لبنان
جلسة حكومية وعودة للمصارف اليوم.. ودرء فتنة بعد مقتل الشيخ الرفاعي
اهتمت الصحف الصادرة اليوم في بيروت بالكشف عن حقيقة قتل الشيخ أحمد الرفاعي في بلدة القرقف العكارية، بعد محاولات البعض النفخ في بوق الفتنة والتسييس قبل انجلاء الغبار عن ملابسات الجريمة، والتي كانت لدوافع شخصية.
وفي وقت تعود فيه المصارف اليوم لفتح أبوابها اليوم معلّقة إضرابها لمدة أسبوع، تتجه الأنظار إلى النتائج المترتبة عن هذه الخطوة، لا سيما تأثيرها على ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملية المحلية.
إلى ذلك، تعقد صباح اليوم جلسة لحكومة تصريف الأعمال، كان قد دعا إليها الرئيس نجيب ميقاتي بعدد من البنود المستعجلة، وهذه الجلسة الرابعة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون.
"البناء": فرع المعلومات يجهض فتنة قتل الشيخ الرفاعي
جاء اكتشاف فرع المعلومات لتفاصيل جريمة قتل الشيخ أحمد الرفاعي في عكار، واعتقاله للمجرمين وكشفه أسباب الجريمة واتصالها بأسباب عائلية ومالية، ليجنب لبنان خطر فتنة كانت تهدّد الاستقرار مع الشائعات التي تمّ ترويجها عن وقوف حزب الله وراء خطف الشيخ الرفاعي وقتله، بينما تعود المصارف اليوم الى العمل ضمن هدنة الأسبوع التي تم الاتفاق عليها مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بأن تجري معالجة المسار القضائي المصرفي تحت سقف وقف الملاحقات التي بدأتها القاضية غادة عون.
يعقد مجلس الوزراء، جلسةً عند السّاعة التّاسعة من صباح اليوم في السّراي الحكومي، وعلى جدول أعمالها 8 بنود أبرزها إقرار تحصيل الواردات، وصرف النفقات على القاعدة «الإثني عشرية»، لحين إقرار موازنة العام الجديد، وتخصيص موارد مالية لاستكمال أعمال مسح الأبنية المتصدّعة وغير القابلة للسكن نتيجة الهزة الأرضية، أو العوامل الطبيعية من قبل البلديات.
كما يشمل جدول الأعمال، تأمين سلفة بقيمة 100 مليار ليرة لبنانية بدل إيواء للوحدات التي توصي لجان الكشف بإخلائها، وعلى أن يحدّد بدل الإيواء بقيمة 30 مليون ليرة لبنانية عن مدة ثلاثة أشهر وتشمل كل وحدة سكنيّة مأهولة ومتضرّرة ومصنفة غير صالحة للسكن، إضافة إلى الطلب من الإدارات العامة الكشف عن المنشآت التابعة لها وإيداع تقرير مفصل بالموضوع لدى الهيئة العليا للإغاثة، إضافة لبندين بمشروعي مرسومين لزيادة أجور العاملين في القطاع العام للدولة والعسكريين.
الى ذلك تعود المصارف إلى العمل اليوم بعد قرارها تعليق إضرابها لمدة أسبوع، ويأتي ذلك، بحسب مصدر مطلع لـ”البناء” نتاج للمساعي التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والتي أفضت الى تعليق المصارف لإضرابها بانتظار ان تتم معالجة الأمور جذرياً خلال الاسبوع الحالي لا سيما في ما خص تلك الدعاوى الصادرة ضد عدد من المصارف بتهم تبييض الأموال. وهذا الامر من شأنه ان يشكل ضربة قاضية للقطاع المصرفي ويزيد الأمور سوءاً على المستوى النقدي وعلى المودعين، ولذلك من المرجح أن ينشط الحراك السياسي والقضائي والمصرفي في الايام المقبلة من اجل ان تعود الامور الى ما كانت عليه قبل إضراب المصارف.
وأفادت صحيفة “زونتاغستسايتونغ” الأسبوعية السويسرية، أمس، بأن جزءاً كبيراً من مبلغ 300 إلى 500 مليون دولار، يُتّهم حاكم “مصرف لبنان، رياض سلامة، باختلاسه، أُودع ضمن حسابات في 12 مصرفاً سويسرياً.
