لبنان
السيد نصر الله أكد حتمية الردّ على اغتيال العاروري.. وبداية انشقاق في مجلس الحرب الصهيوني
اهتمت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم بمواقف الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في خطاب له الجمعة خلال حفل تأبيني لفقيد الجهاد والمقاومة الحاج محمد ياغي "أبو سليم"، حيث أكد على حتمية الرد في الميدان على اغتيال العدو الصهيوني للشهيد صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، لافتا إلى وجود فرصة حقيقية لتحقيق انتصار كبير يتمثل بالتحرير الكامل لكل شبر من الأراضي اللبنانية المحتلة.
إلى ذلك، يتواصل العدوان الصهيوني على غزة موقعًا المزيد من الشهداء والجرحى والدمار في القطاع، فيما تستمر معاناة الفلسطينيين نظرا لعدم توفر حد أدنى من مقومات العيش، ورغم لك تواصل المقاومة توجيه ضربات للعدو وإطلاق الصواريخ نحو الأراضي المحتلة.
هذا في وقت يتخبط فيه المسؤولون الصهاينة، وقد برز الخلاف واضحا بين المستويين السياسي والأمني على خلفية التحقيق في إخفاق جيش العدو منذ 7 تشرين الأول وصولا إلى أكثر من 90 يومًا من العدوان على قطاع غزة دون تحقيق أي هدف بلجم المقاومة أو استعادة أي أسير على قيد الحياة.
"الأخبار": بداية انشقاق في «مجلس الحرب»
يبدو أن المسؤولين السياسيين الإسرائيليين، وحتى بعض الأمنيين، يتصرفون على أساس أن الحرب قد انتهت؛ إذ لا يفتأون يتراشقون بالاتهامات السياسية، ويتبادلون تحميل المسؤوليات، مستعيدين كل الخلافات القديمة، وإلى جانبها أسباب الفشل في 7 أكتوبر، والتنازع حول مسار الحرب وما بعدها. واشتعلت، ليل أول من أمس، جلسة «المجلس الوزاري السياسي والأمني» (الكابينت الموسّع)، والتي كان من المفترض أن تناقش قضايا «اليوم التالي»؛ فبينما كان رئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، يقدّم مطالعته، حول تشكيل فريق للتحقيق في أداء الجيش، وعلى رأسه شاؤول موفاز (رئيس أركان ووزير جيش سابق)، هاجمه وزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، ووزيرة المواصلات ميري ريغيف، ووزير التعاون الإقليمي دافيد أمسالم، في حين تولّى وزير الجيش، يوآف غالانت، ووزراء «معسكر الدولة» الدفاع عنه.
ووصفت صحيفة «معاريف» الجدال الذي وقع بـ«السيرك»، لافتةً إلى أن «رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استفاد من الهجوم (على هاليفي)، عندما أشار على رئيس الأركان بأنه يجب أن يستمع إلى انتقادات الوزراء».وعلى خلفية ذلك، هاجم عضو «كابينت الحرب»، بيني غانتس، أمس، الوزراء الذين هاجموا هاليفي «بدوافع سياسية في خضمّ الحرب»، مضيفاً أن «مثل هذا السلوك لم يكن موجوداً على الإطلاق، ولا يجب أن يكون موجوداً». واعتبر أن «رئيس الوزراء مسؤول عن عدم مناقشة مجلس الوزراء العمليات الإستراتيجية التي ستؤثّر على استمرار المعركة وأمننا في المستقبل (...) عليه مسؤولية التصحيح والاختيار بين الوحدة والأمن، والسياسة».
ولم يكتفِ غانتس بذلك، بل نقل مقرّبون من حزبه أنه ربما يفكّر بالانسحاب من «حكومة الطوارئ»، ليسارع حزب «الليكود» (برئاسة نتنياهو) إلى مهاجمته، قائلاً: «نتوقّع من غانتس التوقّف عن البحث عن ذرائع لخرق وعده بعدم الانسحاب من حكومة الطوارئ حتى انتهاء الحرب». وسرعان ما ردّ حزب «معسكر الدولة» (حزب غانتس) على بيان «الليكود»، مذكّراً بـ«الوعود» التي قطعها نتنياهو، عند انضمام غانتس وأيزنكوت إلى الحكومة، وأهمّها التمديد لكل قادة ومسؤولي الأجهزة الأمنية والقضائية خلال الحرب، الأمر الذي خرقه بن غفير بالفعل، عندما قرّر عدم التمديد لمفوّضة مصلحة السجون.
بدوره، هاجم بن غفير، غانتس، قائلاً: «أولئك الذين دعوا أبو مازن إلى منزلهم يستمرّون في كلّ من كابينت الحرب والكابينت الموسّع، في الخطّ الفاشل ذاته»، مضيفاً أنّ «من واجبنا طرح الأسئلة على رئيس الأركان، والتأكّد من أنه سيجيب عليها». أما في ما يتعلّق بـ«اليوم التالي»، فمن الواجب - بحسب بن غفير - «إجراء نقاش في الكنيست، وعدم ترك القرار لغانتس الذي يسعى إلى إيصال حكم أبو مازن ورفاقه إلى غزة. بداية يجب أن نضمن القرار والنصر، فنحن لم ننته من الحرب بعد، ويجب ألا نتوقّف في المنتصف». وكان بن غفير قد اعتبر، في وقت سابق، «تعيين موفاز خطيئة كبرى».
