لبنان
الدولار يقتحم حصن الخمسين.. ومخاوف متزايدة من توترات أمنية
اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم في بيروت بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، حيث تخطت قيمة كل دولار في السوق السوداء 50.000 ليرة لبنانية، رافقها ارتفاع بأسعار كل شيء، لا سيما المحروقات، حيث بلغ سعر صفيحة البنزين أكثر من 900 ألف ليرة.
إلى ذلك، لا توحي الأجواء إلى قرب انفراج في البلاد، لا سيما في ملف رئاسة الجمهورية بعد انعقاد الجلسة رقم 11 للمجلس النيابي دون انتخاب رئيس، إضافة لعدم إيجاد حلّ لمشكلة الكهرباء، ويأتي ذلك وسط تحذيرات متزايدة من توترات أمنية قد تشهدها الساحة المحلية.
"البناء": بوادر افتراق عن جنبلاط… جعجع يلوّح بالتقسيم إذا انتخب رئيس مخالف
تقول مصادر سياسية متابعة لتفاصيل المشهد والمواقف، يبدو أن الاستعصاء الرئاسي بدأ يطرح تحديات على الكتل النيابية تجعل مواصلة المشهد السائد منذ بدء المهلة الدستورية في أول أيلول من العام الماضي مستحيلة، وهذه الاستحالة تبدو شاملة للجميع، فتريّث رئيس مجلس النواب نبيه بري في توجيه الدعوة لجلسة انتخاب رئاسية جديدة لم يعد خافياً مع دعوته يوم الخميس المقبل لجلسة للجان المشتركة لجدول أعمال تشريعي، تعبيراً عن قناعته بعدم إمكانية الاستمرار بما سبق والحاجة للبحث عن مخارج من المراوحة القاتلة طالما أن دعوته للحوار بين الكتل النيابية لم تلق التجاوب المطلوب، من الكتلتين المسيحيتين الكبيرتين في مجلس النواب، كتلة القوات اللبنانية وكتلة التيار الوطني الحر، بينما تبدو كتلة القوات اللبنانية في مناخ عبّر عنه رئيس حزب القوات سمير جعجع، بالإشارة إلى القلق من وصول رئيس مخالف لرغبة القوات، وصفه بالرئيس القريب من حزب الله أو الرئيس الذي يرضى به حزب الله، وإعلانه أن القوات لن تسمح بمرور ذلك وستجد أنها مضطرة لإعادة النظر بهيكلية الدولة، وهو ما لا يعني إلا شيئاً واحداً، هو التلويح بالتقسيم.
وقالت المصادر إن هذا القلق والتلويح يعبران عن متغيرات طرأت على علاقة القوات مع الحزب التقدمي الاشتراكي، حيث يضغط مشهد المراوحة على الاشتراكي للبحث عن خطوات يمكن ان تنتج حلاً، وجاء تلويحه بمقاطعة جلسات الانتخاب في هذا السياق. وقالت المصادر إن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط يطرح للتشاور معادلة قيام الفريقين الرئيسيين الداعمين لترشيح النائب ميشال معوض، والنائب السابق سليمان فرنجية، بالتراجع خطوة إلى الوراء، اي الاستعداد للتخلي عن مرشحيهما لتصفير المشهد الرئاسي والبدء بحوار تتولاه قوى وسيطة، لا يمانع الاشتراكي ان يكون بينها لبلورة اسم ثالث جامع، وهو ما تسبّب بتوصيفه عند القوات بـ «بداية الانقلاب الجنبلاطي الذي كنا نخشاه ونتوقعه»، كما قال جعجع أمام عدد من زواره، معلقاً بأن السير نحو مبادرات للتفاهم مع حزب الله يعني بداية التسليم بفك التحالف مع القوات. وتعتقد المصادر أن لقاء جنبلاط أول أمس مع قيادة حزب الله جاء في هذا السياق التأكيدي من الاشتراكي لاستقلاليته برغم التهويل القواتي، من جهة، ولمحاولة جسّ نبض حزب الله تجاه مبادرة وسطية يتبنّاها الاشتراكي.
خارج الكتل الكبرى يتحرّك احتجاجاً عدد من نواب ال13 وحزب الكتائب، وهذا ما يفسر ضيق الرقعة السياسية والشعبية المتفاعلة مع اعتصام النائبين ملحم خلف ونجاة عون، بينما ذهبت النائبة القواتية غادة أيوب لاعتبار الاعتصام بلزوم ما لا يلزم لأن لا حاجة للفت النظر الى استمرار الفراغ.