ولفت البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى أنه “مهما طال الشغور لا بدّ وأن تجري الانتخابات انطلاقاً من آلية اقتراع في المجلس النيابي”. من جهة أخرى، رأى الراعي أنه “في ظل الصراعات الشخصية والسياسية التي تنذر بنتائج عكسية تطيح بالأخضر واليابس في نظام المصارف وتقضي على سمعة لبنان الخارجية فيصبح لبنان دولة خارج النظام العام المالي وحينها لا فائدة من أي علاج”. وحذّر من “المساس بأموال الشعب وبالنظام المصرفي”. وأضاف، “نتساءل لماذا يسعى الأطراف في لبنان الى آليات غير دستورية طالما لدينا آلية دستورية واضحة تغنينا عن أبحاث لا طائلة منها”. وعبّر عن “خشيته من أن تطول مدة الشغور كما تشير غالبية المعطيات”.
وجدد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ما كان أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله “اننا لا نقبل أن يملي الخارج إرادته على استحقاقاتنا الوطنية، وان يسمّي رئيس جمهوريتنا. ولا نقبل ان يرهن الخارج مصيرنا السياسي ومستقبل أجيالنا، نتيجة سياسة عقوبات وحصار ظالم منفرد تقوم به دولة نافذة خلافاً للقانون الدولي، وتمردا على مجلس الامن والامم المتحدة”. ودعا الى “اعادة النظر بجسمنا القضائي وسلطتنا القضائية، وبالقوانين التي تتعاطى مع الفساد”.
وأمس، شيعت بلدة القرقف الشيخ احمد الرفاعي وسط حالة من الغضب عمت البلدة، بعدما كانت القوى الأمنية تمكنت من سحب الجثة من المكان الذي كانت فيه قرب بحيرة البارد وتمّ نقلها إلى المستشفى الحكومي في طرابلس قبل أن ينطلق موكب التشييع الى القرقف.
وكانت شعبة المعلومات تمكنت من القبض على مدبري الجريمة وهم خمسة أشخاص، معظمهم من آل الرفاعي قاموا بتنفيذ عملية الخطف والقتل والدفن بعد تقسيم الأدوار فيما بينهم ضمن خطة قام رئيس بلدية القرقف الشيخ (ي. ر.) ونجله (ع. ر.) بإعدادها ميدانياً ولوجستياً منذ حوالى الشهر، بعدها تمّت الاستعانة بـ/3/ أشقاء من اقاربهما وهم: (ع. ر.)، (ي. ر.)، (ا. ر.) لتنفيذ عملية الخطف. فيما تبيّن أن باقي الموقوفين وهم اللبنانيون: (م. م.)، (خ. ر.)، (م. ر.) نجل رئيس بلدية القرقف، (و. ب.) ليسوا على علاقة أو علم بالجريمة، وتم إخلاء سبيلهم بناء على إشارة القضاء المختص. من جهة أخرى، كانت شعبة المعلومات توصّلت إلى تحديد مكان جثة المغدور في منطقة الريحانية القريبة من بحيرة البارد تستخدم كمكب للنفايات، كما تبيّن ان الجثة قد دفنت في حفرة عمقها حوالى /3.5/ أمتار، الأمر الذي دفع الى استقدام جرافة للحفر، بعد وضع سيارته قرب مستشفى الهيكلية. ورمى هؤلاء الجثة تحت كومة من التراب قرب مكب للنفايات في عيون السمك القريبة من القرقف. واعلنت انه وبتفتيش منزل رئيس بلدية القرقف، عُثر على مستودع يحتوي على كمية كبيرة من الأسلحة المتوسطة والقذائف والذخائر والصواعق والقنابل والمتفجرات من نوع “اي ان اي” تمّت مصادرتها تمهيداً لإجراء التحقيق بشأنها بالتنسيق مع القضاء المختص”.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي: “هذا الملف قيد المتابعة من قبلنا مع المراجع القضائية والأمنية المختصة، وهناك بعض المعطيات الجديدة التي تجري متابعتها، ومن شأنها كشف الملابسات الكاملة لهذه القضية”.
ودعا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان أجهزة الدولة الأمنية والقضائية إلى “الإسراع في إنهاء التحقيقات وكشف ملابسات مقتل الشيخ الرفاعي ومعاقبة المجرم وإنزال القصاص العادل بحق الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء. لنا ملء الثقة بالدولة ومؤسساتها المعنية بمعالجة آثار وتداعيات هذه الجريمة، وندعو كل المواطنين إلى التزام القوانين والأنظمة المرعية الإجراء. ونشكر الأجهزة الأمنية التي سارعت لكشف الجناة ودرء الفتنة ووضع حد للشائعات التي رافقت هذا الحدث الجلل”.
