لبنان
الحكومة تتأرجح بين التأليف والتعطيل
تتراوح أجواء التأليف بين التفاؤل من جهة والتحفظ من جهة أخرى، مع استمرار الاتصالات بين رئيسي الجمهورية والمكلف تشكيل الحكومة لمعالجة العقد القائمة.
وتترقب الصحف اللبنانية التطورات في هذا الملف على وقع الرهانات والتوقعات وفي ظل تلاشي الإيجابية التي شهدها نهاية الأسبوع الماضي، فهل سنشهد رؤية حلحلة حكومية في الساعات المقبلة ؟
الحكومة لا سالكة... ولا معطّلة!
بداية مع صحيفة الأخبار التي رأت أن مفاوضات تأليف الحكومة لم تحقّق النتيجة المرجوّة. غيرَ أنّ الأبواب ليسَت موصدة بالكامل. الحكومة شبه مُنجزة، لكنّ العقد التي لم تُذلّل بعد يمكن أن تفجّر التشكيلة
وبحسب الأخبار لم يحتَج التفاؤل المُفرِط نهاية الأسبوع الماضي، بقرب تأليف الحكومة، أكثر من ساعات كي يتلاشى. فالبنيان الذي قامَ عليه، لم يكُن معلومات ووقائع، بقدر ما كان آمالاً في غير محلّها.
وأضافت أنه يومَ أمس، اصطدم حراك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بعقَد شلّت القدرة على تأليف الحكومة بسبب العراك على الحصص. غيرَ أنّ النافذة التي فتحها إبراهيم الأسبوع الماضي وأغلِقت بسبب تمترس كلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي خلف مطالبهما وشروطهما، لم توصِد الأبواب نهائياً في وجه التأليف. فإلى جانب حراكه، كان ثمة خطوط أخرى مُشرّعة في السرّ، وهي لا تزال كذلك.
وعلِمت «الأخبار» أن «مفاوضات مباشرة يديرها قنصل لبنان الفخري في موناكو مصطفى الصلح (صهر طه ميقاتي) مع الوزير باسيل لتذليل ما تبقّى من عقبات أمام ولادة الحكومة». وقالت مصادر مطّلعة إن «الصلح تربطه بباسيل علاقة صداقة قوية، وهو ما دفعَ الأخوَين ميقاتي إلى أن يكونا أكثر تفاؤلاً، على اعتبار أنها تجعل فرص التوافق أكبر».
وحتى ساعات الليل المتأخرة، لم يكُن هناك من اتفاق، لكن الكلام لم يتوقّف، وهو يتمّ أحياناً بصورة مباشرة بين الرئيسين. ولا يزال النقاش يتناول 3 عقَد: الأولى تتعلّق بوزارة الاقتصاد التي يُصرّ ميقاتي على أن تكون من حصة السنّة. والثانية، ترتبط باسمَي الوزيرين المسيحيين، وخاصة أن «ميقاتي عاد وطرح أسماء جديدة في التشكيلة الأخيرة التي حملها اللواء إبراهيم الى قصر بعبدا أول من أمس، هما عضو مجلس بلدية بيروت أنطوان سرياني وسليمان عبيد (نجل الراحل جان عبيد)، إلا أن عون رفض الأخير».
ولفت الأخبار إلى أن اللواء إبراهيم كان «قد طلب من رئيس الجمهورية إعطاء موقف أخير من التشكيلة الجديدة لإبلاغ ميقاتي بها، لكنّ عون طلب مزيداً من الوقت لدرسها». أما العقدة الثالثة التي لا تزال موضع نقاش بين الصلح وباسيل فهي إعطاء الثقة لحكومة ميقاتي الذي يشترطها مقابل إعطاء رئيس الجمهورية العدد الذي يطالب فيه بالحكومة».
وفيما يترقّب المعنيّون مفاوضات باسيل ــــ الصلح والنتيجة التي ستحقّقها، قالت مصادر مطّلعة إن «مسؤولية التعطيل مشتركة»، مشيرة إلى أن «ميقاتي ليس على كلامه رباط، وقد أدخل أكثر من مرّة تعديلات على توزيع الحقائب والأسماء، بعكس ما كان يجري الاتفاق عليه مع عون وباسيل».
وكشفت المصادر أن «الأسبوع الماضي، أي منذ بدء اللواء إبراهيم حراكه، تبدّلت التشكيلة أكثر من عشر مرات»، وهذا الأمر «كان سبباً أساسياً في اللقاء الذي جمع ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري. إذ طلب من معاونه السياسي النائب علي حسن خليل الاستفسار عمّا يجري قبل أن يطلب الاجتماع بالرئيس المكلّف في عين التينة».
وبناءً على هذه الوقائع، قالت مصادر سياسية بارزة على بيّنة من المشاورات إن «الحديث عن عودة إلى النقطة الصفر مبالغٌ فيه، تماماً كما القول بأن الحكومة صارت قريبة». وأوضحت المصادر «إننا في منتصف الطريق. فإما أن تؤدّي المفاوضات الى اتفاق نهائي، أو يعود الرئيسان عون وميقاتي أدراجهما الى المربّع الأول، وحينها تُصبِح كل الخيارات مفتوحة ومن بينها الاعتذار».