لا يزال المشهد الداخلي تحت تأثير التداعيات السياسية والأمنية للجلسة النيابية وسط استمرار مسلسل الاحتجاجات في الشارع وقطع الطرقات على وقع تفاقم الازمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية مع تجاوز سعر صرف الدولار عتبة الخمسين ألف ليرة للدولار الواحد، فيما بقيت مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرسائل التي وجهها بأكثر من اتجاه، محل اهتمام الأوساط السياسية في الداخل والخارج، حيث كثرت التحليلات عن أبعاد كلام السيد نصرالله وتبعاته على الملف الرئاسي والوضع اللبناني عموماً، وخلفياته الإقليمية والدولية في ظل السخونة التي تلف المشهد الإقليمي والدولي.
وأشارت أوساط سياسية لــ»البناء» الى أن «السيد نصرالله تحدّث عن رؤية للوضع في المنطقة وعلى الساحة الدولية انطلاقاً من مكانة الحزب في المعادلة الإقليمية وموقع الحزب العارف بما يدور في ساحات المواجهة مع الحلف الأميركي – الخليجي لا سيما في سورية والعراق واليمن وفلسطين المحتلة، حيث التصعيد السائد في كل هذه الساحات، مع انسداد أفق التسويات أكان في اليمن أو في فلسطين المحتلة حيث تسلم الحكومة الجديدة زمام الأمور قضى على آخر فرص التوصل الى دولتين واستقرار في المنطقة، فضلاً عن الحرب الروسية -–الأوكرانية التي هي معركة أميركية في الأساس، لن تنتهي قبل أشهر، وبالتالي المنطقة والعالم يتجهان نحو التصعيد ومزيد من الحروب وتصفية الحسابات، ما سيترك تداعياته السلبية على الداخل اللبناني، لذلك أطلق السيد نصرالله هذا التحذير والنداء الى القوى السياسية في لبنان لوقف الرهانات على ضغوط أو تسويات خارجية تؤدي الى انتخاب رئيس وفق مصالحها، وبالتالي يجب الإعداد لخطط إنقاذ الاقتصاد اللبناني من الانهيار الكامل من رؤية اقتصادية تستند الى إطالة أمد الحروب في المنطقة والعالم. ما يعني ضرورة البحث عن خيارات أخرى تستند الى عوامل القوى اللبنانية البشرية والطبيعية والموقع الجغرافي على البحر المتوسط».
ومن هذا المنظار كما تشير الأوساط «انطلق نصرالله بتفنيد مواصفات رئيس الجمهورية المقبل بأن يكون قادراً على قراءة هذه المعطيات والبناء عليها، وتغليب المصالح الوطنية على المصالح والإملاءات الخارجية، ويتمتع باستقلالية وجرأة على اتخاذ القرارات الوطنية الكبرى وفي الملفات الكبيرة كالنفط والنازحين وقبول الدعم والهبات من الدول الصديقة للبنان والبحث عن خيارات اقتصادية غير غربية كالتوجه شرقاً»، وكما أن مواصفات نصرالله تنطبق على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وما يعادله، فإنها أسقطت أسماء كثيرة في التداول، وعلى رأسهم النائب ميشال معوض وعدة أسماء طرحها النائب جبران باسيل». وتخلص الأوساط بالتأكيد بـ»أننا لن نشهد رئيساً في بعبدا إذا لم يكن يتمتع بهذه المواصفات ولو طال أمد الفراغ، لأن أي رئيس يأتي فقط لملء الوقت الضائع سيتسبب بمزيد من الانهيار الاقتصادي وبالتالي الفوضى الأمنية».
وفي إطار هذا المشهد جاءت زيارة وفد حزب الله الى كليمنصو للقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وربطت مصادر مطلعة لـ»البناء» بين اللقاء والواقع السياسي والرئاسي المأزوم والذي وصل الى مرحلة حساسة ودقيقة وبدأ ينعكس بشكل خطير على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأمني في ظل عودة الشارع الى الواجهة ووجود مخاوف من مخطط لتفجير الوضع الأمني، بالتزامن مع رفض بعض القوى السياسية للحوار والحديث عن التقسيم والفدرالية، ما يهدّد الاستقرار والسلم الأهلي.
