لبنان
استمرار الجلسات الحكومية دون أفق واضح لولادة الموازنة
لا زالت الأنظار تتجه إلى ما سينتج عن اجتماعات الحكومة المتتالية لاقرار الموازنة، وفي حين يجري الحديث عن اقتراب الانتهاء من هذه الأزمة، تشير الوقائع إلى بروز عقبات جديدة كل مرة تعيق الوصول إلى ابصارها النور والعبور الى المجلس النيابي.
كل هذا الوقت الضائع يأتي في ظل تحركات على الأرض لعدة قطاعات تطالب بعدم المساس بحقوقها ومستحقاتها ضمن الموازنة المنتظرة.
"الأخبار": مجلس الوزراء يستمر في تضييع الوقت: لا اتفاق بعد على خفض العجز
لا تزال الأنظار تتجه الى الهبّة الاحتجاجية التي يشهدها الشارع، مقابل أسلوب تضييع الوقت الذي تعتمده الحكومة بانتظار التوصل الى تصور نهائي حيال البنود الساخنة لخفض العجز في الموازنة. مجلس الوزراء، شهد أمس جلسة تحولت الى منصة لهجوم الوزراء بعضهم على بعض، خلال مناقشة تخفيض مساهمة الدولة في الجمعيات، قبلَ أن يفجرها وزير الخارجية جبران باسيل بإعلانه «عدم موافقته على الموازنة المطروحة». الجزء الأكبر من جلسة مجلس الوزراء الثانية عشرة لمتابعة دراسة مشروع قانون الموازنة العامة تحول إلى «ساحة معركة» بين عدد من الوزراء
مداولات الجلسة أظهرت مرة جديدة أن كل النقاشات التي تحصل ليست سوى «مضيعة» للوقت، بانتظار التوصل، خارج مجلس الوزراء، إلى اتفاق على البنود التي سيتم «القص» منها، لخفض العجز بنحو 500 مليون دولار إضافية. ويبدو أن الاتفاق لم يُنجز بعد، ولأجل ذلك تستمر المماطلة، رغم أن وزراء كانوا قد جزموا بالانتهاء من درس مشروع الموازنة يوم أمس. كلك لم تتضح وجهة خفض العجز بعد: أهي من خلال زيادة الإيرادات، أم من خلال خفض إضافي للنفقات، أو اقتطاع من رواتب الموظفين في القطاع العام ومساهمة المصارف في خفض العجز.
وبدا واضحاً أيضاً أن الحكومة التي تعمّدت تأجيل البنود الشائكة في مشروع الموازنة، لم تنجح في تمرير ما اعتبرته «بنوداً عادية» من دون حصول اشتباكات على طاولة مجلس الوزراء يومَ أمس، على خلفية تضارب الصلاحيات من جهة، ومن جهة أخرى بسبب اعتراض البعض على النسبة المطروحة للتخفيض في عدد من الجمعيات باعتبارها «غير كافية». وقد افتتح السجال بين وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق ووزير البيئة فادي جريصاتي، حينَ بدأت الوزيرة بالحديث عن النفقات في وزارتها، لا سيما في ما يتعلق بمراكز فرز النفايات، وهو مشروع تديره الوزارة بمبلغ 40 مليار ليرة، الأمر الذي استدعى تدخلاً من وزير البيئة متسائلاً لماذا هذا الملف موجود في عهدة وزارتها.
كما حصل خلاف بين وزير الدفاع الياس بو صعب ووزير المالية علي حسن خليل، عندما وصل النقاش الى بند قيام التفتيش المركزي بدوره في المدارس المجانية التي تحصل على مساعدات من الدولة. فحين بدأ البحث في إمكانية تخفيض مساعدات الدولة انتقل النقاش الى الإشراف على المدارس الذي يجب أن يكون من مهام التفتيش لا وزارة التربية كما قال بو صعب، «قبلَ أن يبدأ الصراخ بينهما»، ويقول وزير الدفاع متوجهاً الى وزير المال «ما تعلي صوتك، أنا كمان بعرف علّي صوتي»، قبلَ أن يستقر القرار على إبقائها كما كانت، أي عند التفتيش المركزي.
كذلك اعترض باسيل على إنفاق وزارة الشؤون الاجتماعية على بعض الجمعيات، قائلاً إن «نسبة التخفيض فيها غير كافية، وإذا لم تُخفّض أكثر فأنا لن أخفض النفقات في وزارة الخارجية». حينها تعهّد وزير الشؤون ريشارد قيومجيان بتقديم تقرير في جلسة اليوم يتضمن أرقاماً حول نوعين من الجمعيات التي تقوم بدور كبير في تقديم الخدمات بالنيابة عن الدولة، وهذه الجمعيات لا يُمكن أن تخفّض النفقات فيها»، وقد أيّده في ذلك الوزير وائل أبو فاعور، واعتبر أن بعض هذه الجمعيات «يجب أن نزيد نفقاتها».
"البناء": بوصعب: حقوق العسكريين لن تُمَس
وتداولات وسائل إعلام معلومات عن خلاف داخل الجلسة بين وزير الدفاع ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل حول مسألة التدبير رقم 3، إلا أن بو صعب نفى ذلك في تصريح بعد الجلسة، مؤكداً أن الموضوع لم يناقش أصلًا، وحتى حين تمت مناقشته الأسبوع الماضي، كنت قد بحثت به مع قائد الجيش ومع رئيس الجمهورية، ووضعت الوزير باسيل في الصورة، وكان الكل على اطلاع بما سأطرحه، وما طرحته ما زال على الطاولة اليوم. لم نناقشه لأن وزيرة الداخلية غير موجودة، وبالتالي كان هناك توافق تام بيني وبين رئيس «التيار».