الحكومة في مخاض الولادة...
بدورها، صحيفة البناء تطرقت إلى توقف الحركة الحكومية في يوم تشييع رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، وأشارت إلى أن الإتصالات ستنشط اليوم في محاولة لإنقاذ الحكومة من مربع التعطيل وإنقاذ البلد من أزماته والكارثة التي تنتظره بعد أسبوع مع التوجه الرسمي الى الرفع الكامل للدعم عن المحروقات.
وكشفت مصادر معلومات «البناء» أنّ الحكومة كانت قاب قوسين أو أدنى من الولادة وتمّ تحديد موعد لإعلانها خلال زيارة يقوم بها الرئيس المكلف إلى بعبدا الثلاثاء الماضي لكن ميقاتي زار رئيس المجلس النيابي نبيه بري تمنى رئيس المجلس تأجيل إعلان الولادة الحكومية بسبب الانشغال الرسمي بتشييع قبلان.
ولفتت المعلومات إلى أنّ العقد ذللت لا سيما وزارة الاقتصاد التي نالها ميقاتي مقابل منح حقيبة أخرى لعون وكانت الأجواء إيجابية جداً، لكن خلال الساعات الماضية طرأت بعض المستجدات وبرزت عقد جديدة فرملت اعلان الحكومة.
وشدّد مصدر نيابي مطلع في التيار الوطني الحر لـ«البناء» على أنه «صحيح أن التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية هما في جبهة سياسية واحدة لكنه لم يتدخل بدقائق وتفاصيل التأليف المعني بها رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف وبالتالي نحن نفصل بين الموقع الدستوري لرئيس الجمهورية وصلاحياته الدستورية وبين شراكتنا كتيار في العملية السياسية، ولذلك التيار لا يتدخل في مفاوضات التأليف وليس لديه حصة في الحكومة ومن حق التكتل عدم المشاركة في الحكومة ومن حقنا التدخل في اختيار بعض الوزراء وبرنامجها وبيانها الوزاري إذا قرّرنا المشاركة».
وأكد المصدر أنّ «رئيس الجمهورية لديه كل النية لتأليف الحكومة ووصلت المساعي الى خواتيم إيجابية، لكن حصل ما ليس في الحسبان ومن يواجه عائق أيّ كان عليه أن يصارح اللبنانيين، لكن بالتأكيد العرقلة ليست من جانب رئيس الجمهورية.
كما أشار المصدر أن «هناك فرصة جدية لتأليف الحكومة ويجب استثمارها والرئيس يقدّم كلّ التسهيلات لكن وفق الأصول الدستورية واحترام التوازنات السياسية والطائفية». كما رأى المصدر أن «اتهام رئيس الجمهورية بنيل الثلث المعطل هو الشماعة التي تعلّق عليها كلّ العراقيل التي يتحمّل مسؤوليتها الأطراف الأخرى مثل نادي رؤساء الحكومات وتيار المستقبل».
وفي سياق، اخر كشفت أوساط حكومية لـ«البناء» أن الدعم سيرفع كلياً خلال الأسبوع المقبل عن المحروقات وسيتوقف مصرف لبنان عن فتح اعتمادات على سعر 8000 ليرة ما يعني ارتفاع سعر صفيحة المازوت الى 200 ألف ليرة وصفيحة البنزين الى 250 ألف ليرة ما سيدفع التجار الى استغلال هذا الأمر لرفع أسعار معظم السلع والخدمات.
وبحسب المصادر فإن التجار يشترون صفيحة المازوت والبنزين من السوق السوداء بأكثر من سعرها بعد رفع الدعم الكلي ما يستوجب من الأجهزة الحكومية والقضائية والأمنية والرقابية إعلان حال الطوارئ لمكافحة عمليات التلاعب بالأسعار والاحتكار الذي سيدفع ثمنه المواطنون.
وحذرت المصادر من رفع الدعم من دون إقرار البطاقة التمويلية التي تعوّض عن المواطنين شيئاً من خسارتهم بعد رفع الدعم كلياً، لكن مصادر «البناء» لفتت الى وجود تأثير لافت في مسألة متابعة آليات تطبيق رفع الدعم لأسباب مجهولة علماً أنه كان من المفترض الاعلان عن إطلاق المنصة الالكترونية لتسجيل الأسماء وتوفير مصادر التمويل.
طبخة الحكومة: سباق بين عضّ الأصابع.. ودخان بعبدا!
من جهتها، أشارت صحيفة اللواء إلى ان نقاط الخلاف لا زالت قيد البحث حول الحقيبة البديلة للاقتصاد التي سيتولى الرئيس ميشال عون تسمية وزيرها في حال تولى الرئيس ميقاتي تسمية وزير الاقتصاد.
