الخليج والعالم
العراق: الاعتصامات تصل القضاء
بغداد: عادل الجبوري
تفاعلت وتسارعت وتيرة الاحداث في الساحة السياسية العراقية، ارتباطا باندفاع مجاميع من التيار الصدري يوم امس الثلاثاء الى مبنى مجلس القضاء الاعلى داخل المنطقة الخضراء وتنفيذ اعتصام مفتوح امامه، الامر الذي احدث ردود افعال واسعة حذرت من خطورة انزلاق البلاد الى المزيد من الفوضى والاضطراب، في ظل تعطيل وشلل مؤسسات الدولة العليا، قبل أن يوعز زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر لأتباعه بالانسحاب والاكتفاء باستمرار الاعتصام أمام البرلمان.
صالح: تعطيل القضاء امر خطير
وفي بيانه بهذا الشأن، أكد رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، برهم صالح، "ان تطورات الأحداث في البلد تستدعي من الجميع التزام التهدئة وتغليب لغة الحوار، وضمان عدم انزلاقها نحو متاهات مجهولة وخطيرة يكون الجميع خاسرا فيها، وتفتح الباب أمام المُتربصين لاستغلال كل ثغرة ومشكلة داخل بلدنا".
وأشار صالح الى أن "التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي حق مكفول دستوريا، ولكن تعطيل عمل المؤسسة القضائية أمر خطير يهدد البلد، وينبغي العمل على حماية المؤسسة القضائية وهيبتها واستقلالها، وأن يكون التعامل مع المطالب وفق الأطر القانونية والدستورية، حيث ان البلد يمر بظرف دقيق يستوجب توحيد الصف والحفاظ على المسار الديمقراطي السلمي الذي ضحى من أجله شعبنا، ولا ينبغي التفريط بها بأي ثمن، والعمل على تجنّب أي تصعيد قد يمس السلم والأمن المجتمعيين".
الكاظمي يحذر من تعطيل االقضاء
رئيس حكومة تصريف الاعمال مصطفى الكاظمي، بحسب بيان صادر عن المكتب الاعلامي لرئاسة مجلس الوزراء، قطع زيارته لجمهورية مصر العربية، التي كان قد وصل اليها يوم امس الاول الاثنين للمشاركة في قمة رباعية مع زعماء كل من الاردن ومصر والامارات، على وقع تسارع الاحداث في الشارع العراقي، وحذر الكاظمي من "أن تعطيل عمل المؤسسة القضائية يعرض البلد إلى مخاطر حقيقية، وأن حق التظاهر مكفول وفق الدستور، مع ضرورة احترام مؤسسات الدولة للاستمرار بأعمالها في خدمة الشعب"، وطالب جميع القوى السياسية بالتهدئة، واستثمار فرصة الحوار الوطني للخروج بالبلد من أزمته الحالية"، داعيا إلى "اجتماع فوري لقيادات القوى السياسية، من أجل تفعيل إجراءات الحوار الوطني، ونزع فتيل الأزمة"، علمًا أن اجتماعا للحوار الوطني كان قد عقد في السابع عشر من الشهر الجاري بحضور مختلف القوى والشخصيات السياسية العراقية في مقابل مقاطعة التيار الصدري، ولم يفلح الاجتماع في احتواء التصعيد والتوصل الى مخرج مناسب للأزمة.
الحلبوسي: لا بدّ من الاحتكام للدستور
رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، اكد في بيان له، "للأسف، ما وصلنا إليه اليوم هو تراجع أكثر مِمَّا كنَّا عليه سابقا، من خلال تعطيل المؤسسات الدستورية، مجلس نواب معطل - مجلس قضاء معطل - حكومة تسيير أعمال". موضحا انه "يجب أن نحتكم جميعا إلى الدستور، وأن نكون على قدر المسؤولية لنخرج البلد من هذه الأزمة الخانقة التي تتجه نحو غياب الشرعية، وقد تؤدي إلى عدم اعتراف دولي بكامل العملية السياسية وهيكلية الدولة ومخرجاتها".
وفي تغريدة له سبقت البيان، قال الحلبوسي: "ندعم التظاهرات وفق السياقات القانونية والدستورية، وبما يحفظ الدولة ومؤسساتها ويحمي وجودها، ولكن لا ينبغي أن تكون خصومتنا مع القضاء الذي نحتكم إليه جميعاً إذا اختصمنا".
مجلس القضاء يعلّق أعماله
وكان مجلس القضاء الاعلى، قد اعلن تعليق اعماله احتجاجا على اعتصام التيار الصدري امام مقره، وجاء في بيان رسمي انه "اجتمع مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا حضوريا والكترونياً صباح يوم الثلاثاء الموافق 23 /8 /2022 على إثر الاعتصام المفتوح لمتظاهري التيار الصدري أمام مجلس القضاء الأعلى للمطالبة بحلّ مجلس النواب عبر الضغط على المحكمة الاتحادية العليا لإصدار القرار بالأمر الولائي بحل مجلس النواب وإرسال رسائل تهديد عبر الهاتف للضغط على المحكمة.. ولذا قرر المجتمعون تعليق عمل مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا احتجاجا على هذه التصرفات غير الدستورية والمخالفة للقانون وتحميل الحكومة والجهة السياسية التي تقف خلف هذا الاعتصام المسؤولية القانونية إزاء النتائج المترتبة على هذا التصرف".