وأكد بوصعب أن «ليس هناك أي حديث عن المس برواتب العسكريين، بأشكالها المختلفة، لا للعسكر ولا للمتقاعدين»، مشيرًا إلى أن العسكريين «لديهم تعويضات يحصلون عليها إضافةً إلى الراتب. وهذه أيضاً لم يتمّ المس بها». وقال: «طرحت أن يبقى الجيش على الحدود وحول المخيمات على جهوزية التدبير رقم 3، يلغى المرسوم الذي يكلف الجيش بحفظ الأمن في الداخل اللبناني، وعندها الجيش في الداخل يخفض إلى التدبير رقم 1. الوزير باسيل كان يعتقد أني سأطالب بتخفيض الجيش في الداخل إلى التدبير رقم 2، فقال في مجلس الوزراء إني أعطي أكثر مما كان المجلس يتوقع، وإنه لا يفهم لماذا لم يتم السير بعد بهذا المشروع».
وعن تحويل العسكر إلى قوى الأمن، لفت إلى أن «ليس لديّ عسكر فائض لكي أحوّله إلى أي مكان. الجيش مسؤول عن مهامه وما يكلف به من مجلس الوزراء، والآن هناك مسؤولية أكبر، فإذا أردنا أن نطبق القرار 1701 في الجنوب ينقصنا خمسة آلاف عسكري». وشدّد على أن «لدينا نقصاً، فمن سيحمي الحدود؟ ومن سيحارب المعابر غير الشرعية ويقفلها». فيما أشارت مصادر إعلامية الى أن «باسيل أبلغ مجلس الوزراء عدم موافقته على كل الموازنة المطروحة وأعلن أنه سيقدم مقترحاته الى المجلس اليوم والتي ستركز على خدمة الدين العام والتهرب الضريبي والجمركي». كما كشفت معلومات أن «وزير الصحة جميل جبق وخلال مناقشة موازنة وزارة الصحة أبلغ مجلس الوزراء وجود عجز في وزارته 40 مليون دولار».
"اللواء": سلحفاة الموازنة
وعلى الرغم من ان دراسة مشروع موازنة العام 2019 أصبح في خواتيمه، بحسب ما تعتقد مصادر السراي الحكومي، لكنه ما زال بحاجة إلى المزيد من الجلسات انطلاقاً من ان المناقشات تسير ببطء على طريقة السلحفاة، فإن مصادر وزارية لاحظت ان مجلس الوزراء ما زال يدور في حلقة مفرغة، ولم يقارب بعد البنود الساخنة أو «الدسمة» في تخفيضات أرقام الموازنة، ولم يتطرق بعد إلى بنود خفض موازنات السلطات العامة (رؤساء ونواب ووزراء) ولا الرواتب العالية ولا دور المصارف في المساهمة بخفض عجز الموازنة (باستثناء رفع الضريبة على الودائع) ولا أرقام مخالفات الأملاك البحرية والنهرية، ولا التهريب الضريبي والجمركي، وطبعاً رواتب وتقديمات العسكريين في كل الاسلاك.
غير ان مصادر وزارية أخرى، مع اقرارها بهذه الوقائع، تعتقد ان الموازنة تستأهل هذا الوقت من الدرس والنقاش بصفتها موازنة استثنائية تقشفية واصلاحية، مشيرة الى ان تشعب البنود التي تطرح، وهي بنود هامة أساسية لا يُمكن المرور عليها، استدعت هذا العدد من الجلسات، طالما ان الهدف هو تخفيض الانفاق وزيادة الواردات من خلال العمليات الحسابية التي تقوم بها الحكومة لتخفيض العجز.
وأوضحت المصادر الوزارية لـ «اللواء» ان جلسة الأمس ذات الرقم التسلسلي (11) وتلك التي انعقدت قبلها والتي استمرت حتى ساعات الفجر، بحثت في موازنات بعض الوزارات، لكن ما زالت هناك نحو عشر وزارات لم تبحث موازناتها لأن الوزراء المعنيين لم يقدموا بعد مقترحاتهم حول نسبة الخفض فيها، وتركز البحث على التخفيضات التي يمكن ان تحصل على صعيد دعم الدولة لبعض المؤسسات الرسمية والجمعيات والهيئات، وهو دعم تقدمه الوزارات من خارج موازناتها عادة، واذا بقي الحال على هذا المنوال يعني ان النقاش سيطول اكثر من المتوقع وقد لا ننتهي من اقرار الموازنة في جلستين او ثلاث إلا اذا عقدت جلسات نهارية وليلية».
ولم يجر التداول في اقتراح وزير الاقتصاد منصور بطيش فرض ضريبة 2 أو 3 في المئة على البضائع المستوردة، بعدما عقد بطيش ووزير الصناعة وائل أبو فاعور اجتماعا مع جمعية التجار للاتفاق على نوعية السلع التي ستفرض عليها الضريبة، لكن لم يتخذ قرار نهائي بالموضوع.
واشارت المصادر الى ان الوزير جبران باسيل وعد بتقديم مقترحات مهمة لخفض العجز في جلسة اليوم، فيما لم يقدم وزير الدفاع الياس بوصعب اي تصور جديد لموضوع خفض إنفاق الجيش، ربما بسبب غياب وزيرة الداخلية ريا الحسن، حيث من المفترض حصول تنسيق بينهما حول تخفيضات كل الاسلاك العسكرية.