لبنان
الشيخ الخطيب: المقاومة استمرت في تحقيق الانتصارات رغم محاولة محاصرتها بالفتن المذهبية
قال نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، إنّ "المقاومة استمرت في تحقيق الانتصارات المتتالية رغم محاولات المحاصرة بالفتن المذهبية وإشغالها بنزاعات طائفية باءت بالفشل، بفضل وعي القيادة التي صمدت بقوة ووعي للمخططات الشيطانية التي عملت على تفكيك القاعدة الجماهيرية للمقاومة وعدم انجرارها ووقوعها في الأفخاخ المنصوبة"، مشيرًا إلى أنّ السيد الشهيد حسن نصر الله القائد التاريخي الفذ والشجاع والمخلص دفع "مع أخوته هذا الثمن الكبير، ليس من أجل أن تكون النتيجة الاستسلام للعدو".
ورأى في خطبة الجمعة أنّ هذا الثمن الذي دفعه السيد نصر الله هو "لتحقيق الأهداف التي أنشئت المقاومة من أجلها، وهي تحقيق عزة الأمة وكرامتها وبناء الدولة القوية العادلة والتي تأخذ على عاتقها الدفاع عن حياض الوطن وكرامة بنيه، وهي نتيجة أخرى من نتائج هذه المعركة، وانتصار آخر في معركة بناء الدولة التي سنقف بقوة من أجل تحققها بالفعل، وليس بالكلام".
وأردف الشيخ الخطيب: "نحن الآن سنقف بقوة إلى جانب هذه الدولة وبهذه الالتزامات والتعهدات التي وردت في البيان الوزاري وأقرته الحكومة بلا لف ولا دوران ولا تلاعب بالألفاظ، بل بالسعي الحقيقي لتحرير الأرض وإعادة البناء والإعمار ووقف الاعتداءات المستمرة على السيادة والمواطنين".
وجاء في خطبة الجمعة من مقر المجلس في طريق المطار:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين، والسلام عليكم أيها الأخوة والأخوات المؤمنون والمؤمنات ورحمة الله وبركاته
قال تعالى:
{ وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
نزلت هذه الآية أيها الأخوة بعدما أصاب المسلمين في معركة "أُحد" في مواجهة المشركين، وما نتج عنها من خسائر في أعداد الشهداء وشعورهم بالإحباط والحزن والهم والهزيمة النفسية، حيث كانت المرة الأولى التي يتعرض فيها المسلمون وبشكل غير مسبوق وبهذه الأعداد الكبيرة من الخسائر. لهذا كان الشعور بقساوة الخسارة والهزيمة والصدمة النفسية كبيرًا، لم يستطع بعضهم تحمله. ومن هنا تدخل الوحي للحؤول دون تمكّن هذا الشعور في نفوس المسلمين ولإعادة التوازن النفسي إليهم.
وهذا الشعور، أعني الشعور لديهم بالإحباط والهزيمة النفسية في الواقع، كان أخطر على وضعية الدعوة الجديدة والجماعة المسلمة أخطر في نتائجه من حجم الخسائر المادية التي تكبدتها، لأن الخسائر المادية مهما بلغت يمكن ترميمُها طالما لم تنكسر الإرادة ولم يتبعها الإحساسُ بالهزيمة من الداخل، ولم تؤد الهزيمةُ العسكرية إلى التسليم بنتائجها والتعامل معها على أنها نهايةُ المطاف، وهذه قاعدة واقعية وليست أمرًا دينيًا صرفًا. ولكن الدين أكد عليها وأبرزها ورسّخها بأن أعطاها عمقًا إيمانيًا، وأن الله تعالى هو الحق ومع الحق، وأن من كان مع الحق كان الله معه، وأن معركة الباطل هي معركة مع الحق، وأن من صارع الحق صرعه كما يقول أميرُ المؤمنين علي ابن أبي طالب "ع".
وأعطاها الدين أيضًا بُعدًا عباديًا، وأن من يُقتل فيها دفاعًا عن الحق لا يعد خاسرًا، بل على العكس من ذلك فهو يحصل على امتياز الشهادة ويرتقي إلى حياة أفضل، وأن الحصول على رتبة الشهادة اصطفاء من الله سبحانه وتعالى.
يقول تعالى:
إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ
وكل هذه الاعتبارات هي من الإيمان بالله تعالى، وإن المواجهة مع الباطل هي انتصار للحق وانتصار لله تعالى، وإن من كان مع الله كان الله معه، وإن تنصروا الله ينصركم، وإن من يقتل في هذا السبيل فقد اصطفاه الله تعالى وفاز بالحصول على أرفع وسام إلهي وبحياة الخلود في جنة عرضها السموات والأرض، حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
فالمؤمن لا يقاتل من أجل مكسب دنيوي شخصي، وإنما من أجل الحق وفي سبيل الله، وهو منتصر على كلّ حال، لأنه يكون قد فاز بإحدى الحسنيين: إما النصر أو الشهادة. فإن قتل فقد فاز بما يتمناه من الشهادة، وإن انتصر فقد حقق الهدف.
