لبنان
لبنان بدأ حملة التلقيح ضد كورونا.. واشتباك بيت الوسط - بعبدا يتجدد
اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم ببدء حملة التلقيح ضد فيروس كورونا، والتي انطلقت صباح الأحد من مستشفى الحريري الحكومي، وستكون الأولوية فيها للعاملين ضمن الجسم الطبي وكبار السن.
كما طغى الملف الحكومي على اهتمام الصحف، بعد تجدد الاشتباك على خط بيت الوسط - بعبدا، إثر مواقف الرئيس المكلف سعد الحريري في ذكرى استشهاد والده رفيق الحريري، حيث عاد هذا الملف إلى نقطة الصفر دون أن تكون هناك أجواء إيجابية توحي بولادة قريبة.
"الأخبار": عون والحريري: إلى القطيعة مجدّداً
في ذكرى اغتيال والده، أعاد الرئيس سعد الحريري تأكيد ما أدلى به في قصر بعبدا. بعد عبارة «الفرصة الذهبية» للخروج من المأزق، استخدم البارحة «كبسة زر» تحمل المؤدّى نفسه. كلتاهما تبدوان مغريتين لرئيس الجمهورية كي يقبل بما لا يُتوقّع أن يقبل به.
عندما أصرّ في قصر بعبدا، بعد مقابلته الرئيس ميشال عون، على شروطه لتأليف الحكومة، وتشبّثه بحكومة اختصاصيين من 18 وزيراً، رافضاً الثلث+1 لأي من الافرقاء، بمَن فيهم رئيس الجمهورية، بدا الرئيس المكلف سعد الحريري لا يشبه نفسه. هذا الإصرار - والبعض عدّه عناداً - ليس مألوفاً في سلوكه، هو الذي اعتاد إبقاء الابواب مفتوحة، والتسليم بالأمر الواقع، والتنازل والانحناء للعاصفة حتى.
منذ كلامه الجمعة الفائت، ومغزاه أنه لن يقبل سوى بما يطرحه هو، وعلى الآخرين الانصياع هذه المرة، قطع الطريق على اي حوار خارج ما يريده وخارج ما يرفضه. ليست تلك حاله المعروفة منذ اولى حكوماته عام 2009، عندما وهب المعارضة الثلث+1، وفي حكومتي 2016 و2019 عندما سلّم بما أصرّ عليه رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. في ما يجري الآن، بلا نبرة تصعيدية وبمخاطبة محترمة لرئيس الجمهورية على انه الشريك لا الخصم - وذلك ما طبع كلامه في بيت الوسط امس - اظهار الحريري تحليه بالصبر وعدم الاستعجال، جازماً بأنه لن يتخلى عن تكليفه اياً تكن وطأة الضغوط وعامل الزمن. لذا لم يُضف كلام بيت الوسط الكثير على كلام قصر بعبدا، ما خلا الاسهاب والولوج في تفاصيل تفاوضه مع عون تحت السقف الذي رسمه، وهو انه هو الذي يؤلف الحكومة. ذلك فحوى استخدامه في قصر بعبدا عبارة «الفرصة الذهبية»، وفي بيت الوسط عبارة «كبسة زر»، كأن على رئيس الجمهورية أن لا يفوّتهما، وأن يسلّم بهما. يلعب الرئيس المكلف الآن اللعبة المعتادة، معكوسة لما اعتاده هو: عوض أن ينحني، يطلب من رئيس الجمهورية في الثلث الثالث من ولايته الانحناء.
حينما قال الجمعة في قصر بعبدا أن ثمة «فرصة ذهبية» يقتضي أن لا تُهدر، محمّلاً المعنيين - والمقصود حصراً رئيس الدولة - المسؤولية، دار همس عمّا توخاه من العبارة غداة عودته من باريس، بعد اجتماع بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أحاط به الالتباس والغموض من كل جانب، بروتوكولياً واعلامياً وسياسياً، فضلاً عن الوجداني، إذا كان لا بد من الاخذ في الاعتبار حرارة العلاقة الطويلة بين الإليزيه وآل الحريري، المدلَّعين على أدراجه وداخله ومع صاحب البيت.
