معركة أولي البأس

لبنان

الملف الرئاسي أُدخل الثلاجة.. مشهد صفعات المقاومة المتلاحقة للاحتلال إلى الواجهة
27/06/2023

الملف الرئاسي أُدخل الثلاجة.. مشهد صفعات المقاومة المتلاحقة للاحتلال إلى الواجهة

دخل المشهد الرئاسي اللبناني في حالة جمود بعد إدخاله الثلاجة مع مغادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبنان، وحلول عطلة عيد الأضحى المبارك التي تستمر إلى الاثنين المقبل، في ظل توقعات بأن تستمر حالة الجمود إلى أيلول المقبل، في حين لا يتوقع أن يحمل لودريان الذي يعود الشهر المقبل أي جديد سوى "استكمال المشاورات" مع القيادات السياسية.

وتوقفت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الثلاثاء 27 حزيران/ يونيو 2023 في افتتاحياتها ومقالاتها الرئيسية عند حدثين بارزين أولهما إعلان المقاومة الإسلامية عن إسقاط مسيرة تجسسية للاحتلال الصهيوني في وادي زبقين بعد خرقها الأجواء اللبنانية، وثانيهما إطلاق المقاومة الفلسطينية صاروخًا باتجاه إحدى المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية المحتلة.

البناء
واستهلت صحيفة "البناء" افتتاحيتها بالإشارة إلى مشهد الصفعات المتلاحقة التي توجهها قوى المقاومة لجيش الاحتلال وتُظهر حجم ارتباكه وعجزه عن المبادرة، حيث تزامن الإعلان عن اختبار كتائب المقاومة في جنين لنسخة جديدة من صواريخ قسام استهدفت ما وصف بمستوطنات غلاف جنين، أسوة بمستوطنات غلاف غزة، إيذاناً بمرحلة جديدة في عمل المقاومة في جنين بعد ظهور العبوات الناسفة بوجه حركة الآليات كما ظهر في مواجهات جنين الأخيرة، مع إعلان المقاومة في لبنان عن الاستيلاء على طائرة مسيّرة لجيش الاحتلال كانت تحلّق وتقوم بأعمال تصوير في أجواء الجنوب فوق وادي الحنيه في قضاء صور، واعترف جيش الاحتلال بفقدان السيطرة على الطائرة المسيّرة، وكان لافتاً صمت القوى اللبنانية التي تتحدّث يومياً عن التزاماتها السيادية، عن هذا الانتهاك للسيادة الذي قام به جيش الاحتلال، والردّ الدفاعيّ عن السيادة الذي قامت به المقاومة.

في الملف الرئاسيّ، تركت مغادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان، تداعيات وتفاعلات مع كلامه الواضح عن طبيعة مهمته المقبلة، عنوانها السعي لحوار جامع وفاعل، كما وصفه، يهدف للتوافق لإنهاء الشغور في المؤسسات الدستورية، في إشارة إلى أن الأمر أبعد من مجرد التوافق على رئيس للجمهورية وحده، وفيما كانت قوى 8 آذار التي باتت حلف ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، تؤكد مواقفها السابقة بالدعوة للحوار والتمسك به طريقاً وحيداً لإنهاء الشغور عن طريق التوافق، ظهر الارتباك في صفوف تقاطع ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور الذي يضمّ قوى 14 آذار والتيار الوطني الحر ونواب التغيير، بين من يدعو لحوار ويريد تبرير تغيير مواقفه بالترويج لوجود تبدّل في موقف حلف فرنجية، والقول إن هذا الحلف قبل مؤخراً بالحوار، ويتصدّر هذا الاتجاه التيار الوطني الحر، ويقابله تمسك بالدعوة لجلسة انتخابية تحت شعار عدم تعطيل النصاب وهو ما تعبّر عنه القوات اللبنانية وحلف ترشيح النائب ميشال معوّض معها، رغم مخاوف من عدم نيل أزعور في جلسة انتخابية مقبلة الأصوات نفسها التي نالها في الجلسة السابقة، وهنا يبرز موقف نواب التغيير الذين استعادوا انقساماتهم بين قابلين بالحوار ودعاة التصويت لغير أزعور ومنضوين مع القوات وحلف معوض.