وبحسب مصادر سياسية لـ”البناء”، فإن شعبة المعلومات أثبتت مجدداً أنها ركيزة اساسية من الركائز المتبقية في الدولة الى جانب الأجهزة الأمنية والعسكرية التي لا يزال المواطن يراهن عليها، مشيرة الى ان كشف الحقيقة سريعاً في جريمة مقتل الشيخ الرفاعي أنقذ الشمال من مواجهة وتوتر، بعد ان تمّ توجيه الاتهامات الى الأمن العام.
وأمنياً أيضاً، حقق الجيش اللبناني ومديرية المخابرات إنجازاً نوعياً تمثل بتحرير الشاب ميشال مخول تحت وطأة عمليات عسكرية وأمنية بدأت من لحظة الاختطاف في كسارة وصولاً الى بلدة بريتال، حيث تمّت عملية التحرير حيث سيطرت قوة من مخابرات الجيش على سيارة المرسيدس التي كان بداخلها مخول وخاطفيه ونتج عن العملية إصابة وتوقيف ثلاثة من الخاطفين فيما يستمر الجيش اللبناني بملاحقة أفراد آخرين.
"الأخبار": النافخون في نار الفتنة؟
لم ينتظر المصطادون في الماء العكر انتهاء التحقيق ليُسارعوا إلى ادّعاء امتلاك الحقيقة. النائب السابق خالد الضاهر، مثلاً، جزم في مقابلة إذاعية بأنّه يعرف الفاعلين: «أؤكد أنّ الشيخ أحمد شعيب عند أحد الأجهزة الأمنية. الشيخ أحمد شُعيب اختُطف من قبل الحرس الثوري الإيراني عبر بعض الأجهزة الأمنية». وعندما سأله المحاور: «بناء على ماذا تقول ذلك؟»، أجاب مزهوّاً: «بناء على أوضاع وشهود وكلام في هذا الموضوع». وعندما كرر المحاور لفت انتباهه إلى ما يقوله: «أنت بذلك تجزم؟»، رد الضاهر: «نعم أجزم».
وعلى خطى الضاهر، ظهر من بين الركام العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني عميد حمود، «قائد جيش السنّة» ، كما يحلو له أن يُسمّي نفسه. هذا الأخير كان أكثر حدة في الإعلان عن «الحقيقة» التي يمتلكها. في تسجيل وزّعه أكد أن «في جهاز بالبلد متخصص بشيطنة أهل السنة. وكلّنا منعرف هذا الجهاز . بكل بساطة إذا ميليشيا اللي خطفته للشيخ أحمد الرفاعي، فعلينا نتجعّب وكل اللي متلنا يتجعّبوا وينزلوا عالشارع. أو الأجهزة الأمنية تخبرنا مين خطفه أو رح نحط مسلحين تحت بيوتنا». وللتأكيد على امتلاكه حقيقة ما حدث، حتى أنه أعطى مواصفات سيارات الخاطفين، وتوعّد: «إذا لبكرا ما بيّن... رح احكي مين الجهاز الأمني. ومين خطفه بالضبط... والسيارة اللي معن تابعة لمين… Altima و Nissan تابعين لمين؟»، متهماً الأمن العام ومديره اللواء عباس إبراهيم، مشيراً إلى أن «قائد هذا الجهاز ما عم يعرفوا كيف بدن يراضوه. وكيف بدن يجددولوا وكيف بدن يمددولوا».
المحامي طارق شندب، أيضاً، الذي سجل نشاطاً تحريضياً بارزاً، لكنه كان أكثر ذكاء من حمود والضاهر مستفيداً من خبرته القانونية. إذ لم يوجه علناً التهمة لطرف بعينه، لكنه حرص على إعادة تغريد معظم التغريدات التي تتهم حزب الله، واقترب من التصريح باتهام حزب الله من دون أن يتفوّه بحرفيته. فغرّد: «من يخطف المشايخ السنة في لبنان؟»، وأتبعها بأنّ «لبنان على خطى العراق وسوريا واليمن، عمليات خطف العلماء السنة في لبنان مستمرة والدولة اللبنانية تغطي الميليشيات». وفي تغريدة ثالثة، سأل: «لماذا استهداف السنة من قبل الدولة وميليشيات حزب الله والنظام السوري». ثم أعاد تغريدة لأحد النشطاء مفادها أنّ «اليد التي امتدت لتختطف الشيخ الرفاعي في لبنان هي نفسها من تغتال في العراق وتقتل في سوريا... مخطط إيران الطائفي قائمٌ على قدم وساق».
