لبنان
الدولار يقفز إلى 23 ألف ليرة..الأزمات تتراكم..الحكومة معطلة والسعودية تحارب لبنان
ركزت الصحف اللبنانية اليوم على ملفات عدة، هي حديث الساعة لدى كل اللبنانيين، وأبرزها ارتفاع سعر الدولار إلى 23 الف ليرة، في مقابل تراكم الأزمات الاقتصادية التي تعصف في لبنان، كل ذلك في ظل تعطل عم الحكومة وشن حرب سياسية واقتصادية سعودية على لبنان.
الكويت: لا تأشيرات قبل استقالة قرداحي؟
وفي هذا السياق، قالت صحيفة "الأخبار" إنه على وهج الأزمة التي افتعلتها السعودية، يتواصل النقاش حول سيناريوات واحتمالات المقبل من الأيام، فيما لا يلوح حل في الأفق، فضلاً عن اليوميات التي باتت مثقلة بمعارك موضعية على شكل تصفيات حسابات سياسية، مع اقتراب استحقاق الانتخابات النيابية.
ولفتت إلى أنه في الأيام الماضية، لم يُسجّل أيّ تقدم في ما يتعلق بشلل الحكومة رغم محاولة الرئيس نجيب ميقاتي الإيحاء، بعدَ اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال عون، أول من أمس، بوجود إيجابيات. لكن ما هو محسوم، حتى الآن، هو أن كل المواقف لا تزال على حالها. إذ لا يزال حزب الله وحركة أمل يرفضان طرح إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي أو استقالته تحت الضغط، وعقد أي جلسة للحكومة يُطرح عليها الأمر.
وقالت المصادر إن ميقاتي كرّر، في اليومين الأخيرين، محاولة إقناع الثنائي وتيار المردة بحضور جلسة تبحث في إقالة وزير الإعلام، على أن يصوّتوا ضدها. لكن الجواب أتى سلبياً أيضاً. فيما يرفض ميقاتي، من جهته، عقد أي جلسة يحضرها وزير الإعلام ويتلو بيانها لأن «ذلك سيشكّل استفزازاً للمملكة ودول الخليج».
المصادر أوضحت أن المشكلة لم تعد محصورة بين ميقاتي والثنائي الشيعي، بل بات الخلاف أيضاً مع رئيس الجمهورية الذي يُصرّ على إعادة تفعيل عمل الحكومة في ما تبقّى من عهده. وهو يعبّر بوضوح، في الكلام الذي يصدر عنه وينقله مقربون، عن أنه لم يعُد قادراً على مجاراة الأطراف الأخرى في موقفها «التعطيلي». ولفتت إلى أن تغريدة رئيس الجمهورية، أول من أمس، بأن «الأبرياء لا يخافون القضاء»، لم تكن موجّهة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري فحسب، وإنما غمزت أيضاً من قناة الحزب، وقد سبقها بيان لتكتل «لبنان القوي» وصف تعطيل الحكومة بأنه «جريمة موصوفة في حق اللبنانيين».
ولفتت "الأخبار" إلى أنه وسط هذا المناخ، جاء قرار الكويت بوقف منح تأشيرات الى اللبنانيين ليزيد من الضغط ويؤشّر الى مزيد من التصعيد الخليجي تجاه لبنان. وقالت مصادر متابعة إن «اللبنانيين تعوّدوا أن تكون دولة الكويت في موقع وسطي»، لذلك فإن هذا القرار «قد يكون مقدّمة لإجراءات أكثر قسوة من دول أخرى». إلا أن مصادر دبلوماسية نقلت الى مسؤولين لبنانيين أن «الجانب الكويتي لمّح إلى أن إقالة وزير الإعلام من شأنها أن تكون باباً للحوار والحل، وفي حال حصولها، يُمكن إعادة النظر بأمر التأشيرات كما يُمكن أن تعتبر بادرة حسن نية لبنانية تجاه المملكة ودول الخليج».
