معركة أولي البأس

لبنان

القضاء يدعي على سلامة.. وقرار ميقاتي يفشل بتجريد القاضية عون من ملاحقة المصارف
24/02/2023

القضاء يدعي على سلامة.. وقرار ميقاتي يفشل بتجريد القاضية عون من ملاحقة المصارف

ركزت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم من بيروت على قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتجريد القاضية غادة عون من امكانية تحريك الأجهزة الأمنية لتنفيذ ملاحقاتها بحق المصارف، وكان الجواب قاسياً من العدلية التي انتفضت بوجه القرار، سواء بموقف وزير العدل الرافض للقرار باعتباره تجاوزاً مزدوجاً لموقع وزارة العدل من جهة، ومبدأ استقلال القضاء من جهة مقابلة، بينما جاء بيان مجلس القضاء الأعلى الذي أصدره رئيس المجلس سهيل عبود بلغة عالية النبرة، متهماً الحكومة ممثلة برئيسها ووزير داخليتها بانتهاك مبدأ فصل السلطات وانتهاك استقلالية القضاء. 

كما تناولت الصحف ادعاء النائب العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بأكثر من جرم أهمها، تبييض الأموال واختلاس الأموال والثراء غير المشروع والتزوير ليدفع بالأزمة المصرفية القضائية إلى المزيد من التصعيد.

"الأخبار": الخطوة الأجرأ في تاريخ القضاء: رياض سلامة... رجاء ارحل!

كتبت صحيفة "الأخبار" تقول: ليس أمراً عادياً ما حصل أمس. الادعاء على حاكم مصرف لبنان يمثل علامة فارقة في مسيرة المحاسبة القضائية في لبنان. ما فعله القاضي رجا حاموش كان يفترض أن يقوم به قضاة آخرون قبل أكثر من سنة. لكن بعضهم خاف أو خضع أو تورط في ما هو غير معروف، وهرب من القيام بواجباته البسيطة. وإذا كانت الشكوك ستستمر حول مسار القضية بعد إحالتها إلى قاضي التحقيق، فإن ذلك لا يلغي حقائق أساسية:

أولاً، لقد قدم القاضي جان طنوس نموذجاً احترافياً رفيع المستوى في متابعته لهذا الملف، ليس فقط في ملاحقة من يجب الاستماع إليهم، بل بعدم الابتعاد عن لب القضية المتعلقة بحماية المال العام، ولم يقبل في كل مراحل التحقيقات الخضوع لنمط العلاقات السيئة التي تحكم القضاء بالحاكمين من سياسيين ورجال أعمال ومال وأجهزة أمنية. وطنوس نفسه، الذي عرف كيف يستعين بعصا القضاء الدولي، لم يقبل تدخل القضاء الأوروبي في عمله، ولم يوافق يوماً على أي خطوة من شأنها تشريع الأبواب أمام تدخل خارجي يقود إلى هيمنة أو وصاية دولية مرغوبة من قبل قضاة قبل أن تكون مطلوبة من سياسيين وحتى من مواطنين. ما قام به طنوس على مدى شهور طويلة، تحول إلى مثل يمكن لمن يرغب من القضاة الأخذ به في مواجهة كثير من الملفات الشائكة التي لا تزال حبيسة الأدراج، وأبرزها سرقة العصر المتمثلة بشركة سوليدير وأفعالها، وهو الملف الأكثر حساسية من ملف الحاكم، لكنه بقي أسير الحسابات والمداخلات السياسية وأسير موقف لا يزال غير مبرر من قبل النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم.