وارتباطا بذلك، فإن عددا من المحاكم في بغداد والمحافظات، اعلنت اخلاء مبانيها من القضاة والموظفين واغلاق ابوابها، فيما اصدرت محكمة استئناف الكرخ ببغداد مذكرات قبض ضد بعض قيادات وكوادر التيار الصدري بتهمة التحريض وتهديد القضاء.
وانسجاما مع قرار مجلس القضاء الأعلى، أعلنت نقابة المحامين العراقيين، موقفها المساند للقضاء العراقي، وتعليق اعمالها بشكل متوازٍ مع القضاء، واكدت في بيان لها انه "يجب على جميع الأطراف السياسية فهم خطورة عدم حماية استقلال القضاء والذي سيؤدي بنا إلى فقدان أهم ركائز بناء دولة دستورية، وأن القضاء يجب أن يُصان، ويُصان مرة أخرى". وفي ذات الوقت الذي اكدت النقابة دعمها مطالبات الثوار، ومساندتهم لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة، من خلال الاشتراك مع بقية النقابات والاتحادات، الا انها شددت على ان كل المطالبات يجب أن تُصاغ وفق الأطر الدستورية، ويُعبر عنها بقوالب يفترض بها أن تحقق تلك الأهداف.
وفي وقت لاحق، وبعد انسحاب المتظاهرين، أصدر مجلس القضاء بيانا اخر، ذكر فيه انه " بالنظر لانسحاب المتظاهرين وفك الحصار عن مبنى مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا تقرر استئناف العمل بشكل طبيعي في كافة المحاكم اعتبارا من صباح يوم الغد الموافق ٢٤/٨/٢٠٢٢".
وشكر مجلس القضاء الأعلى كافة الجهات والشخصيات المحلية والدولية الداعمة للقضاء والحريصة على مبدأ سيادة القانون واحترام الدستور، كما أكد المضيّ باتخاذ الاجراءات القانونية بحق كل من يخالف القانون ويعطل المؤسسات العامة.
الإطار التنسيقي يدين التجاوز على القضاء
أمّا الإطار التنسيقي فقد دان في بيان له التجاوز الخطير على المؤسسة القضائية وتهديدات التصفية الجسدية بحق رئيس المحكمة الدستورية، وطالب كل القوى السياسية الوطنية وكذلك الفعاليات المجتمعية الى عدم السكوت بل المبادرة الى ادانة هذا التعدي.
وحمّل الاطار التنسيقي الحكومة "كامل المسؤولية للحفاظ على ممتلكات الدولة وارواح الموظفين والمسؤولين خصوصاً السلطة القضائية التي تعتبر الصمام الوحيد الذي بقي للعراق".
ودعا "الشعب العراقي بكامل شرائحه الى الاستعداد العالي والجهوزية التامة للخطوة المقبلة التي يجب ان يقول الشعب فيها قوله ضد مختطفي الدولة لاستعادة هيبتها وسلطانها".
وحثّ "المجتمع الدولي على بيان موقفه الواضح امام هذا التعدي الخطير على المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها السلطة القضائية والمؤسسة التشريعية".
الأمم المتحدة: المجتمع الدولي لن يقف ساكنا
بموازاة ذلك، أعربت بعثة الامم المتحدة في العراق عن رفضها الاعتداء على القضاء ولغة فرض القوة، مؤكدة ان المجتمع الدولي لن يقف ساكنا.
وأكدت البعثة في بيان لها دعمها "للاحتجاج السلمي والبحث عن معالجات لمشاكل العراق السياسية، لكن لا ان يتحول هذا الاحتجاج الى تصعيد غير ديمقراطي يستهدف المطاف الاخير لكل الخصوم، وان التعدي الذي اقدم عليه متظاهرو التيار الصدري ضد القضاء العراقي، الذي نؤمن بأن حصونه هي الملاذ الاخير، هو تعدٍّ على العملية الديمقراطية في العراق، وسيجر العراق الى وضع اسوأ مما هو عليه الان.
وشددت على "ضرورة ان يحتكم الجميع للغة السلم والحوار دون الانسحاب الى لغة فرض القوة" مضيفة "لن يقف المجتمع الدولي ساكناً امام هذه التحركات التي نتأمل ان لا تكون استهدافاً حقيقياً للشعب والدولة وفرض سلطة سياسية جديدة على العراق".
مطالب التيار الصدري
وكان متظاهرو التيار الصدري الذين بدؤوا بتنفيذ اعتصام مفتوح امام مقر مجلس القضاء الاعلى منذ صباح يوم الثلاثاء، ثم انسحبوا بعد ساعات بناء على اوامر الصدر، قد رفعوا جملة مطالب من بينها حلّ البرلمان الحالي، وتحديد موعد للانتخابات المبكرة، وعدم تسييس القضاء مطلقا، ومحاربة الفساد والمفسدين، وفصل الادعاء العام عن مجلس القضاء، علمًا أن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر كان قد وجه اتباعه اواخر شهر تموز-يوليو الماضي، اي قبل ما يقارب الشهرين، بدخول المنطقة الخضراء وتنفيذ اعتصام مفتوح امام البرلمان حتى يتم حله واجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وجاءت خطوته هذه بعد وقت قصير من اعلان قوى الاطار التنسيقي ترشيح الوزير السابق محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة المقبلة خلفا لحكومة تصريف الاعمال الحالية التي يتولاها مصطفى الكاظمي منذ اكثر من عامين.