لم يشهد الملف الرئاسي وفقًا لـ"البناء" أي جديد بعد مغادرة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لبنان على أن يعود الشهر المقبل لاستكمال مشاوراته مع القوى السياسية، وحتى ذلك الحين سيدخل المشهد الرئاسي في حالة جمود حتى أيلول المقبل فيما يأخذ «المتحاربون» «استراحة محارب» خلال عطلة عيد الأضحى التي تستمر إلى مساء الأحد المقبل.

وأشارت مصادر "البناء" إلى أهمية الجولة الأولى للموفد الفرنسي، حيث رمت الكرة في ملعب من يرفض التسوية من دون تقديم بدائل، على أن يعود لودريان الى لبنان لأخذ الأجوبة على الأسئلة التي وجهها للأطراف السياسية، وبعدها سيدعو ممثلين عنهم إلى حوار قد يكون في فرنسا أو في دولة عربية مثل السعودية أو قطر، ومن يرفض الحوار ستحمله فرنسا مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية وتفاقم الأزمة.

كما علمت «البناء» أن لودريان سيغادر الى السعودية للقاء المسؤولين عن الملف اللبناني في المملكة لاستكمال التشاور بين «خلية الأزمة» السعودية – الفرنسية على أن يناقش مع الإدارة الفرنسية حصيلة لقاءاته في لبنان والسعودية لكي يعود إلى بيروت مزوداً بالتوجيهات للمرحلة المقبلة.
وتشير مصادر مواكبة للحراك الفرنسي لـ»البناء» إلى أن جوهر المبادرة الفرنسية هو تسوية بين رئيس الجمهورية لفريق المقاومة ورئيس حكومة للفريق الآخر، والتفاهم رئيس حكومة وحكومة والوزارات الأساسيّة والتعيينات في المواقع العليا كحاكم مصرف لبنان وقائد الجيش ورئيس مجلس القضاء الأعلى وعلى خريطة إنقاذية في المرحلة المقبلة.
وإذ كشفت مصادر في الفريق الداعم للوزير السابق جهاد أزعور لـ»البناء» أن فريق «التقاطعات» سقط ولم يبق منه إلا القوات اللبنانية والكتائب بعد تراجع الحزب التقدمي الاشتراكي وقوى التغيير عن دعم أزعور، ويجري البحث بين نواب التغيير عن مرشح آخر.
وجدّدت مصادر في التيار الوطني الحر لـ»البناء» رفضها السير بفرنجية، مؤكدة الانفتاح على كافة الخيارات الأخرى والحوار مع كافة الأطراف وخصوصاً مع حزب الله، داعية الجميع لحوار على مرشح توافقي يحظى بتغطية مسيحية واسعة وبدعم أغلبية مجلس النواب ويملك رؤية إصلاحية وعلاقات خارجية.
وعلمت «البناء» في هذا الإطار أن الحوار المباشر مقطوع بين التيار والحزب، والحوار يجري عبر وسطاء ورسل ينقلون بعض الرسائل.
في المقابل، أشارت أوساط الثنائي حركة أمل وحزب الله لـ«البناء» الى أنه سيتجاوب مع أي دعوة للحوار من أي جهة أكانت داخلية أم خارجية، لكن يرفض الشروط المسبقة كالتنازل عن دعم ترشيح رئيس المردة سليمان فرنجية، موضحة أن شرطاً كهذا ينهي الحوار قبل أن يبدأ، مؤكدة أن الحوار يناقش كافة الخيارات ومن ضمنها خيار فرنجية الذي أثبتت الجلسة الأخيرة بأنه المرشح الأكثر جدية والأوفر حظاً ويمتلك كتلة نيابية صلبة وثابتة ومواصفات وطنية وعلاقات عربية ودولية لا سيما مع سورية تتطلبها المرحلة الحالية.
ونفت الأوساط أن يكون لودريان قد طلب من الثنائي التراجع عن خيار فرنجية والبحث بخيارات المرشح الثالث التوافقي، لافتة الى أن لودريان طلب خلال لقائه مع وفد الحزب تزويده بأفكار واقتراحات لاختراق الجمود في الملف الرئاسي، كما أكد أن مهمة انتخاب رئيس للجمهورية صعبة، لكنها ليست مستحيلة ويمكن حلها بالحوار الداخلي بمساعدة خارجية بالتوازي مع استمرار المساعي الفرنسية مع السعودية والولايات المتحدة الأميركية.

