معركة أولي البأس

لبنان

الحريري يُعلن التقشّف.. هل بدأت السنوات العجاف؟
17/04/2019

الحريري يُعلن التقشّف.. هل بدأت السنوات العجاف؟

لطيفة الحسيني

على وقع الإضرابات الواسعة التي نفّذها موظفو القطاع العام في جميع المناطق، التأمت الجلسة التشريعية اليوم. الوضع الاقتصادي المتأزّم استحوذ على حديث النواب. لا كلام سوى عن السياسة التقشفية القادمة وما ينتظر كلّ من التحق بسلك الدولة من أشهرٍ أو سنواتٍ عجاف.

من يستمع الى خطاب "أصحاب السعادة" يخال نفسه أمام مظاهرة معيشية، لكن مهلًا! من يشكو العُسر المقبل في ميزانية الدولة هم الدولة نفسها. رئيس حكومتها سعد الحريري يُحاول إقناع الرأي العام والإعلام الحاضر في الجلسة بجدوى تخفيض الرواتب في القطاع العام وبانعكاساته "الإيجابية" على النموّ وتقليص العجز. لا شيء نهائيّاً قال، أكثر من وزير ردّدها أيضًا، غير أن الجميع يُقرّ بأن المسألة بُتّت وتنتظر الإخراج المناسب.

فضل الله: لا معالجة على حساب الناس وقطع الحساب أولًا  

ضمن الأوراق الواردة التي تبدأ بها كلّ جلسة عامة لمجلس النواب، توقّف النواب عند ما حُكي في وسائل الإعلام عن توجّه لدى الحكومة لحسم 15% من رواتب موظّفي القطاع العام. أبرز المداخلات كانت لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله الذي عبّر عن موقف حزب الله من المسّ برواتب القطاع العام، فقال إن "أيّة معالجة للأزمة لا تكون بمدّ اليد على جيوب ذوي الدخل المحدود والفئات الشعبية الفقيرة، فهذا لا يجوز أن يكون جزءًا من سياسة الدولة المالية"، مؤكدًا أنه "أمرٌ مرفوض من قبلنا ولن نقبل به تحت أيّ مسمّى كان"، وأضاف "صحيحٌ أننا جميعًا معنيون بمعالجة الخلل المتراكم لكن ليس على الجميع تحمّل تبعات ذلك"، مشيرًا الى أن "من عليه أن يدفع ثمن الإصلاحات وتصحيح المسار المالي للدولة هو الذي استفاد بطرق غير قانونية سواء  أكان في السلطة أم خارجها فردًا أم شركة".

فضل الله أسهب في شرح طرق ترميم الثقة بين المواطن والدولة، لافتًا الى أنها "تكون بتطبيق القانون على الذين استفادوا خلافًا له وباستعادة الأموال المنهوبة التي تُغنينا عن اتخاذ اجراءات مؤلمة"، وتابع "علينا أن نبدأ من خدمة الدين العام وعجز الكهرباء والهدر ومكافحة الفساد وانتظام الموازنة".

ودعا فضل الله الى إقرار قطوعات الحساب الموجودة في ديوان المحاسبة، موضحًا أن الأخير يعمل فقط على قطع حساب 2017 وهذا لا يفي بالغرض القانوني والمحاسبي لأنه لا بدّ من إنجاز جميع قطوعات الحساب المُحالة إليه، وطالب رئيس الحكومة الذي يتبع إليه قانونًا ديوان المحاسبة بالإسراع في إحالة قطوعات الحساب الى المجلس النيابي لتتمّ دراستها قبل أن تُحال الموازنة، محذّرًا من عدم إقرار قطوعات الحساب بذريعة ضغط الوقت.

رواتب القطاع العام.. الهمّ الأساس

زملاءٌ لفضل الله تحدّثوا عن الهمّ نفسه. النائب جميل السيد ركّز على حقوق العسكريين المتقاعدين، مؤكدًا أهمية إنصافهم، مشيرًا في الوقت نفسه الى وجود جنّات وظيفية وتتضمّن رواتب خيالية كمصرف لبنان ومرفأ بيروت، كاشفًا عن عدم دفع عدد من أصحاب الأملاك البحرية لضرائبهم، وبينهم من تصل الأموال المتوجّبة عليه الى 350 ألف دولار.

