لبنان
تخبّطٌ يُسيطر على كيان العدو.. ولا حديث عن لبنان قبل وقف حرب غزة
تناولت الصحف اللبنانية الصادرة اليوم الثلاثاء 16 كانون الثاني/يناير 2024 حالة التخبّط والانقسام التي يعيشها كيان العدوّ الصهيوني جرّاء عجزه في تحقيق أي من أهداف عدوانه البري على قطاع غزّة، إضافةً إلى الضغط الذي تشكّله جبهات المقاومة في المنطقة إسنادًا لغزّة، والضفّة الغربية التي تُعدُّ مصدر قلق للكيان، ما دفع العدوّ إلى سحب أكبر وأهمّ فرق جيشه من غزّة، وهي "الفرقة 36"، ووحدة "دوفدوفان" النخبوية الخاصة، ونقلها إلى الضفّة الغربية. هذا وكشفت كتائب القسام في مقطع مصوّر لثلاثة أسرى عن مقتل اثنين منهما بنيران جيش الاحتلال، ما يفافقم الضغط على حكومة العدوّ للتوصل إلى صفقة تُعيد الأسرى الصهاينة خصوصًا وأنَّ جيش الاحتلال لم ينجح إلا في قتلهم.
وعلى صعيد الجبهة الشمالية التي باتت شغل المسؤولين الصهاينة والدوليين الشاغل لأن مستوطني المنطقة يرفضون العودة إلا بعد التعامل مع حزب الله، لا يزال كلام الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الذي لا يزال يُلقي بثقله على مسؤولي الكيان، حيث أكَّد سماحته أن لا حديث عن جبهة لبنان قبل وقف العدوان على غزّة، مشددًا على جهوزية الحزب للحرب. وهذا إذا يؤكّد فشل الموفد الأميركي الخاص عاموس هوكشتين في مهمته بـ"إبعاد حزب الله عن الحدود" خدمةً لكيان العدوّ ومستوطنيه، ليرحل على قناعة بأن لا إمكانية للتوصل إلى تفاهمات حول الحدود اللبنانية قبل وقف العدوان على غزّة.
البناء: الاحتلال قتل أسراه بالصواريخ بدل استعادتهم
من دون تحقيق أي إنجاز في الميدان، وفي ظل تأكيدات أن من يسيطر على شمال غزّة هي المقاومة، أعلن جيش الاحتلال مغادرة قواته منطقة شمال غزّة، في أول خطوة عملية تتضمن اعترافًا بالعجز عن إخضاع غزّة وهزيمة مقاومتها، بينما الانفصام السياسي يسيطر على خطاب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت، اللذين يواصلان الحديث عن مواصلة الحرب حتّى الانتصار وتحقيق القضاء على حركة حماس وسائر قوى المقاومة.
يحدث ذلك بينما خرجت إحدى الأسيرات في غزّة، في شريط مصوّر لقوات القسام تكشف خلاله مقتل أسيرين بصواريخ جيش الاحتلال، ما حرّك الشارع الغاضب أصلًا من أكاذيب القيادات السياسية والعسكرية، حول أولوية الإفراج عن الأسرى من خلال العملية العسكرية، وكل شيء يقول إن العملية العسكرية تقتل الأسرى، بينما كانت "تل أبيب" تعيش ذعر عملية فدائية نفذها شاب من الضفّة الغربية التي تتعرّض كلّ يوم للانتهاك والإذلال ويذوق أهلها مرارة الاعتداءات التي حصدت مئات الشهداء خلال مئة يوم من الحرب على غزّة، وقد أسفرت عملية الطعن والدهس الفدائيّة عن مقتل مستوطنة وإصابة 19 مستوطنًا آخر جراح أربعة منهم وصفت بالخطيرة.
على المستوى السياسي كان اللافت الكلام المنسوب لعضو مجلس الحرب رئيس الأركان السابق غادي ايزنكوت الذي خسر ابنه في حرب غزّة، حيث أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن آيزنكوت قال خلال اجتماع للمجلس الوزاري الحربي مساء السبت: “علينا التوقف عن الكذب على أنفسنا، وأن نتحلّى بالشجاعة ونتوجّه إلى صفقة كبيرة تُعيد المختطفين إلى وطنهم”. وأضاف: “وقتهم (الأسرى) ينفد، وكل يوم يمرّ يعرّض حياتهم للخطر، فلا فائدة من الاستمرار على النمط نفسه الذي يسيرون (السلطات) به مثل العميان، بينما المختطفون هناك. هذا وقت حرج لاتخاذ قرارات شجاعة”.