وفي سياق ذلك، غرّد نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم عبر حسابه على «تويتر»: «ثمانية أشهر من التمترس والمواجهة كافية لإثبات عدم جدوى هذا المسار لانتخاب الرئيس. ولم يعد من سبيل إلَّا الحوار للتفاهم والتوافق، والقواسم المشتركة مع تغليب المصلحة الوطنية ليست معدومة وهي أفضل من التقاطع الموقت المسدود الأفق».

بدوره قال عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق خلال احتفال تأبيني في بلدة كفررمان: «ننصحكم بألا تضيعوا الوقت على اسم جديد ولا تجربوا المجرب لأن الحل والطريق الأقرب والأضمن هو الحوار. حزب الله أكد ولا يزال يؤكد دعوته إلى الحوار غير المشروط وإلى التوافق ليس من موقع الضعيف، إنما من موقع الحرص لأن هذا البلد لا يتحمل تصفية حسابات سياسية أو شخصية ولا يتحمل تعميق الانقسامات الداخلية؟». ختم: «حزب الله أكد للموفد الفرنسي تمسكه بشكل واضح وصريح بدعم ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية وأن الوصفة المثالية لحل الأزمة ليست إلا بالحوار والتوافق».

من جهته، رأى المكتب السياسي لحركة «أمل» أن «عمليات إطلاق النار السياسي الذي يستهدف المبادرات الدولية والمناخات الإقليمية والدعوات الداخلية للحوار الوطني، لإنجاز عملية انتخاب رئيس للجمهورية، يكون قادراً على جبه التحديات التي تهدد لبنان كياناً ووجوداً، لن توظف إلا في مشروع إسقاط الدولة وتفكيكها. وعليه نرى أنه مهما أبدع المعترضون في سياسات التسويف وهدر الوقت، ليس أمام اللبنانيين إلا خيار الحوار والتوافق».

أما الحزب الاشتراكي فلفت عضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور إلى «أننا وصلنا بعد جلسة الأربعاء الرئاسية إلى خلاصة مفادها أن التفاهم على الرئيس هو الحل الوحيد». 

واستكمل «لبنان يعيش اليوم حالة انعدام وزن في الملف الرئاسي في ظل انعدام المبادرات الداخلية، والمرحلة تتطلب سكينة وطنية للوصول إلى بر الأمان، وهي مرحلة حقوق الأفراد وليس المجموعات». وأردف «لم نساهم بإقرار أو اعتماد الثلث المعطّل، وإنّما فُرض علينا فرضاً، وقانون الانتخاب الحالي دمّر محاولات إحياء الحياة الوطنية».

الى ذلك، ردّ النائب ميشال المرّ على بيان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بشأن زيارة وزير المهجرين عصام شرف الدين دمشق، مشيراً الى أنه «لفتني في هذا الموقف أمران: أولاً، اعتراف بضرورة عودة النازحين بعدما كان أكثر من مسؤول في القوات يرفض الأمر على مدى سنوات! وثانياً، عدم الاعتراض على التواصل مع الحكومة السورية بعدما كان يُخوّن من قبلهم كل من يطرح التنسيق لحل المشاكل التي ترهق لبنان لما فيه مصلحة وطننا».

في غضون ذلك، وبعد المواجهات الأخيرة في مزارع شبعا بين الأهالي وقوات الاحتلال الاسرائيلي أسقط حزب الله مسيّرة إسرائيلية اخترقت الأجواء اللبنانية في وادي العزية قرب زبقين الجنوبية.

أما جيش الاحتلال فأقرّ بأن «مسيرة إسرائيلية تابعة لنا في الأراضي اللبنانية أثناء قيامها بنشاط روتيني ولا خوف من تسرّب معلومات».

ولاحقاً أوضح الإعلام الحربي لـ»حزب الله»، أن «المقاومة الإسلامية أسقطت عند الساعة 12 من ظهر اليوم (أمس) الاثنين، بالأسلحة المناسبة، طائرة مسيّرة إسرائيلية في وادي العزية قرب بلدة زبقين جنوب لبنان»، وكشف الإعلام الحربي، أن «الطائرة المسيّرة خرقت الأجواء اللبنانية من جهة مستعمرة زرعيت شمال فلسطين المحتلة، وحلقت على علوّ متوسط بمدى يصل إلى حوالي 7 كلم داخل الأجواء اللبنانية قبل أن يسقطها المجاهدون».

