الخليج والعالم
الإمام الخامنئي خلال لقائه قادة حرس الثورة: منظمة عسكرية تنجز أعمالًا لا تنجزها الجيوش الكبرى في العالم
النصّ الكامل للقاء آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي مع المجمع الأعلى لقادة "حرس الثورة الإسلاميّة":
"بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا أبي القاسم، المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، ولا سيما بقية الله في الأرضين، أرواحنا فداه.
أهلاً وسهلاً بكم. اليوم كذلك يومٌ سعيد ومحبّبٌ للغاية بالنسبة إلي؛ أن ألتقي بكم، أيها الأعزاء، يا رجال الثورة ورجال حراسة الحق والحقيقة. أشكر قائد «حرس الثورة الإسلامية» وممثل [الولي الفقيه] المحترمَين على كلمتيهما. لقد أدليا بكلمات جيدة للغاية.
إن جانباً من حديثي سيكون نبذة عن الحرس. أودّ أن أتحدث ببعض المواضيع عن الحرس، وربما قيلت مراراً، ولكن في الوقت نفسه، يحتاج شعبنا وشبابنا وشباب الحرس نفسه إلى سماع هذه المواضيع. يجب ألا ننسى هويّتنا. إن من أهداف شياطين العالم نسياننا أنفسنا، فيجب ألّا نسمح بذلك. أودّ أن أتحدث بكلام موجز - باختصار طبعاً - عن الحرس، وأيضاً عن الثورة التي يرى الحرس رسالةَ حراستها مسؤوليته. ما ميزات هذه الثورة التي أنتم حرسها؟ سأتحدث ببضع كلمات في هذا الصدد أيضاً.
بشأن الحرس، دونت بعض النقاط لأتحدث عنها. النقطة الأولى إن تأسيس الحرس في بداية الثورة كان ظاهرة فريدة من نوعها بين الثورات الكبرى في التاريخ. ظهرت في الثورات الكبرى مثل الفرنسية والبلشفية السوفييتية مجموعات في بداية تلك الثورات حملت عنوان مناصرتها، وأقدموا على خطوات معيّنة، لكن «حرس الثورة الإسلامية» لم يكن قابلاً للمقارنة إطلاقاً بهذه المجموعات والجماعات. تلك كانت مخرّبة وتعمل كما يحلو لها وغير منضبطة ودون التزام المبادئ والأصول. أما الحرس، فلا؛ منذ بدء تأسيسه – هذه أمور مهمة - كان تشكيله تحت إشراف مركزية الثورة الإسلامية. كانت قيادته وتنظيمه مركزيين. كان له مجلس إدارة وقيادة. منذ البداية كانت هناك قيادة مركزية. كانت [قيادته] في المركز وحاضرة في كل مكان في البلاد، لكن المركزية تقود بالمعنى الحقيقي للكلمة.
منذ بداية تأسيس الحرس، تمتع أعضاؤه وعناصره بقيم الدين والثورة مثل الإيثار والتضحية والحضور الجهادي الدائم والمتواصل ليلاً ونهاراً، ومثل الطاعة والتسليم للإمام [الخميني] الجليل، ولم يُرَ أي شيء غير هذا البتة، فقد كنا ناظرين وحاضرين منذ البداية، كنا نرى قضايا الحرس، أي كان ظاهرة فريدة من نوعها. كان الأفراد يتمتعون بالطهارة والتقوى. لا أريد المبالغة، ففي النهاية هناك عيوب ونقاط ضعف لدى كل الأشخاص. كانت هناك عيوب ونقاط ضعف لكن وفق القرائن ربما لم تُرَ في تاريخ بلدنا حتى ذلك اليوم أي مؤسسة عسكرية بهذا المستوى من السلامة: السلامة الإنسانية والسلامة في العلاقة مع الله. على مر تاريخ البلاد، وعلى حد علمي، لا نعرف أي مؤسسة عسكرية تتمتع بالسلامة الروحانية والأخلاقية والسياسية إلى هذا الحد. هذه نقطة، فقد كان تأسيس الحرس ظاهرة على هذا النحو.
