لبنان
عودة قطع الطرقات والفوضى إلى الشارع
اهتمت الصحف الصادرة اليوم بعودة التحركات إلى الشارع وقطع الطرقات في أكثر من منطقة لبنانية، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أكثر من 10 آلاف ليرة لبنانية.
ووسط دعوات إلى "يوم الغضب" بدءا من صباح اليوم، تسود حالة من الترقب والخوف من انحدار للمزيد من التأزم والفوضى، في ظل غياب أي تطور إيجابي على مستوى تأليف الحكومة.
"الأخبار": احتجاجات وقطع طرقات لحماية سلامة وداعميه: أحزاب السلطة تخطف الشارع
القوى السياسية المشاركة في السلطة لا تزال تبادر. وكما نفّست الغضب الشعبي بعد انفجار 4 آب بـ«إقالة الحكومة»، سارعت فور تخطّي سعر الدولار عتبة العشرة آلاف ليرة إلى خطف أي ردّ فعل شعبي، والسعي لتوجيه بوصلة الاحتجاج إلى الجهة الخطأ. صار ميشال عون هو العنوان، لا رياض سلامة وحُماتُه. وبذلك، لم يعد هؤلاء يكتفون بخنق الناس في قوتهم ولقمة عيشهم، بل بدأوا معركة مضادة للتأكيد أن لا بديل منهم ولا من سياساتهم الممعنة في ضرب أي أمل بالتغيير، حتى لو كان هذا التغيير محدوداً أو رمزياً. مجدداً رُفع حائط الحماية لرياض سلامة، وأعلنت أحزاب السلطة خطف الشارع!
نقطة التحوّل كانت وصول سعر الدولار إلى عشرة آلاف ليرة. صحيح أن الرقم ليس هو الدافع بحد ذاته، لكن وصوله إلى هذا المستوى كسر حاجزاً نفسياً، ينبئ بمرحلة جديدة، لا أحد يمكن أن يتوقع نتائجها. الانهيار الشامل واقع. ويوم الغضب الذي دعي إليه اليوم سيكون الاختبار الأكثر جدية منذ استقالة الحكومة. بحسب الدعوات إلى التظاهر والاحتجاج، فإن مداخل بيروت وكل الطرقات الحيوية ستقطع منذ الصباح الباكر. ما يُسمى «مجموعات الثورة» في قلب كل التحركات، وعلى رأس الداعين، لكنها لن تكون وحدها. في نهاية الأسبوع كان واضحاً أن ثمة من قرر الاستعانة بالشارع لتصفية حسابات سياسية. «القوات» و»الكتائب» توليا المهمة على طريق الشمال، وبتنسيق واضح، وكان لافتاً تأكيد ناشطين انتشار السلاح في السيارات، علماً بأنه تم توقيف أحد المتظاهرين لحمله السلاح. مجموعات محسوبة على بهاء الحريري والجماعة الإسلامية والمستقبل يتولّون الدفة على طريق الجنوب وفي البقاع، فيما برز مساءً أول ظهور واضح لمناصري الحزب الاشتراكي على طريق البقاع، في صوفر وبحمدون، حيث اعتدوا على فانات كانت تمر في المنطقة. وبحسب المعلومات، فقد سارع مسؤولو الحزب الاشتراكي إلى تطويق الإشكال والتواصل مع حزب الله وحركة أمل لمنع تطور الأمور.
من خلال الشارع، يبدو أن المطلوب هو الضغط على عون لإلغاء التدقيق الجنائي
الجديد في التحركات كان نزول مناصرين لحركة أمل إلى الشارع في الضاحية وعند مداخلها وفي الجنوب، فيما كانت المسيرات الدراجة تجوب الطرقات، في ظل شائعات عن توجهها إلى بعبدا. تلك الشائعات التي نفيت سريعاً، لم تنف واقع أن «أمل»، بالتعاون مع كل معارضي عون، قد قررت توجيه الغضب نحو رئاسة الجمهورية، التي تمكنت من «فضح» سعد الحريري والتأكيد أن التنازلات لن تؤدي إلى تأليف الحكومة. فأولوية الرئيس المكلّف ليست لبنانية، بل كيفية تطويع الظرف اللبناني لنيل الرضا السعودي، المتعذر منذ اللقاء الذي عقد بينه وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في تشرين الأول 2018، في مؤتمر الاستثمار، والذي استغله ابن سلمان، حينها، لينفي عنه تهمة خطف الحريري (كان ذلك بعد أيام من مقتل جمال خاشقجي).