النائب أسامة سعد شدّد على خطورة الاحتقان الاجتماعي الذي بات قابلًا للانفجار في أيّة لحظة، مؤكدًا أنه يجب ألّا تتحمّل الفئات الوسطى أعباء عجز الدولة، وقال "الحكومة لا تسمع إلّا صوتها وهي أسيرة حاجاتها".

وفيما نبّه النائب جهاد الصمد من الإقدام على تخفيض رواتب موظفي الدولة، ركّز النائب علي المقداد على مسألة تأخّر رخص الإسكان وتداعيات ذلك على الشباب اللبناني.

النائب سامي الجميل دعا من جهته الى حصر ما أسماه الوظائف الوهمية بالإدارات العامة لمعرفة أين يكمن الهدر، فيما طالب النائب علي عمار بصرف أموال البلديات المتراكمة.

في المقابل، تحدّث النائب علي فياض عن مرض يُصيب أشجار الزيتون في قرى حاصبيا وراشيا ومرجعيون، كاشفًا عن وجود مادة الزئبق الأحمر في مياه نهر الليطاني بحسب ما أظهرت نتائج العيّنات، ودعا الحكومة للتحرك العاجل.

الحريري: لا مهرب من التقشّف

أمام سيل الشكاوى، بادر الحريري لمصارحة الجميع بأن التقشف آتٍ ولا مفرّ منه، وقال "نحن في أزمة اقتصادية كبيرة والحكومة تعمل على اتخاذ اجراءات صعبة، نحن مع المتقاعدين والموظفين ولكننا نريد الحفاظ على الليرة ولا نريد سقوط البلد"، وأردف "المزايدة لا تفيد أحدًا لكنني لا أقول سيُمسّ بسلسلة الرتب والرواتب.. لدينا فائض بالموظفين.. التخفيضات ليست هوايتنا، لكن كيف نُحافظ على ليرتنا ونموّ البلد؟ منذ أكثر من 5 سنوات ومعدّل النمو لا يتجاوز نسبة الـ1%.. نحن نريد المحافظة على البلد، الحكومة عمرها شهران ومطلوب منها تقديم موازنة تقشفية لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان، ومن لديه طرقٌ أخرى أو أفكارٌ مغايرة مكتبي مفتوح أمامه وليقدّمها!"، وأضاف "أتمنّى على الأفرقاء في الحكومة عدم الردّ في مجلس النواب بل في مجلس الوزراء"، وتابع "في ظلّ زيادة أعداد الموظّفين علينا أن نبحث عن سبل للتوفير، واتخاذ إجراءات صعبة".

بري: الموازنة أولًا

رئيس المجلس نبيه بري سارع للردّ على كلام الحريري، قائًلا "مفتاح سرّ الاجراءات التي اقترحتَها هو الانتهاء من الموازنة بأسرع وقت"، بينما علّق النائب جميل السيد على تصريحات رئيس الحكومة مشيرًا الى "أننا شركاء في إيجاد الحلّ ولسنا مسؤولين عن المشكلة".

تشريعٌ خجول

بعد كلّ تلك المداخلات، انطلقت عجلة التشريع، فوافق المجلس على الانضمام إلى بروتوكول بشأن المناطق المتمتعة بحمايــة خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط  المنبثق عن اتفاقية برشلونة، وصادق على إبرام اتفـاق مع الاتحـاد الأوروبي بشأن المبادئ العامة لمشاركة لبنان في برنامج الاتحاد، ثمّ أقرّ مشروعًا يتعلّق بالمحميات الطبيعية، فيما أحال الى الحكومة اقتراحيْن متعلّقيْن بإنشاء منطقة اقتصادية في قضاء صور وأُخرى في قضاء البترون، وعدّل قانونًا مرتبطًا بإنشاء المجلس الدستوري.

وإذ صادق المجلس على قانون إنشاء محمية حرش بيروت الطبيعية، أحال عشرة اقتراحات الى اللجان النيابية بعدما أسقط عنها صفة العجلة.

