معركة أولي البأس

لبنان

مجلس الوزراء يعود اليوم وينتظر تصنيف لبنان
22/08/2019

مجلس الوزراء يعود اليوم وينتظر تصنيف لبنان

تعود الحكومة اللبنانية اليوم إلى العمل من جديد حيث تُعقد جلسة عادية برئاسة الرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بيت الدين. وقد سلطت الصحف الصادرة صباح اليوم على ترقب الأوساط تصنيف «ستاندر أند بورز» للبنان، وتضاربت بعض المعلومات حول منح البلاد مهلة ستة أشهر قبل إعادة تقييم تصنيفه السيادي، في حين نفت أوساط أخرى هذه الأخبار. ووصفت بعض الصحف أن ما يتم بات أشبه بحرب نفسية تتكامل مع العقوبات، ما يجعلهما معاً أداة ضغط سياسية للحصول على تنازلات لبنانية تطال ملف التفاوض حول الحدود وكذلك مستقبل النفط. 

تأجيل «التصنيف»: بأيّ ثمن سياسي؟  

بداية مع "الأخبار" التي ركزت على وقائع جديدة كُشفت متصلة بتصنيف لبنان. فقد بات محسوماً أن «ستاندر أند بورز» ستمنح لبنان مهلة ستة أشهر قبل إعادة تقييم تصنيفه السيادي، وهي أبلغت، شفهياً، مسؤولَين رسميَّين اثنين بقرارها من دون أن تقدّم تبريرات مقنعة عن أسباب تراجعها عن الموقف السلبي من التصنيف الذي تمسّكت به خلال الأسابيع الماضية. وتقاطع هذا الأمر مع معطيات تشير إلى أن رئيس الحكومة سعد الحريري، حصل على مساعدة أميركية مقابل ثمن سياسي تظهر معالمه قريباً.

وأضافت أن نتائج زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لواشنطن بدأت تتكشف. ومن أبرز ملامحها، بحسب أوساط قريبة منه، حصوله على مساعدة أميركية في الضغط على وكالة «ستاندر أند بورز» من أجل منح لبنان فترة سماح لمدّة ستة أشهر قبل خفضها تصنيفه من درجة (B-) إلى (CCC+). وتشير الأوساط إلى أن الثمن الذي دفعه الحريري مقابل تعويمه وإظهاره بمثابة «بطل» أنقذ لبنان من «كارثة» خفض التصنيف، يكمن في التزامه مجموعةً من البنود، أولها يكمن في إعادة إحياء 14 آذار، وهي الخطوة التي سبق للولايات المتحدة الأميركية أن أعدّت لها عبر إصدار سفارتها في لبنان بيان دعم للنائب وليد جنبلاط على خلفية حادثة قبرشمون. وثانيها، تحويل الحريري إلى شريك مع الرئيس نبيه برّي في المفاوضات المتعلقة بترسيم الحدود للمناطق المتنازع عليها بشأن الغاز مع الكيان "الاسرائيلي"، ودعم فوز جنرال إلكتريك في مناقصات الكهرباء.

وفور عودته من الولايات المتحدة، صرّح مستشار الحريري، النائب السابق غطاس خوري، بأن «الزيارة نجحت، وكان هدفها أن نقول إن المسار الاقتصادي منفصل عن الأزمات التي تواجهها المنطقة». سريعاً، جاءت الترجمة العملية لهذا المسار في اتصال أجراه المسؤولون في وكالة «ستاندر أند بورز» لإبلاغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووزير المال علي حسن خليل، بأن الوكالة قرّرت منح لبنان فترة السماح التي طلبها عبر وزير العمل كميل بوسليمان، الذي عمل بمثابة منسّق للجنة التي راسلت الوكالة في تموز الماضي، في محاولة لثنيها عن قرار خفض تصنيف لبنان.

ويتعزّز هذا المشهد بتصريحات رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لصحيفة نداء الوطن، مشيراً إلى أن «السلطات اللبنانية طلبت من القيّمين على ستاندر أند بورز عدم الاستعجال في خفض التصنيف، لأن البلاد تسير على الطريق الصحيح… هناك إشارة من الوكالة إلى احتمال تأجيل التصنيف».