لكن زيادة الضغط على عون ليست هي وحدها سبب تحركات أحزاب السلطة، التي كادت تستفرد بالشارع، لولا تحرك عدد من مجموعات الانتفاضة في وسط بيروت وباتجاه المصرف المركزي.
صارت الأجندة واضحة. المطلوب خطف أي تحرك محقّ، إن كان في وجه من يدير السياسة النقدية أو في وجه من يحميه من السياسيين، وحرفه عن وجهته وتفويت أي فرصة لخلق حالة شعبية لتحسين شروط المعركة مع الطبقة الحاكمة. المطلوب مجدداً إعادة تحصين رياض سلامة وحماية مشروعه لتحميل الناس مسؤولية الخسائر التي تكبدّها الاقتصاد والنقد لا المسؤولين الفعليين عن هذه الخسائر، من خلال الاستمرار في قضم قدرتهم الشرائية. وهذا الهدف لا يبالي بالسقف الذي يمكن أن يصل إليه الدولار، ولا يبالي بأضراره على الأغلبية الساحقة من السكان.
ومن خلال الشارع أيضاً، يبدو أن المطلوب الضغط على ميشال عون (وفي أماكن محددة على حزب الله بالنيابة عن عون)، لإلغاء التدقيق الجنائي، بعد أن تقدّم الموضوع، ربطاً بالمراسلات التي تجري مع شركة «ألفاريز»، وربطاً بفشل مساعي تطيير التدقيق من خلال اللعب على عامل «التوازي» في التدقيق بين مصرف لبنان والإدارات الأخرى.
العين اليوم ستكون على الجيش اللبناني. المجموعات الداعية إلى التظاهر تسعى لاختبار ردّ فعله. هل يستمر في سياسة عدم التدخل التي اعتمدها في الأيام الماضية، تاركاً الناس تنفّس عن غضبها، والقوى السياسية تتحّكم في لعبة قطع الطرقات؟
وسط كل ما يجري، بدا الرئيس حسان دياب الحلقة الأضعف. لم يجد في يده سوى ورقة التهديد بالاعتكاف، ليحذّر السلطة من خطورة أفعالها ومن الأيام الصعبة الآتية!
"البناء": تحذير من يوم صعب وتحرّكات تستهدف المقار الرئاسيّة اليوم
ورأت مصادر سياسيّة متابعة للملف الحكومي أن التعثر سيطول بعد المواقف التي صدرت عن الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة سعد الحريري وتفويته للفرص التي فتحتها مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ضمن إطار مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والتخلي عن الثلث المعطل، وفي هجوم الحريريّ على حزب الله وتحميله مسؤولية تعثر تشكيل الحكومة، تحت عنوان لم يقنع أحداً هو ربط الملف الحكومي بالملف النووي الإيراني، فيما كان حزب الله يفتح للحريري باب النزول عن شجرة التصعيد بدعوته لحكومة من 20 الى 22 وزيراً، من دون ثلث معطل وتفهم تمسك الحريري بوزارة الداخلية بدلاً من الاصطفاف الكامل وراء مطالب حليفه التيار الوطني الحر. وتوقعت المصادر بقاء الحريري بعيداً عن أي مبادرة جدية لولادة الحكومة، في ظل ارتباكه بين استرضاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وخشيته من إغضاب الإدارة الأميركية الجديدة التي فتحت ملف ملاحقة ابن سلمان.
من دون حكومة جديدة تتجه الأنظار نحو تفعيل حكومة تصريف الأعمال، ومطالبات لرئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب بعدم التفكير بالاعتكاف، بل بالتفكير بصورة معكوسة بتفعيل حكومته، وقد انضمّ النائب السابق وليد جنبلاط لهذه المطالبات، ومن ضمنها دعوة للقيادات الأمنية والقضائية للتحرك سريعاً لقمع المضاربين الذين يتلاعبون بسعر الصرف، خصوصاً بعدما بات أكيداً ان لا سبب اقتصادياً أو مالياً يمكن أن يفسر ارتفاع سعر الدولار بـ 30% خلال أسابيع قليلة. وربطت مصادر تتابع التحركات التي شهدها الشارع بالضغط المفتعل على الليرة عبر رفع سعر الصرف عن طريق المضاربة لإشعال الشارع بالتحركات التي يتوقع أن تشهد اليوم تصعيداً، في ظل تحذيرات من مشاريع لمحاصرة المقارّ الرئاسية.