أما على صعيد المعارضة، فاعتبر زعيمها، يائير لبيد، التسريبات الأخيرة «وصمة عار، ودليلاً على خطورة الحكومة» مضيفاً أنه «يجب استبدال الحكومة ورئيسها، فهي لن تتمكّن من اتخاذ قرار إستراتيجي لمصلحة البلاد». كما اعتبر، في تعليقات لاحقة، أن «جلسة مجلس الوزراء الأخيرة انحدار جديد غير مسبوق خلال الحرب»، مبدياً استغرابه لكون «وزراء يهاجمون رئيس الأركان ويحاولون تحقيره في خضمّ الحرب بينما رئيس الوزراء يتفرّج»، قائلاً إن «هذا ليس مجلس وزراء بل كارثة وطنية». وفي الاتجاه نفسه، اعتبرت رئيسة حزب «العمل»، عضو «الكنيست» ميراف ميخائيلي، أن «كل دقيقة يتّخذ فيها هؤلاء الأشخاص (الحكومة) قرارات بشأن حياتنا، تشكّل خطراً على حياتنا»، متابعةً أنه «مرة أخرى يصبح من الواضح مدى خطورة نتنياهو على الكيان، ومدى إلحاح استبداله الآن وعلى الفور».
من جهته، أوضح هاليفي، بعد الهجوم الذي تعرّض له، أنه يعتزم إجراء «تحقيق مهني من قِبل فريق مراقبة خارجي، لفحص أداء الجيش في الحرب، من أجل تحسين أدائه للمستقبل». وبحسب قوله، فإن «التحقيق سيشمل فحص جاهزية الجيش والتسلسل القيادي، ولن يتناول المستوى السياسي». وعقب ذلك، اتصل غالانت برئيس الأركان للتعبير عن دعمه له وثقته بضباط الجيش. وأضاف غالانت: «يتعيّن على الجميع الكفّ عن الاستغلال غير المسؤول للجيش وقادته لتحقيق مكاسب سياسية».
من جهة أخرى، وفي أعقاب تقديم وزير حربه خطّته لـ«اليوم التالي»، كرّر نتنياهو القول إن النقاش بهذا الخصوص يجب أن يبدأ بعد «اليوم التالي لحماس»، وإنه يجب أن تكون غزة «منزوعة السلاح»، معتبراً توقّع قيام السلطة الفلسطينية بهذه المهمة «حلماً بعيد المنال».
"البناء": السيد نصرالله: الرد ضرورة حتمية لحماية لبنان وإعادة العمل بقواعد الرد
دخلت التداعيات الإقليمية لحرب غزة على المشهد وتصدّرت، بعد الانتقال الأميركي الإسرائيلي الى مرحلة جديدة من الحرب عنوانها الاغتيالات والتفجيرات، من إيران الى العراق الى لبنان، وصار الرد على الاستهداف يستدعي، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ردّ الاعتبار لقواعد الردع، لأن الصمت يعني ترك الساحة مكشوفة أمام الاستهداف، مؤكداً أن الرد على اغتيال الشيخ صالح العاروري حتمي وأن الأمر أصبح بيد الميدان وأن القرار اتخذ وذهب للتنفيذ، على قاعدة أن كلفة الردّ مهما كانت درجة المخاطرة تبقى أقل من كلفة السكوت عن هذا الانتهاك الخطير.
في المشهد الإقليميّ بين التطورات في المشهد العراقي وكلام السيد نصرالله يبدو واضحاً أن مصير القوات الأميركية في العراق قد صار فوق الطاولة، وأن الحكومة العراقية كما قال رئيسها محمد شياع السوداني دخلت في إجراءات جدولة الانسحاب الأميركي، فيما المقاومة العراقية تواصل عملياتها وتصعّد وتيرتها على قاعدة أن زمن الاحتلال انتهى منذ اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس على أرض العراق وقد حان موعد التنفيذ.
في كلمة السيد نصرالله مفاتيح كثيرة لرؤية قوى محور المقاومة لمشهد المنطقة في ضوء معادلات طوفان الأقصى وما بعده، وصفها السيد نصرالله ببركات نصرة غزة، شارحاً فعالية ما قدّمته المقاومة على جبهة لبنان، لكن مستخلصاً أن المقاومة كانت تتحرك على الجبهة وفي تفكيرها منع الاحتلال من الاستفراد بغزة ثم الاستدارة نحو لبنان، ولذلك من بركات نصرة غزة سوف تنشأ فرصة تاريخية نادرة لتحرير كل الأراضي اللبنانية المحتلة من نقطة رأس الناقورة إلى مرتفعات مزارع شبعا، ومثلها بركات لليمن بحجز مقعد له بين الدول الإقليمية الفاعلة، ودور في أمن الملاحة في البحر الأحمر، ومثلها للعراق بإنهاء الاحتلال الأميركي، الذي ستنال بركاته سورية بإنهاء الاحتلال في شرق سورية وفتح مسار تعافيها.
وأكد السيد نصر الله، أن المعركة التي تخوضها المقاومة على الحدود الجنوبية وعملياتها التي تستهدف جيش العدو الصهيوني على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة تثبّت معادلات الردع مع العدو الصهيوني.
وخلال الحفل التأبيني الذي أقامه حزب الله بمناسبة رحيل فقيد الجهاد والمقاومة الحاج محمد ياغي (أبو سليم) في حسينية السيدة خولة (ع) في بعلبك، اعتبر السيد نصرالله أننا اليوم في لبنان أمام فرصة تاريخية للتحرير الكامل لكل شبر من أرضنا المحتلة، وأمام فرصة لتثبيت معادلة تمنع العدو من اختراق سيادة بلدنا وهذه الفرصة فتحتها الجبهة اللبنانية من جديد.