وأشارت الصحيفة إلى أنه بالرغم من كل هذه الإشارات إلى أن خفض التصنيف بات بحكم المؤجل، إلا أن السوق الدولية حيث تتداول سندات اليوروبوندز اللبنانية، لم يكن لديها الثقة بأن ما يقال صحيح. «فمن الصعب التصديق أن وكالة تصنيف محترمة مثل ستاندر أند بورز، قد تضرب صدقيتها من خلال الرضوخ للضغوط السياسية من المسؤولين الأميركيين، وهي التي خفضت تصنيف أميركا في عام 2011 بما عُدّ أنه أول إجراء من نوعه في تاريخ هذا الولايات المتحدة الأميركية»، يقول أحد مديري المؤسسات المالية في لبنان. فبنتيجة الثقة التي أولاها المستثمرون حول العالم بهذه الوكالة، عمد حملة أسهم سندات اليوروبوندز اللبنانية في الخارج، المقدرة قيمتها بنحو 4 مليارات دولار، من بينها نحو ثلاثة مليارات هي ديون بضمانة السندات، إلى عرض أسهمهم للبيع وتصفيتها للتخفيف من قيمة الخسائر التي يمكن أن تلحق بها نتيجة خفض التصنيف المتوقع. وقد أدّى هذا الأمر، أول من أمس، إلى انخفاض أسعار السندات التي تستحق في 2020 و2021 و2027 و2037 وارتفاع العائد عليها إلى مستويات قياسية بلغ أقصاها 21% (العائد يمثّل الفائدة النهائية التي يحصل عليها حامل السند).

وأوضحت أنه بصرف النظر عمّا يعنيه الالتزام السياسي للحريري في الانخراط أكثر بالمشروع الأميركي، إلا أن حصول لبنان على فترة سماح لستة أشهر يعدّ ثمناً كبيراً مقابل كل هذه الالتزامات. كذلك يعني أن وكالات التصنيف يمكن أن تخضع لإملاءات سياسية، وليس بالضرورة الثقة بها في مجال تصنيف الديون السيادية للبلدان. فالوكالة، رسمت في آذار الماضي طريق خفض تصنيف الدين السيادي للبنان أو رفعه. ذلك حصل يوم أصدرت تقريراً عن رؤيتها المستقبلية وأسباب تعديلها من «مستقر» إلى «سلبي». فقد زعمت الوكالة أن دواعي خفض التصنيف خلال الأشهر الـ12 المقبلة، متصلة بارتفاع عجز الموازنة ربطاً بتطورات سياسية، أو تباطؤ إضافي في تدفقات الودائع التي تعد شريان التمويل الأساسي للخزينة، أو تقلص احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية.

الحكومة اليوم على إيقاع حمّى توقعات التصنيف الإئتماني 

بدورها  قالت "البناء" أن الخلفية الحاضرة في البلاد هي إيقاع التهديدات بتخفيض مستوى التصنيف الإئتماني للبنان، التي باتت أشبه بحرب نفسية تتكامل مع العقوبات، وما يجعلهما معاً أداة ضغط سياسية للحصول على تنازلات لبنانية تطال ملف التفاوض حول الحدود وما يتصل بمستقبل ثروة النفط والغاز، أو مستقبل سلاح المقاومة، وهو ما عبّرت عنه الحملة المنظمة إعلامياً وسياسياً لاستحضار عنوان الاستراتيجية الدفاعية فجأة وبدون مقدمات.

كما جدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة لحالة طوارئ اقتصادية ومالية، لمواجهة التحديات التي تنتظر لبنان على هذا الصعيد، بينما دعت كتلة الوفاء للمقاومة لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في ملف الهاتف الخلوي في ظل الحديث عن هدر مستدام ومتمادٍ لأموال الخزينة، وسوء إدارة للإنفاق الاستثماريّ والتشغيليّ، وهو ما تحدث عنه رئيس لجنة الاتصالات النيابية حسين الحاج حسن من عين التينة مؤكداً دعم الرئيس بري للمسعى.
 