ولفت الى أن «الصور تُظهِر كيف حاول العدو الإسرائيلي استعادة السيطرة على الطائرة المسيّرة بعد إصابتها من دون أن ينجح بذلك. مواصفات الطائرة المسيّرة: النوع: R – Copter 1000 الطول: 170 سم. العرض: 200 سم. مزوّدة بكاميرتين عاليتي الجودة».
وأشار خبراء في الشؤون العسكرية والأمنية لـ"البناء" الى أهمية هذا الإنجاز الأمني لكونه سيضيق الى حد كبير حرية الحركة الجوية الإسرائيلية فوق لبنان لا سيما المسيرات»، لافتة الى أن «جيش الاحتلال يرسل المسيرات الى لبنان كبديل عن إرسال الطائرات الحربية خشية أن تسقطها المقاومة بعد التهديدات التي أطلقها السيد حسن نصرالله منذ أشهر قليلة».

ولفت الخبراء إلى أن «المسيّرة التي سقطت لا يعني أنها كانت تمهّد لعملية عسكرية أو أمنية، بل مهمتها ضمن عمليات التجسس الروتينية ومسح أهداف للمقاومة في الجنوب لا سيما على طول المنطقة الحدودية في ظل حالة الرعب الذي يعيشها جيش الاحتلال والمستوطنون خصوصاً بعد المناورة التي نفذتها المقاومة في جبل الريحان الشهر الماضي».

الجمهورية
بدورها رأت صحيفة "الجمهورية" أن المشهد الرئاسي دخل الى مربّع الجمود الكامل، في انتظار الزيارة المقبلة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان، الذي قال انه سيعمل خلالها على تسهيل حوار بنّاء وجامع بين اللبنانيين، من أجل التوصّل إلى حلّ يكون في الوقت نفسه توافقيًّا وفعّالًا، للخروج من الفراغ المؤسّساتي والقيام بالإصلاحات الضروريّة لنهوض لبنان بشكل مُستدام، وذلك بالتشاور مع الدول الشريكة الأساسيّة للبنان".

وبحسب "الجمهورية" فإنه ما لم يَطرأ ما يعطّل زيارة لودريان الثانية أو يؤجلها، فإنّها مرجّحة خلال النّصف الأول من شهر تموز المقبل، واذا كان الهدف منها السّعي الى اطلاق حوار بين اللبنانيين، ممهّداً لذلك بتحذير من "ان الوقت لا يعمل لصالح لبنان"، فإنّ زيارته الأخيرة كانت أشبَه بحوار غير مباشر، قادَهُ بين مختلف الأطراف المعنية بالملف الرئاسي، أصغى فيه للجميع وأجندته طفحت بالملاحظات التي دوّنها، والتي ظهّرت عمق الانقسام والخلاف فيما بين تلك الاطراف ليس على الملف الرّئاسي فقط، بل مفترقة حتى على أبسط البديهيات والأساسيات.

ولفتت الصحيفة إلى موقف لودريان الذي قال كلمته، إنّه بالحوار فقط يمكن بناء مساحة رئاسية مشتركة، ومشى موجّهاً الى اللبنانيين رسالة تحذيرية بأنّ الوقت لا يعمل لصالح لبنان، لعلهم يتبصّرون فيها، ولكن ربما فات الموفد الفرنسي ان الوقت ليس وحده الذي لا يعمل لصالح لبنان، بل ان مكونات الصراع الرئاسي فعلت فعلها وزَنَّرَت مسارات الانفراج الرئاسي برهانات وكمائن واحقاد ومختلف الاسباب التعطيلية.