وقبل ثلاثة أيام من اكتشاف الحقيقة، كتب شندب: «أحمد الرفاعي شيخ وأستاذ وخطيب جمعة خُطف من مدينة طرابلس. الإعلام اللبناني غير مبالٍ بأهل السنة الأجهزة الأمنية والدولة غائبة. تذكروا من خطف عرفان المعربوني ومحمد ناصيف وشبيل العيسمي... ميليشيات الخطف في لبنان تمشي ببطاقات أمنية رسمية». وقبل يومين، كتب: «هناك مقرات أمنية لميليشيات حزب الله داخل منطقة طرابلس وأقضيتها، هل تستطيع الأجهزة الأمنية الدخول إليها للتحقيق والتفتيش أو السؤال عما يجري بداخلها؟». ورغم اكتشاف الجريمة، قرر شندب الإكمال في سيمفونية اتهام الحزب فأعاد تغريدة كُتب فيها: «تم العثور على جثة الشيخ أحمد الرفاعي بمنطقة عيون السمك في لبنان مقتولاً بعد اختطافه خمسة أيام لأنه ضد ميليشيات إيران والنظام الكيماوي»، وعلّق شندب: «رحم الله الشيخ المغدور. وقف مع الثورة السورية ومع أهل الحق. قتلته عصابات الفساد والإجرام».
ليست المرة الأولى التي تُستغل فيها جريمة لتوجيه الاتهام السياسي بهذا الشكل، لكنها من المرّات القليلة التي يتضح فيها كذب المحرّضين بالصوت والصورة، بمقدار ما كان واضحاً أن هدف الاتهام السياسي إحداث فتنة طائفية حالت دونها العناية الإلهية وجهود الأجهزة الأمنية.
"الجمهورية": إستحقاقات أمام ثلاثة مآزق
ينطلق الاسبوع بجلسة رابعة لمجلس الوزراء في أجواء خالية من اعتراضات لافتة، وتعاود المصارف عملها بعد تعليقها الاضراب أسبوعاً على امل اتخاذ الاجراءات التي توقف المواجهة الدائرة بينها وبين القضاء، فيما يدور في الاوساط حديث عن تسوية للاستحقاق الرئاسي تطبخ في الدوائر والعواصم المعنية ولن يطول الوقت للبدء بترجمتها فور نضوجها. في الوقت الذي سقبع لبنان في النفق مع تزايد الازمات الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية استفحالاً نتيجة تأخّر الحلول المطلوبة للأزمة الرئاسية، ما ينعكس عدم استقرار ومخاوف من حصول فوضى ما تزال حتى الآن تحت السيطرة بالحد الأدنى المتاح الى أجل غير معلوم.
يعقد مجلس الوزراء جلسته الرابعة منذ خلو سدة الرئاسة عند التاسعة صباح اليوم وعلى جدول أعمالها ثمانية بنود مالية وإدارية تعني موظفي القطاع العام في الوزارات والمؤسسات العامة والأسلاك العسكرية، ومنها مشروع مرسوم يرمي الى تعديل تعويض بدل النقل الشهري المقطوع للعسكريين في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والجمارك وشرطة مجلس النواب. كذلك بالنسبة الى ما هو مطروح لمعالجة رواتب الموظفين والإجراءات المعتمدة لتأمين بدل الانتقال الذي يرضي الموظفين ودوام العمل الأسبوعي. ويتضمن جدول الاعمال ايضاً طلب وزير المال ان تتم الجباية والصرف على أساس «القاعدة الاثني عشرية» في انتظار صدور قانون موازنة 2023.
وعلى رغم من الضجيج الذي رافق الجلسات الثلاثة السابقة تعقد الجلسة اليوم وسط صمت مُطبق. وباستثناء الحملات التي خصّصت لها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض التصريحات النيابية لم يصدر اي موقف خاص بهذه الجلسة التي يبدو أن رئيس الحكومة لم يحدد موعدها قبل أن يضمن موافقة النصاب القانوني لها بموافقة الوزراء، الذين ضمنوا حضورهم بعد لحظات من توزيع جدول أعمالها الجمعة الماضي قبل ان يحدد موعد انعقادها اليوم.