ثانياً: صحيح أن النيابات العامة تخضع بشكل أو آخر لتأثيرات السلطة التنفيذية، وصحيح أيضاً أن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات تعرض لضغوط مباشرة، من رؤساء ومرجعيات روحية واقتصادية وحتى من جهات ديبلوماسية، وقد أظهر بعد التردد في مراحل سابقة، خصوصاً عندما وافق على تعطيل عمل القاضي طنوس بطلب من الرئيس نجيب ميقاتي. إلا أن عويدات يعرف بخبرته أنه لا مجال لإخفاء معالم جريمة بهذا الحجم، وعندما كان يقتنع يوماً بعد يوم بما يفعله القاضي طنوس، كان يقتنع أكثر فأكثر بضرورة القيام بخطوة عملانية. وعندما تسلم ملف الادعاء من طنوس بادر إلى الطلب من القاضي زياد أبو حيدر تنفيذ أمر الادعاء على سلامة، لكن الأخير، الذي ظهر منحازاً في ملفات كثيرة، سارع إلى الهروب من الواجب الوطني والمهني والأخلاقي، قبل أن يعود الملف إلى القاضي حاموش، الذي تعرض بدوره لضغوط وحملات مكتومة، أريد منها اتهامه بأنه سيخضع وسيتهرب من المهمة، قبل أن يقوم بما قام به أمس.
ثالثاً: إن سابقة الادعاء على حاكم مصرف لبنان في لبنان تسجل حتى ولو كان كل ما يحصل يهدف إلى إعادة لملمة الملف بحجة أو من دونها. لكن العبرة هي أن الحاكم الذي بات محل اشتباه رسمي من قبل هيئات قضائية، في لبنان وأوروبا، لا يزال يجد نفسه في موقع القادر على كسر الملاحقة القانونية، وهو وإن عبر عن اعتراضه وإيمانه ببراءته، إلا أن «شجاعته» تبقى محصورة في عدم الإذعان لصوت الناس والقضاء. وما عليه سوى الخروج من منصبه من تلقاء نفسه، والذهاب إلى منزله بانتظار استكمال التحقيقات معه، ومن المفيد هنا، أن يعلم سلامة بأن أي خطوة يقوم بها ابتداء من اليوم، ستكون محل تشكيك حتى ولو قرر إعادة الأموال المتهم باختلاسها. رابعاً: يعرف اللبنانيون أن السلطات التشريعية والتنفيذية في لبنان ليست سعيدة بالخطوة، إذ إن الادعاء أصاب شريكاً أساسياً لهم خلال ثلاثين سنة. وهو القلق نفسه الذي ينتاب قسماً غير قليل من العاملين في القطاع المصرفي، وآخرين يعملون في السياسة والتجارة والإعلام. لكن، هذا التحالف، الذي يضم أيضاً بعض «ثوار السفارات»، لا يمكنه أن يتجاهل الأمر، وإن كنا نتوقع أن يتصرف هؤلاء بغباء وإنكار، وأن يعمدوا إلى مساعدة سلامة ليس على البقاء في منصبه الآن، بل على التجديد له إن أمكن، وعلى منع محاكمته أيضاً.
خامساً: ما قام به القضاء أمس، يجب أن يكون رسالة إلى القضاء الأوروبي، ومن خلفه الحكومات الغربية والمؤسسات المالية الدولية، بأنه لا يمكن التصرف مع اللبنانيين على أنهم كلهم على شاكلة حلفائهم أو أزلامهم في لبنان، وبدل أن يدخلوا البلاد في كذبة جديدة مثل المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري، يجب أن يعمدوا إلى تقديم كل ما لديهم - ولديهم الكثير الكثير - من المعطيات والأدلة التي تدين سلامة ليس فقط في جريمة تبييض أموال يشتبه في أنه اختلسها من المال العام في لبنان، بل من خلال إشهار هوية شركائه من الدول الأوروبية نفسها، وعلى هؤلاء مساعدة القضاء في لبنان على إنجاز مهمته، لا العمل على احتوائه من أجل فرض الوصاية والفوقية وما هو أبعد من ذلك.
لا أحد في هذه البلاد، يمكنه الحصول على جواب شاف حول ما إذا كان سلامة سيتنحى من تلقاء نفسه عن مهامه حتى ينتهي التحقيق، لكن الأكيد، أنه بات علينا جميعاً، التعامل معه من الآن فصاعداً على أنه مشتبه فيه في اختلاس مال بيت مال اللبنانيين، بالتالي، لا يجب السكوت بعد على بقائه مشرفاً على بيت المال هذا لحظة واحدة...