ليست عبارة «فرصة ذهبية» ابنة اللحظة المرتجلة للرئيس المكلف بعد مقابلة عون، بل تمثّل - تبعاً لما يدور داخل جدران بيت الوسط - عصارة تحرّكه الاخير، بدءاً من الامارات العربية المتحدة وانتهاءً بباريس. بالتأكيد ما خلا زيارة تركيا المقصورة على شأن خاص بالرجل.
وفق ما يُروى من وراء هذه الجدران، سعى عندما بدأ جولته هذه - وكانت لها اهتمامات شخصية اخرى ايضاً - الى موقف عربي ودولي يدعم مساعيه لتأليف حكومة جديدة، نواته الحصول على تأييد الامارات ومصر بداية، من اجل إحداث خرق في علاقته المقطوعة بالسعودية، ومن ثم فرنسا ودورها الموازي مع واشنطن.
في حصيلة الجولة خلص الى المعطيات الآتية:
1 - نال وعداً من الامارات ومصر بدعمه كرئيس للحكومة اللبنانية، وتقديم مساعدات للبنان في المرحلة المقبلة، شرط إنجازه حكومة وفق المواصفات التي حددها هو: مصغّرة من 18 وزيراً اختصاصياً، ليس فيها حزبيون وخصوصاً مَن يمثّل من قريب أو بعيد «حزب الله» والتيار الوطني الحر، عدم امتلاك رئيس الجمهورية المحسوب حليفاً قوياً لـ»حزب الله» على النصاب الذي يمكّنه من تعطيل الحكومة أو فرض استقالتها. لم يمانع الاماراتيون والمصريون في حكومة اختصاصيين لا تُغضب الاحزاب والكتل الرئيسية، لكن وزراءها لا ينبثقون منها. ما طلبه منهما ايضاً اعادة تطبيع علاقته المقطوعة مع السعودية. لا يملك الحريري - وإن في ظل القطيعة الناشبة معها في السنوات الاخيرة - دخول السرايا من دون موافقة الرياض. ما بات معروفاً أن أي تحوّل سعودي مستجد حياله يلي تأليف الحكومة هذه ولا يسبقها. وهي اشارتها الواضحة، المرسلة الى الاماراتيين والمصريين، انها تنتظر مقاربة الرئيس المكلف علاقته برئيس الجمهورية و»حزب الله» في المرحلة المقبلة.
زار الحريري بعبدا بعد نصيحة الرئيس الفرنسي
2 - حمل الرئيس المكلف هذا الوعد الى الرئيس الفرنسي في عشاء 10 شباط، مطلعاً إياه على تعويله عليه، وعلى دعم الاماراتيين والمصريين لخطته. تعقيب ماكرون أن نصح ضيفه بالعودة الى بيروت والاجتماع برئيس الجمهورية، وتأكيد مواصفاته للحكومة الجديدة على انها تعبّر عما تنادي به المبادرة الفرنسية، وخصوصاً توزير اختصاصيين لا يمتون بصلة الى الاحزاب والكتل. ترك له هامشاً مقبولاً يمكّنه من القول لرئيس الجمهورية ما يسعه فعله وما لا يسعه. سلّم الزائر بالنصيحة، واجتمع بعون في الساعات التالية لعودته من باريس، مصرّاً على المسودة التي سبق أن قدمها له في 23 كانون الاول ورفضها الرئيس. أعاد تأكيد حصة رئيس الجمهورية ستة وزراء بينهم الارمني، ما يحول دون حصوله على الثلث+1، فضلاً عن قصر عدد الوزراء على 18. في ما قاله الحريري لرئيس الجمهورية أنه يحمل موافقة صاحب المبادرة، الرئيس الفرنسي، على المواصفات التي طرحها دون سواها. كان من الطبيعي أن يأتي رد عون رفض المسودة، المرفوضة في الاصل منذ 23 كانون الاول.