وأكد أن الميدان هو الذي سيردّ على العدوان الصهيونيّ الأخير على الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال الشهيد صالح العاروري ورفاقه، وأن هذا الردّ آتٍ حتمًا ولا نستطيع أن نسكت عن خرق بهذه الخطورة، لأن هذا يعني أن كل لبنان والمدن والشخصيّات ستصبح مكشوفة.
ولفت السيد نصر الله إلى أنه “في المرحلة الثانية هرب جنود العدو الى المستعمرات الخالية من السكان والى محيط المواقع خوفًا من فصائل المقاومة وهجومها على بعض المواقع”. وقال “نحن نحصل على معلومات جيّدة ودقيقة وصور وأفلام بخصوص تموضعات وتجمّعات العدو، وتمّ تدمير عدد كبير من الدبابات والآليات التابعة للعدو واليوم الضباط والجنود مختبئون”، لافتًا إلى أن “العدو حاول الاستعاضة عن خسائره الفنية بالمُسيّرات وطائراته الاستطلاعية، وأنه مارس تكتّمًا إعلاميًا شديدًا إزاء قتلاه وجرحاه”.
وأشار إلى أنهم في كيان العدو الخبراء يقولون إن عدد القتلى الحقيقيّ هو ثلاثة أضعاف ما يعلنه جيش الاحتلال، وأن الإحصاء بحسب مصادر وزارة الصحة الاسرائيلية حتى الآن ما يزيد عن 2000 إصابة في جبهة الشمال، وقال “لو كنتم تعرفون حجم الخسائر البشرية لدى العدو وآلياته لما سمحتم لأنفسكم عن جدوى القتال في الجبهة الشمالية”، وأضاف “نفهم أن تكتّم العدو عن خسائره في جبهتنا هو جزء من الحرب النفسيّة وحتى لا يُحرج أمام مجتمعه لأن ما يجري إذلال حقيقي للكيان”.
ولفت إلى أن من نتائج القتال على الجبهة الجنوبية المهجّرون من المستعمرات الشمالية، طيلة الحروب كنا نحن من يتمّ تهجيرنا، هذا التهجير سوف يشكل ضغطاً نفسياً وسياسياً وأمنياً على حكومة العدو إضافة إلى حالة القلق السائدة على جبهة الشمال.
وللذين سألوا عن الجدوى والفائدة من فتح الجبهة الشمالية، قال نصرالله: “منذ أول يوم قلنا إن هدف هذه الجبهة الضغط على حكومة العدو واستنزاف العدو من أجل وقف العدوان على غزة. والهدف الثاني تخفيف الضغط عن المقاومة في غزة في الوضع الميداني.. هذان الهدفان هل يتحققان فعلاً من خلال الجبهة اللبنانية؟ نعم.. عندما اضطر العدو نتيجة خشـيته من تطورات الجبهة من الذهاب إلى حرب شاملة، اضطر أن يأتي بـ 100 ألف جندي، اليوم معلومات عن فرق وألوية بأكملها على حدودنا، هؤلاء تم حجبهم عن غزة”.
وتساءل السيد نصر الله “نفس ما يجري في الجبهة الشمالية وهذا العدد من القتلى والجرحى وتدمير آلياته ومهجّريه ألا يشكل ضغطًا على حكومة العدو؟”. وقال “بعض اللبنانيين إما جهلة ولم يقرأوا تاريخ لبنان، وإما يتجاهلون، من 1948 “اسرائيل” تهاجم وتقتحم القرى وتعتدي على البيوت وترتكب المجازر، وهم أقاموا أول حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية.. أقرؤوا التاريخ، يبدو حتى بالمدرسة لم يدرسوا، دائمًا كان أهل الجنوب هم الذين يُهجّرون، هذا له قيمة معنوية سياسية وأمنية عالية.. دائمًا كان الشريط الأمني لدينا، لكنه اليوم هو حزام أمنيّ داخل الكيان في الشمال بعمق 3 كلم وفي بعض المناطق بعمق 7 كلم”.
وأضاف “أقول للمستوطنين الذين يطالبون بالحسم مع حزب الله، هذا خيار خاطئ لكم ولحكومتكم وأول من سيدفع ثمن هذا الخيار الخاطئ هو أنتم.. إذا كنتم فعلاً تبحثون عن الحل، الحل هو أن يتوجه مستوطنو الشمال لحكومتهم بوقف العدوان على غزة، وأي خيار آخر لن يجلب لمستوطني الشمال إلا المزيد من التهجير والأثمان الباهظة”.
وعلّق السيد نصر الله على كلام لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بشأن خيمة المقاومة الشهيرة عند الحدود، وقال لنتنياهو “حدّثني عن 48 موقعًا حدوديًا يدمّر، و11 موقعًا خلفيًا يدمّر و17 مستوطنة هوجمت وعن 50 نقطة حدودية، وعن جنودك المختبئين كالفئران، هل المقاومة التي تقوم بهذا الحجم من العمليات كل يوم هي مقاومة مردوعة؟ الخيمة باتت من الماضي اليوم هناك حرب حقيقيّة على الحدود”.
كما لفت السيد نصر الله إلى أن “من بركات قيام المقاومة الإسلامية في العراق بفتح جبهتها نصرة لغزة أن العراق اليوم أمام فرصة تاريخية للتخلص من الاحتلال الأميركي ومن هذا الكذب والزيف والتضليل الأميركي. وشدّد على أن اليمن اليوم يزداد عزًا في العالم العربي والإسلامي، وأن خروج الشعب اليمني في مظاهرات وجّه رسالة يجب أن تفهمها كل الإدارة الأميركية وكل من يهددون اليمن، بأنهم لا يواجهون حكومة ولا دولة ولا جيشاً اسمه أنصار الله، بل هم يواجهون عشرات الملايين من الشعب اليمني الذي كل تاريخه إلحاق الهزائم بالمحتلين”.
