الخليج والعالم
زمن تحكّم الولايات المتحدة بأمور أوروبا انتهى
رأى الكاتب الأميركي دايفيد اغناطيوس أن "الأزمة الناشئة حول أوكرانيا ستسجل في كتب التاريخ"، مشيرا إلى أن "الرئيس الأميركي جو بايدن يواجه أحد أكبر الأزمات العالمية في التاريخ الأميركي المعاصر".
وفي مقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، نقل الكاتب عن مسؤول أميركي قوله إن "الأزمة الأوكرانية قد تتحول إلى حدث يوازي أزمة قناة السويس خلال العام 1956، التي ساهمت بتفكك الإمبراطورية البريطانية".
وأضاف الكاتب أن "تداعيات هذه الأزمة لا تقتصر على القارة الأوروبية بل تشمل نطاقا أوسع بكثير"، لافتا إلى "البيان المشترك الذي أصدره الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين عقب لقائهما الأخير في بيكن، الذي تضمّن كلاما حول "عصر جديد" سيكون بديلاً عن النظام الذي تقوده اميركا".
الكاتب ذكر أن "البيان تحدث عن تعاون مشترك من دون قيود"، وقال إن "التهديد الروسي لغزو أوكرانيا هو الهجوم الأول المحتمل وان المواجهة مع الصين على خلفية ملف تايوان ايضا تلوح في الأفق".
وتابع أن "بيان بكين اقترح بديلا عن "قيادة اميركا للعالم"، معتبرا أنه "نموذج روسي صيني عن استراتيجية مهندس الحرب الباردة جورج كينان لاحتواء الاتحاد السوفييتي، خصوصا ان بكين وموسكو تستعدان لخوض حرب باردة طويلة تكون مع بعض مراحلها "الساخنة" كالجزء المتعلق بملف أوكرانيا".
مرحلة التحكم الأميركي بمسار الأمور في أوروبا انتهت
وفي سياق متصل، رأى السفير الأميركي الأسبق لدى حلف "الناتو" روبرت هانتر في مقالة نشرها موقع "ريسبونسيبل ستايتكرافت" أن "الوضع لن يعود إلى ما كان عليه قبل التطورات الأخيرة في الملف الأوكراني"، موضحا أن "المشهد في أوروبا على الصعيد الأمني وغيره سيختلف عما كان عليه قبل اندلاع هذه الأزمة".
الكاتب الذي شارك في رسم عقيدة الرئيس الأسبق جيمي كارتر تجاه منطقة الخليج، أكد أن "روسيا ستصبح في أوروبا لاعبا غير مسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، خصوصا بعد أن توقف الغرب وخاصة الولايات المتحدة عن اخذ المصالح الأمنية الروسية المشروعة على محمل الجد، وذلك منذ العام 1998 تقريبا".
وقال إن بوتين كان قد وجّه عددا من التحذيرات، منها في خطاب إلقاء خلال مؤتمر ميونيخ الأمني عام 2007 تضمن انتقادات شديدة اللهجة لواشنطن، إذ اتهمها بالسعي إلى فرض ارادتها"، مضيفا أنه "جرى تجاهل بوتين وقتها عندما أعلن حلف "الناتو" عام 2008 ان أوكرانيا وجورجيا ستصبحان دولتين عضوين في الحلف".
وحول التلويح بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، قال الكاتب إن العقوبات لا تجدي نفعًا عندما يتعلق الامر بالجانب الأمني للقوى الكبرى"، مضيفا أن "إدارة بايدن لم تستطيع حشد كل الحلفاء الاطلسيين في موضوع فرض العقوبات على موسكو"، مشيرًا إلى أن "المستشار الألماني الجديد أولاف شولز لم يؤيد التهديدات التي أطلقها بايدن بفرض عقوبات على مشروع خط انابيب الغاز "Nordstream 2".
وشدد على "ضرورة أن يتخلّى "الناتو" عمّا يسمى بمبدأ "الباب المفتوح"، ليس فقط لدول مثل أوكرانيا وجورجيا وانما دول اخرى أيضا".
وأكد الكاتب أنه حان الوقت للاعتراف بأن المرحلة التي كانت فيها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تتحكم عمومًا بمسار الأمور في أوروبا قد انتهت، وأن الشيء نفسه ينطبق على النظرة إلى روسيا كلاعب ثانوي"، وقال إن "موسكو لم تعد لاعبا ثانويا سواء في أوروبا وحتى في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط".
وأضاف أن "عهد "الاستثنائية الأميركية" قد انتهى، وأن الولايات المتحدة ستضطرّ إلى تبني سلوك الدولة "العادية" التي تعتبر في الوقت نفسه أقوى دولة عموما على صعيد القوة والنفوذ".
وذكر أن الرئيس الروسي "لا يستطيع تجاهل بعض الحقائق"، متحدثًا عن "ضرورة ان تحجِّم روسيا طموحاتها وان تقبل بأن تكون دولة "عادية"، وأضاف أن "التحدي الحقيقي لروسيا يتمثل بالاتحاد الأوروبي وليس الناتو".
وتابع أن "بناء ثقة الغرب بروسيا كي تلعب دور مسؤول وليس دور "مخرب" في أمن أوروبا سيستغرق اعوامًا من الخطوات العملية والعمل السياسي، وذلك بعد ما أقدم عليه بوتين منذ غزو أوكرانيا عام 2014"، على حد قوله.
الكاتب تحدث عن السعي إلى دمج روسيا اقتصاديا مع الغرب بشكل غير مسبوق، وذلك في سياق ادخال روسيا إلى العالم الخارجي من دون ان تهدد جيرانها.
وختم الكاتب مشددا على "ضرورة أخذ روسيا على محمل الجد واحترامها كلاعب مهم، شريطة ان تكون هي الأخرى مستعدة بالكامل لاحترام الأطراف الأخرى وتبني نهج تجاه هذه الأطراف يخدم مصالحها في المستقبل".