3 - في مضمون الوعد الذي بات متقاطعاً ما بين الامارات ومصر وفرنسا، الحصول على تأييد اميركي للمهمة المنوطة بالحريري وفق الشروط تلك: حكومة لا وجود فيها لـ»حزب الله» ولا نصاب فعلياً لعون، مقترنة بشرط ألحّ عليه الاميركيون وهو أن لا يؤثر تأليفها، إذا وقع، على المفاوضات الاميركية - الايرانية، ولا يكون أحد عناصرها. ما رامه الاميركيون ان لا يعني تأليف حكومة كهذه تنازلاً إيرانياً يدخل في عداد أوراق التفاوض بين واشنطن وطهران. ما قاله الاميركيون أن لتفاوضهم مع الايرانيين روزنامة لا يدخل لبنان في مراحلها الاولى، ولا يقتضي ان يكون بنداً متقدماً فيها، أو يُفرض عليهم في الوقت الحاضر.
«الفرصة الذهبية» في حسبان الرئيس المكلف، ليست كذلك بالنسبة الى رئيس الجمهورية الذي يقارب تأليف الحكومة على نحو مختلف تماماً. لذا كان من الطبيعي فشل الاجتماع الخامس عشر الذي سيقودهما مجدداً، ما لم يطرأ ما ينقض إرادتيهما، الى قطيعة مكمّلة لما كان بين 23 كانون الاول و12 شباط.
"البناء": حملة اللقاح ضد كورونا بدأت بنجاح وفق المعايير الدوليّة
وبعد خطاب الحريري اكد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان أنه مرة جديدة استغل الرئيس المكلف ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، ليلقي كلمة تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة العتيدة وضمّنها مغالطات كثيرة واقوال غير صحيحة لسنا في وارد الرد عليها مفصلاً لتعذر اختصار 14 جلسة ببيان. لكن تكفي الإشارة الى ان ما أقرّ به الرئيس المكلف في كلمته، كافٍ للتأكيد بانه يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور والميثاق.
وشدّدت مصادر تيار المستقبل لـ«البناء» على أن كلمة الرئيس الحريري هدفت الى وضع النقاط على الحروف لا سيما ان فريق رئيس الجمهورية حاول في الآونة الأخيرة رمي التهم على الرئيس الحريري بتعطيل التأليف في حين أن الرئيس عون نفسه لا يريد تأليف حكومة لا تلبي طموحات النائب جبران باسيل السياسية في الرئاسة. وهنا تكمن العقدة العونية، ومع ذلك اعتبرت المصادر ان سرد الحريري وقائع الامور لا يعني ان الطريق قطع على تأليف الحكومة، فهناك حراك في هذا الاتجاه فرنسي وعربي ومحلي خاصة وأن الجميع يدرك ان اي مساعدات لن تصل الى لبنان قبل تشكيل الحكومة وتنفيذ الإصلاحات.
وبانتظار كلمة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الأحد المقبل التي سيتناول فيها التطورات السياسيّة، خصوصاً تلك المتعلقة بتشكيل الحكومة، شددت مصادر تكتل لبنان القوي في حديث لـ«البناء» على أن الحريري لا يمكن ان يستمر الى ما لا نهاية بسياسة التعطيل، وبالتالي الأمور لن تقف ونتفرج على ما يجري خاصة ان الدستور ووفق مواده يؤكد ان الرئيس المكلف لا يؤلف الحكومة بمفرده، إنما التأليف يحتاج الى اتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، جزمت المصادر ان خطاب الحريري في الشقّ المتعلق بالحكومة يصح فيه القول خطاب المعلومات المغلوطة والتي تفتقد المصداقية. ومن هنا اعتبرت المصادر ان الحل الأساس لتشبث الحريري بمواقفه العمل على إضفاء دينامية على الدستور من خلال إضفاء بعض التعديلات عليه لا سيما في ما يتّصل بالمهل التي يفترض ان تمنح للرئيس المكلف لتأليف الحكومة بمعنى انها يجب ان تحدد بزمن، لأن عقدة الدستور قاتلة بشكل حاد. وهنا تأمل المصادر من الرئيس نبيه بري أن يضع اقترح تكتل لبنان القوي المتصل بتحديد المهل الدستورية على جدول أعمال أول جلسة عامة أو يحيله الى اللجان المشتركة لدرسه، واعتبرت المصادر أن الحريري يتخبط بأزماته الخارجية، ومرد ذلك ان هناك فواتير مطلوب منه أن يدفعها لكنه لا يستطيع. ورأت المصادر ان التدقيق الجنائي يبقى مفتاح الإصلاح وبالتالي فان كلام الحريري عن ضرورة التنفيذ يجب أن يتراجع على ارض الواقع. وهذا يتحقق برفعه الغطاء عن الحاكم ومن يعطّل التدقيق المالي.