وبيّن أن “الأميركيين يُشَغّلون “داعش” في إيران ثم يقولون لا علاقة لنا بتفجير كرمان، صنيعتكم هي التي ارتكبته، مَن الذي يفعّل “داعش” اليوم في سورية؟ فتشوا عن القوات الأميركيّة؟ فرصة خروج القوات الأميركية من العراق اليوم سيتبعها خروج القوات الأميركية من شرق الفرات وهذه من البركات الوطنية للتضامن مع غزة”.
وأشارت مصادر مطّلعة على الوضعين السياسي والعسكري لـ”البناء” الى أن السيد نصرالله قدّم شرحاً تفصيلياً بالأرقام والمعطيات لأهمية جبهة الجنوب في الضغط على كيان الإحتلال وفي تخفيف الضغط عن المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة، ورد على كل المشككين بجدوى دور المقاومة من الجبهة الجنوبية، واستند إلى تصريحات مسؤولين في كيان العدو وإحصاءات من مؤسساته الصحية لعدد القتلى والجرحى والخسائر البشرية فضلاً عن المادية والاقتصادية والمعنوية”.
والأهم برأي المصادر أن السيد نصرالله شرح للجنوبيين كما للبنانيين “الأهمية الوطنية لإشعال جبهة الجنوب وتحصين معادلة الردع ضد أي عدوان استباقي إسرائيلي على لبنان لهروب حكومة الاحتلال من تداعيات الفشل في الحرب على غزة”. كما شدد السيد نصرالله على الردّ على استهداف الضاحية الجنوبية واغتيال الشيخ صالح العاروري، وقوله إن “الأمر متروك للميدان يعني أن القرار اتخذ في قيادة المقاومة بالرد ومستواه وهو مسألة وقت والقيادة العسكرية في الميدان تنتظر اختيار الهدف الذي يليق باغتيال القيادي في حركة حماس العاروري والعدوان على الضاحية. لذلك على العدو الإسرائيلي تحمل تبعات الانتظار وهو في حالة استنفار شامل، وكما عليه تحمل الرد المؤلم”.
وكانت جبهة الجنوب شهدت سلسلة عمليات نوعية للمقاومة في لبنان، حيث استهدفت موقع بركة ريشا بالقذائف المدفعية وحققت إصابات مباشرة. كما استهدفت المقاومة تموضعا لجنود العدو الإسرائيلي في محيط موقع الضهيرة بصواريخ بركان، وحققت إصابات مباشرة. كما أعاد مجاهدو المقاومة الإسلامية استهداف موقع بركة ريشا بصواريخ بركان وحققوا إصابات مباشرة.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن “أضراراً جسيمة لحقت بموقع تابع للجيش الإسرائيلي عند الحدود مع لبنان بعد إصابته بصاروخ بركان”. ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤولين في الجيش الإسرائيلي، قولهم “إننا نحارب في غزة ولبنان والضفة الغربية ومجلس الوزراء الإسرائيلي يحاربنا في الداخل”.
ويأتي ذلك بعد الخلاف الأخير حول تشكيل رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي لجنة تحقيق بشأن إخفاقات 7 تشرين الأول ومواجهة عملية “طوفان الأقصى” والحرب على غزة.
ولفت المسؤولون إلى أنّ “وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يعتقد أن رئيس الأركان هرتسي هليفي أخطأ حين شكل فريق التحقيق قبل أن يستشيره”، موضحين أنّ “وزير الدفاع سمع بقرار تشكيل لجنة التحقيق قبل دقائق من جلسة مجلس الوزراء”.
واعتبر وزير حرب جيش الاحتلال يوآف غالانت، في تصريح من الجبهة الشمالية، “أننا نفضل الحل السياسي على الحل العسكري لكننا نقترب من النقطة التي ستنعكس فيها الساعة الرملية”. وزعم أنّ “الجيش يقوم بعمل عسكري ممتاز ويوجه ضربات لحزب الله”، مشيرًا إلى “الالتزام” بإعادة “الشعور بالأمان لسكان الشمال عبر الوسائل كافة”.
ويتوقع خبراء عسكريون لـ”البناء” أن “يتصاعد التوتر وتشتدّ العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية في الأسابيع المقبلة وسيتصاعد أكثر فور حصول رد المقاومة على العدوان على الضاحية، وقد تتحول جبهة الجنوب الى ساحة حرب حقيقيّة بحال أقدم جيش الاحتلال على الرد على رد المقاومة، وبالتالي سنكون أمام جبهات وليس جبهة واحدة، لأن أي عدوان اسرائيلي كبير وشامل على الجنوب ولبنان لن يبقى محدوداً بل سيوسّع الى كل المنطقة وستدخل الى الحرب سورية وستتسع دائرة المواجهات في العراق وسيوسّع أنصار الله والجيش اليمني عملياتهم وينفجر البحر الأحمر وربما تمتدّ شرارة التفجير الى الخليج ومضيق باب المندب وتدخل إيران في الحرب”، لذلك “يسعى الأميركيون الذين يدركون مخاطر ونتائج الحرب الشاملة الكارثية في المنطقة وربما على العالم، الى احتواء التصعيد بإرسال موفدهم عاموس هوكشتاين الى المنطقة”، لكن السيد نصرالله وفق الخبراء قطع الطريق على أي اقتراحات وحلول يحملها الوسيط الأميركي للترسيم البري وضبط الحدود وفق المفهوم الأميركي – الإسرائيلي، وأعاد السيد نصرالله التأكيد بأن لا بحث للملف الحدوديّ قبل توقف العدوان على غزة.
