لبنان
الانحدار متواصل.. مراوحة في الاستحقاقات على أبواب عتمة شاملة
اهتمت الصحف الصادرة صباح اليوم في بيروت بالمرواحة المستمرة في مختلف القضايا والاستحقاقات في البلاد، لا سيما عدم تأليف الحكومة، واقتراب الدخول في المهلة الدستورية المتعلقة بانتخاب رئيس للجمهورية والتي تبدأ في أول شهر أيلول.
ويستمر مسلسل الانحدار الاقتصادي والاجتماعي، مع أيام تفصلنا عن العتمة الشاملة في حال عدم إيجاد حلول لدرء هذا الكابوس، رغم أن ساعات التغطية الكهربائية تكاد لا تحصى، وهذا وسط حديث وزارة الطاقة والمياه عن رفع تعرفة الكهرباء التي تؤمنها الدولة.
إضافة إلى ذلك، يبقى ملف ترسيم الحدود البحرية مع كيان العدو حاضرا وبقوة، مع مماطلة صهيونية وانتظار لردّ الكيان على مطالب الدولة اللبنانية، والتي من المقرر أن يعود بها المفاوض الأمريكي عاموس هوكشتاين قريبًا إلى بيروت.
"الأخبار": صفر كهرباء خلال أسبوعين؟
تتهدّد العتمة الشاملة المناطق اللبنانية مع وقف «نعمة» الساعة أو الساعتين من التغذية اللتين يوفرهما الفيول العراقي بموجب اتفاق التبادل بين بيروت وبغداد. وبما أن وصول الشحنة المُقبلة من الفيول العراقي سيستغرق أكثر من شهر، وفي ظل عجز الخزينة عن توفير «فريش دولار» لشراء الفيول، ومع اقتراب توقف معمل الزهراني عن العمل، فإن «الحلّ» الذي أعلنَ عنه وزير الطاقة وليد فياض، من قصر بعبدا أمس، عن استخدام الفيول «غرايد ب» المُخزّن في معملي الذوق والجية بالكاد يكفي لأسبوعين. إذ لا يتعدّى حجم كمية هذا النوع من الفيول الـ 40 ألف طن.
ويؤمّن معمل الزهراني 230 ميغاواط بينما توفّر المعامل الكهرومائية 50 ميغاواط ما كانَ يُتيح استمرار تشغيل المرافق العامة في البلد، في مقابل ساعة تغذية أو ساعتين للمواطنين. إلا أن نفاد الفيول سيوقف معمل الزهراني عن العمل، على أن يخصص إنتاج المعامل المائية لتغذية مخارج تابعة لمؤسسة الليطاني، ولتغذية المطار.
وبحسب مصادر مطلعة فإن فياض تراجع عن رفضه طلباً تقدمت به سابقاً مؤسسة كهرباء لبنان لاستخدام هذا النوع من الوقود الذي يشغّل المحركات الأساسية في معملي الذوق والجية بسبب الكفاءة المتدنية للمعملين وفارق السعر بين الفيول «أ» و«ب». وأوضحت أن قرار فياض جاء بعد تدخل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للجوء إلى أي حلّ لتفادي العتمة الشاملة، لكنها شدّدت على أن ذلك «لا يبعد تهديد الظلام المُطبق الذي يُمكن أن يقع في أي لحظة. إذ إننا نواجه مشكلة أخرى تتعلق بالشبكة التي تفاقمت رداءتها. والسبب أن الإنتاج المتدني يؤثر في استقرار الشبكات التي يجري تشغيلها بصعوبة. لذلك، حتى لو جرى تأمين الفيول فإن احتمال انفصال الشبكة عن العمل يبقى وارداً في أي لحظة». فيما يواصل رئيس الحكومة مكابرته ويبدو مستعداً للخوض في حل ترقيعي على أن حساب أي موقف ايجابي من الهبة الايرانية، ولا يزال يماطل، تحت ضغوط السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، في تشكيل وفد تقني يتوجه إلى طهران لبحث العرض الايراني كما وعد، أو على الأقل إرسال كتاب رسمي إلى طهران يبدي موافقة لبنان على العرض غير المشروط.
وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان أقرا رفع التعرفة مع زيادة التغذية
فياض أعلن أنه ومجلس إدارة كهرباء لبنان وافقا على زيادة التعرفة تزامناً مع زيادة التغذية، «والمطلوب الآن موافقة وزارة المال ثم الحكومة، ومن الممكن أن تكون هذه الموافقة استثنائية من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة»، مشيراً إلى أنه «إذا تمت الموافقة على رفع التعرفة، سنتمكن من تأمين ساعات تغذية إضافية بعد توقيع عقد للحصول على 110 آلاف من الفيول الإضافي، إلى جانب الـ 40 ألف طن من العراق، لنوفر 8 إلى 10 ساعات من الكهرباء بكلفة أقل من نصف سعر المولدات الخاصة». ولفت إلى «أننا كنا نعوّل سابقاً على البنك الدولي والغاز المصري والكهرباء من الأردن، إلا أن البنك الدولي وضع شروطاً جديدة، كزيادة التعرفة ووضع خطة لتغطية الكلفة والبدء بإجراءات إنشاء الهيئة الناظمة، ونحن نعمل على هذا الموضوع».
وأشار فياض إلى أن البحث جار عمن «يمنحنا الفيول وفق عقد معين وبشروط تسهيلية، لأن هناك وقتاً بين وصول الفيول وتأمين الكهرباء، ثم إصدار الفواتير، لتُدفع لاحقاً». وقال إن الجزائر أبدت استعدادها لمساعدة لبنان في هذا الإطار، وتمت مناقشة الأمر بين وزيري خارجية لبنان والجزائر، «ونحضّر لزيارة إلى الجزائر للبحث في هذا الموضوع».
"البناء": مأزق حكومة ميقاتيّ مع صندوق النقد يرفع أسهم الحكومة الجديدة
يعتقد مصدر سياسي بارز أن ثلاثة ملفات تضغط اليوم لصالح تشكيل حكومة جديدة، الأول هو الاحتمالات الجدية للتوصل الى تفاهم حول ملف النفط والغاز والحاجة لإتمامه دستورياً بطريقة لا تحتمل الشبهات، باعتباره أمراً تاريخياً ومصيرياً ولا يجوز البت به من حكومة تصريف أعمال تضعف مكانة أي قرار يصدر عنها، والملف الثاني هو الاستحقاق الرئاسيّ مع ظهور مواقف وتصريحات من محيط مقرّب لرئيس الجمهورية تضع فرضية تسليم صلاحيات الرئاسة لحكومة تصريف أعمال موضع نقاش، ما يجعل الضمان الموثوق بعدم الوقوع في مخاطرة بقاء رئيس الجمهورية في بعبدا بعد نهاية ولايته، رغم تأكيده الدائم على قراره مغادرة القصر الجمهوري مع نهاية ولايته، عبر تشكيل حكومة جديدة تتولى صلاحيات الرئاسة وتقطع أي شك ببقاء الرئيس في بعبدا، والذين يخشون من الثمن المطلوب دفعه حكومياً لتأمين تشكيل الحكومة، مطالبون بمنع وقوع الفراغ الرئاسي طالما بيدهم التوصل الى توافقات تضمن انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، أما الملف الثالث برأي المصدر فهو ما بات ثابتاً من عجز الحكومة الحالية عن ضمان إنجاز أي من الملفات التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي، وفشل إحالة هذه الملفات الى مجلس النواب، طالما أن لا سياسة حكومية ثابتة وموحدة في مقاربة الملفات العالقة.
