لبنان
رفع الدعم عن البنزين قاب قوسين..التجاذب يرحّل ملف تأليف الحكومة..واتفاق دولي على دعم الجيش
فيما انحسر التجاذب الحادّ على جبهة الرئاستين الأولى والثانية، ركزت الصحف اللبنانية على دعوة حزب الله الأطراف السياسية إلى ضرورة التنازل لمصلحة الوطن، وبينما ذكرت الصحف أن رفع الدعم عن البنزين صار أمراً واقعاً، كان مؤتمر دعم الجيش الذي استضافته فرنسا برعاية الأمم المتحدة يخطف الأضواء.
"الأخبار": السلطة تخيّر السكّان: ذلّ فقدان السلع أو ذلّ جنون الأسعار
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الأخبار" إن رفع الدعم عن البنزين صار أمراً واقعاً. بشّرنا وزير الطاقة أمس بأننا سنكون محظوظين إذا دعم مصرف لبنان استيراد هذه المادة على سعر 3900 ليرة للدولار. حتى هذا إن حدث، فلن يكون لأكثر من ثلاثة أشهر. بعدها، تقول لنا قوى السلطة التي فشلت في وقف الإنهيار، «لا بديل من رفع الدعم بالمطلق مقابل إقرار البطاقة التمويلية». الأغنياء لن يواجهوا أي مشكلة في دفع 200 ألف ليرة ثمناً لصفيحة البنزين ليستعملوا سياراتهم، أما الفقراء فعليهم أن يستعملوا «أمراً آخر»، على ما قال ريمون غجر. ولأن لا وسائل أخرى متوفرة في لبنان، يبدو أن حمير السلطة ستكون الوسيلة الأفضل.
واضافت الصحيفة أنه حتى لو كان التحرك الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام مطلبياً، فإنه لم يكن كافياً لتحريك النقابيين، العاجزين حتى عن تأمين البنزين الكافي لوصولهم إلى مراكز التجمّعات في المناطق. حزب الله نفسه، أحد المشاركين في السلطة، استغرب «المشاركة الأحجية في الإضراب، من قبل أطياف سياسية واقتصادية تتحمل مسؤولية كبرى في صنع مأساة المواطنين». هي أحجية فعلاً. تريد نقابات السلطة، مدعومة من جمعية المصارف وتيار المستقبل وحركة أمل الاعتراض على أداء السلطة نفسها، الذي أوصل الأمور إلى هذا الدرك. والأهم أنها تريد أن توحي بأنها بريئة من دم الشعب. وحده ميشال عون يراد تحميله كل الموبقات. ذلك قد يجوز في السياسة، لكن واقعياً لن يستطيع أحد نزع ثوب المسؤولية عن جسده. يدرك مناصرو أحزاب السلطة ذلك، ولذلك نزلوا بخجل إلى مراكز الاعتصام، إن كان أمام مركز الاتحاد العمالي العام، أو تحت جسر الدورة أو في صيدا وصور وشتورا وطرابلس... حتى إغلاق الطرقات كان محدوداً. لا قوة دفع للتحرك. لم يعد أحد واثقاً بأن النزول إلى الشارع هو الحل في وجه سلطة خبرت التعامل مع الشارع المعارض، فكيف بالشارع الموالي.
ولفتت الصحيفة إلى أن السخط الشعبي كبير، ولذلك يفترض أن تكون أي دعوة إلى الإضراب أو الاعتصام قادرة على حشد عشرات الآلاف. لكن إضراب أمس أثبت أن الشارع محبط، بشقيه الموالي والمعارض، والأمل بالتغيير مفقود. ولذلك حتى فقدان السلع الأساسية من الأسواق وارتفاع الأسعار وإقفال المختبرات وتقليص الخدمات الصحية وعزوف شركات التأمين عن تغطية تكاليف الحوادث والاستشفاء وانقطاع البنزين والأدوية وحتى حليب الأطفال لا يحرّك الناس. فغياب الإيمان بالقدرة على التغيير يعني أن أقصى مطلب قد يكون توسّل السلطة إيجاد الحلول للأزمات المتفاقمة. وهذا مطلب لا يمكن أن يؤتمن على تلبيته من كان مسؤولاً عن هذه الأزمات.
وقالت "الأخبار" إنه أمام كل ذلك، تصبح الحرب السياسية المستعرة على الحصص الحكومية وعلى الفيتوات بمثابة إصرار على قتل أي أمل بإمكانية الخروج من المأزق. هذا من دون الإشارة إلى ما هو واضح: أيّ حكومة لن تكون قادرة على اجتراح المعجزات، حتى لو توفّرت النيّات. لكن مع ذلك، فإن أي حلّ أو أمل بالحل تبقى الحكومة لبنته الأولى. ولذلك، كررت كتلة الوفاء للمقاومة في اجتماعها الدوري اعتبار أن «التنازلات المتبادلة ضرورة حاكمة على الجميع، وليست منقصة لأحد، في حين أن التصلب سيؤدي إلى تعطيل الحلول وتعقيد المعالجات، وإضاعة الفرص الثمينة على الوطن والمواطنين». وقالت إن «اختلاف المقاربات بين المسؤولين ينبغي أن يكون مدعاة لمراجعة الأفكار والمعطيات وإعادة النظر في تقدير الأوضاع والمواقف، وصولاً إلى تحقيق التفاهم المشترك».