وسألت "الجمهورية": هل سينجح لودريان في جلب اطراف الانقسام السياسي والرئاسي الى طاولة الحوار؟ وعلى اي اساس سيقوم هذا الحوار؟ لا خلاف على أنّ الحوار، وطرح الأمور الخلافيّة على طاولة البحث والنقاش الموضوعي والعقلاني، يشكّلان المعبر الالزامي لفكفكة ايّ عقد مهما كانت صعبة وشائكة، وتقريب وجهات النظر وفتح الأبواب على حلول مشتركة. إلّا أنّ هذا الحوار لا يبدو أنّه لغة مقبولة حتى الآن في واقعٍ لبناني منقسم على ذاته، ومأسور بعداوات متبادلة بين مكوناته السياسية، أطاحت بسلسلة الدعوات المتتالية التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ ما قبل الشغور في رئاسة الجمهورية، الى الحوار على المستوى الوطني للتوافق على رئيس للجمهورية، وآخرها الدعوة التي أطلقها بعد جلسة الفشل الثاني عشر في انتخاب رئيس للجمهورية. كما اكدت في الوقت نفسه صعوبة الحوار على المستوى المسيحي، واستحالة الوصول الى قاسم مشترك بين اطراف كلّ منها يعتبر نفسه صاحب الأمر والقرار والكلمة العليا في الملف الرئاسي.

مصادر مواكبة للمسعى الفرنسي أكدت لـ"الجمهورية" أنّ لودريان بإعلانه انه عازم على إطلاق حوار بين اللبنانيين، وضع نفسه أمام مهمّة محفوفة بصعوبات كبرى، لا بل بفشل مسبق إن كان الحوار الذي يسعى اليه منطلقا فقط من كونه محاولة لإجلاس اللبنانيين على طاولة الحوار، لعلهم ينجحون من خلالها في تخطي انقساماتهم ويتفقون على مخرج للمأزق الرئاسي. وهو امر دونه مستحيلات مع تناقضات سياسية تسلك مسارات مختلفة مصادمة لبعضها البعض. ولو قُيِّضَ لمثل هذا الحوار ان ينعقد، فإنّ لودريان سيسمع بالجملة داخل غرفة الحوار، ما سمعه من اعتراضات واتهامات وتباينات بالمفرّق خارجها خلال لقاءاته واتصالاته التي أجراها في زيارته الاخيرة والنتيجة الأكيدة لهذا الحوار هي الفشل واستمرار الدوران في الحلقة المفرغة.

ولفتت المصادر الى ان التجربة مع التناقضات اللبنانية تؤكد بما لا يقبل أدنى شك أن لغة التمني والدعوات البيانية من بعيد الى حوار بين التوجهات اللبنانية حول الملف الرئاسي وكل ما يتصل به، لا تسري في هشيم السياسة اللبنانية المعقدة. وبالتالي، لكي يكون هذا الحوار مُستجابا له بلا تردد، ومجديا ومحطة لكسر الانسداد الرئاسي، ينبغي أن يأتي في إطار ملزم يحدّد شكل الحوار، ومستواه، وزمانه ومكانه، وجدول أعماله، أي خريطة عمل تتمتّع أوّلاً بقوة الجذب، والجلب والدفع بالجميع إلى طاولة الحوار من دون شروط مسبقة، وتتمتع ثانياً بقدرة إلزام الجميع على فتح ممرات آمنة للملف الرئاسي تُفضي الى ايجابيات تنهي المأزق الرئاسي.

وردا على سؤال عما اذا كان مثل هذا الحوار ممكنا، قالت المصادر: فلنعترف اولاً انّ باب الحوار الداخلي مقفل، واطراف الداخل جميعها منقسمة على هذا الحوار، وبمعنى أدق كل طرف يريد حوارا يحقق له مشيئته وما يريده، وفي هذا الجو لا يمكن لأي حوار لبناني أن ينتج ولو انتظرنا مئة سنة. وثانياً، اللبنانيون في محطاتهم الاساسية احترفوا مسألة وحيدة هي حرق المراحل والفرص، ولا يذهبون الى الحلول طواعية بل بالاكراه، او بعدما تقع الواقعة ويسقط الهيكل، والامثلة عديدة منذ الطائف وصولاً الى الدوحة. وتبعاً لذلك، فإنّ الحوار المجدي والملزم بنتائجه امر ممكن جدا اذا ما كان إنفاذا لقرار دولي جدي جامع بين الدول الكبرى المؤثرة بلبنان بحسم الملف اللبناني. تتشارك فيه الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ومعهما السعودية وسائر الدول المعنية بهذا الملف.