ويشير الخبراء الى أن الحرب الأمنية قد تكون أخطر من الحرب العسكرية، ويحذرون من عودة التنظيمات الإرهابية الى الميدان لاستخدامها من الأميركيين والإسرائيليين في هذه الحرب الأمنية ضد محور المقاومة لتخفيف الضغط على كيان الاحتلال الذي يتخبط بأزماته، لذلك الخوف من تزايد عمليات الاغتيال والتفجيرات الارهابية أو الانتحارية في سورية والعراق وإيران وحتى لبنان.
الى ذلك أكّد رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، أن الاحتلال لم يحقق هدفه ولن يحققه، مشدّدًا على أنّه حتى هذه اللحظة تتعامل المقاومة في لبنان وما تقوم به من عمليات وفق المنهج والسياق المناسبَين.
وفي حديث لمجلة “روز اليوسف”، رأى الرئيس بري، أن الواقع بعد حرب غزة “يتوقف على عدة محددات لتقدير الموقف، فلكل طرف أهداف استراتيجية من هذه الحرب، سواء المقاومة أو الاحتلال”، لافتًا إلى أن المقاومة الفلسطينية لم تفقد إلّا 10 في المئة من قدراتها منذ اندلاع القتال ولديها قدرة على الصمود، أمّا الاحتلال فخسائره متعددة وكبرى سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا واستراتيجيًا. وأضاف أن الاقتصاد الإسرائيلي ينزف رغم كل ما يصل إليه من مساعدات، وهذا هو مأزق رئيس وزراء حكومة العدو بنيامين نتنياهو، بخلاف ما تفرضه عليه خلافاته الداخلية في الائتلاف الحكومي الهش، فضلًا عن ملاحقته قضائيًا، ومن هنا يسعى لمد أجل الحرب، وأيضاً قد يسعى لتوسيع رقعتها وتوريط أطراف أخرى.
وحول موقف الولايات المتحدة في هذه الحرب، قال الرئيس بري إن “أميركا حضرت في هذه الحرب كطرف وتجاوز الأمر مجرد الدعم السياسي والاقتصادي للاحتلال الإسرائيلى، بل كان الدعم عسكرياً وعملياتياً”.
وفي الشأن اللبناني، قال إن “لبنان حاليًا لديه تحديات حاضرة وأخرى مؤجلة، الحاضرة أولها إنهاء حالة الفراغ الرئاسي، ومن هنا كانت دعوتنا للحوار والاتجاه نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أمّا التحديات المؤجلة فهي تلك التي نبدأ بمواجهتها بعد انتخاب رئيس الجمهورية وفي مقدمها الأزمة الاقتصادية”.
وأضاف “في الفترة الحالية، هناك تعاون كبير مع حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، ونسعى لتقريب كل وجهات النظر والالتفاف حول مصلحة لبنان”.
على الصعيد الدبلوماسي، أوعز وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب الى مندوب لبنان الدائم لدى الامم المتحدة، بناء لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، بتقديم شكوى بتاريخ ٤ كانون الثاني ٢٠٢٤ امام مجلس الامن الدولي عقب اعتداء “إسرائيل” على منطقة سكنية في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. وتضمّن نص الشكوى المرفوعة ان “هذا الاعتداء يمثل الفصل الأكثر خطورةً في مسلسل الاعتداءات حيث شكّل تصعيداً هو الأول من نوعه منذ العام 2006، كونه قد طال هذه المرة منطقةً سكنية شديدة الاكتظاظ في ضاحية العاصمة بيروت، وانتهاكاً إسرائيلياً سافراً لسيادة لبنان، وسلامة أراضيه، ومواطنيه، وحركة الطيران المدني، وهو أمرٌ يدعو للقلق لأنه قد يؤدي إلى توسّع رقعة الصراع وزعزعة الأمن والسلم الإقليميين”. وطلب لبنان مجدداً من مجلس الأمن الدولي “إدانة هذا الاعتداء، والضغط على إسرائيل لوقف التصعيد، وإلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه وشعبه، وذلك للحؤول دون تفاقم الصراع وإقحام المنطقة بأسرها في حرب شاملة ومدمّرة سيصعب احتواؤها”.
وأعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان في بيان، أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل يزور لبنان بين 5 كانون الثاني الحالي و7 منه. وأوضحت أنه سيلتقي “رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزاف عون. وسيجتمع أيضاً مع قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) اللواء أرولدو لاثارو”. وأوضحت أن الزيارة “ستشكل مناسبة لمناقشة جميع جوانب الوضع في غزة وحولها، بما في ذلك تأثيره على المنطقة، ولا سيما الوضع على الحدود الجنوبية، فضلاً عن أهمية تجنب التصعيد الإقليمي واستمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، والتي رفعها الاتحاد الأوروبي أربع مرات لتصل إلى 100 مليون يورو”. وقالت: “سيعيد الممثل الأعلى التأكيد على ضرورة دفع الجهود الدبلوماسية مع المسؤولين الإقليميين بغية تهيئة الظروف للتوصل إلى سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين وفي المنطقة. كما سيكون التعاون الثنائي والقضايا المحلية والإقليمية ذات الاهتمام جزءاً من المناقشات”.