ولفتت إلى ان كلام حزب الله لا يمكن ترجمته في الواقع. هو الذي يدرك أكثر من غيره أن الأفق مظلم وأن الأفرقاء الذين يدعوهم إلى التفاهم غير مستعدين حتى للجلوس حول طاولة واحدة.
واضافت الصحيفة أنه إلى ذلك، وأمام هزالة أعداد المعتصمين في مختلف المناطق، كانت الحشود الشعبية تتجمع أمام محطات البنزين في طوابير طويلة مستمرة منذ أكثر من أسبوعين. وعلى ما صار واضحاً، فإن شيئاً لن يكون قادراً على إنهاء هذه الظاهرة، طالما أن مصرف لبنان قرر إيقاف الدعم، وطالما أن البطاقة التمويلية لم تقرّ. وحتى بعدما أعلن مصرف لبنان فتح اعتمادات كانت عالقة، وحتى مع إعلان المعنيين توزيع 12 مليون ليتر يومياً على المحطات، فإن الطوابير لن تخفّ طالما أن الجميع مقتنعون بأن الدعم سيُلغى.
وتابعت "الأخبار" الأسوأ أنه إذا لم تحلّ المشكلة ولم يتمّ الاتفاق مع مصرف لبنان على آليّة لما يُسمّى «ترشيد الدعم»، فإن البنزين قد يفقد من الأسواق خلال عشرة أيام. بحسب مصادر وزارة الطاقة، يصل المخزون الحالي من البنزين إلى 100 مليون ليتر. وهذا المخزون، إذا لم يفتح مصرف لبنان اعتمادات جديدة، كاف لعشرة أيام بالحد الأقصى، علماً بأن ما نقل عن المصرف المركزي في لجنة الأشغال النيابية يؤكد أنه لم يعد مستعداً لفتح اعتمادات جديدة وفق طريقة الدعم الحالية، بحجة أنه ليس قادراً على المس بالاحتياطي الإلزامي. بالنسبة إليه، المطلوب قرار حكومي بـ«ترشيد الدعم» ليسير به، وإلا فإنه «سيضطر» إلى رفع الدعم تماماً، وهو ما بدأ تنفيذه عملياً. وبالرغم من أنه كان وحده من قرر آلية دعم السلع الأساسية (تعميم صدر في الأول من تشرين الأول 2019 وقرر فيه دعم استيراد المحروقات والدواء والقمح)، إلا أنه يرفض «ترشيد الدعم» من دون قرار سياسي. حجته أن الحكومة السابقة هي التي طلبت منه أن يدعم استيراد المحروقات بـ 85 في المئة من سعرها، وأن الحكومة المستقيلة هي التي طلبت منه زيادة الدعم إلى 90 في المئة. في اجتماع اللجنة أمس، نقل وزير الطاقة ريمون غجر عن مصرف لبنان «موافقته» على دعم البنزين والمازوت على سعر 3900 ليرة للدولار، لكن بشرطين: أن يقتصر الدعم على شهرين أو ثلاثة أشهر كحد أقصى، بحيث تكون البطاقة التمويلية قد أقرت خلال هذه الفترة، وأن يأتي القرار من رئاسة الحكومة. أي أمر آخر، سيكون بالنسبة إليه خاضعاً لوضع «الاحتياطي الإلزامي»، الذي يُردّد أنه لن يُمسّ به، علماً بأن الدعم بهذه الطريقة سيعني أن ثمن صفيحة البنزين سيرتفع إلى نحو 60 ألف ليرة، بحسب الأسعار الحالية للنفط، فيما البديل سيكون ارتفاع سعر الصفيحة إلى 200 ألف ليرة، في حال الرفع الكلي للدعم.
وقالت الصحيفة بناءً عليه، توجّه رئيس اللجنة نزيه نجم إلى رئيس الحكومة بالقول: «إذا لم نتخذ قراراً بترشيد الدعم اليوم قبل الغد ونجد حلاً لأزمة البنزين والمازوت، وإذا لم نتجاوب مع الحل كمواطنين فسنذهب الى محل لا بنزين فيه ولا مازوت. وصلنا الى حل 3900 ليرة مع حاكم مصرف لبنان، وعلى الحكومة أن تدرس كيف تستطيع أن تطبّقه وكيف لا يتأذّى المواطنون الذين ليس لديهم إمكانات».
واشارت إلى أنه لذلك، لم تجد اللجنة سوى أن تصدر توصية إلى الحكومة تطلب فيها «تأليف لجنة وزارية مؤلّفة من وزراء: المالية، الطاقة، الاقتصاد، الشؤون الاجتماعية، الصناعة والأشغال ومصرف لبنان (تُضاف إلى اللجنة الوزارية الموجودة حالياً والتي تدرس منذ نحو سنة ملف الدعم من دون أن تصل إلى نتيجة) لدرس وإقرار خطة لترشيد الدعم ووقف تهريب مادتَي البنزين والمازوت واستبدالها بمنصة افتراضية للمواطنين وللنقل العام البري للحصول على البنزين والمازوت على غرار منصة Impact المتعلقة باللقاح».