واذا كانت بعض المستويات السياسية قد قاربت ما قاله لودريان حول ان خطوته المقبلة ستتم بالشراكة مع الدول الشريكة الاساس للبنان. بكونها ممهدة للقرار الدولي او بندا تنفيذيا له، إلا ان ما هو متوفر من معطيات ومعلومات موثوق بها لدى المطلعين على الاجواء الدولية المرتبطة بلبنان يؤكد عكس ذلك، وبحسب ما أكد هؤلاء لـ"الجمهورية": انّ اي قرار دولي بِحَسم الملف اللبناني واخراج لبنان من مأزقه لم يُتخَذ بعد، ولا تؤجد اي مؤشرات توحي بذلك، ذلك انّ اولويات الدول واهتماماتها بعيدة عن النطاق اللبناني مسافات زمنية. وعليه، فإن واقع لبنان سيبقى ضمن المراوحة السلبية في التناقضات والتوترات السياسية والتصعيد الى امد بعيد، وتِبعاً لذلك فإن انتظارنا لمساعدة خارجية جدية سيطول لأشهر وربما لسنة او اكثر".

رغم هذا الانسداد، فإنّ مرجعاً مسؤولا كشف لـ"الجمهورية" عما سمّاهما عاملين قد تكون لهما تأثيرات ايجابية على الملف الرئاسي، الاول هو الجهد الفرنسي الرامي الى احداث اختراق في الجدار الرئاسي، والموفد الفرنسي لودريان عَكسَ وجود ارادة دولية وتحديدا من الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، لتحقيق هذا الخرق، وان زيارته المقبلة الى لبنان ستتضمن خطوات دافعة في هذا الاتجاه من دون ان يحدد ماهيتها، الا انه كان واثقا من انها ستؤسس الى انفراج. وما علينا في هذا السياق سوى ان ننتظر.

أمّا العامل الثاني، فيشير المرجع عينه الى التطورات الدولية المتسارعة، وخصوصا على خط الاتفاق النووي الايراني، حيث ان ثمة مؤشرات جدية توحي بإمكان بلوغ اتفاق حول هذا الامر، وان ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن تشدّ في هذا الاتجاه على باب الانتخابات الرئاسية الاميركية. ومن شأن ذلك ان تنسحب ايجابياته على اكثر من ساحة في المنطقة، ولبنان لن يكون خارجها، واهم ثماره تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية".

اللواء
ورأت صحيفة "اللواء" أن اللبنانيين وضعوا بدءاً من اليوم، وحتى مطلع الاسبوع المقبل في 3 تموز هموم الرئاسة والتعاسة والكياسة جانباً، وتفرغوا لتمضية أيام عيد الأضحى المبارك الممتدة على خمسة أيام موصولة بعطلة «الويك أند»، بما تيسر من مشتريات وحلوى وألعاب كان ينتظرها الكبار قبل الاطفال من عام لعام، على الرغم من المنغصات، فيما يمضي الأطراف المعنيون إلى المعايدات، وكيل النصائح ورسم خرائط الخروج من المأزق، التي وضعها خبير التطبيق، إما مباشرة أو بالواسطة الموفد الخاص للرئيس ايمانويل ماكرون الوزير الأسبق جان ايف لودريان، وهو يتأمل فنجان الانتخابات الرئاسية اللبنانية المملوء بالمؤشرات إلى الشيء ونقيضه في الوقت نفسه، قبل عودته المنتظرة بعد العاشر من تموز، ومعه لآليء الحل وكنوز الافراج عن الرئيس، الذي خاض ضده أو لأجله حرب وان كانت باردة، حتى ولو دام الشغور الرئاسي إلى ما شاء الله.

وحسب ما رشح، من المتوقع أن يلتقي لودريان المرشح الرئاسي الوزير السابق جهاد ازعور في باريس، مع الاشارة إلى أنه لم يستبعد عن اللقاءات، بل حال عدم وجوده في لبنان من عدم لقائه في بيروت بالموفد الرئاسية الفرنسي الذي طلب من السفيرة آن غاريو ترتيب موعد فاتصلت به ليعتذر بسبب تواجده في الخارج.