لم يُسجل أيّ جديد على صعيد المشهد السياسيّ في ظل المراوحة الحكوميّة بعد السجال الأخير على خط القصرَيْن الجمهوريّ والحكوميّ، بموازاة برودة تطغى على ملف انتخابات رئاسة الجمهورية والتأخير بإعلان المرشحين والتريّث بحسم المواقف والتحالفات، فيما يلف الغموض ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية وزيارة الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الى لبنان لاستئناف المفاوضات وحسم الخيارات عشيّة بدء العدو الاسرائيلي استخراج الغاز من حقل كاريش.
وأشارت مصادر «البناء» الى أن ملف تأليف الحكومة مرهون باستكمال الاتصالات الجارية بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي والوسطاء، وما قد تحمله الأيام المقبلة من نتائج»، وكشفت أن «الباب لم يغلق كلياً على التأليف ولا يزال هناك متسع من الوقت لتذليل العقد وإنجاز التشكيلة الحكومية وصياغة بيانها الوزاري ومنحها الثقة النيابية لتكون جاهزة لتسلّم صلاحيات الرئاسة إن وقع الفراغ». ولفتت المصادر الى أن «مهلة تأليف الحكومة مستمرّة حتى تقديم الرئيس المكلف اعتذاره أو إسقاط التكليف من يد الرئيس المكلف فور انتخاب رئيس جديد للجمهورية وليس للأول من أيلول، كما تقول بعض الاجتهادات بأن المجلس النيابي لا يستطيع منح الحكومة الجديدة الثقة بسبب تحوّله الى هيئة ناخبة».
وفي هذا السياق، لفتت أوساط نيابيّة في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» الى أن «المجلس النيابيّ لا يتحول الى هيئة ناخبة إلا في جلسات الانتخاب وفي آخر عشرة أيام من المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، لكن بعض الاجتهادات تقول إنه بمجرد دعوة الرئيس لأول جلسة انتخاب يتحوّل الى هيئة ناخبة».
وعن موقف الكتلة من توسيع الحكومة الى 30 وزيراً، ردت الأوساط بأن «ما يتم التوافق عليه سنكون أول وأكثر المسهلين له ومهمة تأليف الحكومة في عهدة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف».
وإذ علمت «البناء» أن الوسطاء ينشطون بين عون وميقاتي لتجسير الهوة بينهما وتضييق نقاط الخلاف، اتهمت جهات سياسية النائب جبران باسيل بوضع العصي في دواليب الحكومة بجملة شروط ومطالب لتعزيز حضوره وموقعه في المعادلة السياسية والوزارية بعد نهاية العهد الرئاسي. في المقابل اتهم مصدر نيابي في التيار الوطني الحر عبر «البناء» الرئيس المكلف بأنه لا يريد تأليف حكومة منذ تكليفه ويرمي كرة التعطيل على رئيس الجمهورية وعلى رئيس التيار جبران باسيل، فإذ به يتحجج بشتى الذرائع ويغيب بسفرات نقاهة وسياحة ثم يأتي ويرمي «فتيشة» ثم يرحل شهراً ويعود بعدها، لكن يبدو أن ميقاتي كسر نقاهته في الخارج وعاد الى لبنان منذ أسبوع ليستأنف التأليف بعدما تلقى ضغوطاً خارجية لضرورة تأليف حكومة قبل الدخول بمرحلة الفراغ الرئاسي لاحتواء اي انهيار اقتصادي واجتماعي وأمني مقبل وبعدما تيقن بأنه لا يمكنه قيادة البلاد ورئاسة الحكومة بحكومة التصريف الحالية». وأوضح المصدر لــ»البناء» أن توسيع الحكومة الى ثلاثين وزيراً مجرد طرح من رئيس الجمهورية وخاضع للنقاش وليس مصرّاً عليه ورئيس الجمهورية مستعد لنقاش كافة الصيغ والاقتراحات». ويعتبر المصدر أن «ميقاتي صاحب المصلحة الوحيدة بتأليف الحكومة لكونه سيفقد صفة الرئيس المصرف للأعمال والمكلف فور الدخول بفترة الفراغ الرئاسي». ويعزو المصدر تأخر تأليف الحكومة بمحاولة ميقاتي تأليف حكومة لكسر الموازين السياسية والطائفية السابقة، لكنه اصطدم بوجود رئيس جمهورية يطبق الدستور ويمارس صلاحياته وعلى الرئيس المكلف التفاوض والنقاش معه لتأليف الحكومة».
