معركة أولي البأس

لبنان

قمر الاستشهاديين في ذكرى عروجه: ..وتبقى بوصلتنا فلسطين
20/03/2021

قمر الاستشهاديين في ذكرى عروجه: ..وتبقى بوصلتنا فلسطين

محمد حسين خازم
تكادُ تكون الكتابة عن علي أشمر هي الأصعَب بين كلّ ما قد يكتبهُ المرء. لم يعِش عليٌّ إلّا عشرين عامًا في الدّنيا إلّا أنهُ نالَ جدارة ما وصفهُ به الإمام الخامنئي(دام ظلّه) في جوابه على رسـالة والد الشّهيد "أبو عصام" إذ قال: إنّ ولدكم من صنّاع تاريخ هذه المنطقة.

ولأن الحديث عن علي يحتاجُ إلى رؤية كاملة للمشهَد، لا بُدّ أن نتحدّث عن رمزيّة العمل في توقيته. ففي الوقت الذي كان فيه العالم يجتمعُ لسنّ السّكين التي ذبحت أطفالنا يوم قانا في شرم الشّيخ كان لا بدّ أن يصدح صوتُ المقاومة وتكون كلمتها هي العليا. ظنّ العالم حينها أن قطار السّلام الذي امتدّ من الأردن ومصر ووصل إلى أوسلو سيكمل الطريق حتّى يصل الصهاينة الى التنازل العربي والرضوخ لإرادة "العم سام" الحاكم شؤون العرب. في ذلك المؤتمر لم يكن حزبُ الله وحده الهدف بل امتدّت لائحة الرؤوس التي أراد العرب تسليمها للصهاينة من لبنان إلى فلسطين وإلى كل بندقيّة تقاوم اسرائيل.. لذا كانَ قرار المقاومة الإسلاميّة بصمّ آذان المؤتمرين المتآمرين بصوت الانفجار.

وشاءَ الله وقدّر، وبما أنّ المهمة إلهيةٌ محض، أن يكون الاستشهادي واحدًا من الطّين الأسمى، فكانَ علي أشمَر بديلًا عن أحد المجاهدين الذي كان من المُفترض أن ينفّذ العملية.

اختارَ عليٌّ خيار الموت بنفسه، فعندما عُرضَت العملية على الإخوة في "سرايا الاستشهاديين" لم يتردد عليٌّ للحظة، كان أمرهُ قد أُنجزَ بسرعة قياسيّة صدمَت قائد المقاومة وأمينها العام نفسه كما قالَ في لقاءٍ خاص، حتّى أن عليًا لم يكن قد سجّل اسمه كما كان يفعل غالبية أعضاء تلك السرايا النورانيّة.

قمر الاستشهاديين في ذكرى عروجه: ..وتبقى بوصلتنا فلسطين

ذهبَ علي إلى الجنوب لثلاثة أيّام ثم عادَ إلى بيروت دون أن يوحي لأحد أنه سيتحوّل إلى قنبلة تنفجر بالمحتلّ. كان علي قنبلة حرفيًا وهو الاستشهادي "الرّاجل"، وهذا ما صعقَ الاعلام "الاسرائيلي" واعتبره "مبادرةً وابتكارًا من حزب الله"، فليسَ من السّهل أن تحمل في جسدك ذاك الكمّ من القنابل والعبوات إلّا إذا كان لديكَ قلب علي أشمر.

تروي خالته زوجة أبيه أنّه ودعها عن الباب على غير عادته، فهو كان بارًا بها كأنها والدته المتوفاة، تقول إنّ عليًا كان فرحًا جدًا هذه المرة... ثم تأخرَ عن موعد عودته.

لم يكُن يعلم الحاج منيف أشمر الذي يتلقى التبريكات بالعملية الاستشهادية الواقعة قرب قريته العديسة المحتلّة أن من تأخر بالعودة عن البيت هو الذي تفجّرَ بالصهاينة بعد أن ألقى التحيّة على القافلة الصهيونية بوجه مُبتسم وفق بعض الشّهادات. أجزمُ أنّ تلك الابتسامة كانت كابتسامة بطل تدمير مقر "المارينز" في بيروت.

يتصلُ محمّد أشمر (الذي سيلتحقُ لاحقًا بأخيه وحكاية محمّد أشمر نفسها بحاجة لكتابات..) ليبلّغ أباه أن ضيوفًا سيأتون الى منزلهم، أحد هؤلاء الضيوف هو المرحوم الشّيخ حسين كوراني (قده). حينها ادركَ أبو عصام أن الشّهادة طرقت باب منزله، وكان عليٌّ ذاك الاستشهادي، فأصبحَت الفرحةُ فرحتين.

لم يمُت علي لأجل المَوت، فقد كان شابًا نشيطًا مليئًا بالحياة، لكنه نظرَ إلى ما عندَ الله وأرادَ وهب الحياة لأمّة بأكملها، وهذا الذي حصل. عشراتُ الشّباب لا زالوا يُحيون اسمَ عليٍ مع كُل ربيع حتّى أنّ بعضهم سلكَ طريق الجهَاد واستُشهدَ بعد أن اختارَ اسمهُ الجهادي "علي أشمَر" كشهيد الدفاع المقدّس حسن حسين عواضة.. فلعليٍ سلامٌ وحبّ، وبيعة صدق على حفظ الأمانة حتّى ننتصر أو نمُوت دون ذلك.

الاستشهاديونعديسة

إقرأ المزيد في: لبنان