لبنان
فضل الله: الحرب ستنتهي بتثبيت معادلة الحماية وإعادة الإعمار
أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله أن: "المقاومة لا تؤخذ بالتهديد والوعيد ولا بالصوت العالي، وهي تعرف مأزق العدو وما يصيبه، وتعرف إمكاناتها وقدراتها وصمود وتحمّل شعبها. وهي تتعاطى مع مجريات الميدان وفقًا لمعايير معينة، وتعمل من ضمن قواعد ميدانية وضعتها المقاومة، لأنه ليس هناك قواعد اشتباك بيننا وبين العدو". وأضاف: "أننا نسمع بين الحين والآخر تلويحات وتهديدات وتسريبات ومواعيد عن هجوم بري وتوسعة للحرب، لكن وفقًا للمعطى السياسي ووفقًا لما نراه من حركة الموفدين، يتبيّن أن العدو يريد أن ينتهي من هذه الحرب، والمقاومة كونها مقاومة عندما تخطط وتضع برامج عمل وترى أفق المستقبل، فإنّ كل السيناريوهات تكون جاهزة أمامها".
وفي كلمة له خلال احتفال تكريمي أقامه حزب الله للشهيد على طريق القدس حسين حميد وللفقيد موسى بزي في مجمع الإمام الكاظم (ع) في حي ماضي، قال فضل الله: "لا تحجبنا أدخنة القذائف والصواريخ عن أن نكون في بنت جبيل، لكن أتينا إلى هنا لنكرّم شهيدًا وفقيدًا، لأننا ضنينون بأهلنا وأعزائنا، وإلا لكان موعدنا كما تعوّدنا في بنت جبيل التي لم يغادرها حسين حميّد بل بقي ثابتًا حتى الشهادة، وقضى هناك كما سبقه رفاق دربه من المقاومين والمجاهدين، وما يزال هناك أهل صامدون ومقاومون ثابتون".
وأضاف: "لبنت جبيل مدينتنا التي نرتقي بها وارتقت بنا جميعًا، هذا الدور الطاهر الذي اعتادت أن تقدمه في كل موقعةٍ في مواجهة هذا الكيان الصهيوني، وكان حسين حميّد واحدًا من هؤلاء الذين ربما لم يعرف دوره وتاريخه ونضاله وجهاده في مسيرة هذه المقاومة الكثيرون، كما الذين لا يُعرفون إلا حين ننعيهم شهداء، لأنهم معروفون لأهل السماء وإن كانوا مجهولين عند أهل الأرض".
وأردف: "لبنت جبيل دائمًا هذا المسار التاريخي قبل مقاومتنا الإسلامية منذ العام 1948، فهذه المدينة على الخط الأمامي للمقاومة في مواجهة هذا العدو، وهي التي كانت تؤوي الفدائيين واللاجئين، وتفتح بيوتها وعيونها وقلوبها، وتقدم دمًا تلو الدم إلى أن جاء الإمام المغيّب السيد موسى الصدر وأخرجها من الركود والتهميش وضفاف الحياة السياسية إلى المقاومة التي أًسست في تلال شلعبون والطيبة ورب الثلاثين، والتي قاوم فيها المقاومون الأوائل، فالراية لا تسقط أبدًا من جيل إلى جيل، ومن زمن إلى زمن، إلى أن رفعت المقاومة الإسلامية في العام 82 لواء الدفاع والتحرير والمواجهة. وبدأت من الضاحية الجنوبية ومن خلدة ومن شوارع بيروت، ومن محطة إلى محطة وصولًا إلى التحرير في العام 2000، وكانت دائمًا بنت جبيل شريكة بدماء مجاهديها، يعرفهم حي ماضي، ويعرفهم بئر العبد، وتعرفهم الغبيري، وتعرفهم كل هذه الشوارع منذ البدايات، وقدمت دماء عزيزة، أعز الرجال وأغلى الرجال، وكثير منهم لا نتحدث عنهم، نرى صورهم، بعدما عشنا معهم هنا، وكنا رفاق درب، منذ البدايات نعرف آمالهم وتطلعاتهم، ونشعر بأحاسيسهم كما في هذه المواجهة وأغلب هؤلاء الشهداء إما رفاق درب كلنا نعرفُ عائلاتهم وآباءهم وتضحياتهم. وكثيرون منهم من الذين واكبوا هذه المقاومة وصولًا بعد التحرير إلى 2006، وكانت بنت جبيل بحق عاصمة المقاومة والتحرير في العام 2000 ورفع فيها شعار أوهن من بيت العنكبوت لأن "إسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت".
وتابع: "في 2006 أثبت المقاومون، سواءً كانوا من المدينة أم من كل مكان ذهبوا إلى بنت جبيل وإلى مربع التحرير هذه النظرية بدمائهم، واليوم بعد كل هذا الزمن نأتي إلى هذه المعركة، وأنا دائمًا عندما أقف على منبر هؤلاء الشهداء أستعيد هذا التاريخ؛ لأنّ هذا التاريخ يجب أن يبقى محفورًا في قلوبنا ووجداننا وعقولنا، وألّا ننسى في يوم من الأيام أننا كنا دائمًا نحن الذين نُهجّر، ونحن الذين نُقتل، ونحن الذين تدمّر بيوتنا، ونحن الذين نعيش بين الكروم، وكثير من أهلنا الأعزاء الموجودين هنا لأنهم عاشوا هذه التجربة، وأنا ممن عاشوا هذه التجربة، وعندما نتحدث عن الألم اليوم والتضحية وعن اللحظة اليوم، علينا ألا ننسى في أي مرحلة من المراحل أننا كنا نعيش القهر والاحتلال والتهجير والقتل، ولم يكن آنذاك بإمكاننا أن نرد على العدو".