"البناء": المذبحة العدلية تنتفض بوجه السراي والداخلية… وحاموش يدّعي على سلامة… وغادة عون ستواصل

بدورها صحيفة "البناء" لفتت الى تفاعل قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بتجريد القاضية غادة عون من امكانية تحريك الأجهزة الأمنية لتنفيذ ملاحقاتها بحق المصارف، وكان الجواب قاسياً من العدلية التي انتفضت بوجه القرار، سواء بموقف وزير العدل الرافض للقرار باعتباره تجاوزاً مزدوجاً لموقع وزارة العدل من جهة، ومبدأ استقلال القضاء من جهة مقابلة، بينما جاء بيان مجلس القضاء الأعلى الذي أصدره رئيس المجلس سهيل عبود، الذي سبق أن اعترض مراراً على مسارات التحقيق التي تتبعها القاضية غادة عون، بلغة عالية النبرة متهماً الحكومة ممثلة برئيسها ووزير داخليتها بانتهاك مبدأ فصل السلطات وانتهاك استقلالية القضاء. وخلص البيان إلى الدعوة لسحب القرار مشيراً إلى ان القضاء سيعيد تنظيم أموره ومساراته بنفسه، بينما على ضفة موازية سقطت الصفقة التي كان يأمل الرئيس ميقاتي أن يؤدي نجاحها إلى إعلان جمعية المصارف التراجع عن الإضراب الذي تحول إلى أزمة كبيرة مالياً واقتصادياً واجتماعياً، وجاء ادعاء النائب العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بأكثر من جرم أهمها، تبييض الأموال واختلاس الأموال والثراء غير المشروع والتزوير ليدفع بالأزمة المصرفية القضائية إلى المزيد من التصعيد.

سياسياً، كلام لنائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب حول نتائج اجتماع الدول الخمس الذي انعقد في باريس وضم ممثلين لواشنطن وباريس والرياض والقاهرة والدوحة، يؤكد عدم صحة ما تمّ تسريبه عن اتفاق على تبني ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، قائلاً إن الوزير السابق سليمان فرنجية يتقدم السباق الرئاسي وإن لا فيتو خارجي عليه أو على أحد من المرشحين، مضيفاً جديده، إلى ما يدور حول النقاش المصرفي القضائي، بقوله إن جمعية المصارف قامت بتضليل المجلس النيابي وإنه سوف يقوم بالادعاء على الجمعية.
لم تنجح التسوية السياسية التي «خيّطها» رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عبر الأداة الأمنية، بتبريد حماوة المعركة القضائية – المصرفية، ولم توقف المسار القضائي ضد عدد من المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بل جاءت ردات الفعل عكسية وعنيفة على شكل انتفاضة قضائية تمثلت بموقف وزير العدل هنري خوري وبيان مجلس القضاء الأعلى الذي دعا ميقاتي الى التراجع عن قراراته، وفي بيان نادي قضاة لبنان الذي نعى مبدأ فصل السلطات، وتلويح التيار الوطني الحر بالتحرك في الشارع، بالتوازي مع ادعاء مفاجئ من محكمة استئناف بيروت على الحاكم المركزي يعكس استمرار النزاع القضائي – المصرفي النقدي وسط معلومات لـ»البناء» تتحدّث عن دعاوى قضائية جديدة على عدد من المصارف ورؤساء مجالس إدارات بجرائم مختلفة، وأن كتب ميقاتي ووزير الداخلية لن توقف المسار القضائي ضد المصارف المتورطة بقضايا فساد، ما يعني أننا أمام جولة جديدة من المعركة.
وبعد أقلّ من 24 ساعة على قرارات ميقاتي ومولوي للأجهزة الأمنية بعدم تنفيذ الإشارات والادعاءات التي تصدر عن القاضية غادة عون، ادعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش، على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعلى شقيقه رجا، وماريان الحويك مساعدة سلامة، وكل من يظهره التحقيق «بجرائم اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال المزور والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، ومخالفة القانون الضريبي». وأحال الملف مع المدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، طالباً استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم.