ولفتت الصحيفة إلى أن التوصية بتشكيل لجنة جديدة لدرس «ترشيد الدعم»، ليست سوى مؤشّر على أن السلطة لا تبالي فعلاً بالتوصّل إلى حلول، بل أقصى ما تريده هو تخيير الناس بين الاعتياد على الذل أو الاعتياد على ذلّ شراء حاجاتها الأساسية بأسعار تفوق قدرة أغلبية السكان. وزير الطاقة ريمون غجر كان أمس أكثر من عبّر عن طريقة تفكير أهل السلطة، كما لم ينسَ التبرير لمصرف لبنان سلفاً كل ما يقوم به على اعتبار أنه سبق أن حذّر. قال غجر بشكل واضح إن «قدرة مصرف لبنان أن يدعم بالطريقة وبالسرعة التي كان يدعم بها سابقاً ستتوقف. أنذرونا وحاولوا إيجاد طريقة لكي تخفّض كمية الدعم إلى أن تقر البطاقة التمويلية والتي يوجد في داخلها كميات تلحظ ارتفاع أسعار البنزين والمازوت». وبدلاً من أن يأتي الخبر اليقين من مصرف لبنان، أخذها غجر بصدره: «إلى حين إقرار هذه البطاقة في مجلس النواب بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة، فإن مصرف لبنان مستعد لأن يكمل الدعم لكن بطريقة أقل».
ورأت الصحيفة أن غجر كان أمس أكثر صراحة من كل المنظومة. وهو لم يتردد في قول ما تضمره من لامبالاة بمصير الناس: «الهدف الأساسي، أن علينا أن نتعوّد ونقتنع بأن هذا الدعم الذي استفدنا منه سنة ونصف سنة وربما لسنوات قبل، دون أن نعرف، سينتهي، وعندما يحصل ذلك يجب أن تكون الناس حاضرة، والمقتدرون يجب أن يدفعوا سعر المواد بسعرها الحقيقي، أما الناس غير المقتدرة والتي هي بحاجة الى دعم والقطاعات الحيوية أو الأفراد، فإن البطاقة التمويلية تحل المشكلة».
تجليات وزير الطاقة لم تتوقف هنا. بل أكمل قائلاً: «الذي لا يستطيع أن يدفع سعر الصفيحة بسعر 200 ألف سيتوقف عن استعمال السيارة وسيستعمل أمراً آخر». ما هو هذا الأمر؟ هل يعقل أن يكون المقصود هو وسائل النقل العام؟ أيّ نقل عام؟ ربما للإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي على الوزير أن يجيب عن السؤال الآتي: هل يعيش في لبنان؟ هل يعرف أن في لبنان لا يوجد باصات عامة ولا قطار ولا ترامواي ولا مترو ولا سيارات كهربائية ولا حتى كهرباء. حتى الحمير انقرضت، إلا إذا كان الوزير يعد الناس بحمير السلطة.
ولفتت الصحيفة إلى أن وقاحة السلطة في مقاربتها مسألة الدعم، لم تجد من يتلقّفها على الأرض. كان كلام وزير الطاقة ريمون غجر، أمس، مادة للسخرية والذم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الاتحاد العمالي العام كان على موجة أخرى. استكمل دوره المعدّ له من قبل السلطة الفاسدة التي أنتجته، إلى حدّ توجّه رئيسه بشارة الأسمر، في اعتصام يفترض أنه ضد السلطة ومجازرها المرتكبة بحق الشعب، بالشكر «إلى من هم في الحكم ودعموا الاتحاد العمالي العام»! وبكل ثقة قال: إن «شعب الاتحاد يجتمع مع مناصري الأحزاب حول لقمة العيش، والاتحاد استطاع جمع الموالين والمعارضين». الأسمر استعار عبارات السلطة كما هي فقال: «من لا يريد هذه السلطة فليغيّرها في صناديق الاقتراع».
وقالت الصحيفة يحقّ للأسمر التباهي بحضاريّته المدفوعة، لكنه لم يكتف بذلك بل أصرّ على المقارنة بين عظمة تحركات الاتحاد وتحركات المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع خلال السنتين الماضيتين، ليخلص إلى أنه أعلى مرتبة منهم. فهؤلاء قطعوا الطرق ودمّروا المؤسسات والأملاك الخاصة والعامة، بينما الاتحاد العمالي العام «يتصرف بصورة حضارية»، معتذراً سلفاً عن قطع الطرق أمس «من قبل بعض المحتجين الذين يموتون كل يوم».
ولفتت إلى أنه لزوم الخطاب، لم ينس الأسمر التوجّه إلى السياسيين بالقول: «توقفوا عن تنفيذ سياسة القتل في حق الشعب، وبادروا الى تشكيل حكومة إنقاذ وإلا الفوضى ستكون عارمة».
من جهته، توجّه رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي نزيه الجباوي، باسم هيئة التنسيق النقابية، إلى السياسيين بالقول: «كل هذه المصائب والمشاكل... ألا تستدعي منكم وقفة ضمير وإنسانية؟ إلى أين أنتم ذاهبون بمصير البلد، وأنتم تتصارعون على جنس الملائكة؟ إذا لم تبادروا وتتنازلوا، فالعصيان المدني سيكون ملاذنا وطريقنا وبات قاب قوسين أو أدنى».