قال تعالى:
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلطَّٰغُوتِ فَقَٰتِلُوٓاْ أَوْلِيَآءَ ٱلشَّيْطَٰنِ ۖ إِنَّ كَيْدَ ٱلشَّيْطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا
كل هذه العوامل تعطي الجماعة المؤمنة امتيازات على قوى الباطل في المواجهة، تقلب موازين المعركة وتحقق لها الغلبة والانتصار ما يفتقده الباطل حتّى عندما تختل موازين القوى المادية لصالح العدوّ الذي يفتقد العامل الحاسم في المواجهة، وهو الحافز والإرادة والإيمان. أما المؤمن فيدخل المعركة وهو مؤمن بأحقية القضية التي يقاتل من أجلها، وأن العدوّ مهزوم ضعيف الكيد والمكر والوسيلة التي يستخدمها في معركته.
ولكن هل يعني ذلك أن المؤمنين لن يتعرضوا للهزيمة مطلقًا؟
الجواب بالنفي.. والواقع يصدق ذلك، وقد تحدثنا عن الهزيمة في معركة "أحد"، إن المؤمنين هم بشر بالتالي وينتابهم الضعف أحيانًا في سوء التقدير والتخطيط والإعداد واللامبالاة بقدرات العدو، ولكن الهزيمة لن تكون حاسمة وتكون الخسارة خسارة معركة، إن تدارك المؤمنون أسبابها وهي طبيعية، ولكنها في طريق الارتقاء بقدراتهم بشكل طبيعي. فالحرب سجال "يوم لنا من عدونا ويوم لعدونا منا" كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "الحرب سجال، فيوم لنا من عدونا، ويوم لعدونا منا، حتّى إذا رأى الله صدقنا، أنزل علينا النصر، وبعدونا الكبت".
فهل هي قاعدة عامة تجري في كلّ زمان ومكان، أم انها أمر خاص بزمان ومكان وأشخاص معينين؟
في الواقع، إن كلام المولى ليس إلا ترجمة لما ورد من آيات في كتاب الله، تحكي قاعدة عامة، ما إن تحققت شروطها حصلت.
ومع أن المواجهة التي خاضتها قوى المقاومة ردًا لعدوان العدوّ وجرائمه المتمادية على الأمتين العربية والإسلامية وشعوبهما في حرب الإبادة التي ارتكبها في غزّة وجنوب لبنان، لم تنته بهزيمة المقاومة، بل أفشلت أهدافه في استرجاع أسراه وسحق المقاومة في غزّة ولبنان بالقوّة العسكرية للناتو، فلسوف يتيقن العدوّ حين يستفيق من صدمته أن اعتماده القوّة الغاشمة مع اختلال توازن القوة العسكرية والإعلامية لصالحه، لن يحقق له الأمن والاستقرار والبقاء في هذه المنطقة، وهي نقلة نوعية لصالح بلداننا وشعوبنا، الأمر الذي سيتأكد في المستقبل ويتيقن معه المشككون من صحة هذه المقولة، كما حصل في بداية الصراع مع العدوّ حيث شُنت حرب إعلامية شعواء تروج لمقولة أن العين لا تقابل المخرز، حتّى تكاملت تجارب المقاومة واستطاعت لأول مرة بعد إصرارها على المواجهة وعدم تأثير الحرب النفسية التي خاضها العدوّ بإعلامه الخاص وبأدواته الداخلية المأجورة أو المهزومة نفسيًا على قرارها، وتحقق الانتصار وإخراجُ العدوّ مهزومًا ذليلًا بلا قيد أو شرط، وإنما تحت ضربات المقاومة.
