لبنان
الجامعة اللبنانية: مبادرة لتعزيز دور الطلاب والأساتذة في صناعة التغيير
برعاية وحضور مدير الفرع الثالث في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الأستاذ الدكتور كلود عطية، نظّمت إدارة المعهد لقاءً للبحث والنقاش حول "دور الطلبة الجامعيين في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان".
وقد حضر اللقاء نخبة من أساتذة معهد العلوم الاجتماعية، وعدد من طالبات وطلاّب المعهد الذين عرضوا وناقشوا إشكاليات طالت مقاربتهم لأدوارهم الفعلية والمأمولة، كما الصعوبات والتحدّيات التي واجهتهم على هذا الصعيد.
وفي اللقاء، شدد عطية على ضرورة الدفاع عن الجامعة اللبنانية وأساتذتها وطلابها وكل العاملين فيها، "فهي القوة التغييرية الحقيقية التي من خلالها نستطيع العبور الى مجتمع أفضل وحياة اجتماعية واقتصادية وسياسية أفضل". وقال: "نحن ندرك تمامًا أننا في قلب العاصفة المأساوية التي تضرب أجواء لبنان، وندرك أننا نتعرض كأساتذة وطلاب الى أسوأ انواع التهميش والإقصاء ونعيش حالة من الفوضى المعيشية والاقتصادية والارباك الاكاديمي والحياتي. كما إنّنا نعلم بالخطط الممنهجة لتدمير الجامعة الوطنية وتشتيت أهلها، الاّ أنّنا أبناء الجامعة اللبنانية لا نعرف الاستسلام ولا الخضوع، وسنبقى نواجه كل من شارك وما زال يشارك في تشويه صورة الجامعة وزعزعة استقرارها الإنتاجي، والمالي، ومحاولة التقليل من أهمية دورها كأهم جامعات المشرق والعالم".
الدكتور رياض عبود
بدوره، توجّه الدكتور رياض عبود للطلاّب بالقول: "صحيح اننا ننتمي جميعا الى هذا الواقع، ولكن إيماننا بوعيكم وقدرتكم على تشخيص الداء بفعل تخصّصكم يجعلنا نؤكّد أن التغيير المنشود لن يكون الا من خلال الشباب بناة المستقبل والأجيال".
وأضاف أنّ الملفت في هذا المسار الانحداري الذي نعيشه اليوم هو "الصمت الذي يسود بين النخب الشابة التي من المفترض أن تكون متحرّرة، وأن تكون المبادرة إلى تشكيل خلايا للتغيير عابرة للمذاهب والمناطق. وكأننا ننتظر الحل ممن سلبونا الحياة". وقال: "لا تظنوا أن التغيير يأتي من الخارج، إنّما لن يكون الا من خلال الشباب. نطلب منكم النظر إلى المستقبل بالقدر المطلوب من التعاضد والتكاتف على هذه الأرض الجميلة من أجل الصمود الاقتصادي والاجتماعي. أنتم تتمتعون بالوعي، والقدرة على إيجاد السبل التي يمكن أن تسهم في تخفيف معاناة الناس في محيطكم ومجتمعكم".
الدكتور روبير عبد الله
من جهته، رأى الدكتور روبير عبد الله "أنّ العلوم الاجتماعية بحكم تعدّد ميادينها المعرفية تمكّن الطالب من فهم الهيمنة التي تمارسها القوى السياسية الحاكمة ومسؤوليتها المشتركة عن الانهيار الاقتصادي"، ولم ينفِ آثار الحصار الاقتصادي على لبنان والمنطقة، لكنه اعتبر "أنّ القوى الرأسمالية بطبيعة تكوينها نشأت على النهب الداخلي أولًا، ثم الاستعمار والسيطرة على الشعوب، وأنّ السياسات الاقتصادية جرى إقرارها في المجالس النيابية المتعاقبة منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، ووافقت عليها أطراف السلطة مجتمعة، ومن دون استثناء". لافتًا إلى "أنّ هذه السلطة لم تفكر يومًا بتأسيس اقتصاد فعلي منتج، يقي البلاد ارتهانها لشروط القوى الدولية".