"البناء": رفع الدعم يتقدّم الملفات
من ناحيتها، قالت صحيفة "البناء" إن التجاذب الحادّ بقي على جبهة رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر من جهة، ورئاسة المجلس النيابي وحركة أمل من جهة مقابلة، وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي حرباً ساخنة خرجت في لغة التخاطب عن كل مألوف في مراعاة مصطلحات وأوصاف متبادلة في الحديث عن قادة الفريقين، ما أوحى بصعوبة استئناف مساعي الوساطة قريباً، رغم تأكيدات حزب الله، الجهة الوحيدة القادرة على الدخول على خط هذه العلاقة، على تشغيل محرّكاته، وتحدث نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن بذل الجهود والضغوط والإقناع، للوصول إلى تنازلات متبادلة تتيح تشكيل الحكومة، رفض الشيخ قاسم توصيفها بأنها تنازلات تمسّ بموقعي رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة، أو بصلاحياتهما، أو بطائفتيهما، بينما أوحت الحركة الدولية التي ترجمتها الدعوة الفرنسيّة لمؤتمر دولي افتراضي لدعم الجيش اللبناني بعدم وجود حلول قريبة للملف الحكومي ما استدعى تسريع البحث بكيفية تأمين شبكة أمان تمنع الفوضى في ظل الفراغ الحكومي، عبر تعزيز قدرات الجيش اللبناني على التأقلم مع هذا الفراغ، من خلال مساهمات عينية ومالية تعوّض العجز المالي للدولة وتأثير سعر الصرف على مستوى تلبية حاجات الجيش.
ورأت مصادر اقتصادية أن الحديث عن إجراءات لرفع الدعم، قد تزايد مؤخراً على مستوى المسؤولين الماليين والحكوميين، بما يوحي بخيار الذهاب الى رفع الدعم قبل الحكومة الجديدة، وترك سعر الدولار يرتفع خلال هذه الفترة دون تشغيل منصة مصرف لبنان وتدخله في سوق الصرف، كما كانت الوعود السابقة، وكان لافتاً كلام وزير الطاقة عن قرب ارتفاع سعر صفيحة البنزين الى 200 ألف ليرة، وفهم تمهيداً لترك السوق دون تدخل ودون رقابة، بينما الشارع بدا عاجزاً عن فعل شيء وقد تفرّقت مصادره بين الأحزاب وتشكيلات المجتمع المدني، في ظل عزوف شعبي ناتج عن اليأس من تحقيق أي نتيجة، وهذا ما عبر عنه الإضراب الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام واحتاج بيانات من جميع الأحزاب بدعمه، لضمان نجاحه، من دون ضمان مشاركة شعبية في الاعتصامات التي كانت في قلب الدعوة، بينما كانت التساؤلات الشعبية تطال جدوى الإضراب، ووجهته طالما يتشارك فيه الضحية والجلاد، وطالما صار العنوان الذي يجمع التيار الوطني الحر وتيار المستقبل الدعوة لحكومة جديدة من دون إبطاء.
ولفتت الصحيفة إلى أن المشهد السياسي الداخلي بقي تحت تأثير اشتعال جبهة بعبدا – عين التينة مع استمرار التراشق الإعلامي بين حركة أمل والتيار الوطني الحر على وقع الإضراب العام الذي نفذه الاتحاد العمالي العام في مختلف المناطق اللبنانية احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أصابت مؤسسة الجيش اللبناني بشظاياها الحارقة، مما يهدد وحدة المؤسسة وقدرتها على القيام بأدوارها المتعددة على الحدود وفي الداخل في ضوء تحذير أكثر من مرجع أمني بخطورة الوضع الاجتماعي والأمني وتحرك الشوارع والتوترات أمام محطات الوقود. وخطف مؤتمر دعم الجيش الذي استضافته فرنسا برعاية الأمم المتحدة الأضواء، الذي انعقد عبر آلية الفيديو بحضور ما يقارب 20 دولة وعدد من المنظمات الدولية.
وأشارت مصادر ديبلوماسية لـ”البناء” إلى أن “سبب عقد المؤتمر تأمين الدعم للجيش من غذاء ودواء واستشفاء ومحروقات لئلا تنعكس الأوضاع المالية والاقتصادية المأزومة على دوره وأدائه ولكي يبقى حاضراً في مواجهة الأخطار الأمنية المتعددة”، لافتة إلى أن “هذا المؤتمر تقرر بعدما استشعرت الدول الأوروبية خطراً حقيقياً وكبيراً على الجيش وقدرته على الاستمرار بدوره بشكل طبيعي في ظل هذا الوضع المأزوم، وللحؤول دون تمرد عناصره وضباطه مع ازدياد حالات الفرار من المؤسسة ما يؤثر على معنويات الجيش وبالتالي تقويض الأمن وتهديد الاستقرار وتشريع الساحة الداخلية لتوسع دور الأحزاب والميليشيات وعودة دخول قوى متطرفة إرهابية إلى لبنان في ظل وجود كتلة بشرية هائلة من النازحين السوريين في لبنان، لذلك توفر إجماع أوروبي بعد التشاور بين دول الاتحاد الأوروبي ومع الأمم المتحدة لدعم الجيش، ولهذا السبب يزور المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل لبنان في عطلة نهاية الأسبوع للاطلاع عن كثب على الواقع اللبناني والإشراف على تنفيذ مقررات مؤتمر باريس ولتبليغ رسالة أخيرة للمسؤولين بضرورة تأليف حكومة عاجلة للإنقاذ قبل الانهيار الكامل”. إلا أن أوساطاً سياسية لاحظت أن عقد مؤتمرات كمؤتمر باريس لدعم الجيش يخفي قناعة أوروبية – أممية بأن الأزمة السياسية والحكومية مستمرة وبالتالي لا حلول اقتصادية مالية قبل أشهر عدة، ولذلك استعجل الأوروبيون لعقد هذا المؤتمر لإنقاذ الجيش كحد أدنى من الانهيار الوشيك والتدريجي للوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، لكون أوروبا هي المتضررة الأولى وعلى رأسها فرنسا من أية فوضى أمنية كبيرة في لبنان”، مضيفة: “لو كان الحل للأزمة اللبنانية قريباً لكان تأجل المؤتمر ريثما يتم تأليف حكومة جديدة وتبدأ بإنجاز الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي لاستعادة النهوض الاقتصادي”.