ميقاتي على موقفه
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ ميقاتي متمسّك بالموقف الذي اتخذه على صعيد حل أزمة المصارف في مواجهة اجراءات المدعي العام لجبل لبنان غادة عون في حق بعض المصارف، فهذا الموقف أراد منه وقف النزيف وضمان تماسك المؤسسات. فهو ليس دفاعاً عن مصرف او مصارف يمكن ان يكون بعضها او بعض اصحابها قد ارتكب اخطاء، وإنما دفاعاً عن القطاع المصرفي برمّته امام تكرار البعض لأزمة «تبييض الاموال» التي من شأنها ان تضرب القطاع بكامله والذي بات يتّكِل على مصرف او مصرفين مراسلين يتعاملان معه في الخارج، فإذا توقف هذا التعامل يتعرض القطاع عندها لأزمة كبرى.
واضافت المصادر انّ ميقاتي يتعامل مع هذه الازمة من موقع المسؤولية الوطنية لحماية المؤسسات، ووجد انّ واجبه هو ان يبادر في هذا الصدد، فيما المبادرة كانت مطلوبة ولا تزال من وزير العدل ومجلس القضاء الاعلى والمدعي العام التمييزي لمعالجة هذا الامر.
ثلاثة مآزق
في غضون ذلك، قالت اوساط معارضة لـ«الجمهورية» ان لبنان «دخل في نفق مظلم في ظل انهيار متواصل وغياب القدرة على الحلول والمعالجات وتوافق الجميع على أنّ المدخل لبداية هذه المعالجات يكون من خلال انتخاب للجمهورية، وتكليف رئيس للحكومة وتشكيل حكومة، وما لم تبدأ هذه المسألة بانتخابات الرئاسة سيبقى الوضع اللبناني يشهد مزيداً من الانهيارات المتتالية فصولاً».
واضافت هذه المصادر انّ «المشكلة تكمن في انّ هناك عملياً ثلاثة مآزق اساسية:
ـ المأزق الاول: أن قوى الداخل غير قادرة على الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية بسبب تعطّل الآليات الدستورية الديموقراطية وامتناع فريق الموالاة عن الرضوخ لنتيجة الآلية الدستورية الديموقراطية بجلسات انتخابية متتالية ومفتوحة وإصراره على مرشّحه تحت عنوان «إمّا هذا المرشح وإمّا الفوضى»، وعدم قدرة المعارضة على توحيد كل صفوفها وصولاً الى تبنّي مرشحها من قبل 65 نائباً. وبالتالي، هناك المأزق الداخلي في ظل عدم قدرة الموالاة والمعارضة على تجاوز عتبة الـ 65 والتعطيل المتبادل الذي يبقي الرئاسة في حالة شغور.
- المأزق الثاني يتمثّل في ان المجتمع الدولي غير قادر، وقد أظهر الاجتماع الخماسي في باريس انه غير قادر على إخراج لبنان من الشغور وغير قادر على ممارسة الضغوط، وغير قادر على فرملة الواقع الانهياري، وبالتالي المجتمع الدولي عاجز عن فعل اي شيء.
- المأزق الثالث: انه لا يكفي إجراء مُطلق أي انتخابات رئاسية. فالانتخابات الرئاسية في هذه المرحلة وفي هذه الآونة لها شروطها ومن ابرزها انتخاب رئيس سيادي اصلاحي ورئيس حكومة سيادي اصلاحي وحكومة اصلاحية سيادية، لأن الانهيار الذي وصل اليه لبنان لم يعد بالامكان معالجته عن طريق سلطات عادية وفق النمط السابق في تشكيل الحكومات وانتخاب الرؤساء».
وختمت المصادر المعارضة: «نحن امام مرحلة استثنائية تستدعي سلطات دستورية استثنائية، وللأسف الموالاة ليست في وارد إقرار استثنائية الوضع. وبالتالي، امام المأزق الداخلي والمأزق الخارجي ومأزق توليد السلطة، لبنان يتجه فصولاً نحو مزيد من الانهيار، ولا خلاص ولا حل سوى من خلال انتخابات رئاسية سريعة في ظل سلطات متجانسة ومتكاملة سيادية إصلاحية تطلق ورشة لإنقاذ لبنان».
المصارف
وعلى الصعيد المصرفي تدخل البلاد اليوم «تجربة أسبوعية» لعودة العمل الى المصارف قبل أن تقرّر تمديدها او وقفها، في خطوة وصفت بأنها ردّ على ما عبّر عنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي من حسن نية، عندما أدّت إجراءاتهما الاسبوع الماضي الى وقف المؤازرة الأمنية لمدعي عام جبل لبنان القاضي غادة عون تجاه بعض المصارف ونتيجة خروجها على صلاحياتها المكانية وارتكابات أخرى وصفت بأنها «خارج ما هو مألوف».