وأفادت مصادر لـ «المنار»، بأن «تراشق البيانات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء تفصيل لا علاقة له بمسار التأليف ولا يؤثر عليه، وإن كان يعكس لا إيجابية غير مستترة»، وأشارت الى أن «الباب على إمكانية تشكيل الحكومة لا يزال مفتوحاً ولا أحد لا يملك قدرة الحسم بثقة بأن الأمل انعدم بإنجاز التأليف على قاعدة أن في لبنان لا شيء مستحيل سياسياً».
أما قناة الـ»أو تي في» المحسوبة على التيار فأشارت الى أن «البيانين بين السراي الحكومي وقصر الجمهورية لم يؤثرا على الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة، وضروري الاستيضاح مما أزعج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في تصريح السفير كرم لأنه لا يُفهم حتى الآن السبب وليس هناك أي جواب».
ونفت المصادر، كل ما يُشاع في وسائل الإعلام من أسماء، وأشارت الى أن «رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لم يدخلا في عملية طرح أسماء، وهما لم يتفقا بعد على تشكيل الحكومة». وأضافت: «يبدو أن الباب مفتوح «نص فتحة»، أي أنه لا مغلق ولا مفتوح على مصراعيه، والأمور فيها نوع من المراوحة».
ووجّهت حركة أمل دعوة لرئيس الجمهورية لحضور المهرجان الذي تقيمه الحركة بذكرى تغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه في 31 آب المقبل، وإذ من المتوقع أن يطلق رئيس الحركة رئيس مجلس النواب نبيه بري مواقف بارزة من جملة الملفات والاستحقاقات والقضايا الداخلية والخارجية لا سيما ترسيم الحدود والحكومة وانتخابات الرئاسية، ويفصح عن موعد الدعوة لأولى جلسات الانتخاب، لفتت أجواء مقربة من عين التينة لـ»البناء» أنه لم يطلق العنان لسباق الرئاسة كما هو واضح الا بعد الدخول في المهلة الدستورية، وعندما تتوفر الظروف المؤاتية المستندة الى توافق حول الاستحقاق سيدعو عندئذٍ رئيس المجلس الى جلسة.
ويستعجل مجلس النواب إقرار التشريعات والقوانين الضرورية التي يطلبها صندوق النقد الدولي قبل تحوّله الى هيئة ناخبة لا سيما مشروع الموازنة والكابيتال كونترول، وأشارت مصادر مجلسية لــ»البناء» الى أنه «عندما تنهي لجنة المال والموازنة تقريرها حول الموازنة سيدعو الرئيس للجلسة وربما تكون خلال أول عشرة أيام من أيلول، أي خلال النصف الأول من أيلول.
ووسط هذا الجمود القاتل في إنجاز الاستحقاقات الحالية والاستعداد للاستحقاقات الداهمة، تتقدّم الملفات الحياتية والمالية والاقتصادية في ظل تفاقم الأزمات وسعي حكومة تصريف الأعمال لمعالجتها بأنصاف الحلول لتعثر الحلول الجذرية.
وتفاقمت أزمة الكهرباء مع دنو البلاد من العتمة الشاملة، لكن وزارة الطاقة سارعت لاحتواء الموقف وعرض خطة مؤقتة وسريعة لتفادي الظلام الدامس عبر الاستعانة بمعملي الجية والذوق بعد خروج معمل دير الزهراني عن الخدمة لنفاد الفيول والتوجه لزيادة التغذية الكهربائية بالتوازي مع زيادة التعرفة.