وفيما يعقد مجلس الوزراء اليوم، جلسة عادية برئاسة الرئيس الجمهورية العماد ميشال عون في بيت الدين، توقعت مصادر وزارية أن تكون هادئة وتقتصر على بحث جدول الأعمال وإطلاع رئيس الحكومة سعد الحريري رئيس الجمهورية والمجلس على نتائج زيارته إلى واشنطن، شهدت الساحة الداخلية تصاعد الحملة الإعلامية عشية صدور تقرير وكالة التصنيف المالية الدولية حول تقييمها للوضع المالي في لبنان المتوقع يوم غدٍ، وسط تسريبات متضاربة بين من يقول إن التقرير لن يغير درجة التصنيف وسيمنح الحكومة مزيداً من الوقت لإصلاح اقتصادها وماليتها العامة، وبين مَن يرجح أن تنخفض درجة التصنيف درجة واحدة، إلا أن المستغرب بحسب أوساط سياسية هو حملة التهديدات والضغوط الخارجة الموجهة والمنسّقة على لبنان باشتراك قوى سياسية ووسائل إعلامية لبنانية! والأمر نفسه يحصل بموضوع الاستراتيجية الدفاعية، ما يدفع للتساؤل بحسب الأوساط: لماذا تصاعدت الضغوط المالية وتحرك ملف الاستراتيجية الدفاعية وبدأ التصويب على موقف رئيس الجمهورية وعلى حزب الله غداة عودة الرئيس الحريري من الولايات المتحدة! وما علاقة ذلك بالمشروع الأميركي الإسرائيلي الخليجي الجديد «صفقة القرن»!

وإذ تتداول بعض الأوساط السياسية التزامات قدمها الحريري للمسؤولين الأميركيين تتعلق بقضايا أساسية لبنانية كمسألة الاستراتيجية الدفاعية وترسيم الحدود وملفات مالية والعلاقة مع سورية، نقلت قناة أم تي في عن مصادر مرافقة لزيارة الحريري إلى واشنطن أنه «أثناء زيارة رئيس الحكومة كان مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر موجوداً في نيويورك »، مشيرةً إلى أن «الحريري أكد في واشنطن أنه سيتمّ عرض ملف الحدود البحرية والبرية على مجلس الوزراء، لكنه لم يتعهد بأي نتيجة للتصويت سلبية كانت ام إيجابية»، مؤكدةً أن «الموقف اللبناني في ملف النفط والغاز موحّد والحريري نسّق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن إحالة الملف على مجلس الوزراء للتصويت»، كما أكدت مصادر بيت الوسط أن الحريري لم يعقد أي لقاءات سرية.

التصنيف الإئتماني: 6 أشهر لتجنُّب التخفيض 

من جهتها شددت "اللواء" على أنه مع جلسة مجلس الوزراء اليوم، تكون الحكومة استعادت عافية الجلسات، من دون أن تكون تمكنت من استعادة وهج التأليف، كحكومة وحدة وطنية جامعة.. على خلفية تباينات في شأن سلسلة من المواضيع، قد لا يكون الوضع المالي والاقتصادي من بينها، في حين اشارت مصادر، وزارية لـ«اللواء» ان اتفاقاً وصل تعيينات الأعضاء الخمسة في المجلس الدستوري ليكتمل نصاب المجلس الدستوري، الذي يتعين ان يواجه مراجعات عدّة، بعضها يتعلق بالقوانين أو الطعون النيابية أو بعض مواد موازنة العام 2019.

وجاء هذا الاتفاق، بعد زيارة الوزير جبران باسيل إلى بيت الوسط، عشية الجلسة، حيث اتفق مع الرئيس الحريري ان تجري التعيينات من خارج جدول الأعمال.  وفهم من مصادر وزارية على اطلاع ان التيار الوطني الحر، يرفض ان تكون لـ«القوات اللبنانية» أية حصة في الأعضاء المسيحيين الذي سيعينون اليوم.