بالتوازي مع المأزق الإسرائيلي، مأزق أميركي بريطاني بفعل العدوان على اليمن، حيث أعلنت القوات المسلحة اليمنية استهداف سفينة أميركية اشتعلت فيها النيران، ردًا على العدوان الذي استهدف اليمن بغارات أميركية بريطانية قبل يومين، بعدما تعرّضت حاملة طائرات أميركية وفقًا لبيان البنتاغون لصاروخ يمني تمّ إسقاطه بواسطة الطائرات الحربية.
لا يزال كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يتصدّر المشهد الداخلي ويلقي بثقله على الكيان الصهيونيّ وعلى الأميركيين، لا سيما إعلانه بأن رسائل التهديد الأميركية – الإسرائيلية بشنّ عدوان على لبنان لا تخيف حزب الله الجاهز للمواجهة في أي حرب مقبلة.
وكان لافتًا التصعيد الإسرائيلي عقب خطاب السيد نصر الله بشن غارات مكثفة جديدة على مناطق خارج قواعد الاشتباك.
ويشير خبراء عسكريون لـ”البناء” إلى أن السيد نصر الله نجح في الحرب النفسية والإعلامية والمعنوية المزدوجة ضدّ حكومة الحرب الإسرائيلية وجبهته الداخلية لا سيما المستوطنين، وتحديدًا المهجرين من غلاف غزّة وشمال فلسطين المحتلّة وأهالي الأسرى لدى حركة حماس، بهدف الضغط على “إسرائيل” لوقع العدوان على غزّة والبدء بعملية التفاوض حول تبادل الأسرى وفك الحصار عن غزّة. وجزم السيد نصر الله الذي تحدّث باسم محور المقاومة بأن الجبهات ستبقى مشتعلة في جنوب لبنان واليمن والعراق حتّى يتوقف العدوان على غزّة.
ولفت الخبراء إلى أن حكومة الاحتلال لم يعد لديها خيارات بعد كلام السيد نصر الله سوى الرضوخ لوقف إطلاق النار والتفاوض على تبادل الأسرى ووقف الرهان على استسلام حركة حماس أو إمكانية القضاء عليها تحت ضغط المجازر التي ترتكبها ضدّ المدنيين من أهل غزّة وتهجيرهم. كما أن حكومة بنيامين نتنياهو ستعدّ للألف قبل توسيع العدوان على لبنان، بعد كلام السيد نصر الله الذي حدّد نقاط الضعف لدى العدوّ ونقاط القوّة عند المقاومة بقوله إننا سنخوض الحرب من دون ضوابط وسقوف.
كما يشير الخبراء إلى أن "اسرائيل" لا تستطيع خوض حرب واسعة ضدّ لبنان في ظل غرقها في مستنقع غزّة وبعد الضربات التي تعرضت لها ألوية النخبة، إلا أن الخبراء يحذرون من حماقة يرتكبها نتنياهو للخروج من مأزقه الكبير في غزّة. ولاحظ الخبراء الهدوء والاطمئنان والثقة الذي طغى على خطاب السيد نصر الله ولغة جسده، ما يعكس وفق ما يقول مطلعون على الوضع الميداني للمقاومة لـ”البناء” بأن من يحمي لبنان ليس الأميركيون ولا الأوروبيون بل معادلة الردع التي أرستها المقاومة مع العدوّ الإسرائيلي. وهذا ما يمنع الإسرائيلي من توسيع عدوانه على لبنان. ويؤكد المطلعون أن معادلة الردع هذه ثابتة ومحمية وفاعلة ولم تمسّ أو تتضرر. والدليل أن المقاومة ليست مردوعة بل هي من فتحت الجبهة في 8 تشرين الأول الماضي، وأن العدوّ الإسرائيلي مردوع ويهاب توسيع الجبهة ويبقى ضمن دائرة معينة من القصف، فيما المقاومة تردّ على كلّ تصعيد.