وقدّم جنبلاط لوفد الحزب وفق مصادر إعلامية، مبادرة التراجع خطوة إلى الخلف والبحث عن رئيس توافقي، وطرح في لقائه مع الحزب ثلاثة أسماء رئاسية هي جهاد أزعور وصلاح حنين وقائد الجيش العماد جوزاف عون». ولفتت إلى أنّ «حزب الله لم يوافق ولم يرفض مبادرة جنبلاط، والأخير توافق مع الحزب على أنه لا يمكن استبعاد الكتلتين المسيحيتين الأكبر عن تسمية الرئيس»، موضحاً أنّ «جنبلاط والحزب تطرقا إلى أهمية إنشاء صندوق سيادي ووطني مستقل لإدارة قطاع النفط».
وفي سياق ذلك، أشار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الى «أننا كحزب الله متحمسون ونعمل ليل نهار لتسهيل الخطوات العملية من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، لكننا لسنا وحدنا من ينتخب رئيس الجمهورية، فعدد أعضاء مجلس النواب مئة وثمانية وعشرون. هذا المجلس فيه تنوع وتوزيع في الكتل النيابية، إلى درجة أنك لا تستطيع أن تقول إنَّ في المجلس اتجاهين، بل هناك خمسة أو ستة أو سبعة تكتلات موجودة في داخل المجلس، وإذا أردت أن تنتخب رئيساً للجمهورية في الدورة الأولى تحتاج ثلثين وفي الدورة الثانية تحتاج خمسة وستين، النصف زائداً واحداً».
وأوضح قاسم، أنّه «لا يوجد إلى الآن كتل متفاهمة متجانسة استطاعت خلال هذه الفترة السابقة أن تحقق الحد الأدنى وهو النصف زائداً واحداً، وإن كان هناك كتل تأمل أن تصل إلى هذا العدد. لكن مَن المسؤول؟ الكل هم مسؤولون والكل معنيُّون. عندما يخرج لنا أحياناً بعض النواب يشتمون النواب الآخرين، ويحمّلون النواب الآخرين المسؤولية وينسون أنفسهم بأنهم مسؤولون أيضاً».
وسأل: «إذًا كيف نستطيع أن نخرج من هذا المأزق مع هذا التوسع الموجود بين الكتل النيابية؟ نستطيع بإجراء حوارات واتفاقات ومحاولة تقريب وجهات النظر. يمكن للبعض أن يقول إنّه لا يمكن تقريب وجهات النظر بين المتباعدين، دعنا نسأل هؤلاء المتباعدين لماذا هم متباعدون؟ إذا كانوا متباعدين لأنهم يريدون رئيسًا كما يرغبون وهم غير قادرين على الإتيان بهذا الرئيس، فهل يعقل أن يبقوا على تصميمهم وعلى رفضهم لحلحلة الأمور بالتعاون مع الآخرين؟».
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية حمد أبو زيد، ردّ على تصريحات السيد نصرالله حول مصر، معتبراً أنّ التصريحات «عبثية وليست سوى محاولة لاستدعاء بطولات زائفة»، وذلك ردًا على استفسار من وكالة «الشرق الأوسط» المصرية.
ولن يدعو رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى جلسة جديدة الخميس المقبل وفق مصادر «البناء» بانتظار اتجاه الأمور بعد النتيجة السلبية للجلسة الأخيرة، وقرار نواب التغيير الاعتصام داخل المجلس وتهديد اللقاء الديمقراطي تعليق مشاركته في الجلسة، ما يعني أن الدعوة الى جلسة بهذا المناخ الانقسامي والتصعيدي والتعطيلي، عبثية وتفقد جدواها.
وردّ الرئيس بري على نواب التغيير المعتصمين في المجلس، باستبدال جلسة الانتخاب بالدعوة الى جلسة للجان المشتركة الى جلسة الخميس المقبل لدرس مشروع القانون الوارد بمرسوم رقم 13760 الرامي إلى تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية.