"الجمهورية": لبنان يشكو إسرائيل .. وقطر تُحذِّر.. وزحمة موفدين لبلوغ حلّ سياسي
الوقائع الحربية تشهد يومياً تصاعداً خطيراً في المواجهات العنيفة بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي، وتكثفت بالأمس بقصف متبادل على طول الحدود الجنوبية، وما يوازيها من عمليات عدوانية اسرائيلية في العمق اللبناني، كان آخرها اغتيال القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري وكوادر آخرين في الحركة، الثلثاء الماضي في ضاحية بيروت الجنوبية، ما فتح الميدان على سباق محموم بين الجهود الديبلوماسية الرامية الى احتواء التصعيد، وبين التدحرج المتسارع لكرة النار نحو حرب مفتوحة على شتى الاحتمالات الكارثية. فيما تقدّم لبنان بشكوى رسميّة الى مجلس الامن الدولي ضدّ اسرائيل على خلفية الاعتداء على الضاحية. وطلبت الشكوى «إدانة هذا الاعتداء، والضغط على إسرائيل لوقف التصعيد، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف الإعتداءات الإسرائيلية على أراضيه وشعبه، وذلك للحؤول دون تفاقم الصراع وإقحام المنطقة بأسرها في حرب شاملة ومدمّرة سيصعب احتواؤها».
منطقة الحدود الجنوبية، أشبه ما تكون بغليان على حافة الحرب، حفّز الولايات المتحدة الأميركية على المسارعة إلى إيفاد وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، وقبله الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى المنطقة، لقيادة مسعى اميركي لاحتواء التصعيد والحؤول دون انفلات الامور وخروجها على السيطرة.
ولكن على ما تؤشّر الوقائع التي تحيط بالمسعى الاميركي المتجدد، من قِبل الجانب الاسرائيلي، فإنّ مهمّة «احتواء التصعيد» محفوفة بالفشل المسبق، وقد بدا ذلك جلياً في أنّ المستويات السياسية في اسرائيل استبقت وصول الموفدين الاميركيين برفع وتيرة تهديداتها تجاه لبنان والترويج لضعف احتمالات الحل السياسي للوضع القائم على الحدود. وهو ما عاد وأبلغه وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الى هوكشتاين، بأنّ فرص تخفيف التوتر مع لبنان ديبلوماسياً ضئيلة، مشدّداً على أنّ تل أبيب مصمّمة على تغيير الواقع الأمني في شمال إسرائيل وعلى طول الحدود مع لبنان». وكذلك فعل عضو مجلس الحرب الاسرائيلي بيني غينتس، الذي قال إنّ مسؤولية اسرائيل هي تمكين سكان الشمال من العودة الى منازلهم. معرباً عن الاستعداد للعمل مع واشنطن للتوصل الى حل، وإذا لم ننجح سيعمل جيشنا على إزالة التهديد».
هل سيزور بيروت؟
جهود احتواء التصعيد يفترض أن تُبذل في الميدانين اللبناني والاسرائيلي، ولكن اللافت انّ بيروت غير مدرجة في برنامج زيارة بلينكن، فيما تضاربت معلومات غير مؤكّدة تفيد بأنّ الوسيط الاميركي غادر اسرائيل وعاد الى واشنطن، بمعلومات مناقضة لها ترجّح احتمال أن يقوم هوكشتاين بزيارة الى بيروت خلال هذا الاسبوع. الاّ أنّ مصادر واسعة الاطلاع أكّدت لـ«الجمهورية» أن لا مواعيد محدّدة للوسيط الاميركي حتى الآن، وزيارته الى لبنان ربما تكون مرهونه بتلقيه تجاوباً مع مسعاه في إسرائيل. مع الاشارة هنا الى أنّ مسؤولاً اميركياً اشار الى انّ هوكشتاين التقى الاربعاء الماضي، وقبل توجّهه الى اسرائيل، وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب.
على أنّ المهم في نظر المسؤولين اللبنانيين، ليس زيارة هوكشتاين بحدّ ذاتها، بل ما سيحمله معه هو او غيره من الموفدين. وعلى ما تؤكّد مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ بعض هؤلاء المسؤولين، تلقّوا تأكيدات من ديبلوماسيّين غربيين بأنّ المسعى الاميركي غاية في الجدّية هذه المرّة، ومندرج تحت موقف صارم لإدارة الرئيس جو بايدن بمنع الحرب على جبهة لبنان ودفع الاطراف المعنية إلى حلّ سياسي يوقف النزاع القائم».
الحل السياسي... شائك
ولكن اللافت في موازاة تلك التأكيدات، هو أنّ الديبلوماسية الغربية التي تواكب مسعى احتواء التصعيد، تعترف بوجود صعوبات كبرى في طريقه. ويؤكّد ذلك سفير اوروبي (تمنّى عدم ذكر اسمه) بقوله لـ«الجمهورية»: «أبلغنا الجانبين اللبناني والاسرائيلي بمخاطر الحرب، ولكن الوقائع العسكرية التي تتسارع وتيرتها بشكل خطير في منطقة الحدود بين الجانبين، باتت ترجّح احتمال الحرب والمواجهة الواسعة، وهنا تبرز الحاجة الملحّة الى حلّ سياسي يشكّل مصلحة لكلّ الاطراف، يقوم على ترتيبات من جوهر القرار 1701، ولكن التصعيد القائم يحول دون بلوغ هذه الغاية، يجب أن نعترف أنّ الحل السياسي يعطّل احتمالات الحرب ولكن بلوغه أمر شائك ومعقّد».