وعلى وقع كسر سعر صرف الدولار الرقم القياسي منذ اندلاع أحداث 17 تشرين 2019 إثر بلوغه 11000 ليرة في عطلة نهاية الأسبوع، يستمر مسلسل الغضب الشعبي وقطع الطرقات وما يرافقها من أحداث أمنية متفرقة بين قطاع الطرق والمواطنين والمرشحة للمزيد من التوسّع، بحسب مصادر أمنية رسمية لـ«البناء» والتي تحذر من أن البلد يتجه إلى حالة من الانفجار الاجتماعي والفوضى الأمنية في مختلف المناطق اللبنانية ما يستدعي من السلطة السياسية الإسراع في المعالجات التي تبدأ بتأليف الحكومة كي لا تُرمى المسؤولية على عاتق الأجهزة الأمنية المكشوفة سياسياً ولا تستطيع السيطرة على الوضع الأمني في مرحلة الجوع والفقر والفوضى والانهيار.
وتتزاحم المؤشرات التي تشي بأن الاستقرار الاجتماعي والأمني والسلم الأهلي بات في خطر كبير. فيما علمت «البناء» أن جهات خارجية وداخلية اتخذت القرار بإشعال الفوضى في لبنان بالتزامن مع تشديد الحصار الاقتصادي والمالي، والهدف بات أبعد من تأليف الحكومة، بحسب المصادر، بل «مرتبط بالصراع وسخونة المفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين على الملف النووي، فضلاً عن المعطى الإقليمي المتمثل بتأثر الرئيس المكلف سعد الحريري بالموقف السعودي وتريثه بتأليف الحكومة قبل نيل رضى المملكة». موضحة أن «الضغط على لبنان لدفع رئيس الجمهورية وحزب الله للتنازل في ملفات عدة منها تسهيل تأليف حكومة وفق شروط الحريري والجهات الإقليمية والدولية التي تقف خلفه وفي ملفات أخرى كسلاح المقاومة وترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة».
واللافت هو صدور دعوات مجهولة المصدر والهوية عبر منصات التواصل الاجتماعي لإقفال الطرقات في كل لبنان والتظاهر بدءاً من صباح اليوم! فيما لم تحرك الأجهزة الأمنية ساكناً امام هذه الدعوات المخالفة للدستور والقوانين والتي تمسّ باستقرار البلد وتخالف الأصول المرعية الإجراء للتظاهر والتجمع والتعبير عن الرأي. علماً أن الأجهزة تملك كافة المعلومات عمن يدير الغرف السوداء ويشغّل ويحرّك مجموعات قطع الطرقات على الارض ويصدر التعليمات اليهم بشكل يومي.
كما علمت «البناء» أن «خطة يجري إعدادها لتنفيذ هجمات على مقار رئاسية مثل قصر بعبدا ومجلس النواب والسراي الحكومي ومنازل عدد من السياسيين والوزراء. وأمس تم استقدام ألواح من الإسمنت المسلح، لحماية مداخل مجلس النواب في وسط بيروت استعداداً للتظاهرات الشعبيّة. كما علمت أن بعض الجهات تستدرج حزب الله وحركة أمل الى الاقتتال في الشارع وإيقاع الفتنة بأكثر من منطقة من خلال إقفال طريق بيروت – الجنوب. وقد جرت اتصالات مساء السبت بين قيادتي أمل وحزب الله مع قيادات الأجهزة الأمنية لفتح الطريق تجنباً لردات فعل المواطنين الذي يسلكون هذه الطريق يومياً وبالتالي لدرء الفتنة التي لا تخدم سوى العدو الإسرائيلي.