النقطة التالية هي قضية النمو والنّماء الداخلي للحرس. هذه أيضاً ظاهرة منقطعة النظير. كان الحرس في بداية تأسيسه مجموعة من بضع مئات لكن في مدة ما - أقل من عامين - تحول إلى تنظيم عسكري كبير بتشكيلات منظمة، وبتنظيم في وحدات لوائية، وكان هذا مهماً للغاية، فقد استطاع تنظيم المجموعات العسكرية ضمن ألوية، أي من المجموعات الصغيرة بلا أسماء إلى السرايا والكتائب لتصل إلى تشكيل الألوية. لقد حدث هذا في أقل من عامين، وهو ما أدى إلى أنه تمكّن بعد مدة وجيزة من إنجاز عمليات كبيرة ومصيرية بالتعاون والتعاضد مع الجيش، عمليات: «ثامن الأئمة»، «طريق القدس»، «الفتح المبين» «بيت المقدس». ففي ذلك اليوم، جرت مثلاً عملية ضخمة مثل «الفتح المبين» بمشاركة حاسمة ومصيرية من الحرس، أي في آذار/فبراير 1982، وكان قد مرّ عامان ونصف على تأسيس الحرس حتى ذلك اليوم، أي [كان هناك] مثل هذا النمو والنّماء مع تلك القيادات والحركات المذهلة، واعتقادي أنه رغم الكتابات لدينا كافة في هذا المجال، بقيت تفاصيل القضايا وعظمة العمل غير موضحة جيداً، ولم يجرِ تبيينها على النحو المطلوب. لقد استطاع الحرس بالتضحيات أن يُظهر للعدو - هنا كانت الاستعدادات الذهنية والفكرية والروحية وكذلك التضحيات العملية موجودة - قدرةَ الدفاع العسكري العظيمة للثورة، التي كانت مصيريةً: وضع حياته أمام طلقة وحرر بلداً من وصمة الأيام المظلمة.
حدث مثل هذا الوضع. إن هذه الحركة، وهذا النّماء وهذه الصّلابة المنقطعة النظير، ظاهرة لا شبيه لها. ليس لدينا [مثلها]. استمرت هذه الظاهرة الفريدة والاستثنائية ولم تتوقف، فلم يكن الأمر كأنهم يُطلقون حركة وتنمو بمقدار معين ثم يتوقفون. كلا، لقد استمرت حتى يومنا، إلى حد أننا بعد نحو أربعة عقود بات لدينا [في الحرس] مقر دفاعي وعسكري ضخم ومجهز بالكامل وأكبر منظمة لمكافحة الإرهاب في العالم. اليوم، «حرس الثورة الإسلامية» هو أكبر منظمة لمكافحة الإرهاب في العالم. [الحرس] منظمة عسكرية مجهزة وفعالة ومستقلة ويمكنها إنجاز أعمال لا يستطيع إنجازها كثير من الجيوش الكبرى في العالم. كان هذا بشأن النمو والنّماء [لدى الحرس].
نقطة أخرى تتعلق بأداء الحرس، وهي أيضاً ظاهرة جذابة ومتعددة الأوجه. أولاً، من أهم الأعمال التي أنجزها الحرس منذ اليوم الأول حتى يومنا مواجهة الأزمات التي افتعلها العدو. هذه نقطة مهمة جداً. سأطرح حادثة تاريخية. في وقت قصير، قبل شهر تقريباً من انتصار الثورة، أي مطلع كانون الثاني/يناير 1979، اجتمع رؤساء أربع دول، أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، في مؤتمر – في ملتقى على حد تعبيرهم - في جزيرة فرنسية تسمى غوادلوب، وصار يُعرف في ما بعد باسم «مؤتمر غوادلوب». كان موضوع النقاش في هذا المؤتمر هو الثورة، الثورة الإيرانية، الثورة الإسلامية. جلسوا لمناقشة: ماذا ينبغي أن نفعل؟ ماذا يمكننا أن نفعل مقابل هذه الثورة؟ كانوا يرون الثورة تنتصر. توصلوا إلى استنتاج مفاده أن إنقاذ النظام البهلوي العميل غير ممكن. هذه النتيجة الأولى. قالوا: هذا العمل مستحيل ولا يمكن فعله. النتيجة الثانية أنهم قدموا إلى أنفسهم بشرى. قالوا: نعم، هذه الثورة ستنتصر، لكن ستكون هناك أزمات أمام هذه الثورة - هذا ما تنص عليه الوثائق المنشورة لهذا المؤتمر - إذ لن تكون أيّ حكومة تصل إلى السلطة بعد الثورة قادرة على مواجهة تلك الأزمات. توصلوا إلى هذا الاستنتاج، أي هذا هو المقدار الذي نُشر من هذا المؤتمر. قالوا إن أيّ حكومة تأتي إلى السلطة بعد الثورة ستخفق مع هذه الأزمات ولن تقدر على الاستمرار. في وقت لاحق، وصلت وثائق وكر التجسس، وجاء فيها أن الغربيين وضعوا سياسة إستراتيجية حتى لا يشتد عود هذه الثورة وتغدو عاجزة عن الاستمرار. تمثّلت تلك السياسة الإستراتيجية في افتعال أزمات وحوادث متتالية. التفتوا! في بداية الثورة، كانت لدينا مشكلة غربي البلاد، ومشكلة في الشمال الغربي، وثالثة في الشمال الشرقي تقريباً، وأخرى في الجنوب، ومشكلة في الجنوب الشرقي، أي كانت هناك دائماً أزمات في أطراف البلاد. هذا الخبر يوضح لنا تفسير هذه الأحداث وما كانت ماهيتها؟ لم تكن هذه الأحداث عفوية. إنها تلك الأزمات المتتالية. بعد مرور مدة أيضاً بدأت الحرب وهجوم صدام. مَن الذي استطاع إخماد هذه الأزمات والأحداث والاضطرابات وإنقاذ البلاد منها؟ مَن الذي استطاع أن ينقذ أهالي كردستان وبلوشستان وأهالي مناطق متنوعة من البلاد من شر هذه الاضطرابات؟ مَن الذي استطاع أن ينقذ آحاد الناس في طهران من الهجوم الإرهابي الواسع؟ الحرس! لقد كان الحرس. كان الحرس المنظمة التي هزمت سياسة الأزمات المتتالية التي اجتمعوا لأجلها وخطّطوا لها بغية إفشال الثورة. لقد كانوا مَن أخمدوا هذه النار. كان هدف العدو أن يقضي على زخم الثورة عبر هذه الأزمات، فبعد أن تغدو الثورة ضعيفة ينفذون انقلاباً مثل «28 مرداد» (19/8/1953) وينهون المسألة. لقد تصدّى الحرس لأمثال «28 مرداد». لم يسمح الحرس لسياسة العدو تعطيل الحركة الصحيحة التي بدأتها البلاد. هذا السبب في أنكم ترون أن الغربيين يعادون الحرس إلى هذا الحد، ودائماً يأتي ذكر اسم الحرس بكره وحقد من جانبهم. حسناً، كان هذا أيضاً جانباً من أداء الحرس.
إن أداء الحرس في «الدفاع المقدس» فصل مستقل ومهم للغاية وواسع النطاق وجرت كتابة عدد من الأشياء عنه وإعداد كتب وتقارير كثيرة لن نخوض فيها [لأنه] فصل مستقل وطويل.
جانب آخر من أداء الحرس هو مسألة تنامي القدرات. لم يقتصر [أداء] الحرس على نفسه بل زاد قدراته يوماً بعد يوم سواء بالجهود الداخلية له أو التعاون خارج التنظيم. لا ينبغي النظر إلى هذه الزيادة في القدرات حصراً من منظور أننا نخزن السلاح ونزيد السلاح والابتكار. معنى هذا قوة ردع للبلاد، ومعناه الحفاظ على أمنها. عندما يشعر العدو أنكم ضعاف، يتشجّع على الهجوم، وعندما يشعر أنكم أقوياء، يتعين عليه إعادة النظر في نية الهجوم. لذلك يقول [الله تعالى]: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} (الأنفال، 60)، [أي] إرساء الأمن في البلاد. لذلك، ترون أنّهم كانوا في مرحلة ما يقولون مراراً: «الخيار العسكري على الطاولة»، لكن منذ مدّة وهذا الكلام لم يعد يتكرر. صار تافهاً ولا قيمة له، وهم يُدركون أنّه بلا معنى. هذا بسبب قدراتكم؛ كلما زادت قدراتكم في الداخل، ستظهر النتيجة هنا.