"البناء": السيد نصرالله يرسم خرائط الصراع
من جهتها، صحيفة "البناء"، قالت إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، رسم في كلمته بمناسبة يوم الشهيد، خرائط الصراع التي تحيط بلبنان، وفي قلبها مقاربته لما سمي بالأزمة في العلاقات السعودية- اللبنانية، متابعاً ما بدأه بقراءته لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وخط التراجع الاستراتيجي الأميركي، مضيفاً ما ترتب على سفن كسر الحصار من تداعيات عبر عنها الأميركيون علناً بالتراجع عن حلقات من سلسلة عقوبات قانون قيصر والسماح باستجرار الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سورية إلى لبنان، ليشير إلى مسار يحتاج للمراقبة والتدقيق عنوانه إعادة نظر أميركية بخط التصعيد، بعدما اكتشفت أن لا جدوى سياسية من هذا التصعيد بوجه المقاومة والسعي لإضعافها، والنتيجة الوحيدة هي الحاق الأذى بلبنان واللبنانيين وفي الطليعة منهم حلفاء واشنطن، وعلى خلفية التراجع والمراجعة على مستوى واشنطن، قلق إسرائيلي شامل وجودي وسياسي وعسكري واستراتيجي وآني، والنواة الصلبة التي تتكوكب عليها العناصر المسببة لهذا القلق هي المقاومة وقوتها المتنامية، ومعادلات الردع التي صنعتها، وصولاً لصواريخها الدقيقة، مؤكداً أن المعادلة التي تثير رعب قيادة كيان الاحتلال ونخبه هي معادلة الجليل، التي أكد أنها قائمة وتتمدد وتنمو كل يوم.
ولفتت الصحيفة إلى أنه وفقاً لهذين العاملين، تراجع ومراجعة في واشنطن، وقلق في تل أبيب، رسم السيد نصرالله صورة المشهد في المنطقة، خصوصاً ساحتي الاشتباك الكبيرتين، سورية واليمن، ففي سورية نصر بائن تأتي زيارة وزير خارجية دولة الإمارات العربية لها اعترافاً بهذا النصر، بعد إنفاق مئات مليارات الدولارات العربية لإلحاق الهزيمة بسورية، وفي اليمن تسارع بتحقيق نصر كبير يكفي ما قاله عنه معاون وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شنكر، الذي استعاد نصرالله كلامه عن اعتبار النصر في مأرب نهاية الحرب، وهزيمة كبرى لواشنطن والرياض، موضحاً من موقع العارف، أن نصر سورية سوري على رغم شراكة الحلفاء، وأن نصر اليمن يمني حيث لا شراكة لأحد.
واضافت الصحيفة أنه في الأزمة مع السعودية وتداعياتها اللبنانية، أكد السيد نصرالله عدم الرغبة بالتصعيد، ولا باستمرار الأزمة التي وصفها بالمفتعلة محاولاً البحث عن تفسير لها، مستعرضاً الفرضيات المتداولة، نافياً ما نسب للمفاوضات بين إيران والسعودية في العراق حول دعوة إيرانية لمراجعة حزب الله بخصوص اليمن، قائلاً إنه اطلع على محاضر الاجتماعات، ولبنان وحزب الله لم يرد ذكرهما في المفاوضات على الإطلاق، معتبراً أن الحديث عن هيمنة حزب الله كذبة، مقدماً قضية القاضي بيطار مثلاً صارخاً، حيث لم ينجح من يفترض أنه الحزب المهيمن على الدولة بتنحية قاض يعتبره مسيساً واستنسابياً، على رغم محاولاته على مدى شهور ولجوئه للمسارت القضائية والحكومية، رافضاً الدعوة لاستقالة أو إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، واضعاً الاعتبار السيادي أولاً في أي مقاربة للملف، مضيفاً، أن أول الوهن كان في استقالة الوزير شربل وهبي، داعياً للصمود بانتظار رؤية مصير محاولات التهدئة، داعياً القيادة السعودية إلى العقلانية والتفكير بهدوء بجدوى تصعيد لا جدوى منه، وأن تذهب إلى وقف النار وفك الحصار لوقف الحرب التي آن لها أن تتوقف.