مخاوف... وتحذير قطري
وفيما اعلنت المانيا انّها تراقب الوضع في جنوب لبنان، وتتخوف من أنّ «خطر التصعيد حقيقي للغاية للأسف»، على حدّ ما اعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الالمانية عشية جولة لوزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في المنطقة بدءًا من يوم غد الاحد، وتشمل اسرائيل ومصر ولبنان، يتزايد الدفع الخارجي في اتجاه «الحل الديبلوماسي»، وهو ما اكّدت عليه فرنسا لتجنيب المنطقة خطر الانزلاق الى حرب واسعة. وضمن هذا السياق تندرج زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الى بيروت، حيث اعلن بيان للاتحاد أنّه «سيناقش مع المسؤولين اللبنانيين الوضع في جنوب لبنان وأهمية تجنّب التصعيد الإقليمي»، وكذلك زيارة منتظرة مطلع الاسبوع لوكيل الامين العام للامم المتحدة لإدارة عمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا.
الى ذلك، حذّر رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، في اتصال هاتفي برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من «خطورة المحاولات الرامية إلى جرّ لبنان إلى حرب إقليمية»، مشدّداً على «أنّ اتساع رقعة العنف ودائرة النزاع في المنطقة، ستكون لها عواقب وخيمة في حال تمدّدها، لا سيما على لبنان ودول الجوار»، مؤكّداً في هذا الصدد على «ضرورة تحرّك المجتمع الدولي فوراً لوقف الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي».
اسرائيل مصدر التصعيد
وفي موازاة مساعى التهدئة، تُثار في الداخل اللبناني اسئلة حول كيفية عبور تلك المساعي حقل الالغام الماثل في طريق الحلّ السياسي، الذي من شأنه أن يحتوي التصعيد، في الوقت الذي تصعّد فيه اسرائيل من عملياتها العدوانية على القرى والبلدات الجنوبية، ويقابل ذلك تصعيد مماثل من قبل «حزب الله» ضدّ المواقع العسكرية والمستوطنات الاسرائيلية، مع الاشارة هنا الى أنّ «حزب الله» وبرغم أنّ موقفه معروف سلفاً من الطرح الاسرائيلي بإبعاده عن الحدود، تجاهل هذا الطرح ولم يقاربه بأي موقف بشكل محدّد ومباشر حتى الآن، وسبق له أن أبلغ الموفدين رفضه القاطع لمناقشة أيّ أمر، سواء ترتيبات أو غير ترتيبات مرتبطة بمنطقة عمل القرار 1701، قبل أن توقف اسرائيل عدوانها على غزة ولبنان. وأعاد الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله التأكيد على ذلك امس بقوله «انّ أي تفاوض في ما يخصّ الحدود اللبنانية لن يتمّ إلّا بعد انتهاء العدوان على غزة».
الى ذلك، ورداً على سؤال عمّا اذا كان هوكشتاين سيأتي الى بيروت أو لن يأتي، أبلغت مصادر رسمية الى «الجمهورية» قولها: «شغله الأساسي هناك في اسرائيل وليس هنا في لبنان، والعالم كله يعرف أنّ لبنان ليس مصدر التصعيد بل مصدره اسرائيل التي تسعى إلى جرّ لبنان وكل المنطقة الى حرب».
ولكن ماذا لو حضر الى بيروت؟ تجيب المصادر: «لا نريد أن نستبق الأمور ونبني على المسعى الأميركي قبل الوقوف على مضمونه وكيفية ما يسمّونه احتواء التصعيد، وبمعزل عن كل ذلك، فإنّ موقف لبنان واضح ولا لبس فيه واكّدنا عليه مراراً ومتمسكون به لناحية الالتزام الكامل بمندرجات القرار 1701. وتبعاً لذلك فإنّ احتواء التصعيد شرطه الأساس هو دفع اسرائيل إلى تطبيق هذا القرار، وإلزامها بعدم خرقه، ولا شيء أكثر من ذلك».
لا حل يمسّ بالسيادة
وفي موازاة مساعي احتواء التصعيد، أبلغ مرجع مسؤول الى «الجمهورية» قوله : «إنّ لبنان لا يمكن أن يقبل بأي حلّ على حسابه او يمسّ بسيادته».
ولفت المرجع إلى «أن الحل المقبول، هو أن تطبّق اسرائيل القرار 1701، وتنسحب من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر، ونقطة الـ«b1»، والنقاط العالقة على الخط الازرق، وتمتنع عن خرق السيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً؟ اما اذا كانوا سيأتون إلينا بطروحات تلبّي ما تريده اسرائيل حول فرض ترتيبات معينة عبر إقامة منطقة عازلة خالية من الحياة في الجانب اللبناني، أو إبعاد «حزب الله» سواءً بضعة كيلومترات عن الحدود او الى شمال الليطاني، بذريعة توفّر الأمن للمستوطنات الاسرائيلية، فهذا معناه إعطاء اسرائيل ما لم تتمكّن من أن تأخذه في الحرب، وهو أمر لا يمكن القبول به على الاطلاق، وبالتالي فإنّ الإصرار على مثل هذه الطروحات المستحيلة التطبيق، يشكّل الوصفة الملائمة لانزلاق الأمور إلى تصعيد مواجهات كبرى لا يضمن أحد ألّا تتمدّد الى حرب أقسى وأوسع على امتداد المنطقة».