وبانتظار تحديد القاضي أبو سمرا موعد جلسة استجواب سلامة، علّق الأخير على القرار لـ»رويترز»، قائلاً «أنا بريء من لائحة التهم الجديدة المنسوبة لي». وأضاف: «سألتزم بالإجراءات القضائية بعد الاتهامات الجديدة».
ورحّب المرصد «الأوروبي للنزاهة» في لبنان، في بيان بقرار القضاء اللبناني بالادعاء على حاكم مصرف لبنان، مؤكداً «ان هذا الإجراء الذي طال انتظاره، سيعزّز التحقيقات الجارية في أوروبا».
وكانت القاضية غادة عون ناشدت السلطات الدولية في البرلمان الأوروبي للمساعدة في الدفاع عن سيادة القانون، مشيرة الى أن «رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتدخل بشكل فاضح في العدالة من أجل وقف التحقيقات التي أجريها في قضية البنوك وتبيض الأموال».
كما أكّدت القاضية عون، التي نُفِذت وقفة تضامنية معها أمس، في حديث متلفز أنّها ستتعاطى مع القرار الصادر عن مولوي، «كأنه لم يكن لكونه صدر عن مرجع غير مختص سنداً للأصول الجزائية». وأفادت الـOTV أنّ الجهة المدعية على المصارف أكدت بأنها ستتقدم بدعوى إبطال قرار مولوي أمام مجلس شورى الدولة.
ونقلت مصادر إعلامية عن عون أنّها «ستكمل عملها ولا أحد يستطيع توقيفها». وعن عدم تنفيذ التّعليمات القضائيّة من قبل الأجهزة الأمنية التّابعة لوزارة الداخلية والبلديات، أشارت إلى أنّ «هناك المديرية العامة لأمن الدولة، وهي تابعة للمجلس الأعلى للدفاع، وقرار وزير الدّاخليّة ليس ملزمًا لها».
ولفتت إلى أنّ «المتضرّرين من قرار ميقاتي ومولوي، سيتقدّمون بطعن أمام مجلس شورى الدولة».

وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن العين على جهاز أمن الدولة، وما إذا كان سينفذ إشارات القاضية عون لكونها صادرة من إحدى النيابات العامة، أم سيلتزم بكتب ميقاتي ومولوي لكونه جهازاً يتبع لرئيس مجلس الوزراء، علماً أن الجهاز أيضاً يتلقى الإشارات القضائية من مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات»، مرجحة أن لا ينفذ أمن الدولة أي قرار قضائي صادر من القاضية عون ضد المصارف وسلامة.
بدوره، دعا مجلس القضاء الأعلى، ميقاتي ومولوي «الرجوع عن القرارين المذكورين اللذين يمسّان بمبدأَي فصل السلطات واستقلالية السلطة القضائية المكرّسين دستوراً وقانوناً وتأسيساً عليهما»، مؤكداً أنه «يعمل على تأمين شروط انتظام العمل القضائي، وحُسن سَير العدالة، وذلك وفقاً للأصول والأحكام القانونية المرعية الإجراء، والمصلحة العامة والمصلحة العليا للدولة».
كما اعتبر «نادي قضاة لبنان» أن «كلاً من رئيس الحكومة ووزير الداخلية آثرا أن يذكرا الشعب اللبناني اليوم بأنهما وسائر الطبقة السياسية في البلاد يعيشون في زمن القرون الوسطى حيث لا قانون ولا شريعة تعلو على إرادة «الأسياد»، ورأى في بيان، أن «هذا التدخّل السافر يشكّل خطيئة كبرى وسابقة خطيرة تجافي أبسط المبادئ القانونية، وينبغي الرجوع عنها فوراً من دون إبطاء». ودعا «المراجع القضائية ووزير العدل إلى التصدي لهذا الاعتداء السافر مع احتفاظه لنفسه بحق اتخاذ أي موقف إضافي تصعيدي عند الاقتضاء». وختم «رحم الله مبدأ الفصل بين السلطات وأعاننا على ولادة قانون استقلالية السلطة القضائية وأعتق القضاء من شطط السياسة».