وأكَّد السيد نصرالله خلال كلمة له بمناسبة «يوم شهيد حزب الله» أن السعودية افتعلت أزمة مع لبنان، ورفضنا استقالة أو إقالة وزير الإعلام. سائلاً: «إذا استقال وزير أو أقيل، فهل يحصل هذا الأمر في دولة سيدة وحرة وكريمة وشريفة؟ وهل تُحلّ المشكلة كما قال كثير من اللبنانيين في استقالة وزير»؟ وسأل أيضاً «من طالب وزير الإعلام أن يقدّم المصلحة الوطنية؛ فهل المصلحة الوطنية في استجابة في كل ما يطلبه الخارج؟»، وأضاف «المطالب والشروط السعودية لا تنتهي في لبنان وهل المصلحة الوطنية في الخضوع والإذلال»؟ ولفت إلى «أنَّ سورية التي نقول عنها أنها صديقة لبنان لم تُقدم على خطوة ضد بلدنا على رغم شتمها خلال 16 سنة، ولم تقف عائقاً دون وصول الغاز والكهرباء إلى لبنان على رغم الحملات والشتائم والاعتداءات»، مضيفاً «إيران كذلك واصلت استعدادها لتقديم المساعدة ولم تمنن أحداً على رغم الحملات ضدها والشتائم خلال 16 سنة».
ورأى السيد نصرالله أن «الأزمة التي افتعلتها السعودية هي جزء من المعركة مع المقاومة ومع مشروع المقاومة في لبنان، وهي خلال كل السنوات الماضية ومنذ عام 2006 والسعودية موجودة في هذه المعركة». وكشف أن السعودية تريد من حلفائها في لبنان أن يخوضوا حرباً أهلية، ومشكلتها مع حلفائها في لبنان أنها تريد منهم خوض قتال مع حزب الله لمصلحة المشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة».
وأوضح أن حجّة السعودية بافتعال أزمة مع لبنان بسبب هيمنة الحزب افتراء كامل وكذب محض. وتابع: «كيف لحزب ميهمن «يخابط» منذ عام ولا يستطيع تنحية قاضٍ عن ملف يعمل فيه باستنسابية وتسييس؟»، وأضاف «هل نحن حزب مهيمن في وقت لا نستطيع إيصال سفن المازوت إلى الشواطئ اللبنانية؟».
وكشف بأنَّ «القصة في اليمن هي قصة مأرب والحرب العدوانية عليها ونتائج هذه الحرب؛ فبعد سبع سنوات من الحرب وإنفاق مئات المليارات نتيجتها كانت الفشل»، وشدَّد على أن تداعيات مأرب ستكون كبيرة جداً في اليمن والمنطقة والسعودية تدرك ذلك، إضافةً إلى أن الأميركيين أنفسهم أكدوا أن سقوط مأرب هي هزيمة مدوية للسعودية التي بدورها تدرك ذلك”.
كما كشف السيد نصرالله أن “المفاوضات السعودية الإيرانية لم تتطرّق إلى لبنان من أي زاوية كانت”، ذاكراً أن “السعوديين طلبوا من الإيرانيين التدخل في موضوع اليمن، والإيرانيون قالوا لهم أن يتفاوضوا مع اليمنيين”. وتوجَّه للسعودية موضحاً أن الانتصارات في اليمن صنعها قادة يمنيون وعقول يمنية ومعجزات يمنية ونصر إلهي، لافتاً إلى أن خلاص الرياض من موضوع اليمن ليس عبر العقوبات على حزب الله أو على لبنان أو أي طريق آخر بل بوقف إطلاق النار والحصار.