وفي سياق أخر، بقيت رياح تقرير وكالة «ستاندر اند بورز» المرتقب صدوره غداً الجمعة تصنيف لبنان ائتمانياً، تتلاعب بالسفينة اللبنانية، ساخنة طوراً وباردة طوراً آخر، فيما اللبنانيون يحبسون انفاسهم بانتظار جلاء عاصفة التقرير، على أمل ان تحسن الدولة، باعتبارها قبطان السفينة، إدارة هذه الرياح أيا كانت نوعيتها، فتباشر انطلاقاً من جلسة الحكومة اليوم في بيت الدين، ورشة الإصلاح الاقتصادي، في ضوء ورقة العمل التي خرج بها لقاء بعبدا الأخير، مستفيدة من إعادة ترتيب صفوفها المبعثرة بفعل صراعات المصالح والتنازع على الصلاحيات.

وهو ما أكدت عليه الهيئات الاقتصادية أمس، حين اعتبرت انه سواء كان تقرير «ستاندر اند بورز» سلبياً أو ابقى تصنيف لبنان على ما هو عليه، فيجب ان يُشكّل حافزاً لأهل السلطة ولكل القوى السياسية استنهاض هممهم والعمل كفريق عمل متكامل ومتضامن وباقصى اندفاعه لإخراج لبنان من دائرة الخطر، وتحسين الوضع الاقتصادي والمالي ولاعطاء انطباع إيجابي عن لبنان في الخارج، وإعادة الثقة بالدولة اللبنانية.

وسجلت بورصة الترجيحات في الساعات الأخيرة ارتفاعاً حذراً في أسهم إيجابية يمكن ان تطبع التصنيف المرتقب، بحيث تحافظ الوكالة الأميركية على التصنيف السابق وهو -B، والذي يعتبر أفضل بكثير من تصنيف CCC الذي من شأنه ان يصبح فيه لبنان بلداً غير قابل للاستثمار، وان سنداته الدولارية يمكن ان تكون غير قابلة للسداد.

وفي هذا السياق، أشارت معلومات صحافية إلى ما وصفته «مفاجأة ايجابية» وهي عبارة عن اتجاه الوكالة إلى الإبقاء على التصنيف الحالي للبنان، أي على مستوى-B، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الأسواق المالية. وبحسب المعلومات، فإن مجموعة معطيات دفعت بالوكالة إلى الإبقاء على تصنيف لبنان على ما هو عليه، ومنها مثلاً ان لبنان تمكن من سداد استحقاقات اليوروبوند التي استحقت في نيسان وايار وحزيران من دون طلب إعادة جدولتها، إضافة إلى تحسن مستوى احتياطي الذهب في مصرف لبنان ليصنف لبنان في المرتبة 16 في جدول أعلى الدول التي تملك احتياطي الذهب، فضلاً عن ان انخفاض احتياطي العملات الأجنبية لا يزال ضمن الهامش الطبيعي لانكماش الوضع الاقتصادي، ولا يشبه الوضع في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أي الفترة التي شهدت فلتاناً في الوضع الأمني.

غير ان مصادر مطلعة، أعادت سر التحوّل في تصنيف الوكالة الأميركية، إلى الاتصالات المكثفة التي حصلت مع وزارة المال، والتي تمت بين لبنان والولايات المتحدة، والتطورات السياسية الإيجابية التي ترافقت مع مصالحة قبرشمون، بما في ذلك اجتماع بعبدا المالي والاقتصادي. وتحدثت المعلومات عن نحو 70 سؤالاً وجهتها الوكالة إلى وزير المال كان من بينها 50 جواباً حمل فيه الوضع السياسي مسؤولية التردي الحاصل في الوضع الاقتصادي والمالي، كما لاحظت اهتماماً غير مسبوق لسفراء الدول المانحة، للتطورات الأخيرة التي حصلت على الساحة السياسية، ومن بينها اجتماع بعبدا المالي والاقتصادي والذي ركز على ضرورة صدور موازنة 2020 في موعدها الدستوري وتنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» وخطة ماكينزي.

وكشف مصدر مطلع ان  «ستاندر اند بورز» اعطت لبنان مهلة ستة أشهر لتحسين وضعه، في حين ان المؤسستين الأخريين، وهما: فيتش وموديز، لا تزال المعلومات الواردة حول اتجاهمها غير واضحة، وان كان يسودها بعض التحفظ تجاه ما ستصدره في الأيام القليلة المقبلة. 

إقرأ المزيد في: لبنان