واستقبل رئيس الجمهورية أمس، وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض الذي أطلعه على التطوّرات المتصلة بأوضاع التيار الكهربائي والمحروقات.
وبعد اللقاء قال فياض للصحافيين: «تمّت الاستفادة من فيول معملي الذوق والجية، وذلك عند نفاد كمية الفيول من معمل الزهراني ما يسمح بتفادي العتمة الشاملة. كما تطرقنا الى موضوع تجديد العرض العراقي الذي يسمح للبنان بأخذ مليون طن فيول اضافي بعد نفاد اول كمية، مع العلم ان هذه الكمية تستطيع تأمين حوالى ثلاث ساعات من التغذية الكهربائيّة، وكي نتمكن لاحقاً من تحقيق عدد ساعات أكبر من التغذية. وكنا نعوّل سابقاً على البنك الدولي والغاز المصري والكهرباء من الاردن، إلا أن البنك الدولي وضع شروطاً جديدة، كزيادة التعرفة ووضع خطة لتغطية الكلفة والبدء بإجراءات إنشاء الهيئة الناظمة، ونحن من جهتنا نعمل على هذا الموضوع وقد حصلنا على قرار من مجلس إدارة كهرباء لبنان بزيادة التعرفة تزامناً مع زيادة التغذية، بحيث نستطيع إعطاء اللبنانيين كمية من التغذية بكلفة أقل من نصف سعر المولدات الخاصة وإذا تمت الموافقة على رفع التعرفة، سنتمكن من تأمين ساعات تغذية إضافية، وذلك فقط بعد توقيع عقد للحصول على فيول إضافي، إذ نحن في حاجة الى 150 الف طن من الفيول لنتمكن من إعطاء 8 الى 10 ساعات من الكهرباء».
"الجمهورية": الإنحدار يتسارع في «دولة.. لا دولة»
عتمة وصفر كهرباء، جوع، فقر، عطش، احتكار، غلاء فاحش وفوضى اسعار وغرف سوداء، تشليح وعصابات، ومعدلات الجريمة على اختلاف انواعها في مستويات غير مسبوقة في تاريخ هذا البلد، لا دولة، لا مؤسسات، لا طبابة، لا ضمان، لا أمان، لا خدمات، لا اقتصاد، لا مال، لا مرافئ ولا مرافق، ادارة مشلولة، وقضاء متخبّط، ومؤسسة عسكرية مستمرة بشق النفس، وقوى أمنية تعاني الأمرّين، واداؤها وظائفها ومهماتها مهدّدة بالتوقف جراء افتقارها ولو إلى الحدّ الأدنى من مقومات استمرارها..
اما في السياسة، فالبلد كله معلّق على حبل طويل من الفضائح؛ انشقاقات وانقسامات حادة، وأجندات متصادمة، ومكونات مفخخة طائفيًا ومذهبيًا وبانعدام كامل للوطنية الصادقة، وبنزعة الافتراق حتى على البديهيات، والتضحية بما يُعتبر أجمل الاوطان، على مذبح المصالح الخاصة والحسابات والحزبيات ولقاء مكاسب ذاتية على حلبة الاستحقاقات. ومسار الانحدار متسارع نحو قعر الدرك الأسفل.
تلك هي صورة لبنان، صورة وطن كئيب يعاني متلازمات مرضيّة من النوع الذي يستحيل علاجه، وطن لم يعد يشبه أيّ وطن في العالم، بل لم يعد ثمة وطن على وجه الكرة الارضية يمكن ان يُقارن به. وأمّا اللبنانيون المنكوبون، فأصبحوا عراة، يصارعون جوعهم، وفقرهم، وتفليسهم، وأمراضهم، ولقمتهم، ونسمة هواء يتنفسونها للبقاء على قيد الحياة!