وفي سياق ذلك لفت سفراء وخبراء في العلاقات الدبلوماسية لـ"البناء" إلى أن “ردة الفعل السعودية على تصريح وزير، غير معهودة في العلاقات الدبلوماسية بين الدول”، مشيرة إلى الكثير من التصريحات المسيئة التي صدرت من دول ضد دولة أخرى، لكن لم تتخذ هذه الاجراءات بل تم احتواؤها بالطرق الدبلوماسية ولم ترق إلى مستوى الأزمة، مذكرة بوصف الرئيس الأميركي جو بايدن الرئيس الروسي فلادمير بوتين بـ”القاتل”، فاكتفى بوتين بالرد على الرئيس الأميركي من دون سحب السفير الروسي من واشنطن ولم تقطع موسكو العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، خصوصاً أن المسؤول الذي أدلى بتصريح في الحالة اللبنانية لم يكن في موقع المسؤولية ولم يعبر عن موقف الحكومة ولا الدولة اللبنانية بل عن موقفه الشخصي”، ويضيف الخبراء: “إذا كان منطق الحساب والعقاب بمفعول رجعي عن موقف ما هو الحاكم في العلاقات الدولية، لكان أغلب سفارات الدول مغلقة ولما كان هناك نظام للعلاقات الدولية”.
ولفتت الصحيفة إلى أنه في مجال آخر أكد السيد نصرالله جازماً بأنَّ “كل ما قيل عن مقايضة بين ملف مرفأ بيروت وبين ملف الطيونة ليس صحيحاً على الإطلاق والمطلوب الوصول إلى الحقيقة والعدالة في الملفين”.
وشدد الأمين العام لحزب الله على أن “المناورات الإسرائيلية تعكس الخوف من اقتحام لبنان للمستعمرات في الجليل”. وقال: “إذا دخلت المقاومة إلى شمال فلسطين والجليل فستكون لذلك تداعيات كبيرة جداً على كيان الاحتلال”، مشدداً على أن المناورات الإسرائيلية تعكس فرضية المخاوف من أن “المقاومة ستدخل إلى الجليل”. وبيّن أن الهيمنة الأميركية على لبنان ما زالت قائمة وموجودة على مستويات عدة، مشيراً إلى أن لبنان يتعرض لضغوط منذ سنوات وهي تضاعفت خلال إدارة ترامب، وما تمكّن حزب الله من إنجازه حتى الآن هو منع الهيمنة الأميركية الكاملة وهذا ببركة إنجازات الشهداء.
وفي ملف ترسيم الحدود قال السيد نصرالله: “الأميركيون يضحكون على لبنان بما يسمى تسوية خط هوف. لبنان هنا يستند إلى قوة دماء الشهداء وقوة الأحياء فينا والمقاومة القادرة على ردع العدو ومن خلفه من أن يمد يده على حبة تراب أو ثروة لبنانية”.
ووصف مصدر سياسي خطاب السيد نصرالله بـ”الهادئ والموزون والحكيم، لا سيما أنه وضع النقاط على حروف الأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان وحدد حقيقتها وخلفياتها وأبعادها، ولم يحمل الخطاب تصعيداً بالنبرة والعبارات التي تتهجم على السعودية كما كان البعض يشيع ويشتهي لتعميق الأزمة أكثر، لكن السيد نصرالله تقصد الحفاظ على الهدوء والاكتفاء بمطالعة تستند إلى الوقائع والأدلة والمقارنة الموضوعية حملت رسائل للسعودية بأن ضغوطها وإجراءاتها ضد لبنان لن تجدي نفعاً ولن تحل الأزمة وليست الطريق الصحيحة لإيجاد مخرج لمأزقها في اليمن”، ويضيف المصدر: “ورسالة أيضاً للبنانيين الذين يتعرضون لكمٍ هائل من الأضاليل وتشويه الصورة والضغوط النفسية والمعنوية وللتهديد بإجراءات أكثر إيلاماً، لذلك اتسم الخطاب بالهدوء والتروي لكي لا يقدم ذريعة للسعودية للذهاب إلى تصعيد جديد بإجراءاتها ضد لبنان”. رسائل السيد نصرالله قد تمهد بحسب المصدر للسعودية طريق التراجع عن إجراءاتها القاسية التي اتخذتها وعن شروطها والبدء بالحوار لحل الأزمة، وشدد المصدر على أن “لبنان لم يعد بإمكانه التضحية بوزيره لارتباط ذلك بالسيادة والكرامة الوطنية”، ودعا المصدر إلى “وضع خريطة طريق للحل انطلاقاً من إيجابية السيد نصرالله وتوضيحه حقيقة الأزمة، تبدأ بوقف الحملات الإعلامية التي تزيد توتير الأجواء وترفع منسوب الاحتقان بين الدولتين الشقيقتين وتضر بمصلحة الطرفين، ومن ثم إعلان موقف من الحكومة اللبنانية يوضح حقيقة تصريح قرداحي ويؤكد عمق ومتانة العلاقات بين الرياض وبيروت وتفتح الباب أمام وسيط ثالث لترطيب الأجواء ثم تتراجع المملكة عن إجراءاتها الدبلوماسية والاقتصادية بحق لبنان ثم تعيد سفيرها وتعود العلاقات إلى طبيعتها”.
لكن المصدر توقع أن يطول أمد الأزمة بين لبنان والسعودية كون الأخيرة وضعت نفسها في “الزاوية” ولا تستطيع النزول عن الشجرة بعد السقف الذي بلغته من المواقف والإجراءات والتهديدات، وأي تنازل منها يعد انكساراً لها وهكذا بالنسبة للبنان فأي خطوة تراجعية ستهدد وحدة الحكومة وتنتهك سيادته وتمس بالاستقرار الداخلي، إلا في حال تدخلت دولة ثالثة ضمن مبادرة وحلول توافقية تحفظ سيادة وماء وجه الطرفين”.
وأثناء خطاب السيد نصرالله غرد السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري رداً على الأمين العام لحزب الله من دون أن يسميه، قائلاً: «الحق كل لا يتجزأ، فهناك فرق شاسع بين نفي الواقع وبين محاولة تبريره والافتئات عليه».
وكشف مقربون من السعودية لـ"البناء" عن إجراءات تصعيدية جديدة ستتخذها المملكة على المستوى الاقتصادي تحديداً»، وأفيد أمس بأن التأشيرات الصادرة ستقتصر عن سفارة المملكة في بيروت على الحالات الإنسانيّة فقط. كما أفيد عن توجه سعودي وخليجي إلى دراسة رفع قضايا أمام القضاء الدولي في شأن الودائع في المصارف اللبنانية، إضافة إلى تجميد استثمارات وشركات لبنانية في الخليج ودول أوروبية.
على صعيد الأزمة الحكومية التي افتعلها المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق البيطار، أشارت أوساط ثنائي أمل وحزب الله لـ"البناء" إلى أن «المساعي مستمرة على خط تفعيل عمل الحكومة، لكن لم تصل إلى خواتيم إيجابية حتى الساعة في ظل استمرار الانقسام في المواقف بين الرئاسات والقيادات السياسية والتي تنعكس على الوزراء»، مشيرة إلى «أن انعقاد مجلس الوزراء لا يتعلق بأزمة استقالة أو إقالة الوزير قرداحي التي باتت وراء ظهر جميع الأطراف لقناعتهم بأنها لا تحل الأزمة ولا تعيد العلاقات مع السعودية إلى طبيعتها، بل إن تفعيل الحكومة مرهون بإيجاد الحل لقضية البيطار». وتخوفت الأوساط من الانقسام والتشظي الوطني الهائل في مختلف المسائل المصيرية، مضيفة: «لا موقف موحداً من قضية المرفأ ومن أداء القضاء والأزمة مع السعودية وملف ترسيم الحدود والإصلاحات والتدقيق الجنائي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي…». وتخوفت من أن تكون الحكومة قد تحولت إلى تصريف أعمال مبكر، لا سيما أنها لا تجتمع ولم تتخذ أي قرارات على المستويات الاقتصادية والمالية والخوف الأكبر أن تكون مهمتها تقتصر على تقطيع الوقت حتى الانتخابات النيابية والتي إن لم تحصل فسنتجه إلى انفجار سياسي اجتماعي اقتصادي وربما أمني بسبب الفراغ الدستوري الذي سيحل بالبلاد».
ولم تستبعد مصادر اقتصادية انفجار الوضع الاجتماعي بين لحظة وضحاها في الشارع بسبب انعكاس الأزمة السياسية وتعطيل الحكومة والضغوط الاقتصادية الخارجية على لبنان، ما تسبب بارتفاع ملحوظ في سعر صرف الدولار الذي لامس 23 ألف ليرة للمرة الأولى بعد تأليف حكومة ميقاتي، ولفتت المصادر عبر «البناء» إلى أن «كارثة اقتصادية بانتظار لبنان بعد تحليق سعر الصرف وتدني قيمة الرواتب بالليرة وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية وأغلب الخدمات، لا سيما فاتورة مولدات الكهرباء التي عادت إلى التقنين القاسي والاستشفاء، ما سيدفع بالمواطنين إلى الشارع»، وعلمت «البناء» من مصادر معنية بملف الدواء أن «وزارة الصحة بالتنسيق مع مصرف لبنان ووزارة المال يتجهون إلى رفع الدعم شبه الكلي عن الأدوية ما سيرتب ضغوطاً إضافية على كاهل المواطن الذي يئن جراء تردي الأوضاع إلى حد لا يطاق». وتساءلت المصادر عن دور ومسؤولية الوزراء في ضبط ارتفاع سعر الصرف والأسعار؟ وعزت سبب هذا الارتفاع بسعر الصرف إلى أسباب سياسية إضافة إلى طلب مصرف لبنان من شركات استيراد النفط تأمين نسبة 10 في المئة من الدولارات ما دفع بهؤلاء لتأمينها من السوق السوداء ما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف»، وتوقعت المصادر مزيداً من الارتفاع إلى حدود 25 ألف ليرة وأكثر في ظل عدم وجود أي مقومات اقتصادية للجم هذا الارتفاع وتحديد سقف له.
وقالت الصحيفة إنه فيما أفيد بأن وزارة الطاقة ستصدر جدول أسعار جديد للمحروقات اليوم قد يلحظ ارتفاعاً إضافياً بصفيحة البنزين والمازوت وقارورة الغاز، أعلنت وزارة الاقتصاد عن «خفض بسيط في وزن ربطة الخبز بما يبقي سعرها ضمن الهامش المقبول».
ولفتت إلى أنه عقد اجتماع أمس في وزارة الطاقة والمياه برئاسة الوزير وليد فياض وتم البحث في قرار حاكم مصرف لبنان المتعلق بتسديد 10 في المئة من ثمن المحروقات بالدولار الأميركي»، وأكد ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا، في بيان أن «الاجتماع كان إيجابياً»، وقال: «لا مشكلة في المحروقات التي هي متوافرة في كل المحطات المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة».
بدوره أكد وزير الطاقة والمياه وليد فياض بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا أن «لا أزمة محروقات وهي متوافرة في السوق». وقال: «لم أعد بـ12 ساعة إنما بأكثر زيادة ممكنة لتغذية شبكة كهرباء لبنان ليتوافر له قدراً أكبر من الكهرباء ونحن نحاول وضع التعرفة الأقل والأكثر عدالة». وأشار فياض إلى أن «مواقف الدول العربية هي مؤازرة للبنان سواء العراق سورية مصر والاردن ونعمل معاً لتتميم الأمور بخير».
وأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن التحاور يقفُ عند حدود قناعاتٍ وطنيةٍ وشخصية لا يحيد عنها أبداً، وأبرزُها استقلالية القضاء ومن خلاله حمايةُ الدستور والمؤسسات، وصون انتماءِ لبنانَ العربي والحفاظ على علاقاتِ الأخُوَّةِ مع الأشقّاء العرب، وفي مقدَّمِهم المملكةُ العربية السعودية، مشدداً على أن مفهومَ الدولة يقومُ على قاعدة أن يتخلّى الفردُ أو المجموعةُ طوعاً عن بعضِ ما هو حقٌّ له أو لها في الأصل، من أجلِ المصلحةِ العامة التي تمثل بالضرورة”.
بدوره، رأى رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود أن “القضاء لن يتردد لحظة في تشريف موجبات القسم الذي التزم به مهما صعبت المهام ومهما عظمت التضحيات، لذا مطلوب من الجميع من دون استثناء من سياسيين وزعماء وقياديين ومقامات عدم استباحة القضاء وعدم إقحامه في تجاذباتهم، لأن من التزم القضاء باسم الشعب اللبناني كله سيبقى عصياً على أي طائفية أو فئوية أو عصبية أو استنسابية”.
على صعيد مسار المعركة القضائية الدائرة في قصر العدل في ملف تحقيقات المرفأ، تقدم وكيل النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل أمام محكمة التمييز بدعوى مخاصمة الدولة عن القضاة نسيب إيليا، مريام شمس الدين وروزين حجيلي.
"النهار": الدولار 23 ألفاً... على صفيح التعطيل والتصعيد
أما صحيفة "النهار" فقالت إنه مضت مسارات الأزمات التي تتخبط فيها البلاد نحو مزيد من التفاقم على مختلف الصعد والمستويات، وسط شلل تام غير مسبوق في المبادرات السياسية الرسمية لتجاوز الإنسداد الذي أصاب من الحكومة مقتلاً مبكراً وجعل مجلس الوزراء يقبع في مربع التقاعد والانتظار القسريين. ولم يكن المؤشر الأشدّ تعبيراً عن التأزم التصاعدي الذي يحاصر البلاد سوى الارتفاع الجنوني في سعر الدولار الأميركي في السوق السوداء، اذ اعتبر سعره أمس الأعلى قياسياً على الاطلاق خلال هذه السنة، وبلغ مساء سقف الـ 22 الفا و900 ليرة وذلك عقب الكلمة التي القاها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن #نصرالله مساء والتي عكست تصعيداً مطّرداً من جانب الحزب تجاه المملكة العربية السعودية وانعدام افق أي حل للازمة مع الدول الخليجية.
وقالت إنه إذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي "يجهد" في محاولات التعويض عن الشلل بحركة كثيفة لاطلاق مبادرات تتصل بالقطاعات المختلفة على غرار إطلاقه أمس مبادرة "صندوق إعادة بناء مؤسسات الاعمال في بيروت على نحو أفضل"، فإن هذا الجانب على أهميته لم يحجب حال التفرّج على الازمة الذي يطبع مواقف اركان السلطة الاخرين في وقت تتجمع نذر موجة جديدة من التأزم والتصعيد في الازمة بين لبنان والدول الخليجية. ولعلّ أكثر ما يلفت اهتمام البعثات الديبلوماسية المعتمدة في لبنان والتي ترصد مسار هذه الازمة بدقة وجدية، وفق ما تفيد مصادر معنية، ان معظم المسؤولين الكبار يبدون برودة مخيفة حيال ما يتوجب عليهم القيام به بأسرع وقت لانهاء هذه الازمة قبل ان تتضخّم تداعياتها إلى حدود لن يعود ينفع معها أي تحرك او اجراء او وساطة.
هدأت... ولكن
واشارت إلى أنه مع ان الردود بين بعبدا وعين التينة توقفت أمس، الا ان الجمر ما زال تحت الرماد بينهما في العديد من الملفات المفتوحة والتي ترخي بتداعياتها على عمل المؤسسات الدستورية من تعطيل مجلس الوزراء، إلى التجاذبات في مجلس النواب، إلى الحرب المفتوحة في اروقة وغرف قصر العدل على التحقيق العدلي في جريمة المرفأ وحفلة الردود والدعاوى والارتياب، وصولاً إلى المجلس الدستوري الذي سيكون امام امتحان الطعن في قانون الانتخاب المعدّل الذي سيقدمه "تكتل لبنان القوي".
ولفتت الصحيفة إلى أنه في عين التينة هدأت العاصفة، وفي القصر الجمهوري كذلك، حيث تؤكد مصادره ان رئيس الجمهورية بتغريدته لم يقصد شخصاً وتحديداً الرئيس نبيه بري بل انه "مسؤول عن سلامة كل المؤسسات والسلطات ولذلك كانت تغريدته من اجل تقوية القضاء وتحصينه ضد فيروس السياسة والطائفية والمذهبية التي تشرذمها وتكاد تقضي عليها". وتقول هذه المصادر ان "السلطة القضائية لا تمس بهذه الطريقة. يكفينا المشكل الاقليمي مع المملكة العربية السعودية وموضوع استقالة الوزير جورج قرداحي. على الجميع ان يهدأ ويتروى".
وقالت الصحيفة إنه من وجهة نظر المصادر الرئاسية ان "لا اجتماعات لمجلس الوزراء ولا قضية استقالة قرداحي تعالج بعد بشكل صحيح، الا ان العمل يتواصل لمعالجة الازمة الحكومية خصوصاً وأن هذه الحكومة حاجة للجميع كما لكل مكوناتها ولا أحد لديه الترف اليوم لتدميرها وتعطيلها". وفي هذا الاتجاه، تشير المصادر إلى ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أرسل انذاراً جدياً من طرابلس ولا يزال مثابراً ومؤمناً بأن ثغرة سوف تفتح بهذا الجدار السميك".
ولفتت إلى أنه عن مصير التحقيق العدلي في ظل حرب الدعاوى والردود، تجيب المصادر الرئاسية: "لن يتوقف التحقيق العدلي بقوة الاقتناع لدى القاضي (طارق البيطار)، وفي غياب اي تدبير ملاحقة في مجلس النواب والمجتمع الدولي يدعم التحقيق ولا يفهم الا بشفافيته واستقلاليته".
وتقول المصادر ان دخول الرئيس بري على الملف كان للاسف مذهبياً وطائفياً وهذا ما ادى بنادي القضاة إلى ان يحذر وكان لمجلس القضاء الاعلى كما لوزير العدل موقفهما اللافت.
ولفتت الصحيفة إلى أنه فيما يبدي الفريق الداعم لقانون الانتخاب المعدل ثقته بأن الطعن الذي سيقدم إلى المجلس الدستوري سيردّ، تبدي مصادر فريق العهد خشيتها من دخول السياسة على المجلس الدستوري فتعطله كما تم تعطيل مؤسسات اخرى بدءاً من مجلس الوزراء.
وتقول:"إذا سيّسوا المجلس الدستوري كما سيّسوا مجلس القضاء الاعلى والتحقيق العدلي فسيكون لذلك تداعيات سلبية على الطعن. وإذا كانت هناك نية لتعطيل المجلس الدستوري فالأكيد سيتعطّل الطعن وسيفرض واقع مريب بقانون معروفة المواقف منه".
وتشرح المصادر: "انه لتعطيل الطعن، يكفي الضغط على ثلاثة اعضاء من عشرة في المجلس الدستوري ليتغيبوا عن جلسة المذاكرة حتى يتعطل النصاب وتتعطل قدرته على ابداء رأيه".
وتوضح ان نصاب المجلس ثمانية من عشرة والتصويت على قبوله يحتاج سبعة اصوات والا فقد تمر مهلة الشهر الدستورية لاعطاء رأيه ويصبح القانون نافذاً".