الدكتورة سوسان جرجس
من جانبها، اعتبرت الدكتورة سوسان جرجس أنّه لا بد من توصيف حقيقة هذه الأزمة التي تلقي بثقلها على اللبنانيين كافة بشكل صحيح قبل أن تتكلم عن دور الطالب الجامعي في مواجهة الأزمة اللبنانية الراهنة. ورأت "أنّ ظاهر الأزمة اقتصادي اجتماعي وسياسي أيضًا، إلا أن جوهرها هو أزمة نظام طائفي يعاني من خلل بنيوي معياره الأساسي المحسوبية والزبائنية، ونتيجته الكثير من الفساد، والديون، والعجز وانهيار الليرة اللبنانية، والفوضى الاجتماعية والتبعية السياسية الطائفية". وشددت على دور الشباب عامّة والطلبة الجامعيين خاصّة في مواجهة هذه الأزمة.
الدكتورة ليلى شمس الدين
أما الدكتورة ليلى شمس الدين فأوضحت "أنّ الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية تزداد خلال الأزمات المتلاحقة التي نعيشها، لذا يستوجب الأمر وضع خطة عمل مبنية على استراتيجيات وأهداف وسياسات تسعى لتحقيق الانتقال إلى نموذج تنمية أكثر استدامة وشمولية، مع دور يتمثّل في تعزيز ممارسات الابتكار الاجتماعي والتعاون للمساعدة في إعادة تشكيل اقتصادات مجتمعات ما بعد الأزمة، لا سيّما في ما يتعلّق بالظروف الحالية، وآفاق المستقبل القريب كما البعيد".
واعتبرت هذا الأمر "يستوجب إعطاء الأولوية للتأثير الاجتماعي للشباب، لا سيّما الطلبة الجامعيين، وبالأخص طلبة معهد العلوم الاجتماعية، بوصفهم مهيئين للعمل في هذه المجالات الساعية إلى تنظيم النشاطات بطرق هادفة متنوّعة ومتعدّدة خدمة للصالح العام، وحماية للمصلحة العامة ولزيادة رفاهية الفرد والمجتمع".
وركّزت على دور الإعلام في عملية التأثير، ما يوجب أيضًا "الاستفادة من المنصات الرقمية في جمع وترويج الأفكار، من أجل الضغط والعمل على تحويل القضايا الملحّة إلى قضايا رأي عام".
الأستاذة رندة عبد الكريم
طالبة الدكتوراه الأستاذة رندة عبد الكريم بدورها رأت أنّ "الطلبة هم قوة تغييرية حقيقية"، وأنّ "دور الطلبة الجامعيين إبان الكارثة الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها لبنان يعد من المواضيع التي تتناول مسألة الحركة الطلابية ودورها في المواجهة والتصدي ضد كل من شارك وما زال يشارك في ضرب مؤسسات الدولة الاساسية وعلى رأسها الجامعة اللبنانية، بالإضافة الى السياسة الممنهجة في تجويع الشعب اللبناني وتهجير شبابه وطلابه". لذا كان لا بدّ من أن "ينظّم الطلبة أنفسهم في تكتلات ولجان واتحادات طلابية تساهم بشكل مباشر في المواجهة".
ووجّهت دعوة مفتوحة "لمشاركة الطلاب بتنظيم إضرابات مفتوحة ومتكرّرة تترافق مع سلسلة مكتوبة من المطالب المحقة الموثقة علميا بما يلامس المشاكل الواقعية والحاجات الحقيقية". كما حثّتهم على الإعلان عن أنفسهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو الاعلام.