مسألة الإعمار في مختلف المجالات هي الجانب الآخر في ما يخص أداء [الحرس]. هذا فصل لامعٌ وموضوع مهمٌّ للغاية لا يُمكن العبور بسهولة عنه. الحرس هو الأول في شؤون البنية التحتية. قلّ ما لدينا جهاز في قضايا البنية التحتية للبلاد – الطرقات والطرق السريعة والسدود والمصافي وأمثال ذلك – يُمكن أن ينجز كما الحرس هذا الكم من الأعمال بتكاليف أقل من المعتاد، وبسرعة أكبر من المعتاد. هذا فصلٌ مهمٌّ للغاية يبعث على الفخر.
فصل آخر هو الخدمات العامة للحرس. وقف الحرس إلى جانب الشعب في مختلف القطاعات. في قطاع الصحة - هذا مهم للغاية - كان الحرس قادراً على إنجاز أعمال عظيمة. قدّم مساعدة أساسية في الأحداث الطبيعية والكارثية مثل الزلازل والفيضانات و«كورونا» وما شابه. «رفع الحرمان» [أيضاً]؛ من الجوانب التي لا تزال مجهولة، ولم يُقدّم تقرير دقيق عنها إلى الناس حتى الآن، وهي خطوات الحرس وتحرّكاته في «رفع الحرمان» عن الفئات الضعيفة من الشعب. [في هذا القسم] أُنجزت أعمال عظيمة وموسّعة أيضاً.
الفصل الآخر المهم الذي ينبغي النظر فيه أيضاً في مجال الأداء هو تأثير الحرس في الجو العام للبلاد. من الطبيعي أن تكون مجموعة مثل الحرس بهذه الخصائص المذكورة جذابة لجيل الشباب، وهي جذابة حقاً. تنظر القوى الشابة إلى هذه المجموعة وترى أن العلم معجون بالعمل، والقوة الصلبة بالقوة الناعمة. القوة الصلبة هي الصواريخ والطائرات دون طيار وما شابه، والقوة الناعمة هي الحضور بين الناس، والتحدث إليهم ومساعدتهم. كلتاهما موجودة. في الحرس، التطلّع إلى المُثل يترافق مع الالتفات إلى الحقائق والتعامل مع الحقائق. إنّ التواصل مع الناس وحضور التعبئة إلى جانب الناس أمورٌ عندما تشاهدها القوى الشابة في مؤسسة ما، ينجذبون إليها، فهذه جذابة بالنسبة إلى القوى الشابة. إذا نظرتم إلى هذه السيَر الذاتية لشهداء الدفاع عن المقدسات وأمثالها - شهداء الدفاع عن المقدسات وشهداء الأمن الذين استشهدوا خلال هذه السنوات – وعندما يقرأ المرء سيَر هؤلاء، يرى أن جاذبية حضور الحرس وتاريخه هما العامل الأهم والمؤثر في هذا النّماء والحركة وظهور هذه الشخصيات. الشباب يحتذون بالقدوة ويتأثرون. المجموعة التي تتمحور حول الرسالة، وتسعى إلى المُثل العليا، وتحضر في الميدان، وتتمسّك بالقيم في العمل، مثل هذه المجموعة تغدو جذّابة. ليست المنظّمة وحدها جذّابة [بل] الأفراد فيها جذّابون أيضاً، وأفرادها جذابون أيضاً بالنسبة إلى كلّ قلب سليم. قائدها الشامخ مثل الشهيد سليماني على نحو ما، وشابّها المضحّي مثل الشهيد حججي بطريقة، وعنصرها الحارس الشجاع والمتواضع مثل إبراهيم هادي بأسلوب كذلك... هذه كلّها جذّابة. كلّ واحدٍ من هؤلاء أنموذج، أنموذج لا ينضب. هذا أيضاً جانب من أداء الحرس.
والآن لو أردنا التطرّق إلى الجانب الأبعد من حدود البلاد، وهو حديث طويل جداً، فلو أردنا الدخول في قضية التأثيرات التي تركتها حركة الحرس وحضوره ومُثُله ونوعية توجيهه وأعماله في شباب الدول الأخرى، فإن الحديث سيطول جداً، ولا أنوي التطرق إلى ذلك الموضوع أيضاً لكنه مهم جداً. حسناً كان هذا جانباً حول الحرس.