إذاً يدخل لبنان اعتباراً من اليوم مدار عطلة عيد الاضحى المبارك، ما يعني تعطيل الحياة العامة بشكل كامل والسياسية الى حد كبير حتى يوم الاثنين المقبل، حيث وصل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي أمس الى مدينة مكة المكرمة لأداء فريضة الحج. بينما أصيبت الحركة السياسية بحالة من الشلل التام فلا لقاءات ولا تواصل، حيث بقيت حلول ازمة الشغور الرئاسي مؤجلة حتى إشعار آخر يطول او يقصر بانتظار ظهور مؤشرات او نتائج مشاورات الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان مع الدول الخمس المعنية بالوضع اللبناني اضافة الى ايران.

وظهر ان جولة لودريان على القوى السياسية اسهمت في تهدئة الوضع السياسي، بعد دعوته الجميع بشكلغير مباشر الى الحوار والتوافق والتفاهم، مستبعداً حسب المعلومات اي طرح حالياً حول تغيير النظام السياسي، لا سيما بعد المواقف افرافضة للمس باتفاق الطائف ودستوره. لكن ظهرت ايضاً دعوات لأن تشمل الاتصالات والتوافقات ان حصلت ليس انتخاب الرئيس فقط انما كل الملفات المتصلة بها من تشكيل الحكومة وبرنامج الرئيس والحكومة والقضايا الكبرى المختلف عليها، وهو امر مؤجل الى ما بعد التوافق على اسم الرئيس التوافقي اولاً.

لكن يبدو ان لغة الحوار بدأت تطفو على السطح بشكل ظاهر اكثر بعد اقتناع اغلب القوى السياسية بما فيها بعض قوى المعارضة، بأن لا حل لأزمة الشغور الرئاسي سوى بالتوافق على قواسم مشتركة، وهوما كرره أمس، نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عبر حسابه على «تويتر» بالقول: ثمانية أشهر من التمترس والمواجهة كافية لإثبات عدم جدوى هذا المسار لانتخاب الرئيس. ولم يعد من سبيل إلَّا الحوار للتفاهم والتوافق، والقواسم المشتركة مع تغليب المصلحة الوطنية ليست معدومة وهي أفضل من التقاطع الموقت المسدود الأفق.

الأخبار
من جهتها توقفت صحيفة "الأخبار" عند تشكيك ديوان المحاسبة الفرنسي في طريقة إنفاق 214 مليون يورو من المساعدات الفرنسية للبنان بين عامَي 2019 و2021، وإشارته إلى أن الغالبية العظمى من هذه المساعدات صبّت لدى المنظمات غير الحكومية التي تقرّر بعد انفجار المرفأ أن تُعتمد بديلاً من المؤسسات الحكومية، بحجّة أن الفساد ينخرها، ليتّضح أن الـ NGOs ليست أقل فساداً. 

وأشار الديوان في تقرير أصدره أخيراً إلى أن إنفاق المساعدات التي وصلت عبر منظمات مدنية فرنسية، كان من دون توثيق، وإلى أن التقرير هو مسح أوّلي "يجب أن يكون بدايةً لعمليةٍ شاملة في مراقبة المبالغ المالية الحكومية الواردة إلى لبنان" الذي تسلّم بين 2019 و2021 مساعدات مادية وعينيّة بقيمة 3,7 مليارات دولار، تصدّرتها ألمانيا بنسبة 26% من الإنفاق، تليها الولايات المتحدة بـ 20.4%، فمنظمات الاتحاد الأوروبي بـ 11.9%. وشكّك قاضي الغرفة الرابعة، معدّ التقرير، في "طريقة الإنفاق المالي في لبنان تحديداً"، وتخوّف من فساد في توزيع المساعدات التي "تصل إلى فئة معيّنة من المستفيدين من دون الأخرى".

وعلى مستوى عمل الأجهزة الفرنسية، أشار التقرير إلى "غياب الإجراءات الرسمية المعتمدة عن تجميع البيانات الخاصة بتوزيع المساعدات"، كما شكّك في "فعالية الرقابة المالية على مستوى كلّ الأجهزة والوكالات الفرنسية العاملة في لبنان"، واصفاً الرقابة بـ"غير المضمونة". وسعت الغرفة الرابعة إلى "رسم خريطة التدفقات المالية إلى لبنان، وتعداد المشغلين، ووصف تدخل كلّ منهم".