في المواقف السياسية، واصل التيار الوطني الحرّ هجومه على قراري ميقاتي ومولوي، واعتبر النائب جبران باسيل في تصريح على مواقع التواصل الإجتماعي بأن «قمة الإفلاس والوقاحة السياسية بأن يطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من وزير الداخلية «القاضي» بسام المولوي عدم تنفيذ أوامر القضاء، والأخير بدوره نفذ وكأنه مأمور»، لافتاً إلى أنهم «حاولوا إجهاض التدقيق الجنائي والتحقيق القضائي المحلي والخارجي، ولم يتجاوبوا مع أكثر من 36 رسالة من القضاء الأوروبي، حتى اضطروا تحت ضغط التهديد والعقوبات بأن يدّعي القضاء اللبناني على سلامة وبعض شركائه بتهم اختلاس أموال عامة وتبييضها»، وتساءل: «هل ادعى القضاء على كل من ذكر اسمه بالتحقيق؟ لا لماذا؟ لأن البعض منهم مسؤولون سياسيون كبار».

وأشار باسيل، إلى أن «هناك من أسقط الإصلاحات و»طيّر» صندوق النقد الدولي من اجل أن لا تتم محاسبتهم على سرقة الودائع». اضاف قائلا: «ستحاسبون وسنتابع الاسبوع المقبل من المجلس النيابي قانون استعادة الاموال المحولة من الخارج، ولنرى من مِنَ النواب لن يسير به، الودائع المنهوبة ملك الشعب اللبناني وليس التيار الوطني الحر، ونحن ندافع عن حقوق الشعب، وهذه قضية كل الشعب اللبناني، و»إذا طالبنا بها جميعاً وانتفضنا ونزلنا الى الشارع، فلن يموت حقكم».
إلى ذلك، ترأس ميقاتي أمس، اجتماعاً مالياً في السراي بحضور الحاكم المركزي، وبحث في آليات للجم تدهور قيمة الليرة وذلك بعد الإجراءات التي طلب ميقاتي اتخاذها لكف يد القاضية غادة عون عن الملف المصرفي كخطوة تمهيدية لعودة المصارف عن قرار الإقفال وفتح أبوابها.

وأوضح مستشار ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس أن «اجتماع السراي هو لبحث إمكانية قيام مصرف لبنان بدور للجم الدولار». واعتبر في حديث تلفزيوني أنه «عندما توقف مصرف لبنان عن التدخل في سعر السوق تطورت الأمور. وهذا لا يعني أن مصرف لبنان ليست لديه الإمكانية ولكن أصبحت محدودة». وعن الكتاب الذي وجّهه ميقاتي الى وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي في ما يتعلق بالقاضية غادة عون، قال «مسار القاضية عون تعتريه شوائب كبيرة جداً ومدعي عام التمييز أصدر قراراً منعها من التدخل ولكنها لم تمتثل».
ولفت مصدر نيابي لـ»البناء» الى أنه لا يمكن حل الأزمة المصرفية – القضائية بالأداة الأمنية، ولا بقرارات مالية جزئية موضعية ستظهر ضعفها وعجزها عن معالجة الأزمة بعد أسبوع أو أكثر، وبالتالي لا حل إلا بإقرار الخطة المالية مع توزيع عادل للخسائر وإقرار الكابيتال كونترول بشكل يوازن بين حفظ حقوق المودعين واستمرار عمل المصارف والحفاظ على سيولتها وسمعتها الخارجية ودورها في إنجاز العمليات المالية وربط الخارج بالداخل، اضافة الى إقرار مجموعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية والادارية والكهربائية لاستكمال التفاوض مع صندوق النقد الدولي لتوقيع الاتفاق النهائي لتمويل خطة النهوض اللبنانية».
وكشف المصدر بأن قانون الكابيتال كونترول هو العقدة الكأداء التي تحول دون حلّ أزمة المودعين كمقدمة لحل الأزمة المصرفية والقضائية ووقف مسار الدعاوى الذي يلجأ اليه المودعون في الداخل والخارج كملاذ أخير لاستعادة أموالهم».