أمام هذه الفاجعة، ينبري السؤال: هل سقط هذا البلد نهائيًا؟ وهل بتنا نعيش لحظة الارتطام الكارثي؟
فلنتوقّع الأسوأ!
في هذا السياق، قال مصدر سياسي مسؤول لـ«الجمهورية»: «نحن امام فاجعة حقيقية، وحريق أشعل كل فئات الشعب اللبناني وكواه في كل مفاصل حياته. ولا اقول انني خائف، فحسب، بل انا مذعور مما ينتظرنا في المستقبل القريب».
واضاف: «مشكلة لبنان انّه اصبح يتيمًا بكل ما لهذه الكلمة من معنى. فمع بلد بلا رأس مدبّر له، وبلا سلطة حاكمة حكيمة، واسترخصته ذهنيات وسياسات عبثية، وأنانيات من يفترض انّهم قيّمون عليه في السلطة وخارجها، من الطبيعي جدًا توقّع الأسوأ له، والترحّم مسبقًا على مصيره الأسود. كيف لا، وثمّة تعمّد مفضوح منذ بداية الأزمة المشؤومة، لبث السموم السياسية في جسم البلد، ورهن مصيره لإرادة خبيثة لتعطيل الحياة فيه».
واعتبر المصدر عينه، «أن لا عذر على الاطلاق لتشكيل الحكومة، حتى ولو كانت ولايتها يومًا واحدًا»، كاشفًا انّ «تعطيل تأليف الحكومة ليس مرتبطًا بشروط من هنا وهناك، بل هو ناجم عن كيديات وأحقاد دفينة. ولو كانت النوايا صادقة، ولو كان هناك قدر قليل من الشعور بالمسؤولية تجاه وطن يعاني أسوأ الأزمات في تاريخه، لما شهد البلد هذه المسرحية المملة والخلاف على قشور، والمماحكات الفارغة، لا بل اقول الهجومات السياسية المفتعلة والمشبوهة، فيما الأزمة تزداد عمقًا، والناس ينحدرون في معاناتهم الى بؤس قاتل».
«حمل خادع»
وفي السياق، أبلغ مرجع سياسي إلى «الجمهورية» قوله، «انّ موضوع الحكومة قد طوي نهائيًا منذ تقديم الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي تشكيلته الوزارية إلى رئيس الجمهورية وتسريبها من قِبل فريق الرئيس، وبالتالي ما حصل اخيرًا على مسار التأليف، لم يكن سوى حمل خادع لا أساس له».
أضاف المرجع: «المطلوب حكومة اياً كان شكلها او مضمونها. فالعالم كله يجمع على حاجة لبنان اليها لتدير على الأقل أزمته، الّا في لبنان، يحيدون هذه المسؤولية عن ظهورهم، وهذه قمة العقوق بحق هذا البلد. فضلًا عن انّ المشكلة ليست فقط في تعثّر التأليف، بل هي في عدم قيام حكومة تصريف الاعمال بواجباتها كما يجب، والذي يدفع الثمن هو الشعب اللبناني».
وردًا على سؤال حول السجال المسبق على مرحلة الفراغ الرئاسي ودور حكومة تصريف الاعمال فيه قال المرجع: «كل الامور مكشوفة، فثمة من هو مستعجل على رحيل الرئيس عون، وثمة من هو غير مصدّق، بل غير قابل انّ ولاية الرئيس عون ستنتهي وسيغادر قصر بعبدا. وتبعًا لذلك، ما نسمعه من مطولات ومطالعات واجتهادات لن يغيّر في واقع الحال شيئًا. فالانفعالات التي نراها لا تنفع، فضلًا عن انّ كل تلك الاجتهادات والانفعالات والمطالعات ايضًا، تسقط كلها امام النص الدستوري الذي يرعى حالات الفراغ الرئاسي إن حصل لأي سبب كان».