ورداً على سؤال قال المرجع عينه: «لن ينسحب أبناء الجنوب من أرضهم ولو من شبر واحد منها. والشهداء يسقطون دفاعاً عنها. فما يسري على الجانب اللبناني من الحدود يسري على الجانب الآخر من الحدود، واذا كانت اسرائيل تتذرّع بأنّ لديها مهجرين من المستوطنات وتريد اعادتهم اليها، فلدى لبنان عشرات الآلاف من أبناء المناطق الحدودية هم مهجرون من قراهم وسيعودون اليها وليس الى ايّ مكان آخر».
تبدّلت الأولويات
وإذا كانت التطورات الاخيرة، وآخرها استهداف اسرائيل للضاحية الجنوبية واغتيال القيادي في «حماس» صالح العاروري وعدد من كوادر الحركة، قد اشاعت توترات ومخاوف من سيناريوهات دراماتيكية، وكان لقيادة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب موقف لافت حيالها، حيث اعتبرت ما حصل في الضاحية «عملاً غايةً في الخطورة، يبعث على القلق الشديد»، فإنّ هذه التطورات فرضت بالتوازي مع ذلك، تبدّلاً في الاولويات الداخلية، بحيث حلّت هذه التطورات في صدارة المتابعات ومواكبة ما قد يستتبعها من ارتدادات وتداعيات، فيما سائر الملفات الداخلية، وفي مقدمها الملف الرئاسي قد وضعت على رفّ التأجيل مؤقتاً، وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان بصدد اطلاق تحرّك رئاسي بداية السنة الجديدة حول موضوع رئاسة الجمهورية، قد أوقف محركاته حالياً، وتفرّغ لمواكبة تطوّرات التصعيد الاسرائيلي على الحدود الجنوبية، وتهديدات العدو بالحرب، وتداعيات العدوان الخطير الذي تجلّى في اغتيال العدو للشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية.
نصرالله: الردّ أتٍ
الى ذلك، وفي كلمة له في تأبين قيادي في «حزب الله»، أكّد السيد حسن نصرالله «انّ الرّد على اغتيال الشيخ صالح العاروري في الضاحية آتٍ لا محال». وقال: «اذا سكتنا على ذلك، فسيُصبح لبنان مكشوفاً. وعندما يكون الاستهداف في لبنان والضاحية الجنوبية نحن لا يمكن ان نسلّم بهذا الخرق وقطعاً لن يكون استهداف الشيخ العاروري بلا ردّ، والقرار الآن هو في يد الميدان وهو الذي سيردّ على هذا الاستهداف».
واكّد نصرالله أنّ «المعركة القائمة عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة هي فرصة حقيقية لتحقيق التحرير الكامل لأراضينا اللبنانية المحتلة من قبل العدو الإسرائيليّ، ومنعه من استباحة حدود وأجواء لبنان».
وشدّد على أنّ ما يحصل على الجبهة الجنوبية هو إذلال لجيش العدو، مشيراً الى أنّ «حزب الله» لم يستهدف ساكني المستعمرات الإسرائيلية رغم أنّهم محتلّون، ومعتبراً أنّ «المهجّرين منها ويصل عددهم الى 300 الف، يشكّلون ضغطاً على حكومة الاحتلال»، وقال: «بعض اللبنانيين أما جهلة أو يتجاهلون، لأنّ منذ عام 1948، إسرائيل هي التي تعتدي على البيوت والمدنيين والجيش وترتكب المجازر. وأقول للمُستعمرين وللمُستوطنين الذين يصرخون كلّ يوم ويخافون ويطالبون حكومتهم بالحزم العسكري مع لبنان، هذا خيار خاطئ لكم ولحكومتكم. وأوّل من سيدفع الثمن هو أنتم في سناعنرات ومستوطنات الشمال، والحل بأن يتوجّه مستوطنو شمال فلسطين الى حكومتهم ومطالبتها بوقف العدوان على غزة».
ورأى نصرالله انّ الادارة الاميركية قلقة من توسيع دائرة الحرب في المنطقة لأنّ لا مصلحة لها في ذلك. وقال: «الولايات المتحدة لا تريد توسيع الحرب لأنّها مشغولة في اولويات اخرى، والادارة الاميركية تواجه مأزقاً كبيراً في اوكرانيا، ويبدو انّها تتهيأ لهزيمة استراتيجية أمام روسيا».
تقييم إسرائيلي
الى ذلك، نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيليّة تقريراً أمس، اشارت فيه الى أنَّ نصرالله يعرفُ بالفعل كيف سينتهي الصراع القائم حالياً في جنوب لبنان. فهو سعى إلى تقديم قائمة من الإنجازات ضدّ إسرائيل خلال الخطابات الأخيرة». فيما افاد تقريرٌ آخر لموقع «inss» الإسرائيليّ، بأنّ خطاب نصرالله الأربعاء الماضي كان مُنضبطاً ويُفهم منه أنّ الأخير غير معنيّ بالحرب في هذه المرحلة».
وقال التقرير: «إنّ نصرالله يرغب في ردع القيادة الإسرائيلية عن الدخول في حرب واسعة النطاق، كما أنّه سعى للقول إنّ «حزب الله» يخدم مصالح لبنان وهو يخوض حرباً محسوبة كي لا يوسع حدود الحملة العسكرية ويدفع ثمناً باهظاً في ظل خسارة الكثير من مقاتليه». وأردف التقرير: «أنّ نصرالله سعى أيضاً للتأثير على الروح المعنوية في إسرائيل، وطرح قائمة طويلة من نقاط ضعفها مثل إنهيار الردع والأضرار بأجهزة الإستخبارات والتفوق الجوي، فضلاً عن عدم القدرة على تحقيق نصر سريع إلى جانب فشل جهود التطبيع».