تنظيم قطاع الكهرباء

الأبرز تشريعيًا كان إقرار مشروع القانون الخاص بتنظيم قطاع الكهرباء ووضع آلية خاصة بتلزيم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والانتاج والتشغيل والتسليم الى الدولة بعد فترة زمنية بمادتيْن. النقاش حول هذا البند استغرق نحو ساعة ونصف. استفاض النواب في "تشريح" القانون. علا أكثر من صوت يُطالب بتقصير مدة العمل بهذا القانون. أعضاء تكتل لبنان القويّ ضغطوا للمصادقة عليه كما هو. وبعد أن حظيت المادة الأولى منه بتصويت الحاضرين بسرعة، علِق النواب عند المادة الثانية. النائب حسين الحاج حسن قال إن "الأولوية هي للوصول الى معامل إنتاج وتخفيض العجز، لكن لا أموال عند الدولة والأنسب أن يُصار الى إقرار المادة كما هي". هنا علّق الرئيس بري مُثنيًا على كلام الأخير، وقال إنه يعبّر عن الواقع تمامًا. أربعة اقتراحات في هذه الأثناء قُدّمت من النواب أنور الخليل وجورج عدوان وجميل السيد وبولا يعقوبيان تتعلّق بالتلزيمات وطريقة إدارة العمل، سقطت جميعها بالتصويت. الرئيس بري اعتبر أن "مجلس إدارة الكهرباء يجب أن يُعيّن في فترة لا تتجاوز 3 أشهر"، فيما لفت الحريري الى أن "الخطوات التي يتم اتخاذها في موضوع الكهرباء تهدف للإسراع في التنفيذ والانتهاء من عجز الكهرباء"، موضحًا أنه "ستكون هناك منافسة بين شركات عالمية وبعد التلزيم سيأتي كل شيء الى هيئة الخصخصة".

الحريري أشار الى أن "عامل الوقت هو الذي يدفعنا الى التعجيل في تطبيق الخطة لأننا نريد الوصول في ٢٠٢١ و٢٠٢٢ الى الانتهاء من عجز الكهرباء وتوفير ٢٨٠٠ مليار ليرة"، وبيّن "أننا اذا كنّا سنذهب الى هيئة الخصخصة فقد نحتاج الى ٣ او ٤ سنوات"، مشددًا على الرغبة في الإسراع بالوصول الى صفر عجز في الكهرباء.

وردّ الحريري على انتقادات بعض النواب، فقال: "إما نكمل في دفع ١٠ مليارات دولار خلال السنوات المقبلة او نوفر مليار دولار السنة المقبلة، كل هذه الشروط الواردة في قانون تنظيم قطاع الكهرباء هي من أجل الشفافية والإسراع في تطبيق الخطة".

وبعد طول بحث، صادق المجلس على القانون مع إضافة توصية تشير الى أن الدولة أو الوزارة المعنية تضع الملاحظات وتدير المناقصات.

وزيرة الطاقة ندى بستاني عقّبت على الإقرار، فقالت في تصريح لها خارج القاعة إن "المصادقة على القانون تمّت كما أحيل الأخير من لجنة الأشغال والطاقة"، وتابعت "أمامنا 3 أشهر لندرس التعديلات".

بعد انتهاء الجلسة، سارع الحريري الى إطلاق تصريحات سوداوية بدت موجّهة بشكل مباشر لموظفي الدولة، مُصارحًا إيّاهم بأننا "مقبلون على إجراءات تقشفية"، ولفت الى أن"لبنان ليس بوضع انهيار لكن اذا لم نقم بالخطوات المطلوبة فقد نصل الى وضع صعب"، وأردف "علينا أن نكون صادقين مع المواطنين واذا أكملنا على ذات النحو فقد نصل الى كارثة".

كذلك نفى وزير المال علي حسن خليل أن يكون مشروع الموازنة متضمّنًا لتخفيضات في الرواتب، متمنيًا على المواطنين أن يحكموا على هذا الامر عند صدور الموازنة.

وعن الموضوع نفسه، صرّح الوزير جبران باسيل، قائلًا إن هذا الامر يتطلّب جرأة وشفافية وبُعد نظر.

الشبح..

المفارقة اليوم في الجلسة كانت حضور النائب نهاد المشنوق للمرة الأولى منذ انتزاع الصفة الوزارية منه. في منتصف الجلسة وفي خضمّ المداولات، دخل، صافح عددًا من الزملاء، ثمّ غادر. لم يُشارك في النقاش، لم ينتظر حتى انتهاء العملية التشريعية، بل أطلّ لأقلّ من ساعة داخل البرلمان، وخرج دون التحدّث مع رئيس الحكومة حتى. ابتعد عن الإعلام، وتسلّل منصرفًا.

إقرأ المزيد في: لبنان

خبر عاجل