الدكتور شوقي عطيه
الى ذلك، استهل الدكتور شوقي عطيه مداخلته بالقول: "ولدنا في دولة فاسدة، إلا أن الفساد ولد قبل ولادتنا. فالدولة اللبنانية التي نعرفها اليوم ولدت على أسس رملية تهتز عند كل عقبة سياسية محلية كانت أو دولية. والفساد لم ينفك يلاحقها، فلكل حقبة من عمر لبنان فاسدوه". وأضاف "أبرز ما يتجلّى هذا الفساد في القضاء على كل ما هو جيد في الدولة، وها هي الأيدي تمتد إلى الجامعة الوطنية، فتخنق موازناتها حتى قبل أن يتهاوى سعر الصرف. وبذلك يتم التضييق أكثر فأكثر على أساتذة الجامعة الذين جلّهم من المتعاقدين، فيصبح هم الأستاذ أو الموظف المتعاقد أن يدخل إلى نعيم الثبات الوظيفي وطموح المتفرّغ أن يدخل في الملاك".
الطلاب
وفي مداخلة لها، رأت الطالبة أناغيم حدارة أنّ هذه الأزمة ليست وليدة الفساد والفشل الحالي فقط، بل هي نتيجة فساد وسرقات وسوء إدارة وتخطيط توالت مع السلطات التي مرت على لبنان منذ 30 عاما وحتى اليوم"، وأوضحت أنّ "هذا الأمر لا يعني الاستسلام للواقع، ولا أن ندعو الدول الاستعمارية الى تلبية أطماعها واستنزاف ما تبقى من ثروات بلادنا، ولا يمكن انتظار استغاثة من دول تستميت لتسلب منا ما تبقى، ولا انتظار هيئة الأمم، ولا المجتمع الدولي، ولا صندوق النقد، ولا حتى الحكومة التي لن تحقق ولادتها إلا مزيدًا من الفساد والسرقة".
زميلتها، الطالبة آية فوّال اعتبرت أنّ "الأسوأ لم يأت بعد، فالبلاد على شفا انهيار شامل لن يطال الاقتصاد وحده". وقالت: "يكاد يكون دور الطالب معدومًا خاصة على صعيد إحداث أي تغيير مؤثّر على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي للبلد".
ورأت أنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان تتطلّب خطة عمل إصلاحية، وليس غريبًا أن تكون الخطة الإصلاحية صلبها الروح الشبابية. فمعظم الطلاب وخصوصا خلال ازمة كورونا، لجؤوا الى تطوير مهاراتهم واستغلال هذا التطوير للمشاركة بمسابقات تدعم الابتكار والأفكار التي تبغي الربح، وتساعد على انماء المجتمع.
كما شدّدت طالبة الدكتوراه الأستاذة فاطمة الموسوي على أنّ "الطلاب في قلب المواجهة، والجامعات اللبنانية محورها في حضرة الجامعة اللبنانية ومعهد العلوم الاجتماعية، حيث القوة البحثية الفعلية، القادرة على قلب المعادلة، وتغيير المشهد المأساوي وتحويله بفعل الدراسات والابحاث والحركات الطلابية، ودعم الاساتذة المنتمين الى هذا الصرح العظيم.
كما أجمع الأساتذة المشاركون على شكر القيمين على تسيير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في هذه الظروف الدقيقة، وبصفة خاصّة للعميدة مارلين حيدر التي تسعى وبشكل يومي الى تذليل الصعاب ومعالجة المستجدات، كما توجّهوا بالتحية والتقدير الى مدير معهد العلوم الاجتماعية الفرع الثالث د. كلود عطية الذي جسد بآلية إدارته للمعهد في ظل ظروف غير طبيعية مثالاً للإدارة الشابة والمرنة في سبيل المحافظة على المصلحة العليا للطلاب، ولم يستثن الجهد المبذول من قبل عائلة المعهد المكوّنة من الأساتذة الزملاء والموظفين الإداريين على حد سواء.
واختتم اللقاء الذي ضمّ ثلاث جلسات تخلّلتها مساحات طرح ونقاش من قِبل طالبات وطلاّب معهد العلوم الاجتماعية - الفرع الثالث، بتوصيات من مدير المعهد البروفسور كلود عطيه حث فيها الطلاّب على التموضع ضمن الدوائر المتاحة أمامهم والتي يُفترض أن يشكلوها بوعيهم وتصميمهم وسعيهم للنهوض بواقعهم ومجتمعاتهم إلى واقع أفضل.