وقال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط «لا بد من صيغة سياسية جديدة إذ لا نستطيع أن نستمر في الصيغة القديمة». وتابع: «وهناك واحد عبثي في بعبدا ميشال عون يريد الانتحار فلينتحر وحده هو والغرف السوداء والصهر الكريم ويا ليته «كريم»، وأنا لا أنصح الحريري، هو لديه القدرة والحكمة لتقدير الظرف وأنا إلى جانبه». وقال جنبلاط: «الاتصال الأخير بيني وبين الحريري لم يكن هناك حديث سياسيّ وسأتصل فيه بمناسبة 14 شباط». ولفت الى أن الحريري وضع صيغة حكومية مناسبة للجميع لا «ثلث معطل» فيها ولننتهِ من الثلث المعطل. وأكد انه لا بد أن نجد طريقة سياسية دستورية للخروج من هذا المأزق والرئيس الفرنسي قال مع وزير خارجيته قوموا بالإصلاح الداخلي ونحن جاهزون، ولكن أضعنا الفرصة وهل يعقل بلد الإشعاع والنور وفيروز لا يستطيع إصلاح الكهرباء.
وأكد النائب علي حسن خليل أن «هناك من يريد أن يكرّس واقعاً ما يشبه الثلث الضامن في الحكومة، وهناك من يريد أن يؤثر ويمسك بقرارات هذه الحكومة لحسابات خاصة به»، مضيفا «لهؤلاء نقول، الناس لم تعد تحتمل ومن يطالب بحصة على حساب الآخر من أجل أن يضغط عليه بموقع آخر فوضع البلد لا يحتمل على الإطلاق».
وتابع: «للأسف نحن متشائمون مما حصل في الأيام الماضية، ونتطلع وندعو القوى من دون استثناء ممن نلتقي معه ومن نختلف معه إلى إعادة النظر بمواقفهم، والى الابتعاد عن الحسابات الخاصة، وعن التوازنات التي يفرضها لحماية مصالحه»، معتبراً أن «مصلحتنا جميعاً هي في تشكيل سريع للحكومة وفي إقرار الخطط التي تنقذنا».
اما البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فقال في عظة يوم الأحد: «ليس المطلوب من رئيس الجمهورية ولا من الرئيس المكلَّف أن يَتنازلا عن صلاحيّاتِهما الدستوريّة ليؤلّفا الحكومة، بل أن يتحاورا ويتعاونا من دون خلفيّات وتحفظات غير مكشوفة»، لافتاً الى أن عمليّةَ تشكيل حكومة جديدة تَتعقّدُ عوض أن تَنفرِج، وبهذا تُنزل الأضرار الجسيمة بالدولة واقتصادها ومالها واستقرار أمنها، وتشلّ مؤسّساتها العامّة، وتفكفك أوصالها، وتذلّ شعبها.
ودعا الراعي إلى تنظيم مؤتمر دوليّ خاصّ بلبنان برعاية منظمّة الأمم المتحدة، وقال: «لسنا مستعدّين أن نَدع الوطن النموذج، يَسقطُ أمام الظلاميّةِ أو يَستسلمُ أمامَ المشاريع العابرة المشرق والمخالفة جوهر الوجود اللبناني. فالمؤتمر الدوليّ يَنزعُ التدخّلاتِ الخارجيّةَ التي تمنعُ بلورةَ القرارِ الوطني الحرِّ والجامع، ويُثبِّتُ دولة لبنان ويَضمن حيادها الإيجابيّ. ويبقى على الأمم المتّحدة أن تجد هي الوسيلة القانونيّة لتقوم بواجبها تجاه دولة لبنان التي تتعرّض للخطر».
وفي خضم التخبط والأوبئة السياسية المتنقلة، حطت بارقة أمل صحيّة اول امس في لبنان مع وصول اول دفعة من لقاح كورونا الى مستشفى رفيق الحريري الجامعي على ان تتوالى الدفعات أسبوعياً.