ولفتت مصادر مصرفية عبر «الجمهورية» انّ المصارف لم تتوقف من خلال عملها الإداري الداخلي طوال الأسابيع الثلاثة الاخيرة عن تسيير أمور الدولة والمؤسسات والشركات، بحيث انّ معاملاتهم كانت سارية المفعول وأن الموظفين لم يغادروا المصارف بعد أن اقتصرت الخدمات المصرفية على الصرافات الآلية في التعاطي مع زبائنها.
وانتهت هذه المصارف الى تأكيد مضمون البيان الرسمي الصادر عن جمعية مصارف لبنان من أنّ العمل سيستمر طوال أيام الأسبوع، في انتظار مزيد من الإجراءات لوقف الملاحقات بالنحو الجاري ضد بعض المصارف واصحابها ورؤساء واعضاء مجالس ادارتها قبل ان تقرر استكمال فتح ابوابها او إقفالها مجدداً.
إجراءات مُستغربة
وفي هذه الظروف لجأت بعض المصارف الى إجراءات إدارية ومالية مستغربة، طلبت فيها من بعض العملاء وأصحاب المدّخرات الموجودة لديهم بتوفير وتسديد فواتير الهاتف الخلوية والكهرباء نقداً عبر الصرافات الآلية، مُتجاهلة ما في حساباتهم من مبالغ تفيض عن قيمة الفواتير التي تطلب تسديدها، وهو أمر رفضه بعض العملاء في انتظار معرفة ردات فعل المصارف.
... وكهربائية إجبارية
على صعيد آخر، أقدمت بعض الشركات التي تمتلك امتيازات كهربائية على إلغاء معاملات التوطين للمشتركين لديها في بعض المصارف لقاء فواتير الكهرباء بعد عشرات السنوات على اعتمادها. وحاولت إجبار المواطنين على دفع الفواتير المليونية الجديدة نقداً وعداً لجباتها ضمن مهل لا تسمح لبعض المواطنين الانتقال اليها، خصوصاً من يمتلكون مقرات او شاليهات صيفية بعيدة عن مقر سكنهم.
الأموال المختلسة
وعلى صعيد الملاحقة القضائية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أفادت صحيفة «زونتاغستسايتونغ» الأسبوعية السويسرية، امس، أنّ جزءاً كبيراً من مبلغ 300 إلى 500 مليون دولار، اتُهم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة باختلاسه، أودع حسابات في 12 مصرفاً سويسرياً.
ويأتي ذلك في أعقاب دعاوى قضائية جديدة رفعها القاضي اللبناني رجا حاموش الخميس الماضي ضدّ رياض سلامة، الذي تستهدفه تحقيقات قضائية عدّة في البلاد، على خلفية الانهيار المالي.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر قضائي لبناني قوله إنّ سلامة وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، يُلاحَقون بجرائم «اختلاس الأموال العامة» و«تبييض الاموال».
ويُعدّ ذلك الإدعاء الأول في لبنان الذي يطاوِل سلامة في التحقيق المحلي الذي يجري على خلفية التحقيقات الأوروبية، إلا أنه ليس أول ادّعاء محلي ضده في قضايا أخرى تتعلق بالإثراء غير المشروع وتهريب أموال إلى الخارج، كما أصدرت قاضية قراراً بمنع السفر في حقه.
ولطالما نفى سلامة الاتهامات الموجهة إليه، معتبراً أن ملاحقته تأتي في سياق عملية «لتشويه» صورته.
ورغم الشكاوى والاستدعاءات والتحقيقات ومنع السفر الصادر في حقه في لبنان، لا يزال سلامة في منصبه الذي يشغله منذ العام 1993، ما جعله أحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم. ومن المفترض أن تنتهي ولايته في أيار المقبل.
وبحسب الصحيفة السويسرية، فقد تمّ إيداع 250 مليون دولار في حساب رجا سلامة الشخصي لدى فرع «اتش. إس. بي. سي» في جنيف.
وأودعت مبالغ أخرى في «يو بي اس» و«كريدي سويس» و«جوليوس باير» و«أي اف جي» و«بيكتيت»، وفقاً للصحيفة.
وأوضح المصدر نفسه أنّ التحويلات تمّت عبر شركة خارجية مسجّلة في الجزر العذراء باسم «فوري اسوشياتس» تمّ إنشاؤها في العام 2001. وبعد ذلك، تمّ نقل «مبالغ كبيرة» لشراء عقارات في عدّة دول أوروبية.
وكان مكتب المدعي العام الفدرالي السويسري قد بدأ إجراءات جنائية للاشتباه في غسل الأموال في تشرين الأول 2020 وما زالت الإجراءات قائمة.