النهار: القضاء "ينطق" بملاحقة سلامة ومعارضة ميقاتي

أما صحيفة "النهار" أخذت تقول: أي اثر مباشر محتمل يمكن ان يتركه الادعاء القضائي امس على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في عز احتدام مواجهة كبيرة ومتعاظمة وغير مسبوقة تتداخل فيها عوامل الصراع السياسي مع عوامل الصراع المصرفي – القضائي وفي أسوأ ظرف انهياري وأزمة فراغ رئاسي يمر بها لبنان ؟

في الواقع اكتسب هذا التطور الجديد، (رغم اعتبار البعض انه منسق لتوطين التحقيق وحماية سلامة من ادعاءات خارجية) ولو ان بعض مؤشراته السابقة لا تجعله حدثا مفاجئا، وقعا قويا إضافيا نظرا الى ما باتت تختزنه المواجهة القضائية – المصرفية من فائض خطير في التعقيدات وفي ظل ما تتسبب به من تسعير للصراع السياسي والسجالات البالغة الحدة بين فريق “التيار الوطني الحر” المنخرط بلا هوادة في الحرب على حاكم مصرف لبنان ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. ولكن الادعاء على سلامة امس اتسعت دائرة انعكاساته لجهة اثارة الكثير من التساؤلات والاحتمالات ليس اقلها ما اذا كان يمكن ان يؤدي الادعاء ومن بعده التحقيقات التي ستجرى الى توقف الحاكم سلامة عن مزاولة مهماته واي تداعيات مالية ومصرفية ستنشأ عن هذا الاحتمال وما قد يستتبعه من اثار مالية وسياسية. ولا تأتي اثارة هذا الاحتمال من فرضيات بل ان ما يؤكد جدية الامر وخطورته هو ان سلامة نفسه سارع عقب اعلان نبأ الادعاء عليه الى التبرؤ مما نسب اليه من اتهامات ولكنه قرن ذلك بإعلان استعداده لالتزام الإجراءات القضائية التي ستتخذ بعد الادعاء من دون إيضاح التفاصيل.

تبعا لذلك يبدو واضحا ان تعقيدات المواجهة المفتوحة اكتسبت درجة عالية من السخونة والتصعيد في ظل التخوف من انعكاساتها الجديدة على الازمة المالية وتدهور سعر الليرة واستفحال الارتفاع في سعر الدولار فضلا عن الانسداد الذي يرجح ان يطبع ازمة اضراب المصارف مجددا ولو ان معطيات كانت تشير الى امكان فك الاضراب في مطلع الأسبوع المقبل.

كما ان المشهد زاد سخونة لدى أصدار مجلس القضاء الأعلى بيانا بموقف سلبي من الاجراء الأخير الذي اتخذه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي فخرج مساء عن صمته واصدر بيانا جاء فيه:”تعقيباً على القرارين الصادرين عن السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير الداخلية والبلديات بتاريخ 22/2/2023، بالرقم 292/ص و11/س، بموضوع “إجراء المقتضى القانوني والحفاظ على حُسن سَير العدالة”،

وعملاً بمبدأَي فصل السلطات واستقلالية السلطة القضائية المكرّسين دستوراً وقانوناً، وتأسيساً عليهما، يدعو مجلس القضاء الأعلى السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير الداخلية والبلديات للرجوع عن القرارين المذكورين أعلاه اللذين يمسّان بهذين المبدأين، ويؤكد أنه يعمل على تأمين شروط إنتظام العمل القضائي وحُسن سَير العدالة، وذلك وفقاً للأصول والأحكام القانونية المرعية الإجراء، والمصلحة العامة والمصلحة العليا للدولة”.

لكن معلومات أفادت لاحقا ان ثلاثة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى اكدوا ان المجلس لم يعقد جلسة امس بسبب فقدان النصاب وانهم اعترضوا على البيان الصادر باسمه.

الادعاء على سلامة

اذن برز التطور الجديد في مجريات الازمة القضائية والمصرفية في ادعاء المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش امس على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعلى شقيقه رجا وماريان الحويك مساعدة سلامة، وكل من يظهره التحقيق “بجرائم اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال المزور والاثراء غير المشروع وتبييض الاموال، ومخالفة القانون الضريبي”. واحال الملف مع المدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، طالبا استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم.