وبدأت أمس عملية التلقيح في ثلاث مستشفيات، وهي مستشفى رفيق الحريري الجامعي، الجامعة الأميركية، ومستشفى الروم، بالإضافة الى مركز دار المسيح الملك للعجزة في برمانا على أن تشمل الطواقم الطبية من أطباء وممرضين والكبار في السن من 80 سنة وما فوق.
وخلال إطلاق حملة التلقيح الوطنية ضد وباء كورونا أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أننا نشهد «لحظة مفصلية في هذه المواجهة الشرسة مع وباء كورونا الذي يفتك بالبشرية»، مشيراً الى أن «ينتقل لبنان من مرحلة الخوف من هذا الوباء، إلى مرحلة الحماية من خلال اللقاح، وبالتالي حماية مجتمعنا، ووطننا، تمهيداً لاستعادة حياتنا الطبيعية تدريجياً».
وقال دياب: «نحن اليوم، نطلق حملة التلقيح الوطنية ضد وباء كورونا، بلقاحات ذات جودة عالية وفعالة وموثوقة، وبعدها سنبدأ بالتحرّر تدريجياً من القيود التي فرضها علينا هذا الوباء، وبالتالي عودة دورة الحياة إلى مختلف القطاعات عند تحقيق المناعة المجتمعية المنشودة».
"الجمهورية": تجدّد «الإشتباك» بين بعبدا - بيت الوسط
لم تخرج كلمة الحريري في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده الشهيد رفيق الحريري عن السقف المتوقع، لكونه لا يريد ان يقطع الخيط الذي يجمعه برئيس الجمهورية ميشال عون، ويمنحه على طبق من فضة، فرصة دعوته إلى الاعتذار، طالما انّه لا يريد التعاون معه، فتمسّك الحريري بالعناوين نفسها التي دأب على تكرارها في الآونة الأخيرة: لا اعتذار عن التكليف، لا ثلث معطلاً لأي فريق سياسي، ولا حكومة من وزراء اختصاصيين حزبيين. وفي موازاة هذه اللاءات، كشف الحريري بعض التفاصيل المتعلقة بالأسماء التي زوّده اياها عون وأخذ بها. وأكّد انّ تأليف الحكومة التي يسعى إليها ستعيد فتح باب الاستثمارات مجدّداً، وستشكّل فرصة للإنقاذ، وكشف انّ نتائج جولته الخارجية إيجابية، وانّ عواصم القرار تنتظر تشكيل الحكومة وفق مواصفات المبادرة الفرنسية لإعادة فتح باب المساعدات، لأنّ حكومة من هذا النوع قادرة على تحقيق الإصلاحات، فيما الحكومة التي يسعى إليها عون ستُبقي لبنان في الفراغ حتى لو تشكّلت.
وفي خلاصة إطلالة الحريري، توقفت مصادر متابعة لملف التأليف أمام ثلاثة عناوين: رمى كرة التعطيل في حضن العهد، وضع عون أمام الأمر الواقع: إما ان يتعاون معه وفق الشروط التي أعلنها طبقاً للمبادرة الفرنسية وطبيعة المرحلة وتحدّياتها، وإما انّ الفراغ سيراوح. ولاحظت هذه المصادر، انّ الحريري أعطى اللبنانيين جرعة أمل مهمّة في إمكانية تجاوز الأزمة المالية في حال تمّ التقيُّد بالحكومة التي يقترحها، الأمر الذي يرفع من منسوب ضغط الرأي العام على عون واستطراداً على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ورأت المصادر نفسها، انّ الحريري نجح في الآونة الأخيرة، وتحديداً في كلمته أمس، في الظهور بمظهر المنقذ وإظهار العهد في مظهر المعطِّل، قاطعاً الطريق على أي حرف للأزمة في اتجاه طائفي، من خلال تذكيره بمواقف والده برفض العدّ، وتمسّكه بهذا المبدأ، وانّه آخر شخص يمكن ان يعتدي على حقوق الطوائف، فيما همّه الأساس تلبية حقوق جميع اللبنانيين بما يخدم كل الطوائف.
في هذه الاثناء، بدا انّ العهد لن يتعامل إيجاباً مع ما تضمنته كلمة الحريري، بدليل الردود الفورية التي صدرت عن أكثر من نائب وقيادي في تكتل «لبنان القوي»، الأمر الذي يعني أنّ الأزمة ستراوح، فيما الوساطات الداخلية اصطدمت بالحائط المسدود، ولا مؤشرات إلى وساطات خارجية في الأفق القريب، وبالتالي المتوقع هو مزيد من السخونة السياسية بين قصر بعبدا و»بيت الوسط»، ومزيد من التأزُّم على أكثر من مستوى، ومزيد من الفراغ في انتظار ما هو غير معلوم بعد، طالما انّ عون والحريري ليسا في وارد التراجع، وطالما انّ رهان عون على تراجع الحريري لم يكن في محله.
حملة على الحريري
وفي الوقت الذي استعدت فيه قيادات التيار لشن حملة اعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت «هاشتاغ»: #الحريري_الى_التدقيق»، لم تتناول الردود على كلمته مضمونها، وما أشارت اليه من وقائع شهدتها بعض الجلسات بينه وبين رئيس الجمهورية. وذلك ربما في انتظار المؤتمر الصحافي لباسيل الاحد المقبل، في حال لم يستعجل الى عقده قبل هذا الموعد.
تزامناً، كشفت مصادر مطلعة على مجريات اكثرية جلسات المشاورات بين عون والحريري لـ «الجمهورية»، انّ الاخير اجرى ارشفة دقيقة لمراحل المفاوضات منذ الجلسة الثانية، وما رافقها من محطات تناول فيها مختلف الروايات والسيناريوهات التي تمّ تسريبها بنحو متتالٍ في مرحلة سابقة، وأوضح فيها بعض الحقائق وما شهدته وصولاً الى تسليمه تشكيلة «9 كانون الاول» الماضي، وأورد بعض الوقائع التي ما زالت مدار أخذ وردّ من دون ان يشرح احد ما جرى فيها بنحو دقيق، قبل ان يكشفها الحريري امس.
ولفتت هذه المصادر، الى انّ الحريري كشف بطريقة لا لبس فيها ما جرى معه، وقدّم صورة للائحة التي تسلّمها من عون في ذلك اللقاء، من دون ان يسلّمها او يكشف عمّا تضمنته من أسماء لأي من الاعلاميين وحتى لمساعديه.
نفي التسريب
وفي هذه الاجواء، اجمعت مصادر بعبدا و»بيت الوسط» لـ»الجمهورية»، على انّ اللائحة التي تسرّبت عن الأسماء التي اقترحها رئيس الجمهورية ليست دقيقة، بدليل حجم الأخطاء المرتكبة فيها، ووجود اسماء مختلطة بين مسيحيين ومسلمين لحقيبة كانت من حصّة احدى الطائفتين، هذا عدا عن الاخطاء في الانتماء الطائفي لبعض الاسماء، ليتبيّن لاحقاً انّ هذه الاخطاء نجمت عن «قرصنة» اللائحة من شاشة التلفزيون بطريقة غير واضحة، فتشابكت الاسماء والحقائب.
أربعة اسماء
واكّدت مصادر مستقلة من خارج الاصطفاف القائم بين بعبدا و»بيت الوسط» هذه الرواية، وكشفت لـ «الجمهورية»، انّ اللائحة سُحبت من شاشة التلفزيون عندما رفعها الحريري بيده اثناء القاء كلمته، وتمكّن البعض من تظهيرها، الامر الذي اتاح التعرف على ما تضمنته من اسماء.
وأضافت المصادر، انّ الحريري اختار من لائحة رئيس الجمهورية اربعة اسماء، وهي لكل من نقيب المحامين السابق المحامي انطوان قليموس لحقيبة العدل، والاستاذ الجامعي عبده جرجس لوزارة التربية، والدكتور سعادة الشامي للمالية، والمهندس وليد نصار للاشغال العامة والنقل.