وفيما أكد المشاركون بالمؤتمر “ضرورة دعم الجيش وتأمين متطلبات الدعم الأساسي له ليبقى قادراً على القيام بمهامه في المحافظة على الأمن والاستقرار”. أكد قائد الجيش العماد جوزيف عون في كلمته في المؤتمر أن “لبنان يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة ويبدو واضحاً انعدام فرص الحلول في الوقت القريب والجيش يحظى بدعمٍ وثقة محلية ودولية لذا تزداد الحاجة اليوم أكثر الى دعمه ومساندته كي يبقى متماسكاً وقادراً على القيام بمهامه”. وحذّر من ان “استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان سيؤدي حتماً الى انهيار المؤسسات ومن ضمنها المؤسسة العسكرية، وبالتالي فإنّ البلد بأكمله سيكون مكشوفاً أمنياً”.
وقالت الصحيفة إنه بالتوازي دخلت فرنسا على الخط الحكوميّ عبر زيارة السفيرة الفرنسية في لبنان آن غريو الى دارة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، حيث جرى عرض للملف الحكومي. وعلمت “البناء” أن المشاورات والاتصالات الحكوميّة منقطعة كلياً باستثناء بعض التشاور بين قيادتي أمل وحزب الله وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري وذلك بعد حرب البيانات الأخيرة بين بعبدا وعين التينة.
وأفادت مصادر مطلعة لـ”البناء” أن “المشهد الحكومي بات أكثر تعقيداً بعد التوتر بين بري ورئيس الجمهورية ميشال عون لا سيما أن عين التينة انتقلت من نقطة الوسط إلى التخندق مع بيت الوسط ضد بعبدا، وبالتالي لم تعد هناك إمكانية لبري للعب دور وسطي لتقريب وجهات النظر بين عون وباسيل والحريري أو تحضير زيارة للرئيس المكلف إلى بعبدا كما كان متوقعاً فيما لو نجحت المبادرة، وبالتالي دخلنا أزمة مفتوحة على كافة الاحتمالات”.
وقالت الصحيفة إنه فيما باتت مبادرة الرئيس بري بحكم المنتهية في بعبدا بعد تصويب بيانات الرئاسة الأولى على دور بري وإسقاطها لصفة الوسيط على رئيس المجلس رغم تأكيد رئاسة الجمهورية الاستمرار بالتعاون مع مبادرة عين التينة، أشار مصدر مقرب من رئيس الجمهورية لـ”البناء” إلى أن “الرئيس بري أعلن انحيازه العلني للحريري كما كنا نتوقع في الوقت الذي يجب أن يكون وسيطاً وليس طرفاً لإنجاح مبادرته”. وإذ تساءل المصدر عن “سبب تمسّك ثنائي أمل وحزب الله بالحريري تحت شعار الفتنة السنية الشيعية فيما الحريري لا يستطيع تأليف الحكومة لعدة أسباب من بينها علاقته السيئة بالسعودية”، شدد على أن “المشكلة الأساسية التي تؤخر تأليف الحكومة هي العلاقة السيئة بين الحريري والسعودية وخشيته من إغضابها فيما لو ألف حكومة وأن تؤدي المقاطعة السعودية لحكومته بتفاقم الأزمة الاقتصادية وانفجارها في وجهه”. وفي هذا السياق كشفت جهات مطلعة على المفاوضات واللقاءات الدولية – الإقليمية لـ”البناء” أن “وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تبلغ من وزير الخارجية السعودي خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية في آذار الماضي بأن السعودية لن تسهل ولن تساعد أي حكومة يرأسها الحريري”، مشيرة إلى أن “الحريري تبلغ ذلك أيضاً من وسطاء عديدين”.
وعن خيارات رئيس الجمهورية إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال، لفت المصدر المقرب من عون إلى أن “رئيس الجمهورية لا يملك الصلاحيات لكي يغير الواقع كنزع التكليف من يد الرئيس المكلف، بل جلّ ما يستطيع فعله عون في الوقت الراهن في ظل ضيق الخيارات الدستورية والسياسية لديه، هو مخاطبة الرأي العام اللبناني والمجتمع الدولي برسالة يشرح بالتفصيل حيثيات وظروف التكليف والتأليف”.
وفي السياق نفسه لفتت مصادر تكتل لبنان القوي لـ”البناء” إلى أن “من واجب الرئيس المكلف زيارة بعبدا ليس 18 مرة فقط، بل 180 مرة وهذا واجبه الدستوري لتأليف الحكومة ويجب أن ينطلق من معايير ثابتة ومن روح الدستور والميثاق… فكيف للحريري أن يؤلف حكومة ويريد الثقة النيابية من دون التشاور مع الكتل النيابية التي ستعطي هذه الثقة فضلاً عن تهميشه رئيس الجمهورية الشريك الأساسي بالتأليف لا سيما أن الحريري تشاور مع جميع الكتل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلا مع التيار الوطني الحر”. وتساءلت المصادر: “هل أن أصل المشكلة الاقتصادية والمالية في لبنان سيكون الحل للأزمة”؟ وشددت على الخلاف بين التيار والحريري على جملة ملفات أساسية من السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية كالتدقيق الجنائي ومكافحة الفساد والنازحين وغيرها”. وأضافت أن “المشكلة تكمن في إصرار الحريري على تسمية الوزيرين المسيحيين ورفضه طرح باسيل الذي وافق عليه البطريرك الراعي وتضمن وضع لائحة من أسماء من المجتمع المدني يختار منها عون والحريري”. وأبدت المصادر استغرابها كيف يصادر الحريري حق رئيس الجمهورية بالاشتراك بتسمية كل الوزراء. وكيف يحق للرئيس المكلف تسمية الوزيرين المسيحيين ويرفض أن يسمّي عون وزيرين سنيين”.
وغرّد عضو تكتل لبنان القوي النائب جورج عطالله عبر على “تويتر”: “يبدو أن هناك من اكتشف أن كل من رباهم من أرانب وحمام زاجل فشلوا في المهمة المكلفين بها، الأمر الذي استدعى تدخله المباشر، فسقط ادعاء العيش المشترك، وسقط ادعاء الحفاظ على الميثاقية، والنبيه من الإشارة يفهم”. في المقابل اعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي خريس في تصريح أن “مَن يحاول أن يرشق الرئيس بري بسهام الكذب والخداع وتعمية الحقائق والتلطي وراء بيان من هنا وتصريح من هناك، للسير قدماً في عرقلة تشكيل الحكومة التي ستعالج الأزمات التي يعيشها البلد لتحقيق مصالح طائفية ومذهبية، لا يخدم المسيحيين ولا المسلمين ولا سائر ابناء الوطن”.
وفيما خيم الصمت على دارة الحريري في وادي أبو جميل مع ترقبها لمآل التصعيد بين عون وبري، ذكرت “البناء” أنه ورغم ثني الرئيس بري والمجلس الشرعي الإسلامي ونادي رؤساء الحكومات السابقين الحريري عن الاعتذار إلا أن هذا الخيار يطرح بقوة خلال مشاورات الحريري الداخلية، لكن ينتظر الوقت المناسب واستنفاد كامل اوراق عين التينة وحزب الله مع انتظار انعكاسات قمة بوتين – بايدن على المنطقة ككل ولبنان. ولفت عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار الى أن “الرئيس بري يريد المضي قدماً ولكنه اصطدم بمواقف وتصريحات فريق عون”.
وقالت الصحيفة إنه فيما يكتفي حزب الله برسائل التحذير للمعنيين بالتأليف من دون أي خطوات أخرى، أعلنت كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها أن “التنازلات المتبادلة ضرورة حاكمة على الجميع، وليست منقصةً لأحد، في حين أنّ التصلّب سيؤدي إلى تعطيل الحلول وتعقيد المعالجات، وإضاعة الفرص الثمينة على الوطن والمواطنين”، معتبرة “أن اختلاف المقاربات بين المسؤولين ينبغي أن يكون مدعاةً لمراجعة الأفكار والمعطيات وإعادة النظر في تقدير الأوضاع والمواقف، وصولاً إلى تحقيق التفاهم المشترك.. ومهما بلغت التعقيدات فإنّ الجهود والمساعي التي ينبغي أن يواصلها المسؤولون أثناء الأزمات، من شأنها أن تبعث على الأمل في نفوس المواطنين لأنّها توسع مساحة التلاقي بين الأطراف والفرقاء، ولأن البلد بحاجة إلى مزيدٍ من الحوار والتفاهم الإيجابي بين أبنائه لحفظ مصالح البلاد العليا ولقطع الطرق أمام الانتهازيين والمثيرين للعصبيّات ومنعهم من إسقاط ثوابت الوفاق الوطني”.
واشارت إلى أنه في غضون ذلك، نجح إضراب الاتحاد لعمالي العام بشل معظم القطاعات، من المصارف الى المطار مروراً بالسائقين وموظفي القطاع العام احتجاجاً على الوضع المعيشي والمطالبة بحكومة إنقاذ، إلا أنه فشل في الحشد الشعبي في الشوارع في ظل غياب تفاعل المواطنين الذين انقسموا بين من استطاع التوجه الى أعماله ومصالحه وبين من التزم منزله وبين مَن ارتاد المطاعم والمقاهي للتنزه حيث بدت بعض الشوارع والأسواق شبه عادية، إلا من بعض الطرقات المقطوعة في الشمال والبقاع وصيدا.
ودعا رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، في التجمع المركزي من امام مقر الاتحاد “الساسة بأن يتوقفوا عن التراشق والاتهامات والمحاصصة ويبادروا إلى تأليف حكومة إنقاذ”. واضاف: “ما نراه اليوم من انهيار للمنظومات التربوية، الصحية، البيئية والاقتصادية والحد الأدنى بات يساوي 30 دولاراً، علينا التصدي لهذا الوضع بالتكافل من أجل الحفاظ على عمال لبنان وكل فئات الشعب اللبناني”.
وقالت الصحيفة إن أزمة الكهرباء والوقود الى مزيد من التأزم وكما ذكرت “البناء” منذ أيام فإن رفع الدعم عن البنزين بات أمراً واقعاً ومسألة وقت حتى ينتهي البحث بين وزارة الطاقة ومصرف لبنان والمجلس النيابي عن آلية لرفع الدعم لحماية الفئات الاجتماعية الفقيرة، ما يعني رفع سعر صفيحة البنزين الى مئة وثلاثين ألفاً وما فوق ما سيفجر أزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة. وهذا ما ألمح اليه وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر بعد اجتماع لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه في المجلس النيابي برئاسة النائب نزيه نجم وحضور وزير المال غازي وزني.
وقال غجر: “علينا أن نتعوّد ونقتنع أن هذا الدعم الذي استفدنا منه سنة ونصف السنة وربما لسنوات قبل، من دون أن نعرف، سينتهي، وعندما يحصل ذلك يجب ان تكون الناس حاضرة، والمقتدرون يجب أن يدفعوا ثمن المواد بسعرها الحقيقي، اما الناس غير المقتدرة والتي هي بحاجة الى دعم والقطاعات الحيوية او الافراد، فان البطاقة التمويلية تحل المشكلة”.
وأضاف: “الذي لا يستطيع ان يدفع سعر الصحيفة بسعر 200 الف سيتوقف عن استعمال السيارة وسيستعمل أمراً آخر. سعر الصفيحة الحقيقي بحدود 200 الف ليرة، ونحن ندفع 40 الف ليرة، هذا موضوع يجب أن ينتهي في وقت معين، والحاكم كان يحذرنا من أن الدعم سيقف عندما نصل الى الاحتياطي الإلزامي. وبدل أن نقف فجأة سنحضر انفسنا ونحضر البطاقة التمويلية، وهناك آليات لهذه البطاقة خصوصاً للناس الذين سيتأثرون”.
على صعيد آخر، أعلنت قيادة الجيش في بيان أن “زورقاً حربياً تابعاً للعدو الإسرائيلي خرق المياه الإقليمية اللبنانية مقابل رأس الناقورة، لمسافة حوالى 222 متراً ولمدة 10 دقائق. كا أقدم زورق معادٍ مماثل، على خرق البقعة البحرية المذكورة، لمسافة حوالى 55 متراً ولمدة 5 دقائق، وتتم متابعة موضوع الخرق بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”.
وفي أول موقف رسمي لها بعد تسلمها منصبها هذا الأسبوع، أعلنت وزيرة الطاقة الاسرائيلية كارين الحرار عن استعداد الكيان “النظر في حلول إبداعية لإنهاء ملف الترسيم”، وذلك بعد لقائها الوسيط الأميركي جون دوروشيه الذي يزور فلسطين المحتلة بعد زيارة قام بها الى لبنان.
"النهار": الاضراب الباهت افتقر إلى النبض الشعبي
انحسرت أمس حرب الرئاسات وتحديداً بين بعبدا وعين التينة، اقله في هدنة غير معلنة تولى "استكمال" بعض وجوهها نواب من "التيار الوطني الحر" و"امل" بما لا يبدل شيئا في الواقع المسدود والآخذ في التأزم وسط انطباعات تستبعد تماماً أي امل متجدد في احياء الجهود الداخلية لتأليف الحكومة. ومع ذلك لا يبدو ان رئيس مجلس النواب نبيه بري في وارد اعتبار مبادرته قد سقطت كما ان الرئيس المكلف سعد الحريري ليس في وارد الاعتذار بما يعني ان الستاتيكو الحكومي ليس مرشحاً لاي تبديل وشيك الا اذا ادت تحركات فرنسية وأوروبية تنتظرها بيروت في نهاية الأسبوع الى إعادة رسم المشهد المأزوم مجدداً.
وفي هذا السياق بدا الرئيس المكلف سعد الحريري جازماً في الثبات على خيار التأليف حين قال لـ"النهار" امس ان الاولوية هي للتأليف قبل الاعتذار الذي يبقى خياراً مطروحاً وهو ليس هروباً من المسؤولية بقدر ما هو عمل وطني اذا كان يسهل عملية تأليف حكومة جديدة يمكن ان تساهم في انقاذ البلد. ولا يمكن اعتبار الخطوة فيما لوحصلت انتصاراً لفريق على ركام بلد.
واذ يشير قريبون منه الى انه يملك الخطة الانقاذية، والنهوض ليس مستحيلا لكنه يحتاج الى جهد والى بعض الوقت، يأسف هؤلاء لخوض معارك على حكومة لا يتجاوز عمرها العشرة اشهر، مع اجراء الانتخابات النيابية المقبلة، وينقلون عنه رفضه بشكل قطعي احتمال التمديد لمجلس النواب وقوله "اذا طرح الموضوع سنستقيل حتماً".
ورداً على سؤال عن تحالفه مع الرئيس نبيه بري و"حزب الله"، تقول مصادره انه التقى والرئيس بري في منتصف الطريق الذي يمكن ان يقود الى انقاذ الوضع، في حين انه يعتمد سياسة ربط النزاع مع "حزب الله" درءاً للفتنة، لكنه يعتب عليه لان الحياد في الازمات لا يعدّ موقفاً ايجابياً "لا يمكن له ان يقعد على جنب، هذا موقف غير مسؤول".
ويؤكد هؤلاء ان خلاف الحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل ليس شخصياً على الاطلاق، انما يقوم على تباعد في النظرة الى مجمل الملفات، والى تجاوز الصلاحيات، واحترام الدستور من دون خلق اعراف جديدة.
في غضون ذلك كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"النهار" ان الموفد الفرنسي باتريك دوريل يصل اليوم الى بيروت على ان يبدأ اجتماعاته مع المسؤولين وان زيارته تحمل فرصة اخيرة امام المسؤولين اللبنانيين في الملف الحكومي على قاعدة الجزرة والعصا التي تسير بها فرنسا راهناً جنباً الى جنب مع الاتحاد الاوروبي. ولفتت إلى ان موضوع الشراكة بين لبنان وفرنسا على قاعدة الاعداد لمشاريع تنفذ وفق الية بدأ العمل بها مطلع السنة الجارية وتستمر لسبع سنوات يشكل جزءاً مهماً من زيارة دوريل ولكن فرنسا لا تزال تترك الباب مفتوحا في محاولة اخيرة للدفع نحو تشكيل الحكومة في موازاة الاعداد للعقوبات التي ستعرض امام الاتحاد الاوروبي قريباً. ومحاولة دوريل الجديدة ستكون الاخيرة على الارجح في هذا السياق لان فرنسا في صدد الاعداد للوائح عقوبات تتوافق مع اهداف الاتحاد الاوروبي التي نصت عليها معاهدة ماستريتشت والمتصلة باهداف السياسة الخارجية وابعادها بالتعاطي مع الدول على قاعدة نشر الاستقرار والتنمية وحقوق الانسان. فهناك اجراءات بدأتها فرنسا وابلغتها كما بات معروفاً لاصحاب العلاقة الذين طاولتهم هذه الاجراءات ولكن خطورة العقوبات متى اتخذت من دول الاتحاد الاوروبي انه في حال تطبيقها سيكون صعبا العودة عنها .
واشارت إلى أن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل كان التقى امس في دارته، سفيرة فرنسا آن غريو، وذكر انه عرض للملف الحكومي انطلاقا من أولوية التأليف، وفي ضوء العراقيل التي لا تزال تعترض التشكيل.
الحزب والسجالات
وقالت الصحيفة إنه في المقابل اعلن حزب الله عقب اجتماع "كتلة الوفاء للمقاومة" إن "التنازلات المتبادلة ضرورة حاكمة على الجميع، وليست منقصةً لأحد، في حين أنّ التصلّب سيؤدي إلى تعطيل الحلول وتعقيد المعالجات، وإضاعة الفرص الثمينة على الوطن والمواطنين"، معتبرا "إن اختلاف المقاربات بين المسؤولين ينبغي أن يكون مدعاةً لمراجعة الأفكار والمعطيات وإعادة النظر في تقدير الأوضاع والمواقف، وصولاً إلى تحقيق التفاهم المشترك".
ولفتت إلى أنه على رغم استكانة السجالات المباشرة بين بعبدا وعين التينة تواصلت الردود بين نواب من الفريقين فاعتبر عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب علي خريس ان "من يحاول ان يرشق الرئيس بري بسهام الكذب والخداع وتعمية الحقائق والتلطي وراء بيان من هنا وتصريح من هناك، للسير قدماً في عرقلة تشكيل الحكومة التي ستعالج الازمات التي يعيشها البلد لتحقيق مصالح طائفية ومذهبية، لا يخدم المسيحيين ولا المسلمين ولا سائر ابناء الوطن". واشار الى ان مواقف القيادات السياسية في "التيار الوطني الحر" لن تثمر الا الخراب ولا تبني أوطانا ولا تحمي طوائف او شعوبا"، مؤكدا ان "زعزعة السلم الداخلي خدمة مجانية للكيان الصهيوني الغاصب".
وفي المقابل، غرد عضو "تكتل لبنان القوي" النائب جورج عطالله قائلا "يبدو أن هناك من اكتشف أن كل من رباهم من أرانب وحمام زاجل فشلوا في المهمة المكلفين بها، الأمر الذي إستدعى تدخله المباشر، فسقط إدعاء العيش المشترك، وسقط إدعاء الحفاظ على الميثاقية، والنبيه من الإشارة يفهم".
الاضراب
وقالت الصحيفة إنه وسط هذه الأجواء بدا الاضراب الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام بمثابة ضربة سيف في المياه اذ جاء باهتاً ومفتقراً الى نبض شعبي حقيقي ناهيك عن البعد "الساخر" الذي قلل وهجه الى حدود بعيدة بعدما ركبت موجة الاضراب معظم القوى والأحزاب فضيعت هويته تماما. مع ذلك شل الاضراب معظم القطاعات، من المصارف الى المطار مرورا بالسائقين وموظفي القطاع العام. ودعا رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، في التجمع المركزي من امام مقر الاتحاد "الساسة بأن يتوقفوا عن التراشق والاتهامات والمحاصصة ويبادروا إلى تأليف حكومة إنقاذ". وقال "ما يحصل يخرج عن نطاق العقل لذلك توقفوا عن سياسة القتل بحق الشعب اللبناني وبادروا فورا إلى تنازلات". اضاف: "ما نراه اليوم من انهيار للمنظومات التربوية، الصحية، البيئية والاقتصادية والحد الأدنى بات يساوي 30 دولارا، علينا التصدي لهذا الوضع بالتكافل من أجل الحفاظ على عمال لبنان وكل فئات الشعب اللبناني وهذا لا يتحقق الا بوجود حكومة انقاذ".
إقرأ المزيد في: لبنان
27/11/2024