وتم التداول في برقية بتوقيع عقيد قائد قوى الامن الداخلي في منطقة جبل لبنان، يطلب فيها من قائد الدرك وكافة قطعات منطقة جبل لبنان أخذ العلم بأنّ «مجموعات الثورة ستتحرّك صباح الاثنين يوم 8 آذار المقبل وتقطع الطرقات في المنطقة بدءاً من الساعة السادسة صباحاً تحت عنوان «اثنين الغضب»، بالإضافة الى اخذ كل التدابير اللازمة إزاء هذه التحركات المرتقبة».
"الديار": الفوضى تعمّ الشارع اللبناني على وَطّْء أزمة نقدية وإقتصادية متسارعة
شكّل ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء فوق عتبة العشرة آلاف ليرة لبنانية شرارة إشتعال الضمير اللبناني ببيته وشارعه الذي ومنذ أكثر من يومين يقطع الطرقات في كل المناطق إحتجاجا على ارتفاع أسعار السلع والبضائع، ولكن أيضا على النقص الحاصل في السوبرماركات فضلا عن اشتعال الأسعار التي باتت تحرق الجيوب الفارغة. فمشهد الشجار على الحليب المدعوم في إحدى السوبرماركات شكّل صدّمة كبيرة لدى الرأي العام المحلّي والعالمي، حيث ان سويسرا الشرق التي كانت موصوفة بمستواها الإجتماعي، أصبحت تقترب أكثر فأكثر من فنزويلا الشرق الأوسط كما وصفها تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تشرين الثاني من العام 2019.
الرقابة على اللعبة الإقتصادية هي في صلب العمل السليم للماكينة الإقتصادية، وهذه الرقابة ما زالت غائبة إلى اليوم لأسباب عديدة منها التقصير والآخر سياسي، والفاقع منها التواطؤ الخفي! نعم، إذ كيف يُعقل أن المضاربين والمهرّبين والمحتكرين والمتواطئين معرفون بالأسماء ولا يتمّ توقيفهم عملا بالقوانين اللبنانية وسوقهم أمام القضاء اللبناني؟ السوبرماركات تحتكر في مخازنها المواد المدعومة في حين أن صالات العرض فارغة! وتجار الأدوية يُهرّبون الأدوية في وقت لم يعد يوجد في الأسواق اللبنانية أبسط الأدوية التي يحتاج إليها اللبناني! وماذا نقول عن المحروقات التي يتمّ تهريبها على مرأى من أعين الأجهزة الأمنية والرقابية؟
لنبدأ من الإستيراد الذي تُثبت أرقامه في الجمارك أنه إنخفض أكثر من ستين بالمائة عمّا كان عليه في العام 2019، مما لا يُبرّر زيادة الطلب على الدولار الأميركي. وبالتالي فإن وصوله إلى حدود الـ 11 ألف ليرة لبنانية في تعاملات السوق السوداء بحسب التطبيقات الموجودة على أجهزة الخليوي، إرتفع بشكل لا يُبرّره أي منطق إقتصادي. بل أن مرده الحقيقي يكمن في ثلاثة عوامل: تصفية حسابات سياسية من بوابة الدولار الأميركي، وتهريب مُكثّف للسلع والبضائع إلى الخارج، ومُضاربة شرسة من قبل بعض المافيات المعروفة في الأسواق.
وإذا نظرنا الى الضغط الأميركي والمُتمثّل بالتشدّد على الإعتمادات المفتوحة من قبل التجار لدى المصارف الأجنبية، فهو يعكس حقيقة الإعتقاد الأميركي بأن هناك عمليات تهريب تحصل في وقت كان البلد مُقفلاً بشكل شبه كامل، إن من خلال المشاهد الموثقة بالصور، أو من خلال الأرقام التي لم تشهد أي انخفاض بل على العكس زادت ارتفاعاً. وبالتالي، وفي ظل تطورّ الأوضاع السياسية الحالية، سيزداد هذا الضغط مع الوقت ليُنذر بتزايد أزمة الدولار في السوق.
والمشهد المُلفت في كل ما حصل من قطع للطرقات وإحتجاجات، أنها بدأت تطال مناطق جديدة. هذا الأمر، وبغض النظر عن التفسيرات والأبعاد السياسية، يُنذر بمدى خطورة الفوضى في حال زادت الأمور سوءًا وبالتالي، هُناك إلزامية التدخل من قبل الحكومة لقمع المُضاربين والمُهرّبين
الذين يعبثون بأمن المُواطن المعيشي والذي هو عنصر من عناصر الأمن القومي! إلا أن حكومة تصريف الأعمال والتي من المفروض أن تسهر على تصريف أعمال الناس، غائبة عن السمع ومتقاعسة عن أداء أبسط واجباتها الوظيفية والوطنية خصوصًا من ناحية فرض هيبة الدوّلة لا سيما ضرب المنصات الإلكترونية المتواجدة في الخارج!
فكيف يُعقل أن تطبيقات على أجهزة خليوية تتحكّم بمصير شعب والحكومة لا تُحرّك ساكنًا؟ أليست هذه أولوية للأمن القومي اللبناني؟ يقولون إن هناك معوقات تقنية نظرًا إلى أن الناس تستخدم تقنية الـ «Virtual Private Network» لتخطّي الموانع التي تفرضها وزارة الاتصالات وهذا صحيح لو كان متعثراً مجال الحلول الدسبلوماسية؛ فلماذا مثلا لا تطلب الحكومة اللبنانية مُساعدة خارجية لوقف هذه التطبيقات؟ هل تتخيّلون أن يتمّ إنشاء منصّات إلكترونية مُضاربة لسعر صرف الدولار الأميركي مُقابل اليورو في الولايات المُتحدة الأميركية؟ ماذا ستكون ردّة فعل السلطات الأميركية؟ ألا يعلم القيّمون على الحكومة أن هذا الأمر خطير جدًا؟
لذا، وفي ظل غياب الرقابة الحكومية، أخذ التُجّار بالمُتاجرة بمصير الناس عبر إحتكار السلع المدعومة وذلك بهدف تهريبها أو الإبقاء عليها والإنتظار حتى يرتفع سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء بهدف بيعها على سعر السوق، إلا أن مع هذا الجنون في سعر الصرف المتفلت والطمع اللامتناهي لأهل النهم والجشع، فلا مفر من أن تنقطع مستقبلاً أهم السلع لحين إستقرار الأوضاع، وهذا الأمر يُلوح بقوة وينذر بالأسوأ فالأسوأ.
الوضع الاقتصادي مأساوي إلى أقصى وأقسى الحدود... فنظرة مقتطفة إلى ما يجري نرى ما يلي:
أولاً، التُجار الكبار يتحمّلون مسؤولية أساسية في ارتفاع الأسعار، لكن أيضا التجار الصغار أصبحوا يسيرون على خطى التجار الكبار عبر تطبيق مبدأ الـ «replacement cost» والذي يُخالف المرسوم الإشتراعي 7383 والذي ينصّ على منع التجار من ربح ما يفوق الـ 100 بالمئة من كلفة السلعة، ولكن من يسهر على تطبيق الدستور والقوانين؟
ثانياً، تُجّار المحروقات بدورهم لا يتوارون عن تهديد الناس وأخذهم رهينة الوضع القائم وهم مُشاركون بدرجة محورية في عمليات تهريب المحروقات. لماذا لا يواكب الأمن العام كما فعل سابقًا شاحنات النقل لمعرفة وجهتها؟ هل تعلم الحكومة أن الكلفة الأكبر هي لإستيراد المحروقات؟ يُريدون وقف دعم الطحين في حين أن كلفة الطحين لا تتعدّى بضعة عشرات من ملايين الدولارات في حين أن إستيراد المحروقات هو بمليارات الدولارات!
ثالثا، تُجّار الخبز من جهتهم يُريدون حصّتهم مما تبقى لدى المواطن من مُدّخرات! فهم يُهدّدون برفع سعر ربط الخبر إلى 5000 ليرة لبنانية مع تخفيض وزنها 50 غرامًا. والأصعب في الأمر أن شخصاً واحداً بات يُقرّر مصير شعب على شاشات التلفزة من غير رقيب ولا حسيب، وطبعاً الحكومة غائبة مغيبة ومتواطئة في ذهن كثير من الشعب!
أمام هذا المشهد الفوضوي السوداوي، باتت حالة الطوارئ ضرورة ليضع الجيش يده على كل السلع والخدمات التي تُعتبر أساسية للمواطن من تجارة المحروقات والخبز والطحين والأدوية. هذا الأمر لا يعني مُصادرة ملكية هؤلاء بل إدارة هذه الخدمات والتي بحسب القانون هي من صلاحيات السلطة في حال الطوارئ.
التهافت على السلع المدعومة في السوبرماركات يضع السلطة والحكومة مجتمعتين أمام مسؤوليات تاريخية:
أولا ـ ضرورة تأمين المواد الغذائية والأولية للمواطنين لفترة لا تقلّ عن ستة أشهر وذلك من خلال عقود آجلة (Forward) والتي تُستخدم بشكل يومي في المصارف.
ثانيا ـ وضع يدها على التجارة في لبنان من خلال الجيش اللبناني ومُحاسبة كل من إرتكب مُخالفات بحق القانون.
ثالثا ـ وقف عمليات التهريب إلى الخارج (غانا، كنشاسا، الكويت، سوريا، تركيا...) والتي تستهلك دولارات المركزي وبالتالي تجعل سعر صرف الدولار يصل إلى مستويات كارثية.
رابعا ـ مُلاحقة القيمين على المنصات الإلكترونية التي تبث أسعار الدولار على أجهزة الهاتف الخليوي ووقف هذه المنصات بأي ثمن كان.
خامسا ـ الإيعاز للبلديات بوضع أراضٍ تحت تصرّف مُستثمرين لزراعتها أو لإنشاء مصانع للصناعات الغذائية. على هذا الصعيد، يجدر الذكر أن هناك 25 مليون متر مربّع من الأملاك النهرية التابعة للدولة والمُصادرة من قبل أصحاب النفوذ والسلطة.
هذه النقاط أساسية لتفادي الأسوأ في المرحلة لا بل المراحل المُقبلة، لكنها ليست الحلّ الأمثل للمُشكلة الاقتصادية والمالية والنقدية القائمة. فتشكيل حكومة قادرة على إعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي، أصبحت ضرورة كيانية وسيادية!
قرار القاضي غسان عويدات، ولو أتى مُتأخرًا، هو في الإتجاه الصحيح. وقد كنّا أول من طالب في تشرين الثاني 2019 بملاحقة المضاربين ووقف التطبيقات على الأجهزة الخليوية. وبالتالي كان من المفروض منذ بدء الأزمة قطع الطريق على المضاربين. الجدير ذكره أن التوقعات أن يعمد المضاربون إلى رفع سعر صرف الدولار بوتيرة 1000 ليرة لبنانية أسبوعيا خاصة إذا أحسوا أن الدولة ستبقى غائبة عن مهامها.
"نداء الوطن": الشارع يتدحرج... وموقف "مهم" لقائد الجيش اليوم
عناصر الانفجار الاجتماعي اكتملت، وكل المؤشرات تنذر بأنّ كرة الشارع باتت تتدحرج نحو منزلقات تصعب السيطرة عليها في ظلّ تعاظم الغضب الشعبي وانهيار الأوضاع المعيشية، وتحت وطأة اتجاه أفرقاء السلطة نحو الإيغال في حراك الشارع لتفخيخ المطالب الاجتماعية وإشعال فتائل تفجيرية على الأرضية المطلبية للحراك. وفي هذا السياق، أثارت بعض التحركات الميدانية خلال الأيام القليلة الماضية "ارتياباً مشروعاً" بوجود أصابع حزبية تعمل على تحريك شارعها لإيصال رسائل سياسية في أكثر من اتجاه، بما يشمل الخصوم والحلفاء على حد سواء، ما دفع أوساطاً معنية إلى التحذير من أنّ البلد دخل فعلياً في مرحلة دقيقة على المستوى الأمني جراء "تداخل الشوارع ودخول بصمات حزبية وطائفية على خطها".
وفي وقت يتوقّع أن يرتفع منسوب الإحتجاجات الميدانية اليوم، لا يزال الجيش عند موقفه الرافض لحصول أي اصطدام بين وحداته وبين الشعب الغاضب، مع تأكيده عدم السماح بالفتنة والإصطدام الداخلي، ليبقي على تدخله ساعة تدعو الحاجة إلى ذلك، من منطلق حماية المتظاهرين السلميين والأملاك العامة والخاصة وليس من منطلقات تجعل منه أداة قمعية للناس.