بعبدا لا تضيف
ورفضت مصادر قصر بعبدا إضافة اي تعليق على مضمون البيان الذي صدر عن مكتب الاعلام في القصر الجمهوري تعليقاً على كلمة الحريري والذي تضمن الآتي: «مرة جديدة استغل رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، ليلقي كلمة، تناول فيها ملابسات تشكيل الحكومة العتيدة وضمّنها مغالطات كثيرة وأقوالاً غير صحيحة لسنا في وارد الردّ عليها مفصّلاً لتعذّر اختصار 14 جلسة ببيان. لكن تكفي الإشارة الى أنّ ما أقرّ به رئيس الحكومة المكلّف في كلمته، كافٍ للتأكيد بأنّه يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الاصول والدستور والميثاق».
عين التينة
في غضون ذلك، اعتبرت اوساط عين التينة، «انّ الناس أصبحوا غير مهتمين بكل السجالات السياسية، ولا يريدون سوى امر واحد وهو تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد».
وفي سياق متصل، أبلغت اوساط واسعة الاطلاع الى «الجمهورية»، انّ «الدور الفرنسي في لبنان بات على المحك، فإما ان يستطيع فرض الحكومة قريباً، واما سيسقط هذا الدور لفترة طويلة»، لافتة إلى «انّ باريس أصبحت أمام معادلة «now او never».
وتعليقاً على خطاب الحريري، لاحظت اوساط سياسية معارضة لـ»بيت الوسط»،انّ «هناك فراغات واجتزاء في الرواية التي سردها حول العراقيل التي تؤخّر تشكيل الحكومة»، متسائلة: «لماذا يكون للحريري والرئيس نبيه بري و»حزب الله» والنائب السابق وليد جنبلاط الحق في تحديد هويات الوزراء السنّة والشيعة والدروز، بينما يريد الحريري ان يتدخّل في أسماء الوزراء المسيحيين، ومن قال له انّ الدكتورة فاديا كيوان، التي لمّح اليها، يجب أن تكون مقبولة حكماً عند رئيس الجمهورية، فقط لأنّه كان قد تمنّى دعمها لتولّي مركز في الخارج انطلاقاً من كونها لبنانية بالدرجة الأولى؟ ومن قال له أيضاً انّ القاضي زياد ابو حيدر الذي رشحّه لوزارة الداخلية هو خيار مقبول بالضرورة لدى عون، لمجرد انّ هذا القاضي تمّ تعيينه في مركزه ايام وزير العدل السابق والمستشار الرئاسي الحالي سليم جريصاتي؟
معاون بري
ولفت امس موقف عبّر عنه المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل في كلمة له في بعلبك، اشار فيه الى مبادرة رئيس مجلس النواب التي دعا فيها الى تشكيل حكومة وفق «صيغة قائمة على حق الكتل النيابية في اقتراح ما تراه مناسباً، وعلى دور الرئيس المكلّف اقتراح الأسماء التي يريد، وأن يكون هناك نوع من الاختيار المبني على الكفاءة وعلى الإلتزام بالمعايير التي توافقنا عليها في ما يُسمّى بالمبادرة الفرنسية». وقال: «للأسف هناك من يريد أن يكرّس واقعاً يفرض ما يشبه الثلث الضامن في الحكومة، وهناك من يريد أن يؤثر ويمسك بقرار هذه الحكومة لحسابات خاصة به». وأكّد «أنّ الأزمة التي نعيش مفتاحها حلّ المشكلة السياسية وتشكيل الحكومة والإسراع في إقرار خطة إصلاح في الوضع النقدي، إعادة هيكلة للوضع المالي، إعادة دفع للاقتصاد، إطلاق عجلة النمو، والاتفاق مع الجهات المانحة».
وفي المواقف السياسية ايضاً، دعا رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الى»صيغة سياسية جديدة. إذ لا نستطيع أن نستمر في الصيغة القديمة». وهاجم عون قائلاً: «هناك اليوم حاكم مدمّر وحكم عبثي، وأنا لا أنصح الحريري. هو لديه القدرة والحكمة لتقدير الظرف وأنا إلى جانبه». وختم: «الإتصال الأخير بيني وبين الحريري لم يكن هناك حديث سياسي، وسأتصل فيه لمناسبة 14 شباط (وقد اتصل به أمس) وهناك واحد عبثي في بعبدا ميشال عون يريد الإنتحار، فلينتحر وحده هو والغرف السوداء والصهر الكريم، ويا ليته «كريم».
إقرأ المزيد في: لبنان
22/11/2024