وعلّق سلامة على القرار بعد ساعات قليلة فابلغ وكالة لـ”رويترز” قوله “بريء من لائحة التهم الجديدة المنسوبة الي”. واضاف:” سألتزم بالإجراءات القضائية بعد الاتهامات الجديدة”. ولكن افيد ان القاضي شربل أبو سمرا لم يكن تسلم امس بعد ملف التحقيقات التي ادّعى بها القاضي حاموش على سلامة وشقيقه ولذلك لم يحدّد جلسة بعد .

وكان مقررا يعقد في الرابعة من بعد ظهر امس اجتماع مالي في السرايا دعي اليه سلامة للبحث في آليات لجم تدهور قيمة الليرة وذلك بعد الاجراءات التي طلب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اتخاذها لكف يد القاضية غادة عون عن الملف المصرفي بما يدفع بالمصارف الى فتح ابوابها من جديد. ولكن الاجتماع لم يعقد وربط السبب بالادعاء على سلامة.

تفاعلات

وفي غضون ذلك اشتدت حدة الصراع المتصل بالخطوة التي اقدم عليها ميقاتي اذ هاجمه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مجددا بعنف وقال أنّ “الأكيد ان اركان المنظومة والموجودين على رأس السلطات السياسية يشعرون ان الخناق يديق عليهم فاستشرسوا بالدفاع عن نفسهم وعن شركائهم رياض سلامة وبعض المصارف”. واضاف “وصلت معهم أن يطلبوا من الأجهزة الأمنية أن لا تنفذ أوامر السلطة القضائية . قمة الإفلاس والوقاحة السياسية أن رئيس حكومة يطلب من وزير الداخلية هذا الشيء علنا والقاضي ينفذ كأنه مأمور”.وتابع “حاولوا إجهاض التدقيق الجنائي والتحقيق القضائي المحلي والخارجي ولن يتجاوبوا مع أكثر من 36 رسالة من طلبات القضاء الأوروبي لحتى انجبروا تحت العقوبات بأن يدّعي القضاء اللبناني على رياض سلامة وبعض شركائه بتهمة اختلاس أموال عامة وتبييضها”. وختم “الأيام جايي أسقطوا الإصلاحات وطيروا صندوق النقد حتى لا يحاسبهم أحد على سرقة الودائع ولكن سوف يتحاسبون”.

من جانبها، أكّدت القاضية عون، التي نفذ انصار “التيار الوطني الحر” وقفة تضامنية معها امس امام قصر العدل أنّها ستتعاطى مع القرار الصادر عن مولوي، “كأنه لم يكن كونه صدر عن مرجع غير مختص سندا للاصول الجزائية”. وأفادت ان الجهة المدعية على المصارف اكدت بأنها ستتقدم بدعوى ابطال قرار مولوي امام مجلس شورى الدولة.

بدوره حمل “نادي قضاة لبنان” على كل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية واتهمهما بانهما “آثرا أن يذكرا الشعب اللبناني اليوم بأنهما وسائر الطبقة السياسية في البلاد يعيشون في زمن القرون الوسطى حيث لا قانون ولا شريعة تعلو على إرادة “الأسياد”، فلم يتورّعا عن الطلب من القوى الأمنية عدم تنفيذ قرارات قضائية صادرة عن النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان، وذلك لأسباب وحجج متصلة بعملها كقاضٍ لا يعود لهما أمر تقييمها أو ترتيب نتائج قانونية عليها، لأن تصويب الأفعال المشكو منها والمحاسبة يعودان للمراجع القضائية المختصة”. ورأى أن “هذا التدخّل السافر يشكّل خطيئة كبرى وسابقة خطيرة تجافي أبسط المبادئ القانونية، وينبغي الرجوع عنها فوراً من دون إبطاء.” ودعا “المراجع القضائية ووزير العدل إلى التصدي لهذا الإعتداء السافر مع احتفاظه لنفسه بحق اتخاذ أي موقف إضافي تصعيدي عند الإقتضاء”.

رياض سلامةالمصارفغادة عون

إقرأ المزيد في: لبنان

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة