمنية التدابير اللازمة لناحية تطبيق الإجراءت بحزم ومنع التجمعات ومنع أي مخالفة لقرار الإقفال. هذه التمنيات على القوى الأمنية من المفروض –برأي عراجي- أن تتحول الى واقع للتخفيف من وطأة الأزمة التي نعيشها.
ثانياً، يُشدّد عراجي على أنّ فترة الأسبوعين يجب أن تكون فرصة لزيادة ومضاعفة عدد أسرة الكورونا الموجودة في المستشفيات الخاصة. وفي الوقت نفسه زيادة الأسرة في المستشفيات الحكومية ، وهذا ما بدأ العمل عليه في الفترة الماضية. ولا يخفي عراجي أن فترة الأسبوعين تشكّل فترة راحة للجسم الطبي ليلتقط أنفاسه خاصة وسط تكاثر الإصابات في الجسم الطبي وتراوحها يومياً بين 13 و14 و15 وربما أكثر. وهذه علامة غير جيدة –يقول عراجي- الذي يشدّد على أن القطاع الطبي أنهك بسبب معالجته مرضى "كورونا" أولاً، وثانياً بسبب نقل العدوى له من الناس.
ثالثاً، يحث عراجي على ضرورة أن تقدّم الدولة إعانات للناس خلال فترة الإقفال خصوصاً أولئك الذين يعتمدون على أجرهم اليومي لتأمين قوت يومهم. على الدولة مساعدتهم قدر الإمكان وحتى المجتمع يجب أن يقف الى جانبهم كصورة من صور التكافل الاجتماعي، فنحن في ظرف صعب ويجب أن نقف الى جانب بعضنا البعض.
كيف ستتم مراقبة تطبيق القرارات؟
كيف ستتم مراقبة تطبيق القرارات؟ يُشدّد عراجي على أننا وكلجنة صحة سنتواصل مع الجهات المعنية والوزراء المختصين للسؤال عن مسار الأمور وتطبيق القرارات. وهنا يوضح عراجي أن لجنة الصحة النيابية تضم نواباً من مناطق عدة وهذه حسنة تمكّن كل نائب من نقل الصورة عن منطقته لناحية مدى التزامها بالتدابير والاجراءات، على أن يكون هناك اجتماع للجنة الصحة الأسبوع القادم لتقييم الأوضاع .
ورداً على سؤال حول الآراء التي تقول إنّ مدة الأسبوعين غير كافية، يلفت عراجي الى أنّ الإقفال من المستحسن أن يكون شهراً خصوصاً أنّ مدة حضانة الفيروس في الجسم هي 14 يوماً، وقد لا نتمكن من تخفيف الإصابات خلال الـ14 يوماً. وهنا يشدّد المتحدّث على أن أكثر إقفال كان جدياً هو الإقفال الذي نفذ في شهر آذار الماضي، لكن للأسف ترك انفجار المرفأ تداعيات سلبية على مسار الأمور.
وفي الختام، يشدد عراجي على أن على كل فرد مسؤولية فردية لناحية ضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي ووضع الكمامة وتعقيم اليدين ومنع التجمعات لحماية أنفسنا ومن حولنا.
أبو شرف: الإقفال فرصة للقطاع الصحي
الأوضاع المزرية للقطاع الصحي والاستشفائي في لبنان شكّلت عنوانا أساس للذهاب نحو الإقفال العام. منذ أسابيع يرفع أصحاب هذا القطاع الصوت من الواقع "الكوروني" الصعب الذي بات يهدد سلامة هذا القطاع بأكمله. الإصابات ترتفع بشكل غير متوقع بين أفراد الطاقم الطبي. القدرة الاستيعابية للأسرة في المستشفيات لامست الحدود القصوى. وعليه كانت الدعوات لفترة إقفال يلتقط فيها هذا القطاع أنفاسه. وفي هذا الصدد، يقول نقيب الأطباء الدكتور شرف أبو شرف لموقع "العهد" الإخباري أنّ القطاع الطبي والتمريضي يعاني من إصابات عديدة جراء "الكورونا". ثلاثة أطباء توفوا، وما لا يقل عن 150 طبيب حجروا إما في المستشفيات وإما في المنازل، ومثلهم أضعاف في القطاع التمريضي. وفق أبو شرف فإنّ قرار الإقفال كان ضروريا ليلتقط القطاع الطبي أنفاسه لضبط أعداد الإصابات في صفوف القطاع الطبي التمريضي، والا اذا استمررنا بوتيرة الإصابات ذاتها لن نجد من يعالج.
ويناشد أبو شرف المواطنين بضرورة التقيد بالاجراءات والتدابير، فكورونا ليست "مزحة" كما يعتقد قسم من المواطنين. للأسف، هذا الاعتقاد يجعلهم لا يضرون أنفسهم فقط، بل من حولهم. فما شهدناه من تجمعات في المقاهي والأسواق الشعبية ودور العبادة لا يقبله لا عقل ولا منطق، وكأن لا شيء اسمه "كورونا". وهنا يوضح أبو شرف أن الدولة ليس بإمكانها أن تحدث فرقاً اذا لم يلتزم المواطن ولم يتجاوب ويتقيد بالتدابير الوقائية.
خطوة مهمة من رئيس الجمهورية
يشدّد أبو شرف على ضرورة التقيد بالإجراءات –رغم الواقع الاقتصادي المأزوم- وضرورة أن نخطط لما بعد أسبوعي الإقفال اذ لا نستطيع أن نكمل بهذه الطريقة، بل على الجميع التعاون لتخطي الأزمة. وهنا ينوه أبو شرف باقتراح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجمع مختلف الجهات المعنية من صحية وتربوية وغيرها لمناقشة خطة ما بعد الإقفال. برأيه، هي مبادرة مهمة جدا اذ لأول مرة يحصل هذا التنسيق الجدي بين الجهات المعنية لوضع رؤية وحلول واستراتيجية. هذا الأمر كان يحصل بالمفرّق ولكن اليوم هناك محاولة من رئيس الجمهورية لمواجهة هذا الوباء يدا بيد.
لأخذ الأمور على محمل الجد
ويطلب أبو شرف من المواطنين أخذ الأمور على محمل الجد، سائلاً: ما موقف المواطن الذي يذهب الى المستشفى ولا يجد مكاناً؟. يشدد أبو شرف على أن المستشفيات بلغت قدرتها الاستيعابية، ونحن نقوم بما علينا رغم الامكانيات المادية شبه المعدومة، وعليه، يجب أن نتعاون بما هو متوفر للحصول على النتيجة المرجوة.