الخليج والعالم
الردّ الإيراني يضع المنطقة أمام مرحلة جديدة
علي حسن
ردّت إيران قبل أن يوارى القائد الشهيد الحاج قاسم سليماني في الثرى. جزمت بأنّ الأمر حتمي وفعلت، فلا يمكن أبداً أن يمر هكذا اغتيال دون رد خصوصاً من دولة كالجمهورية الاسلامية تقول وتفعل. عشرات الصواريخ البالستية دكت قاعدة عين الأسد الجوية الأمريكية بمحافظة الأنبار العراقية. حرس الثورة الإيراني أعلن أنه "الرد الانتقامي الأول"، محذراً في بيان له أمريكا من أي اعتداء أو تحرك لأنه سيواجه برد أكثر إيلاماً وقساوة.
الخبير الاستراتيجي السوري الدكتور أسامة دنورة تحدث بشكل مفصّل لموقع "العهد" الإخباري عن الوضع الراهن بعد الضربة الإيرانية، فقال إنّ "إقدام الحرس الثوري الإيراني على استهداف أمريكا كان مدروساً ومحسوباً بشكل استراتيجي. الطرف الإيراني يتقن اللعب على حافة الهاوية ووجدنا كيف نجح في تجزئة الردع والقصاص وأطلق الموجة الأولى، وهو يحتفظ بأوراق قوية جداً تردع الأمريكي عن الرد، في حين أنّ الأمريكي أنفق الذي بحوزته دون طائل بالتصعيد غير المبرر بجريمة اغتيال سليماني واستنزاف الورقة الاقتصادية إلى ما لا نهاية، في حين أن ورقة الضغط الاقتصادية بيد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة بشكل عام، هي أنه في حال تدحرج الأمور، إذ سيتم تعطيل إمدادات الطاقة إن كان هناك رد غير مدروس من قبل قوات الاحتلال الأمريكي".
وأضاف دنورة أنّ "الرد الإيراني وضع المنطقة أمام مرحلة جديدة بكل ما للكلمة من معنى وهذا الرد متغير هام جداً فلأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تقوم دولة بالرد على أمريكا بهذه الجرأة ولأول مرة يقف طرف في العالم ليقول للأمريكي الضربة بالضربة والعدوان برد العدوان، فذلك كسر قاعدة الهيمنة الأمريكية وكسر هيبة أمريكا وعملياً أصيبت في مقتل ومن الواضح أن العصا الأمريكية الغليظة قابلة للكسر من قبل إيران التي أظهرت أنها أهلٌ للمعركة".
وتابع دنورة أنّ "الرد الإيراني أظهر خطأ حسابات ترامب الذي أضاع هيبة أمريكا وحاصر أنصاره في الساحة العراقية وأضعف موقفهم لأبعد الحدود وموقف حلفائه في المنطقة أيضاً ومهّد الأمر لصراع متدحرج وهو خيار غير موفق لأمريكا وحلفائها"، مشيراً إلى أنّ "الرد الإيراني متصاعد ويمكن إشعال جميع جبهات محور المقاومة دفعة واحدة وذلك سيسبب انهيار أمريكا في المنطقة. ورأينا اضطراب الخيارات الأمريكية حيال ذلك سياسياً وعسكرياً ترجمت بصمت شبه كامل من المستوى الرسمي الأمريكي بمحاولة بائسة، ليقولوا إنّ الخسائر هي ضمن الإطار القليل لكي يبرروا عدم ردهم واضطرارهم له، وذلك يظهر ضعفهم على المستوى العسكري والاستراتيجي، وحتى من الناحية التكنولوجية وجدنا أن المنظومات الدفاعية الأمريكية كانت غير قادرة على إسقاط الصواريخ الإيرانية".
وأكد دنورة لـ"العهد" أنّ "الوضع أمام كسر نمطية في التعاطي مع الأمريكي وطبيعة التوازن العسكري وفتح الباب لصراع إخراج أمريكا من العراق واستكمال بناء تحالف محور المقاومة الصلب بتواصل جغرافي وعسكري واستراتيجي واقتصادي وذلك يحرز نقاطاً هائلة في الميزان الاستراتيجي لمحور المقاومة".
ورأى دنورة أنّه انطلاقاً من كلام السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بأن التطورات تخص قطاعاً واسعاً من العالم الذي يريد قصقصة أجنحة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط وليس فقط دول المحور، فإن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا يوم أمس الثلاثاء تأتي في هذا الإطار، مؤكداً أنّ "الزيارة تؤكد أن الروسي جاهزٌ ليفعّل خياراته في المنطقة إذا كان الأمريكي يتوهم أنه بإمكانه أن يحدث رداً استراتيجياً في الساحة السورية فسيتحمل عقبات مثل ذلك الرد من الجانب الروسي فضلاً عن محور المقاومة".
وتابع دنورة أنّ "الزيارة رسالة حضور عسكري واستراتيجي وسياسي على نفس المستوى من الأهمية، وتشير إلى أنّ مشروع إخراج الأمريكي من المنطقة والذي بدأ موضع التنفيذ لا يحظى فقط بقبول من شعوب المنطقة بل بالقبول الروسي"، مشيراً إلى أن "الزيارة كانت هادئة فعلاً بمناسبة معايدة الجنود الروس في سوريا ولكنها صاخبة في مدلولاتها لأنها تظهر أن الطرف الروسي الذي ساهم مؤخراً في المناورات البحرية الإيرانية الصينية منذ أيام ليس في خلفية المشهد بل في قلبه، وسيساهم في ردع العربدة الأمريكية ويضع خطوطاً بالنار لأية محاولات لتوسيع نطاق الاشتباك نحو الساحة السورية من قبل الأمريكي والصهيوني".
وختم الخبير الاستراتيجي السوري حديثه لـ"العهد" بالقول إنّها "رسالة تتعلق باستعراض الإنجاز العسكري الروسي السوري المشترك في مجال محاربة الإرهاب في سوريا، التي حاول الإعلام الغربي مراراً وتكراراً أن يظهرها أنها دولة فاشلة لا يوجد تعايش سلمي أهلي فيها ونشاط اقتصادي طبيعي، وزار وتجول بكل راحة في المعالم الكنسية المسيحية والإسلامية كرسالة مزدوجة بدعم بنية التعايش والوحدة الوطنية في سوريا، وليمرر رسالة حضارية تتعلق بالترابط الحضاري والروحي بين سوريا وروسيا، وليؤكد أنّ سوريا المهد الحضاري الأول لدول العالم كلها".
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
25/11/2024