ويبدو أن المعركة الرئاسية انتقلت الى الشارع بعد إقفال أبواب الحوار، وكشفت مصادر نيابية مستقلة لـ»البناء» أن المشاورات بين حزبي الكتائب والقوات اللبنانية مع قوى التغيير فشلت بالتوافق على مرشح موحّد بعدما لم تستطع القوات إقناع التغييريين بالسير بميشال معوض ولا كتلة التغيير أقنعت رئيس القوات سمير جعجع بالأسماء التي طرحتها للتوافق، ما دفع كافة الأطراف الى حسم خياراتها. فالقوى الداعمة لمعوض صوتت له في جلسة الخميس، فيما اختار التغييريون الاعتصام السلمي في المجلس مع تحريك الشارع.
ويستمرّ النائبان ملحم خلف ونجاة عون صليبا في اعتصامهما داخل قاعة مجلس النواب للمطالبة بعقد جلسات متتالية حتى انتخاب رئيس، في وقت توافد نواب متضامنون معهم من كتل أخرى، الى البرلمان وكان آخرهم النائبان من كتلة القوات اللبنانية جورج عقيص ورازي الحاج، وقالت النائبة صليبا في حديث تلفزيوني من داخل المجلس: «هذا ليس اعتصاماً بل حقّ دستوري بأن نبقى في القاعة لحين انتخاب رئيس للجمهورية ولا نوجّه رسالة لأحد بل نمارس حقّنا. وهذه واجباتنا بالوظيفة التي سلّمنا إيّاها الشعب «عم نطلب فقط من النواب يشتغلوا شغلن» وباقون في المجلس». من جهته، قال خلف «نحن ضد النهج التعطيلي ونحن نهج جديد في هذا الوطن ونؤكّد للبنانيين ضرورة عدم فقدان الأمل. فهذا بلد يجب أن يعيش ونحن هنا بإرادة الشعب». وتابع «مطلبنا الإبقاء على الجلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس للجمهورية».
على صعيد الحراك الخارجي، أشارت مصادر إعلامية الى أن اللقاء الفرنسي – الأميركي السعودي سيُعقد في باريس في 6 شباط المقبل على مستوى مستشارين ومديري خارجية على أن يبحث في تنسيق المساعدات للشعب اللبناني والتحضير لاجتماع المسؤولين.
على صعيد آخر، ارتدت تداعيات الأزمة السياسية والمالية اللبنانية على تمثيل لبنان في الأمم المتحدة، إذ أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان أن «فنزويلا ولبنان وجنوب السودان متأخرة عن سداد مستحقات لميزانية تشغيل الأمم المتحدة وهي من بين 6 دول فقدت حقوقها في التصويت في الجمعية العامة المكوّنة من 193 عضوًاً».
من جهتها، أوضحت وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان، بأن سائر المراحل الخاصة لتسديد المبلغ المطلوب قد أنجزت، وبعد الاتصالات التي تم إجراؤها مع كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية، تبيّن أن عملية الدفع النهائية ستتم مباشرةً بما يحفظ حقوق لبنان في الأمم المتحدة.
"الأخبار": مخاوف متزايدة من توترات أمنية
أزمة ارتفاع الأسعار بشكل عشوائي على ضوء ارتفاع سعر الدولار، لا تبدو بنداً حاراً على جدول أعمال القوى السياسية التي تراقب بدقة التحقيقات التي تجريها الوفود القضائية الأوروبية في ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ويتصرف كثيرون على أن ما يجري قد ينعكس على واقع سعر الصرف، فيما لم يعرف بعد ما إذا كان الحاكم نفسه سيحضر إلى التحقيق.
وإلى جانب الشلل العام في عمل الدولة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتعطل انتخاب رئيس للجمهورية، عُلم أن جهات ومرجعيات رفيعة في البلاد تطلب تقارير أمنية لتقدير الموقف على الأرض، وما إذا كانت هنا إشارات إلى انفجار جديد في الشارع، خصوصاً أن التوترات الاجتماعية تكبر يوماً بعد يوم، مع إشارة لافتة إلى تسريبات جهات محلية وخارجية عن احتمال انفجار كبير ينجم عن اغتيالات سياسية.
وتحدثت مصادر أمنية عن إجراءات غير عادية يتخذها عدد غير قليل من القيادات السياسية، واستنفارات بين مناصري شخصيات رفيعة لمواجهة أي احتجاجات جديدة يمكن أن تستهدف هذه الشخصيات في الشارع.
