عين على العدو
"هآرتس": إعلان ترامب بشأن غزة ليس أكثر من احتفال بالتصفيق الذاتي خرج عن السيطرة
لفتت مراسلة صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في واشنطن، ليزا روزوفسكي إلى أن التوقعات في محيط رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو كانت أن يكون اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس (الثلاثاء)، "عرضًا للوحدة". وتنبأ المعلقون بلقاء تاريخي ومصيري بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة؛ لكن اللقاء تجاوز حتّى التوقعات الأكثر جموحًا للأوائل، مرجحة بشدة أن تخيب آمال الآخرين.
وكتبت روزوفسكي تقول: "كان من الواضح أن عرض التملق والخضوع الذي أعده نتنياهو لترامب منح الرئيس الأميركي متعة ظاهرة للعيان. وكان من الصعب عدم ملاحظة ابتسامته المتبجحة ونظراته المتفاخرة التي تبادلها مع من حوله عند سماع كلمات نتنياهو عنه. إذ قال إن الرئيس "يقطع الأمور بشكل مباشر وواضح؛ يرى ما يرفض الآخرون رؤيته؛ يقول ما يرفض الآخرون قوله؛ وبعد أن تتساقط الأقداح، يبدأ الناس بحك رؤوسهم ويقولون: إنه على حق". لكن حتّى نتنياهو، والذي سمع خلال حياته عدة تصريحات مفاجئة من رؤساء أميركيين، بدا مذهولًا بعض الشيء عند سماعه اقتراح ترامب بشأن "ملكية "أميركية" طويلة الأمد على غزّة".
أضافت روزوفسكي: "كما شدد رئيس الوزراء بوضوح، أن الهدف الذي حدده للحرب، وهو ألا تشكّل غزّة تهديدًا لـ"إسرائيل" بعد الآن، قد تبناه ترامب، بل ورفعه إلى "مستوى أعلى بكثير". وتصرف الرئيس الأميركي، كما لو كان شخصًا بالغًا فاقدًا للصبر، ينتزع لعبة من أيدي طفلين عنيفين وعنيدين غير قادرين على مشاركتها واللعب معًا. لماذا فعل ذلك؟ على الأرجح لسببين: الأول؛ لأنه يستطيع، والثاني لأنه مقتنع بأن ذلك سيكون أفضل للجميع، وقبل كلّ شيء للأطفال أنفسهم. فهو، بالطبع، يعرف الأفضل".
وتابعت: "بعد ما يقرب من 77 عامًا من انتهاء الانتداب البريطاني، اقترح ترامب عمليًا فرض انتداب أميركي على "إسرائيل"، أو على الأقل على قطاع غزّة. وذلك إلى أن تتوفر الظروف التي تجعل منها "ريفيرا الشرق الأوسط"، وربما أكثر من ذلك. عندما قالوا في مكتب نتنياهو إنه أخيرًا، في هذه الأيام، "لا يوجد أي فرق بين "إسرائيل" والولايات المتحدة" (there’s no daylight between Israel and the US)، لم يكن من المؤكد أنهم قصدوا ذلك حرفيًا أن تصبح "إسرائيل" جارةً لقوة عظمى ذات طموحات استعمارية، بدلًا من أن تكون هي نفسها قوة استعمارية".
وأردفت: ""لم أرَ شيئًا مماثلًا في حياتي"، تمتم أحد الموظفين في مكتب نتنياهو بعد الجزء الأول الحميمي من العرض، والذي جرى بجوار المدفأة في المكتب البيضاوي. لكن هذا لم يكن سوى مقدمة للختام الكبير الذي أُقيم في الغرفة الشرقية الفسيحة، والممتلئة حتّى آخرها بالصحفيين وفرق العمل المبهورة لكلا الزعيمين".