واستمرت المقاومة في تحقيق الانتصارات المتتالية رغم محاولات المحاصرة بالفتن المذهبية وإشغالها بنزاعات طائفية باءت بالفشل بتوفيق الله تعالى وإخلاص أبنائنا وجمهور المقاومة والمخلصين من أبناء وطننا وأمتنا، وبفضل وعي القيادة التي صمدت بقوة ووعي للمخطّطات الشيطانية التي عملت على تفكيك القاعدة الجماهيرية للمقاومة وعدم انجرارها ووقوعها في الأفخاخ المنصوبة، والتي جهدت في تفكيك هذه البيئة الحاضنة للمقاومة وجرها إلى الفتن المذهبية الداخلية، والتي ما زالت مستمرة للإيقاع بين قواها وخصوصًا في هذه المرحلة الحساسة، وبعد الملحمة الأسطورية التي سجلها أبناؤنا الأبطال على تخوم الحدود الجنوبية في مواجهة حلف الناتو، واستخدم فيها العدوّ أحدث الأسلحة الفتاكة، ولكنه رغم الخسائر الفادحة والجرائم الوحشية التي ارتكبها بقي عاجزًا عن تحقيق أهدافه الخبيثة، ولم نستسلم لإرادته ولن يستطيع كسر إرادتنا ولن يستطيع تطويعنا بالسياسة كما لم يستطع بالحرب العسكرية والجرائم الوحشية وقتله القادة الأبرار، وعلى رأسهم السيدان الشهيدان السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين.
لقد دفع السيد الشهيد حسن نصر الله، القائد التاريخي الفذ والشجاع والمخلص مع أخوته هذا الثمن الكبير، ليس من أجل أن تكون النتيجة الاستسلام للعدو، وإنما لتحقيق الأهداف التي أُنشئت المقاومة من أجلها، وهي تحقيق عزة الأمة وكرامتها وبناء الدولة القوية العادلة والتي تأخذ على عاتقها الدفاع عن حياض الوطن وكرامة بنيه، وهي نتيجة أخرى من نتائج هذه المعركة، وانتصار آخر في معركة بناء الدولة التي سنقف بقوة من أجل تحققها بالفعل وليس بالكلام. فقد كانت مطلبنا الأول الذي عبر عنه الإمام موسى الصدر وأفشله الآخرون، ونحن الآن، سنقف بقوة إلى جانب هذه الدولة وبهذه الالتزامات والتعهدات التي وردت في البيان الوزاري وأقرته الحكومة بلا لف ولا دوران ولا تلاعب بالألفاظ، بل بالسعي الحقيقي لتحرير الأرض وإعادة البناء والإعمار ووقف الاعتداءات المستمرة على السيادة والمواطنين.
فتحية إلى الشهداء وعلى رأسهم السيد الرمز، والقائد الملهم، السيد الشهيد حجة الإسلام والمسلمين حسن نصر الله قدس سره، والذي قضى حياته في خط المقاومة والجهاد حتّى اصطفاه الله شهيدًا مع أخوة أعزاء قادة ومجاهدين أخلصوا لله، فاصطفاهم الله شهداء للوطن والأمة رضوان الله تعالى عليهم وحشرهم الله مع شهداء كربلاء، وأجزل لهم العطاء.
وتحية للأمة التي أنجبتهم وللأرحام التي أنجبتهم.. الصابرون لله أكرم من أعطى وأنجب من صبر وضحى، فلله دركم وطاب مرقدكم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. لقد وجب علينا حقكم وعلى أمتكم وستبقى أمانتكم في رقابنا لمتابعة المسيرة وتحقيق الأهداف، فهبوا يا أهلنا الأخيار لتوديع السادة الأخيار، ولنكرم أنفسنا في موكب التشييع المهيب للسيد الحبيب ولصفيه النجيب.
الرحمة لكم وعظيم الأجر للأسر الشريفة والتبريك لهم والتعزية لرسول الله صلى الله عليه وآله جدهم، ولعلي وفاطمة وللأئمة الأطهار آباؤهم،
والسلام عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون أحياء.
ولأرواحهم الزكية السلام والسورة المباركة الفاتحة.
إقرأ المزيد في: لبنان
12/02/2025
فيديو| حان الوداع
التغطية الإخبارية
فلسطين المحتلة| عناصر كتائب القسام ينتشرون في ساحة تسليم الأسرى "الإسرائيليين" في مدينة رفح
أسرار الصحف اللبنانية ليوم السبت 22 شباط/فبراير 2025
عناوين الصحف اللبنانية ليوم السبت 22 شباط/فبراير 2025
إعلام العدو: يحيى السنوار أوفى بوعده بالإفراج عن أسرى المؤبدات والأحكام العالية
فلسطين المحتلة| قوات الاحتلال تواصل عدوانها على طولكرم ومخيمها لليوم الـ27 وعلى مخيم نور شمس لليوم الـ 14 على التوالي
مقالات مرتبطة

صور وفيديو| جولة الناشطين والمؤثرين من مختلف الجنسيات إلى الجنوب

نحن "في الحرب" التي لم تنتهِ بعد!

حماس تشيّع الشهيد القائد محمد شاهين في صيدا

الخطيب يلتقي وجهاء عشائر بعلبك الهرمل: على الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها من الآن وصاعدًا