وواصلت المقاومة قصفها لمواقع الاحتلال، وأعلن حزب الله “استهداف تجمّع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة ميتات بالأسلحة الصاروخية وحقّق فيه إصابات مباشرة”. وأعلن استهداف موقع بركة ريشا بالأسلحة المناسبة وموقع المطلة. كما استهدف الحزب مرة ثانية “موقع بركة ريشا بصواريخ بركان وحقق فيه إصابات مباشرة”.
ونشر الإعلام الحربي في الحزب مشاهد من “عملية استهداف المقاومة الإسلاميّة قوة تابعة لجيش العدوّ الإسرائيلي في مستوطنة كفر يوفال (إبل القمح المحتلّة) عند الحدود اللبنانية الفلسطينية”.
كما نشر مقطع فيديو يحتوي على مشاهد من عملياته العسكرية ضدّ المواقع الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية الجنوبية، تحت عنوان “مئة يوم… وبيننا وبينكم ما بعدها من أيام”.
الأخبار| هوكشتين: ليتراجع حزب الله 7 كيلومترات فقط
كل ما لم يكن في الحسبان ان يسمعه المسؤولون اللبنانيون من الموفد ال الخاص عاموس هوكشتين لدى زيارته بيروت الخميس الفائت، ادلى به امامهم. في الاجتماع الذي ضمه في السرايا مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب إلى أعضاء في الوفدين ال واللبناني، لم يتردّد في القول: «اذا عاد المستوطن الاسرائيلي إلى منزله في الشمال وفتح شباكه في الصباح مَن سيبصر امامه؟ حزب الله».عبارة صادمة بعدما كانت سبقتها أخرى ليست اقل تأثيرًا. طلب من السلطات اللبنانية إبعاد مقاتلي حزب الله سبعة كيلومترات إلى وراء الخط الازرق على ان يحل محله الجيش اللبناني «كي يعود المستوطنون. ليس من الضروري ينسحب إلى شمال نهر الليطاني حتّى».
ثم بلهجة لا تخلو من التهديد المضمر، قال: «سوى ذلك فإن "إسرائيل" ستشن حربًا على حزب الله الذي عليه ولبنان الاتعاظ مما جرى في غزّة».
ما خلا الذي ادلى به الموفد ال، لا فحوى ولا جدوى حتمًا من زيارته.
عندما زار رئيس البرلمان نبيه برّي استخدم امامه عبارة غامضة هي «وقف الاعمال العدائية»، لم يعن بها سوى ما اتى على ذكره في السرايا. لم يحمل معه الا رسالة واحدة ثابتة دارت من حولها بضع افكار هامشية: اعادة المستوطنين الاسرائيليين إلى مستوطناتهم في شمال الاراضي المحتلّة.
اما ما سمعه الزائر ال من المسؤولين اللبنانيين دونما ان يستخلص الجواب الذي يتطلبه، فهو الآتي:
1 ـ ما يجري في غزّة يقتضي توقفه كي تقفل جبهة الجنوب. تاليًا الحل السياسي في تلك يرتد تلقائيًا على شمال "إسرائيل" بالذهاب بعد وقف النار إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض وايجاد الحلول المناسبة.
2 ـ ما تحتاج إليه "إسرائيل" جزئيًا يطلبه لبنان كليًا، وهو تطبيق كامل للقرار 1701 عند جانبي الحدود اللبنانية - الاسرائيلية. لا تقل الالتزامات والاعباء المترتبة على لبنان لتطبيق القرار كاملًا عن تلك المترتبة على اسرائيل. على ان التطبيق الكامل يقتضي اقترانه بما نص عليه القرار بنفسه في الاصل من خلال تثبيت النقطة B1 في الناقورة غربًا، ذهابًا إلى تحرير مزارع شبعا مرورًا بالنقاط الحدودية المختلف عليها الـ13 والانسحاب من خراج بلدة الماري المعاد احتلالها عام 2006 بعدما كان شملها التحرير عام 2000. في المقابل تتوقف "إسرائيل" نهائيًا عن انتهاكاتها الجوية والبحرية والبرية، وسبق ان وثّقها لبنان منذ عام 2006 في 30 الف انتهاك. لا يوازي المنطقة المجردة من السلاح سوى وقف الانتهاكات.