وأشارت الصحيفة السويسرية إلى أنه تمّ تجميد ملايين الدولارات من الأموال، لكن مكتب المدعي العام الفدرالي لم يُدلِ برقم محدّد.
كذلك، تُجري السلطة الضابطة لأسواق المال (فينما) تحقيقات أولية «منذ عدّة أشهر» مع 12 مصرفاً سويسرياً. وأكد متحدث رسمي لـ«زونتاغستسايتونغ» أنه تم الشروع في إجراءات قضائية ضد مؤسّستين ماليّتين في «السياق اللبناني». ولم يتم الإعلان عن أسماء المصارف.
"اللواء": عودة المصارف علی محك إجراءات القضاء
فيما فشلت محاولات إحداث فتنة جديدة عبر الاستثمار في جريمة خطف وغدر امام مسجد بلدة القرقف العكارية الشيخ احمد الرفاعي على يد اقرباء له في البلد، كشفها فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، أحدثت المعلومات التي نشرتها «اللواء» في عددها الصادر السبت الماضي 25/2/2023 ارتجاجاً في الاوساط النيابية المسيحية المعادية لوصول مرشح مدعوم من «الثنائي الشيعي» وقوى 8 آذار، ضمن تسوية تقضي بوصول القاضي والدبلوماسي نواف سلام الى رئاسة الحكومة من ضمن تسوية تلعب فرنسا دور «المحرك» لها، على خلفية المداولات التي جرت في لقاء باريس الخماسي اوائل الشهر الجاري.
وبدا الارباك حاضراً لدى الكتلتين المسيحيتين الاكبر في البرلمان: تكتل لبنان القوي الذي يقف على رأسه النائب جبران باسيل، وكتلة الجمهورية القوية التي تعمل بتدبير من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ففيما سارعت «القوات» الى نفي معلومات «اللواء» عن التسوية لجهة ان حزب جعجع سيؤمن النصاب لانتخاب فرنجية، جازمة بأن موقفها رافض نهائياً ولا يقبل الرجوع، لأي مرشح رئاسي لحزب الله، مشددة على ان موقفها هذا يسري على مرشح الممانعة السيد سليمان فرنجية.
وجاء هذا الموقف بمنزلة فرصة نادرة لتيار باسيل، الذي بدا انه ينتظر جعجع على الكوع، محرضاً اياه على عدم التراجع، استناداً الى وقائع تاريخية بدءاً من اتفاق الطائف الى مفاوضات انتخاب العماد ميشال عون رئيساً عام 2016.
وللذاكرة فقط، فمصادر قواتية نقلت عن كتلة «الجمهورية القوية» انها لن تعطل نصاب جلسة انتخاب النائب فرنجية ولن تعطل البلد (24/1/2023).
بالتزامن، تعقد حكومة تصريف الاعمال جلسة رابعة قبل ظهر اليوم، بجدول اعمال مالي، يؤمل معه فك اضراب الادارة العامة والقطاع التعليمي الرسمي، مع بدء العد التنازلي لمخاطر فعلية تهدد العام الدراسي والامتحانات الرسمية، ما لم يتوقف الاضراب، الذي تأمل الروابط في المرحلتين الابتدائية والثانوية في ان يتوقف، مطالبين مجلس الوزراء بانصاف القطاع التعليمي، ولا سيما لجهة تثبيت سعر صيرفة على 20 او 30 الفاً، ليتمكن هؤلاء من قبض رواتبهم بما يسهل معالجة لاحقة لاعادة النظر بالرواتب، في ضوء فقدان الليرة ما يزيد عن 90% من قدرتها الشرائية.
وحسب معلومات «اللواء» فإن هذا المطلب يتعذر الأخذ به، نظراً للوضع المالي الصعب لمصرف لبنان، حيث ابلغ الحاكم رياض سلامة من يعنيه الأمر، سواء وزير المال او رئيس الحكومة، انه ليس بوارد القبول بهذا المطلب وأن السحوبات بالدولار لرواتب المعلمين والعسكريين وسائر موظفي القطاع العام لن تكون الا على سعر صيرفة، من دون اي تعهد او ضمانة بعدم ارتفاعه الى عتبة الـ50 الفاً، مما يفقد الموظف، بالحد الادنى، ما لا يقل عن 100 دولار شهرياً.