كما يجري بحسب اللواء تبادل اسماء للوزيرين المسيحيين اللذين سيتوليان حقيبتي السياحة والمهجرين واللذين يفترض اختيارهما بالتوافق بين الرئيسين لمنع حصول اي طرف على الثلث الضامن، لكن الجو ليس متشنجاً وهناك رغبة في الحلحلة وربما اصبحت في الخواتيم.لكن تبديل الاسماء والطوائف للحقائب يعيد خلط الاوراق.
وقالت مصادر الصحيفة انه طالما حبل التواصل قائم فهذا يعني ان نسبة وإمكانية التوصل الى تفاهم اعلى من نسبة إمكانية الفشل. وان الرئيس ميقاتي يعمل على بلورة صيغة حكومية شبه نهائية ولن يزور قصر بعبدا إلّا وهي في جيبه بعدما يكون التوافق قد حصل.
وعلمت «اللواء» من مصادر سياسية مطلعة أن هناك عملية تبدلات تحصل في بعض الحقائب والأسماء لأن اي تبديل في حقيبة يدفع إلى إجراء تبديل في حقيبة أخرى. وأشارت المصادر إلى أن حقيبة الاقتصاد لا تزال هي العقدة خصوصا أن الأسماء المطروحة يجب أن يحظى احدها على التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. وفهم أن هناك مسودة تنقلت أول من أمس بين بعبدا والبلاتينوم من خلال موفدبن وكانت هناك أسماء يتم ترتيبها وأخرى ناقصة.
وافيد أن بعبدا لا تزال على تفاؤلها لتأليف الحكومة وتنتظر رئيس الحكومة المكلف.
وعلمت اللواء أن من بين الأسماء التي طرحت أول من أمس محمد بعاصيري. وذكرت المصادر إن أي موعد بين الرئيسين عون وميقاتي يعني حكما أن الطبخة الحكومية نضجت.
الا ان أوساط متابعة اشارت إلى ان الطبخة الحكومية، باتت عالقة بين سباق «عضّ الاصابع» أو صعود الدخان الأبيض أو الأسود من قصر بعبدا، في فترة زمنية لا تتعدّى نهاية الشهر الجاري.
تلاشي الإيجابية الحكومية
أما مصادر صحيفة الديار فقد رجحت ان يتجنب الرئيس المكلف تسلم كرة النار وانتظار ردة الفعل الشعبية وهو مكلف وليس رئيسا فعليا ليقطع الطريق على اخصامه لتحميله كامل مسؤولية القرارات الصعبة المرتقبة وعلى رأسها رفع الدعم.
وأضافت المصادر «كما ان المعنيين بعملية التشكيل اي عون وميقاتي ينتظران ما يطبخ اقليما ودوليا خاصة في ظل معلومات تتحدث عن امكانية توقيع اتفاق جديد مع طهران بخصوص برنامجها النووي مع نهاية ايلول وبشروطها هي، ما يعني ان ميقاتي لا يمكن ان يترأس حكومة بشروطه في جو اقليمي ودولي يثبت مجددا انتصار محور المقاومة الذي تجلى بوضوح مؤخرا بالليونة الاميركية باعطاء ضوء أخضر للبنان للتواصل مع دمشق لتأمين الطاقة عبر الاردن ومصر».
كما أوضحت ان «ما دفع كثيرين في اليومين الماضيين لتصديق رواية انجاز عملية التشكيل كان نجاح جهود مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم بعد لقائه ميقاتي ليتبين ان الاخير لم يكن صادقا او واضحا تماما بما ابلغه اياه، اذ ما لبث ان تراجع عنه بعد عودة ابراهيم من لقاء مع الرئيس عون وضعه فيه في جو انتهاء عملية التشكيل».
وقالت مصادر قريبة من الرئيس عون لـ «الديار» ان الاتصالات غير المباشرة مستمرة منذ الإثنين، وان الجو العام يجنح نحو الحل، موضحة انه لم يبق هناك الا عقدتين ابرزهما وزارة الاقتصاد التي لم يحسم مصيرها بشكل نهائي بعد وان كانت قد وضعت على طريق الحل. واضافت: «من الحلول المقترحة ان تعطى للسنة على ان يتم الاتفاق على الاسم الذي ستوكل اليه بين الرئيسين ميقاتي وعون»، مؤكدة ان «الافق الحكومي غير مقفل».
وفي الوقت الذي تصر فيه اوساط بعبدا دائما على اشاعة اجواء ايجابية بخصوص عملية التشكيل، تبدو اوساط ميقاتي حذرة، وهي تحدثت بالامس عن مراوحة تشهدها الاتصالات والملف. ولعل الحذر الذي تبديه الاوساط هو نتيجة اقتناعها بأن ما يؤخر التشكيل ليس عقدة وزارة الاقتصاد انما الوزيران المسيحيان اللذان يفترض الا يكونا من حصة الرئيس عون، وهو بالمقابل يصر على ان يشارك بتسميتهما ما يعيد اشكالية الثلث المعطل الى الواجهة.
إقرأ المزيد في: لبنان
27/11/2024