وقال: "إننا عندما خضنا هذه المواجهة، وضعنا نصب أعيننا المصلحة الوطنية اللبنانية، وقلنا إن من مصلحة بلدنا ألّا تتحقق أهداف العدو في غزة، وألّا نترك هذا العدو يستبيح هذه المنطقة، وأن من مصلحة الجنوب وأهله ألّا ينتصر العدو في هذه الحرب، وأن نفهّمه أننا حاضرون وجاهزون ومستعدون لكل الخيارات والاحتمالات، وخضنا هذه المعركة ضمن أطر ومعايير وأسلحة وجغرافيا محددة، وحتى لو على حساب دماء شهدائنا".
وأضاف: "أننا لا نرى في الأفق أن هناك حربًا واسعة، ولكن الإجراءات التي تقوم بها المقاومة هي إجراءات توحي وكأنّ الحرب واقعة غدًا على أوسع نطاق، لأنه بالإجراء علينا الذهاب إلى أسوأ الاحتمالات، أيًا تكن هذه الاحتمالات، والعدو يعرف هذا الأمر، فاستعدادات المقاومة الميدانية على كل المستويات، هي استعدادات لمواجهة أي احتمال وأي سيناريو وأي توسعة للحرب، وبأسقف مفتوحة. فالعدو الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة يسعيان اليوم إلى هدنة خلال شهر رمضان، ويضغطون بكل الوسائل، وهم في قلب المأزق، ولو قرأنا ما يقول العدو، لرأينا حجم الأزمات والمآزق وحجم الهزيمة التي يصاب بها مع كل ما يرتكبه ضد غزة وضد شعبنا وبلدنا من قتل وتدمير".
وشدد على أنه: "بالنسبة إلينا؛ المقاومة في غزة هي التي تقول إن كانت توافق على الشروط التي تقدّم لها أو لا توافق حتى لو أغريت بهدنة خلال شهر رمضان المبارك، وهذا معناه أنها قوية وحاضرة، ومعطياتنا حول المقاومة في غزة أنها ثابتة وصامدة وقادرة على مواصلة المواجهة مع هذا العدو بالرغم من حجم الآلام، ولم تقبل الخضوع لشروطه، وهي من يقدّر الموقف المناسب، إن كانت تريد السير بهدنة أو لا، وجبهتنا مرتبطة بجبهة غزة، وعندما تقف الجبهة في غزة، ينعكس هذا الأمر على لبنان".
وأضاف: "اليوم في هذه الحرب هناك أثمان وتضحيات، وهناك نزوح ودماء وضغوط تمارس على بلدنا وشعبنا، لكن كل ذلك لن يثنينا عن مواصلة دفاعنا عن بلدنا، لأننا في حرب ترسم مستقبل المنطقة ومنها بلدنا، وسنعيد تكريس معادلات الحماية والإعمار". وتابع فضل الله: "عندما يقول لنا قائل ما لنا وللحرب في غزة، وما علاقة لبنان ومصلحته، فإننا نسأله ومن منطلق المصالح الوطنية، هل هي حرب فقط على غزة، وهل سيتم الاكتفاء بهذا المقدار لو انتصر العدو لا سمح الله في غزة؟ وهل سيبقى لنا لبنان والجنوب؟ علمًا أن العدو لم يربح، ونرى كيف يهوّل علينا ويمارس التهديد، فكيف لو كان هو الرابح في هذه الحرب".
وقال: "من وحي هذه الحرب نطل على ذكرى فقيد بمرتبة الشهداء موسى بزي الذي يحمل سرًا لا يعرفه إلا الله وهو المؤمن الذي لم يأتِ من عائلة غنية ولا من عشيرة، ولكنه حفر في وجدان بنت جبيل وقرى الجوار كل هذا الحضور والحب والاحتضان. وما نسجله هنا لمدينة بنت جبيل بأبنائها وشبابها وفعالياتها وبلديتها أنها حولت قضيته إلى قضية رأي عام عندما ضاع وفقدنا أثره وقدمت بنت جبيل نموذجًا رائدًا عن إنسانيتها ورقيها. وكلنا نعرف أنّ موسى كان من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكن بنت جبيل تعاطت معه بأعلى درجة من الانسانية والقيم وهذا ما لا نراه في كثير من المجتمعات"، مضيفًا: "هذه هي الإنسانية وهذه هي الأخلاق الحقيقية وهذه هي صورة مجتمعنا، لقد خرج شباب بنت جبيل على مدى شهر وهم يبحثون عن موسى وكنت أواكب مع البلدية المساعي الحثيثة، وكان الجميع يسأل عن موسى حتى عوائل الشهداء الذين فقدوا أحبتهم كان قلبهم على موسى يتقصّون أخباره".