إلى ذلك، واصلَ النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا اعتصامهما المفتوح داخل مجلس النواب، من أجل عقد جلسة مفتوحة وانتخاب رئيس، وانضم إليهما النواب الياس حنكش وأسامة سعد وعبد الرحمن البزري وشربل مسعد ونبيل بدر. فيما اعتذر نائب رئيس المجلس الياس بو صعب عن عدم عقد الاجتماع الذي كان مقرراً مع النواب المعتصمين. وكان النواب قد عقدوا لقاءات مع المغتربين عبر تقنية «زوم»، مشيرين إلى أنهم يستعدون للإقامة الدائمة داخل المجلس، على أن يتناوبوا على المبيت، إذ تقرر أمس أن تنام النائبة حليمة قعقور مكان صليبا. وقالت مصادر النواب إنهم سيعملون قريباً على تنظيم حوارات سياسية ودستورية مع بقية النواب للوصول إلى تصور مشترك للخروج من الفراغ.
ونقل زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن إدارة المجلس تقوم بما يفترض بها القيام به حيال النواب المعتصمين. لكنه أكد أن الأمور معلقة بسبب عدم وجود اتفاق. وقال بري إن الخارج ليس مهتماً على ما يبدو، وإن السفيرة الأميركية دوروثي شيا زارته وسألته عن كل شيء، وأكدت له أنه لا مرشح لأميركا. ولفت إلى أن عدم انعقاد اجتماع باريس الرباعي بين أميركا وفرنسا والسعودية وقطر يشير إلى عدم وجود حلحلة. وأضاف: «واضح أن الخارج لا يقدم ولا يؤخر، وأن الحل داخلي، يحتاج إلى حوار حقيقي، لكن ليس هناك تجاوب مع الحوار حتى الآن». وأضاف أن انعقاد جلسات الحكومة لا يجب أن يعتبره البعض رسالة ضده، بل هناك حاجات ملحة للناس لا يمكن معالجتها من دون انعقاد الحكومة.
"الجمهورية": المجلس يصطدم باستعصاء انتخاب الرئيس
الإستعصاء يطوّق الأزمة الداخلية بكلّ تشعباتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، وكذلك السياسية، وتضافرت تناقضات وأجندات ومقامرات أطراف الإنقسام السياسي على مدّه بكلّ اسباب تحصينه. والسؤال الذي بات يطرح نفسه بإلحاح في موازاته: كيف يمكن كسر هذا الاستعصاء على النحو الذي ينأى بلبنان عن جحيم كارثي ينتظره، ويضمن إعادة نهوضه مجدداً، ويبقيه على خريطة الدول، ويُخرج اللبنانيين من خوفهم على حاضرهم ومستقبلهم؟
المناخ الداخلي العام، وبلا أدنى شك، مفخخ في كل مفاصله، تبدو فيه مكونات التعطيل جميعها مجتمعة على هدف واحد، هو تدمير ما تبقّى من هذا البلد. والمضي في لعبة شعارات وعناوين وبكائيات خادعة، يصعّب على المواطن اللبناني المنكوب والمخدوع، فهم السلوك الذي ينتهجه هؤلاء، بتعمّد العبث بلبنان وسدّ كلّ النوافذ والمنافذ والمخارج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وترك هذا البلد يسلك طريق السقوط في مجهول مفتوح على سيناريوهات تطوق مصيره باحتمالات أقلّها خطر الزوال.
حريق مالي وسياسي
ضمن هذا المناخ، يندرج الحريق المالي الذي اشعلته غرف سوداء تحرّكت بكبسة زر من «الحمايات الخفيّة»، لإشهار سلاح «الدولار»، والدفع به نحو «اللاسقف». وهو الامر الذي يدفع ثمنه المواطن اللبناني ويشلّ قدرته على اللحاق بما يرتّبه من أعباء، وارتفاع رهيب في الاسعار. وضمن هذا المناخ ايضاً، يندرج التحلّل السياسي، الذي تتوالى صوره الفضائحية على حلبة الملف الرئاسي، وتديرها عقليات مدمّرة، ولاؤها لأجنداتها ومكاسبها، وكبّلت جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بالفشل الحتمي، وحسمت خياراتها، في ما يبدو بصورة نهائية، بمنع ضخّ هورمونات التوافق في المسار الرئاسي المعطّل.
هذه الصورة، وكما يقول مرجع مسؤول «تنعى كل احتمالات الانفراج، ولبنان ورئاسة الجمهورية، وما يستتبع انتخاب الرئيس أمام حائط أكثر من مسدود، فلبنان مع الأسف بات مكبّلاً بالمناكفات والمزايدات والكيديات، وباتت معها صياغة أي توافق او تفاهم او إحداث ثغرة انفراج في هذا الحائط، ضرباً من المستحيل، وعلينا في هذا الواقع ان نتوقع الأسوأ».
وقال المرجع لـ"الجمهورية": «هي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي نقف فيها على حافة مجهول مخيف يتهدّد كل الواقع السياسي، وحتى بنية النظام اللبناني برمّته. وأمام ما بلغناه من انسداد، صار الحديث عن توافق داخلي حول انتخاب رئيس للجمهورية، في جو رافض كليّاً للتوافق، غير ذي معنى على الاطلاق، ما بات يوجب البحث عن بدائل جدّية تكسر هذا الانسداد».
ولفت المرجع، إلى «انّ المجلس النيابي، بتركيبته الراهنة، أثبت فشله في انتخاب رئيس للجمهورية، وسيبقى ساحة مفتوحة للفشل مع كل جلسة يعقدها لانتخاب الرئيس، طالما انّه لا يبدو في أفقه ما قد يعدّل من توجّهات الاطراف السياسية والنيابية، على نحو ينقل المجلس من كونه حاليّاً عنواناً لأقليات متصارعة وكامنة لبعضها البعض، وساحة للعداوات والتناقضات والصدامات والصبيانيات والولدنات والتهريجات والاعتصامات الاعلامية، إلى حلبة تفاهم وشراكة في سلوك مسار الانقاذ، بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما ليس ممكناً مع الأسف».
ورداً على سؤال عن البدائل الممكنة، وما إذا كان حل المجلس النيابي احد الخيارات البديلة، اكتفى المرجع بالقول: «الانتخابات النيابية أنتجت هذا المجلس، وتوزعت فيه القوى السياسية على شاكلة اقليات ولا اكثرية حاسمة فيه، ودلّت التجربة منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، انّ حسم الاستحقاقات الكبرى، ومنها انتخاب رئيس الجمهورية، يوجب تلاقي اقليات المجلس على هذا الانتخاب، ولكن ما شهدناه على مدى 11 جلسة اكّد استحالة التلاقي والتوافق على رئيس. في الوقت الذي يسقط لبنان فيه في مزيد من الاهتراء على كل مستوياته، فهل نسلّم بهذا الامر، ونستسلم للسقوط، والمناكفات الشعبوية او المسرحيات التهريجية والاعتصامات الاستعراضية، ونبقى مستمرين في مسلسل الفشل من جلسة إلى جلسة. فقد آن الأوان لوقف هذا المنحى. لا اقول انّ ثمة بدائل جاهزة، وانما هذا الانسداد بات يوجب الانتقال من دائرة الفشل إلى مدار البحث الجدّي عن بدائل لكسر الانسداد. كل هذا المسار الذي نشهده لا ينتج رئيساً، وبالتالي لا يمكن ان يستمر، وإذا ثمة ما هو غافل عن حقيقة ما نحن فيه، نقول له انّ البلد يفلت منا، وقد نصل الى لحظة لا نجده فيها».
إعتصام النواب
في هذه الاجواء، واصل النائبان ملحم خلف ونجاة عون صليبا اعتصامهما داخل قاعة مجلس النواب، للمطالبة بعقد جلسات متتالية للمجلس حتى انتخاب رئيس للجمهورية، وسُجّلت امس زيارات تضامنية معهما من قِبل بعض النواب الذين يصنّفون أنفسهم سياديين وتغييريين.
واعتبرت النائبة صليبا انّ «هذا ليس اعتصاماً بل حقّ دستوري بأن نبقى في القاعة لحين انتخاب رئيس للجمهورية. ولا نوجّه رسالة لأحد بل نمارس حقّنا، وهذه واجباتنا بالوظيفة التي سلّمنا إيّاها الشعب «عم نطلب فقط من النواب يشتغلوا شغلن» وباقون في المجلس».
اما النائب خلف فقال: «نحن ضدّ النهج التعطيلي، ونحن نهج جديد في هذا الوطن. ونؤكّد للبنانيين ضرورة عدم فقدان الأمل. فهذا بلد يجب أن يعيش، ونحن هنا بإرادة الشعب». اضاف: «مطلبنا الإبقاء على الجلسات مفتوحة حتى انتخاب رئيس للجمهورية، فنحن نشعر وكأنّ الديموقراطية تسقط في لبنان، وعلينا مسؤولية اليوم بأن نحترم اللعبة الديموقراطية».