خريطة طريق
إلى ذلك، ومع اقتراب بدء سريان مهلة الـ 60 يومًا لانتخاب رئيس الجمهورية خلالها بدءاً من اول ايلول وحتى 31 تشرين الاول المقبلين، تتجّه الانظار في اتجاه عين التينة، وما سيقرّره رئيس مجلس النواب نبيه بري في ما خصّ الدعوة إلى انتخاب رئيس الجمهورية. علمًا انّ رئيس المجلس سبق له ان اعلن انّه لن يدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية إلّا بعد إقرار قوانين الإصلاح التي يطلبها صندوق النقد الدولي.
ووجهة القرار الذي سيتخذه بري، ستتحدّد في الخطاب الذي سيلقيه الاربعاء المقبل في المهرجان الذي سيُقام في صور في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه، وفي المكان الذي يكتسي رمزية كبرى، تعني ما تعنيه في التاريخ والجغرافيا، ومرتبطة بانطلاقة حركة «امل» وخطاب القَسَم الذي القاه الامام الصدر في المكان ذاته في ايار من العام 1974.
واكّدت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، أنّ خطاب بري الاربعاء على جانب كبير من الأهمية، يرتكز على دقة ما بلغه وضع لبنان والمخاطر التي تحدق بحاضره ومستقبله، ويتضمن خريطة طريق الخروج من صحراء الجنون القائمة في هذا البلد. يضع من خلالها كل الأطراف الداخليين امام مسؤولياتهم حيال وطن يعاني الوجع في كل مفاصله، والاختيار بين ان يبقى لبنان ويستمر وطنًا كريمًا عزيزًا جامعًا لشمل كل اللبنانيين، وبين ان يذوب ويندثر ويذهب معه الماضي والحاضر والمستقبل. وهذا يتطلب بالحدّ الأدنى وقف المضاربات السياسية، وان يكون كل اللبنانيين على اختلاف تلاوينهم الطائفية والسياسية للوطن ومع الوطن، وبشراكة جماعية صادقة ومندفعة الى حفظ أمانة لبنان ودمل جراحه ومنحه مناعة يحتاجها قبل فوات الاوان.
كارثة تنتظر لبنان
إلى ذلك، نقل اقتصاديون عن مسؤول مالي دولي تقييمًا جديدًا حيال مستقبل الوضع في لبنان، وخصوصًا على المستويين المالي والاقتصادي.
واكّد هؤلاء الاقتصاديون لـ«الجمهورية»، انّ ما اورده المسؤول المالي مقلق للغاية، كاشفًا عن انّ ثمة تقريرًا جديدًا سيصدر في وقت قريب عن مؤسسة مالية دولية كبرى حول لبنان، يتضمن تصنيفًا في منتهى الخطورة يعادل الكارثة الكبرى.
وردًا على سؤال، رفض الاقتصاديون تأكيد ما إذا كان التقرير المنتظر يتضمن اعلان لبنان دولة فاشلة، الّا انّهم المحوا إلى انّ كل الامور واردة بما فيها هذا التصنيف.
وعكس الاقتصاديون تخوف المسؤول المالي من الوضع المالي في لبنان، ودعوته الملحّة إلى السلطات السياسية والمالية في لبنان إلى اعتماد خطوات تكبح انفلات الوضع المالي، وفوضى السوق السوداء التي تتحكّم بهذا المجال، وهذه الخطوات لا تعني ان تكون خطوات جذرية، بل خطوات علاجية جراحية عاجلة يتطلبها الاقتصاد اللبناني، والّا فات الأوان، بحيث قد يصل هذا البلد إلى وضع لا يستطيع فيه اللحاق بالأزمة وتحليق سعر الدولار والانهيار الكامل لليرة اللبنانية.
الكهرباءالحكومة اللبنانيةالحدود البحرية اللبنانية