3 - في اعتقاد لبنان ان تطبيقًا كاملًا لقرار مجلس الأمن هو فرصة حقيقية لاستقرار جدي ودائم عند الحدود الدولية. هو الضامن الفعلي للطرفين لا لأحدهما. على ان توقيت التطبيق اضحى ملازمًا لوقف حرب غزّة.
4 - المسافة القصيرة التي تريدها "إسرائيل" لتراجع حزب الله عن الخط الازرق يريدها لبنان كاملة تبعًا لما اورده القرار، وهو منطقة منزوعة السلاح جنوب نهر الليطاني ما خلا القوّة الدولية والجيش اللبناني على ان يمتد إلى مزارع شبعا بتحريرها. "إسرائيل" غير معنية بتسوية الخلاف اللبناني - السوري على ملكية المزارع.
5 - إظهار هوكشتاين حرصه على امن المستوطنين الاسرائيليين وعودتهم الآمنة إلى مستوطناتهم، ليس الاول يسمعه المسؤولون اللبنانيون. يكاد معظم الزوار الدوليين يدلون بدلوهم في الحجة هذه. على ان المرة الأولى كانت عندما افصح عنها الممثل الاعلى للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل في 21 تشرين الثاني الفائت، بانقضاء شهر ونصف شهر على اندلاع حرب غزّة، امام بوحبيب في اجتماع بروكسل بقوله له ان عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم «تتطلب ضمانات آمنة لهم» تطمئنهم إلى ان لا يتكرّر مع حزب الله ما شهدوه مع حماس منذ 7 تشرين الاول المنصرم. تحدّث يومذاك عن تطبيق القرار 1701 من ثقب الباب، متناولًا الشق المقصور على إبعاد حزب الله ومقاتليه عن الخط الازرق. سمع الوزير اللبناني العبارة نفسها في اجتماع بروكسل من انريكي مورا مساعد بوريل وقناة تواصل الحوار ال - الإيراني في جنيف.
لدى زيارته بيروت مجددًا في 6 كانون الثاني، ايامًا قليلة قبل هوكشتين، اعاد بوريل تأكيد الموقف نفسه بحصر المشكلة بالقلق على إبعاد المستوطنين عن مستوطناتهم.
6 - ما يستخلصه المسؤولون اللبنانيون مما يسمعونه من الزوار الدوليين وآخرهم الموفد ال الخاص اولوية عودة المستوطنين على الايغال في تنفيذ مجلس الأمن على انها همّ اول لدى الغرب كما لدى اسرائيل، فيما بات تنفيذ القرار 1701 مطلبًا لبنانيًا محضًا. راح بعض هؤلاء يتحدث عنه في حلقات مقفلة، وفق ارقام متفاوتة عن المستوطنين الاسرائيليين تارة 73 الفًا وطورًا 80 الفًا واحيانًا مئة الف، انهم يعيشون في الوقت الحاضر مهجّرين من مستوطناتهم على نفقة الحكومة الاسرائيلية في فنادق ومنتجعات ومنازل مستأجرة ما يحتم اعادتهم الآمنة إلى بلداتهم. جلّهم من حملة جنسية مزدوجة هدّدوا بترك البلاد.
احد الاجوبة المدلاة امام هوكشتين في السرايا عند تحدّث عن هذا المطلب وحدد حدود تراجع حزب الله سبعة كيلومترات «فقط لا أكثر لطمأنة المستوطنين»، كان من وزير الخارجية بتأكيده ان تراجع حزب الله يكون تبعًا للتنفيذ الكامل للقرار 1701 باخلاء المنطقة من السلاح «لكنه لن يخرج حتمًا كمواطنيْ القرى الحدودية منها. هي مساقطهم. لا ثكن عسكرية لهم في الجنوب. من الطبيعي عندئذ عندما يفتح المستوطن الاسرائيلي شباكه ان لا يبصر سوى حزب الله قبالته. ليبنوا جدارًا عظيمًا كي لا يبصروه».