وعلى سيرة الرواتب والمساعدات التي تحول دفعة واحدة الى المصارف بدءا من يوم غد 28 شباط (آخر الشهر) للعسكريين والمدنيين والمتقاعدين في الاسلاك كافة، فان الانظار تتجه الى معاودة البنوك عملها، ولو على نحو مؤقت، لدفع الرواتب، واختبار مدى التعهد بامكان وضع حد لتصرفات ودعاوى النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون ضد المصارف بتهمة مختلفة، اخطرها تهمة «تبييض الاموال»، الأمر الذي يهدد دورها كأداة وصل بين لبنان المقيم والمغترب على صعيد التحويلات المالية.
اذا الجلسة الحكومية تنعقد في ظل اجواء مصرفية محفوفة بالترقب، واجواء تربوية وادارية توحي بأن الاضراب مرشح للاستمرار، وان كانت المكاتب التربوية تضغط لفك اضراب الثانويات والمتوسطيات، من أجل توفير فرصة لتلامذة المدرسة الرسمية من التقدم الى امتحانات الشهادة المتوسطة والشهادة الثانوية بفروعها الاربعة.
وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان الجلسة ستقر اليوم بدل الانتاجية والنقل لموظفي القطاع العام وأساتذة التعليم الرسمي من دون معرفة ما اذا كانت هذه البنود قد تشكل مدخلاً لترتيب تسوية تتصل بمطالب موظفي هذه الادارة والاساتذة، ولا سيما ان الواقع المالي للدولة اللبنانية وفق الدراسات الموضوعية قد لا يسمح بالقفز فوق ارقام محددة على ان المطالبة باعتماد منصة صيرفة لرواتب الاساتذة تعد اساسية بالنسبة لهم.
وتوقعت المصادر ان تمر هذه البنود بسلاسة في الجلسة من دون التطرق الى ملفات اخرى، مشيرة الى مخاوف من رفض قرارات الحكومة مما يعني مواصلة الاضراب، داعية الى انتظار ما قد يخرج عن الجلسة وردود الفعل عليها.
على الصعيد السياسي، ثمة إجماع على ان لا حلول قريبة مرتقبة برغم الحديث عن مساعٍ سياسية مستجدة قد يقوم بها الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وفرنسا، لتليين المواقف والتوافق على مخارج للازمات.
ومع ذلك فالحراك السياسي لم يتوقف على امل التوصل الى شيء ما، ويُرتقب ان يشهد الاسبوع الحالي والذي يليه حركة اتصالات ولقاءات جديدة حول الاستحقاق الرئاسي، وحول معالجة بعض الازمات الطارئة كإضراب المصارف والدعاوى القضائية وخفض سعر الدولار الاسود وضبط السوق ولو بحدود دنيا، وتلبية بعض المطالب النقابية. وهوما سيظهر لاحقاً في حركة الحكومة المرتقب ان تعقد جلسة لها صباح اليوم ، وفي حركة مجلس النواب سواء على صعيد هيئة مكتب المجلس التي تبحث اليوم امكانية عقد جلسة تشريعية، او اللجان النيابية التي ستواصل درس مشاريع واقتراحات القوانين الاصلاحية المرتبطة بشكل مباشر بقانون الكابيتال كونترول، مثل قانون هيكلة المصارف وإعادة تصحيح الوضع المالي للدولة... وسواها من قوانين.
اما النتائج المرتقبة لهذا الحراك السياسي والحكومي والنيابي فلا يمكن التكهن بها، بل ان التشاؤم يسيطر على التوقعات من ان تنتج ايجابيات سريعة، طالما ثمة من يرفض عقد اي جلسة تشريعية للمجلس قبل انتخاب رئيس الجمهورية، برغم علمه بصعوبة إن لم يكن إستحالة ذلك في هذه الاجواء، عدا عن ان الحراك الخارجي عبر لقاءات باريس لم يتوصل الى نتيجة حاسمة او الى اي توافق على عناوين الحلول اللبنانية، وبخاصة حول انتخاب رئيس للجمهورية يكون المدخل للخطوات الاخرى المطلوبة، بغض النظر عمّن يتقدم في سباق المرشحين الذين باتوا محصورين بأسماء قليلة يجري التداول بها، منها المعروف ومنها المجهول القابع في الظل.
لكن مصادر اخرى تعتبر ان الحلول قد تأتي فجأة، في حال تصاعدت الازمة المعيشية وانفلت الوضع اللبناني اكثر وتحرك الشارع بشكل يثير اضطرابات يصعب السيطرة عليها، ما قد يؤدي الى حال من الفوضى الشاملة، وهو امر لا يخدم توجهات دولية واقليمية تعتبر استقرار لبنان اولوية.
المصارفالحكومة اللبنانيةالقضاءعكار