بري يردّ
على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو انّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لم يبادر إلى تحديد جلسة انتخابية لرئيس الجمهورية في الموعد التقليدي المفترض يوم الخميس المقبل، بل بادر إلى تحديد جلسة لانعقاد اللجان النيابية المشتركة في اليوم نفسه، لدرس مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون الضمان الإجتماعي، وإنشاء نظام التقاعد والحماية الإجتماعية، وهو الامر الذي ادرجته مصادر سياسية مسؤولة في سياق الردّ غير المباشر على ما سمّتها «مزايدات ومحاولات ضغط غير مبررة، وليست في محلّها».
أي هدف للاعتصام؟
وفي هذا السياق، قالت مصادر مجلسية لـ"الجمهورية": «النائب غير مقيّد، حيث له الحق في ان يعبّر عن رأيه وموقفه بالطريقة التي يريدها، وهذا الامر لا جدال فيه على الإطلاق. ولكن كان الأجدى لو كان عنوان اعتصام بعض النواب في المجلس، للضغط على الاطراف للتوافق على انتخاب رئيس الجمهورية، وهنا نعتبره اعتصاماً بريئاً وصادقاً. ولكن ان يتعنون هذا الاعتصام بالضغط لعقد جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس، في محاولة مقصودة او غير مقصودة، للتعمية على السبب الأساس لتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، الا وهو هروب البعض من التوافق، والإيحاء وكأنّ رئيس المجلس هو من يعطّل انتخاب رئيس الجمهورية. فهذا يجعلنا ننظر إلى هذا الاعتصام بعين التشكيك بالنوايا والاهداف».
في اي حال، تؤكّد المصادر، انّ «هذا المنحى مرفوض، ولا يمكن القبول به او تجاوزه او تمريره، فإن كان هؤلاء حريصين على انتخاب الرئيس فليضغطوا في اتجاه التوافق. وربما نسي هؤلاء او تناسوا انّ رئيس المجلس ومنذ ما قبل انتهاء ولاية عون والدخول في فترة الفراغ الرئاسي كان اول من نادى بالتوافق، ولا يزال يعتبر انّ هذا التوافق يشكّل المعبر الإلزامي لإنجاز الانتخابات الرئاسية، ومن دون هذا التوافق سنبقى ندور في حلقة التعطيل المفرغة».
"اللواء": الدولار يقتحم حصن الخمسين ويشعل الأسعار
من علامات انهيار الوضع اللبناني دوليا، أعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان امس، أن فنزويلا ولبنان وجنوب السودان متأخرة عن سداد مستحقات لميزانية تشغيل الأمم المتحدة وهي من بين 6 دول فقدت حقوقها في التصويت في الجمعية العامة المكونة من 193 عضوًا. ووفقًا لرسالة الأمين العام، فإن الحد الأدنى من المدفوعات اللازمة لاستعادة حقوق التصويت هو 76244991 دولارًا لفنزويلا، و1835303 دولاراً للبنان، و619103 لغينيا الاستوائية، و196130 دولاراً لجنوب السودان. و 61،686 دولاراً للغابون، و 20،580 دولاراً للدومينيكان.
ولكن وزارة الخارجية والمغتربين كشفت، «بأن سائر المراحل الخاصة لتسديد المبلغ المطلوب قد أنجزت، وبعد الاتصالات التي تم اجراؤها مع كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية، تبيّن أن عملية الدفع النهائية ستتم مباشرةً بما يحفظ حقوق لبنان في الأمم المتحدة».
تعاميم مصرف لبنان
وكان مصرف لبنان قد اصدر امس ثلاثة تعاميم حول اجراءات سحب الدولار من المصارف.
تعميم حول الاجراءات الاستثنائية لتسديد تدريجي لودائع بالعملات الأجنبية، بحيث يُدفع للمودع بموجبه 400 دولار «فريش» و400 دولار أخرى على أساس سعر 15000 ليرة بدلاً من 8000 ليرة.