وقالت روزوفسكي في مقالتها: "إلى جانب الإعلان عن السيطرة على غزّة، تضمن المشهد جميع العناصر المسرحية - الاحتفالية المطلوبة: إيماءات جسدية، انحناءات وتصفيق للموظفين المتميّزين، وفي مقدمتهم مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إذلال علني لصحفية أفغانية وسط ضحكات الجمهور المحرجة، وبالطبع سحق متفاخر للخصم المهزوم، جو بايدن. لكن "تأثير الواو" الذي نجح ترامب في إنتاجه بمهارة نرجسية يتناسب عكسيًا مع وزن كلماته؛ وأكثر من ذلك، فإن التصريحات الصاخبة التي أُطلقت بعد اجتماع استمر بالكاد أكثر من ساعة، حيث تواصل النهج الاستفزازي الذي تبناه الرئيس منذ أن "انبهر" لأول مرة بفكرة الترحيل من غزّة، تثبت أن مشروع "ريفيرا غزّة" لم يكن مدروسًا بعمق. من الواضح أنه لا يوجد انسجام بين الخيال حول السلام العالمي والواقع، ولا حتّى محاولة جادة للعثور على نقطة التقاء لتطبيقه. إعلان ترامب ليس أكثر من احتفال بالتصفيق الذاتي خرج عن السيطرة، وليس إطلاقًا لمشروع تاريخي واسع النطاق".
ورأت الصحفية الصهيونية أنه: "من المحتمل جدًا أن يستمر ترامب في الإصرار على فكرته بسبب طبيعته المتحدّية، لكن معالم الخطة، إذا كُتب لها أن تتحقق يومًا ما، ستتغير تمامًا بحلول ذلك الوقت". بحسب روزوفسكي فإنّ: "الشيء الوحيد القابل للتنفيذ والملموس هو صفقة تبادل الأسرى التي ما تزال جارية حتّى الآن: أشخاص من لحم ودم يخرجون من الأنفاق ويعودون إلى عائلاتهم. إنهم يعودون إلى منازلهم المدمرة، يسيرون في الطرق المحترقة المليئة بالمخلفات غير المنفجرة، ويبحثون عن بقايا أقاربهم". وقالت: "في هذا السياق، قدم ترامب تصريحًا مشجعًا جزئيًا: "نعمل بجد لإطلاق سراح جميع الأسرى، والتركيز هو على 'الجميع'. إذا لم نُخرجهم جميعًا، فسيجعلنا ذلك أكثر عنفًا بعض الشيء". وأضاف أن ويتكوف وفريقه يعملون على هذا الأمر على مدار الساعة، وقد قُطعت لهم وعود. "سنرى ما إذا كان سيوفى بهذه الوعود"، قال ترامب مختتمًا تصريحه، قبل أن يؤكد مرة أخرى: "نريد جميع الأسرى، هذا صحيح".
وتابعت: "من كان يأمل أن يستمد من اجتماع الزعيمين الثقة في أن ترامب سيضغط على نتنياهو لتنفيذ الاتفاق حتّى نهايته ووقف الحرب، خاب ظنه. بقينا في النقطة نفسها تمامًا، عالقين في صفقة قاسية وقاسية بدأت تتجسد وتُنقذ الأرواح في الوقت الراهن. وذلك من دون أي ضمانات بأن نتنياهو أو حماس، أو كليهما، لن يُعرقلوا الاتفاق".
ختمت روزوفسكي تقول: "الإنجاز الكبير من لقاء نتنياهو - ترامب سيكون على الأرجح في أنه لم يدمر ما حُقق حتّى الآن. حتّى هذا يعد شيئًا. ومن هنا، يمكن الانتقال إلى الغرف المغلقة، حيث تتم أعمال دقيقة وصامتة على التفاصيل الصغيرة التي قد تُغير وجه الشرق الأوسط للأفضل. في شيء واحد، ترامب على حق: من الصعب أن ننزل أكثر من النقطة التي تقف عندها غزّة، ومعها "إسرائيل" أيضًا".
الولايات المتحدة الأميركيةالكيان الصهيوني