وإذ تستنفر قيادة الجيش جهوزية المؤسسة العسكرية من أجل متابعة هذه المرحلة التي تعتبرها "حساسة جداً" ولا بد من اجتيازها "بحكمة كبيرة"، علمت "نداء الوطن" أنّ قائد الجيش العماد جوزف عون سيعقد اليوم إجتماعاً مع القيادة والضباط يتناول أموراً خاصة بوضع الجيش في هذه المرحلة الدقيقة، على أن يكون له موقف "مهم" أمام المجتمعين، إنطلاقاً من كل الأحداث التي تجري والتحديات التي تزداد نتيجة الأوضاع الإقتصادية والأمنية المستجدة.
وبينما منسوب غليان الشارع يواصل ارتفاعه على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار، والفيديوات تتوالى لتوثيق واقع الذل الذي يكابده اللبنانيون لكي يظفر أحدهم بكيس حليب مدعوم أو عبوة زيت مدعومة لعائلته، لا يبدي الفريق الحاكم حتى الساعة أية "عوارض" تشي بشعوره بوخزة ضمير أو نوبة مسؤولية إزاء ما بلغه البلد وأبناؤه من أحوال متردية، بل على العكس من ذلك لا تنفك المعلومات والمعطيات المتوافرة تؤكد أنّ أركان الطبقة الحاكمة مستمرون في تفعيل أجنداتهم السياسية والشخصية على حساب تحقيق أي مصلحة عامة، من شأنها أن تساهم في رفع البلاء والعوز عن كاهل المواطنين.
في هذا السياق، ورغم أنّ المسؤولين في كل من باريس وموسكو أصبحوا يؤشرون بالإسم إلى رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل باعتباره الطرف المعرقل لتشكيل "حكومة المهمة" الإنقاذية للبنان، يبدو باسيل في المقابل غير آبه إلا بالاستمرار في خوض غمار معركة "كسر العظم" مع الرئيس المكلف سعد الحريري على المستوى الحكومي، ومحاولة مقايضة أي حلحلة في موقفه الداخلي بمسألة رفع العقوبات عنه على المستوى الدولي.
ولتحقيق هذه الغاية، كشفت مصادر ديبلوماسية عن ضغوط كبيرة يمارسها باسيل في سبيل تحويل السفارة اللبنانية في واشنطن إلى "مكتب دفاع" عنه في مقابل العقوبات المفروضة عليه، وذلك من خلال إصراره على إيفاد مدير مكتبه السابق هادي هاشم إلى الولايات المتحدة لتولي شؤون السفارة هناك، بعد بلوغ السفير غابي عيسى سنّ التقاعد خلال أسبوعين، على أن يتولى هاشم شخصياً مهمة تسخير قنوات سفارة واشنطن لمحاولة إعادة ترتيب علاقات باسيل مع الإدارة الأميركية الجديدة.
غير أنّ المصادر لفتت إلى أنّ دفع باسيل باتجاه إقدام وزير الخارجية شربل وهبة على إيفاد هادي هاشم إلى واشنطن، سبّب "بلبلة" في صفوف الطاقم الديبلوماسي اللبناني العامل هناك، لا سيما وأنّ العرف يقول بأنّ من يستلم منصب القائم بالأعمال حتى تعيين الحكومة الجديدة سفيراً خلفاً لعيسى، هو الديبلوماسي وائل هاشم (وهو ابن عم هادي هاشم)، باعتباره أعلى رتبة وأكثر أقدمية من مدير مكتب باسيل السابق، فضلاً عن وجود ديبلوماسيين آخرين ضمن طاقم السفارة في واشنطن أعلى رتبة منه أيضاً كالديبلوماسي بشير طوق. وختمت المصادر بالقول: "يبقى أن تتجه الأنظار لحل هذه الإشكالية إلى كل من وزير الخارجية وإلى الأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، لتحديد المعايير التي ستعتمدها الوزارة إزاء القرار المتخذ بهذا الشأن، فهل يأتي على قاعدة احترام أصول العمل الديبلوماسي والتراتبية والأقدمية داخل السلك، أم وفق ما تمليه مصلحة باسيل على وزارة الخارجية؟".