تعميم بإجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية.وقال إنّ على المصارف ان تقوم بتسديد السحوبات بالدولار الاميركي بما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية وفقا لسعر 15000 ليرة ضمن سقف 1600 دولار ابتداءً من 1/2/2023.
تعميم وسيط حمل الرقم 656 موجّه الى المصارف والمؤسسات المالية، ويتعلق بتعديل القرار الاساسي رقم 7776 تاريخ 21/2/2001 (عمليات التسليف والتوظيف والمساهمة والمشاركة)، مرفق بالتعميم الاساسي رقم 81. ويشير التعميم الى انه على المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان عدم قبول تسديد القروض الممنوحة بالعملات الأجنبية لغير المقيمين، بما في ذلك شركات «الأوف شور»، الا من أموال جديدة محوّلة من الخارج.
دولار ومحروقات وخبز
معيشيا، الدولارتجاوز الخمسين الف ليرة وسجّل سعره صباحاً في السوق السوداء عصرامس، ما بين 50100 و50300 ليرة لبنانيّة لكلّ دولار أميركيّ. بعدماكان قد إفتتح صباحاً، على تسعيرة تراوحت ما بين 50500 و50600 ليرة لبنانيّة لكلّ دولار أميركيّ. ثم تراجع مع بداية المساء الى 49800 وخمسين الف ليرة بعد صدور تعاميم مصرف لبنان عن السحوبات بالدولار من المصارف.
وعلى وقع هذا الارتفاع، واصلت أسعار المحروقات ارتفاعها ايضا، حيث أظهر جدول تركيب أسعار المشتقات النفطية الصادر عن وزارة الطاقة والمياه- المديرية العامة للنفط، ارتفاعاً في سعر صفيحتي البنزين 95 أوكتان 32000 ليرة و98 أوكتان 33000، وسعر صفيحة المازوت 26000 ليرة، وقارورة الغاز 24000 ليرة لبنانية.
وبعد إرتفاع أسعار المحروقات امس، لجأ معظم سائقي الفانات إلى التوقف عن العمل كخطوة تحذيرية ورفضاً للواقع المعيشي. كما قام الكثير من سائقي السيارات العمومية برفع التسعيرة التي وصلت إلى حد 80،000 ليرة لبنانية، وذلك قبل رفعها رسمياً.
كذلك ارتفعت اسعار قناني المياه المعبأة سعة 19 ليترا من 90 الف الى مائة الف ليرة، وزادت اسعار صهاريج مياه الخدمة خمسين الف ليرة للعشرة براميل.
وفي حين عمد بعض الافران الى رفع سعر ربطة الخبز الكبيرة (ستة ارغفة) الى 26 و27 الف ليرة بينما يفترض ان تباع بعشرين الفاً بزيادة الف ليرة يوم امس الجمعة، نفت وزارة الاقتصاد والتجارة الأخبار «المضللة والاكاذيب المتناقلة التي تهوّل على اللبنانيين بأنّ أزمة خبز تنتظرهم في المدى القريب». وقالت الوزارة، في بيان: أنّ من يسوّق لهذه الاخبار إنما هو يفتعل أزمة لا وجود لها، مستهدفاً المواطن بلقمة عيشه.
وتابعت: ليس من قبيل الصدفة أنه منذ سنة و٤ اشهر، يتم التداول بهذا التهويل بغية خلق جو من التوتر لاهداف رخيصة ولاستغلال ظروف البلد والناس. وقد اثبتت التجارب السابقة أنّ تجار الازمات هم من يقفون وراء افتعالها.
وأكدت الوزارة «استمرارها بمكافحة تجار الأزمات والفساد من خلال التعاون المتواصل مع كل الاجهزة المعنية، مشيرة إلى أنها نجحت بمكافحة كل سارقي القمح والطحين، مثبتة أن الوزارة والسلطات الامنية حازمة في التصدي لكل من يمس بلقمة عيش المواطن».
كذلك أعلنت نقابة الأفران في لبنان أنّ «الأخبار الصادرة عن المطاحن بوجود شحّ في مادة القمح المدعوم لديها، هي معلومات مبالغ بها في الوقت الذي طمأن وزير الاقتصاد الى أنّ القمح المدعوم متوافر ولمدّة سنة كاملة بسبب أموال قرض البنك الدوليّ».
إقرأ المزيد في: لبنان
25/11/2024
عمليات المقاومة ليوم الاثنين 25-11-2024
25/11/2024