ومنذ عام 2020، تضاعفت المبالغ الفرنسية المخصصة للبنان 2.7 مرّة، أنفقت على عدد من القطاعات اللبنانية، أبرزها التعليم والتدريب بنسبة 45%، و25% على الصحة، و10% على الزراعة، و10% أخرى لإعادة إعمار المنطقة المحيطة بمرفأ بيروت، وصولاً إلى دعم المجتمع المدني الذي نالت جمعياته 21.4 مليون يورو خلال سنتين (10%). كما أن جهات حكومية أمنية فرنسية أنفقت أموالاً في لبنان، خلال الفترة نفسها، إلا أنّ التقرير لم يأتِ على تفاصيلها، مثل "مديرية الدفاع والتعاون الأمني، والسفارة الفرنسية". ووصف التقرير الجهة الأخيرة بأنّها "صاحبة مساهمات متنوعة كونها على اتصال يومي بالسكّان".

القطاعات الفرنسية التي تصدّت في عملية الدعم، تصدّرتها الوكالة الفرنسية للتنمية التي وزعت خلال عامين 111 مليون يورو، 90% منها تبرعات تجاهر الوكالة بأنّها "لم تمرّ عبر القنوات الحكومية"، ودفعت 92% منها للمنظمات غير الحكومية، وتوجهت بشكل رئيسي لـ"دعم المجتمعات المضيفة للاجئين السوريين". وتلتها وكالة التعليم الفرنسية في الخارج التي أنفقت 33.56 مليون يورو، علماً أنّ هذه الوكالة تدير في لبنان شبكة من 63 مؤسّسة تعليمية معتمدة فرنسياً، يتعلّم فيها أكثر من 60 ألف تلميذ، وتزيد أقساطها بشكل سنوي. وشارك مركز الأزمات والدعم في وزارة الخارجية في إنفاق 14.56 مليون يورو بشكل مباشر، و17.7 مليون يورو على شكل تبرعات عينيّة. وموّلت المديرية العامة للخزينة الفرنسية بـ 7.3 ملايين يورو مشاريع في لبنان، من دون تحديد طبيعتها. ودفعت الجهة نفسها 2.1 مليون يورو في مشاريع البنك الدولي في لبنان. وشاركت الدولة الفرنسية أيضاً بمبلغ 32.5 مليون يورو دفع للمنظمات الدولية والفرنكوفونية، عبر وزارة الخارجية التي بدورها "قامت بتوجيه هذه المساعدات عبر قنوات معيّنة".

وربط التقرير بين زيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان وزيادة المساعدات الفرنسية، إذ ارتفع مركز فرنسا بين الجهات المانحة للدولة اللبنانية من المرتبة السادسة، خلال الأعوام 2010 - 2019، إلى المرتبة الرابعة، بمبلغ كلّي وصل إلى 292 مليون دولار. وقطع ديوان المحاسبة الفرنسي أيّ أمل في إعادة إطلاق تعهدات مؤتمر سيدر 2018، بسبب عدم التزام لبنان بالإصلاحات التي طلبت منه وقتها. ووصف النظام المصرفي اللبناني بـ"المعطّل، والسائر في الطريق المسدود"، مشيراً إلى "تضاعف نسبة الفقر في المجتمع اللبناني من 42% عام 2019، إلى 82% عام 2021".

المحسوبيات اللبنانية حضرت أيضاً بين سطور التقرير، فاستنتج الكاتب أنّ "من المنطقي هيمنة النهج السياسي على توزيع المساعدات، فلبنان مسألة حسّاسة". وأوصى المدير العام للخزينة الفرنسية بـ"إنشاء نظام مراقبة شامل للمساعدة التي تقدّمها الدولة للبنان". فالمحكمة لم تتمكّن من "التحقّق من امتثال النفقات للقواعد، والأهداف المحدّدة لها، وفعاليتها على الأرض". كما أكّدت الغرفة المسؤولة عن التقرير في ديوان المحاسبة الفرنسي "وجود نقص في الإدارة المالية الشاملة، إذ واجهت صعوبة في جمع البيانات، وجعلها موثوقة". وطالبت بـ"الحصول على الأدوات اللازمة لإحصاء المساعدات الفرنسية، وتحسين توجيهها نحو احتياجات السكان الحقيقية".
 

إقرأ المزيد في: لبنان