التفتوا! يشكّل تشويه صورة «حرس الثورة الإسلاميّة» أحد الجوانب المهمّة لنشاط العدوّ. تشويه صورة التعبئة [أيضاً]، لماذا؟ لهذا السّبب: لأنّ «حرس الثورة الإسلاميّة» جذّاب، ولأنّ التعبئة جذّابة. هذه الجاذبيّة تُقلقهم وتجعلهم مضطربين. إنهم مضطرون إلى التشويه بالأخبار والشائعات الكاذبة وأنواع الحيَل والأساليب. يريدون ألّا يكون هذا الاقتداء وأنواع التعلّم والنّصرة هذه. كان هذا أيضاً فصلاً هو فصل أداء الحرس. إذن، ظهور الحرس ونموه وتناميه وأداؤه، لقد تحدثنا عن هذه الفصول الثلاثة.
ثمة محور مهم في ما يخص الحرس ألا وهو مسألة الحراسة، لا حراسة الثورة، بل نفسِه. قبل أن نهتم بحراسة الحرس للثورة ونناقشها ونلتفت إليها، علينا أن نلتفت إلى حراسة الحرس لنفسه. كل الناس عُرضة للزلل. كل المؤسسات عُرضة للزلل، وهي عُرضة لأن تصير كسولة وخاملة ومغرورة، ولنزعات مُضلّة ومختلفة وما شابه. الجميع كذلك خلا المعصومين. كلُّ الرؤساء والمديرين والزعماء والقادة وكلنا جميعاً، كلنا جميعاً عُرضة [للزلل]. إذن نحن بحاجة إلى المحافظة الذاتيّة، فنحن في الدرجة الأولى بحاجة إلى حراسة أنفسنا. اسم هذه الحراسة للنفس في الثقافة القرآنية «التقوى». هذا هو معنى التقوى، أي حراسة النفس، وأن نراقب أنفسنا، وهذه مهمّة المؤسسة بما أنها مؤسسة، وهي تكليف شخصي بما أنّنا آحاد: أنا وأنتم والجميع. من الأعمال المهمة التي ينبغي أن تكون دائماً موضع اهتمامنا هذه المحافظة على النفس، فنحن لدينا مواطن ضعف. لكل إنسان في باطن شخصيّته موطن ضعف. في بعض الأحيان تبقى مواطن الضعف هذه مخفيّة في الطبقات الباطنيّة لذهن الإنسان ووجوده وروحه، وأحياناً تسنح لها الفرصة للظهور وتظهر. بعضنا يعشق المال، وبعضنا المنصب، وتجتذبنا إليها أنواع الشهوات شتّى. نكون أحياناً غافلين عنها، فنحن في كثير من الأوقات غافلون عن هذه السجايا، وأحياناً يطرأ موقف ما فتظهر وتجعلنا مغلوبين لها، وإذا لم نحارب، فإنّها تجعلنا مغلوبين لها وتطرحنا أرضاً. علينا أن نحرس أنفسنا.
قيم الحرس ومميّزاته قيّمة للغاية، فتجب حراستها والحفاظ عليها، ومسؤولو المستويات المختلفة من الحرس مكلّفون أن يكونوا فعالين في هذه المجالات وحسّاسين، وأن يراقبوا ويقلقوا، فإذا طرأت غفلة عن ذكر الله، فإنّ هذا الخطر يتضاعف، وإذا قلّت الدوافع الجهاديّة لأيّ سبب، فإنّ هذا الخطر يتضاعف. إذا غرّتنا إنجازاتنا، فسيتضاعف هذا الخطر. هذه هي العوامل التي تسبب الخطر: الغفلة عن الله، الاغترار بالإنجازات، التعب من العمل الجهادي، قلة الالتفات إلى النِّعم الإلهيّة، أي أن نغفل عن النِّعم الإلهيّة العظيمة التي حبانا الله إيّاها، فما إن يواجهنا خلل، حتى يُقنطنا. إذا ما عرضت مشكلة، يذهب من أذهاننا أنّ الله المتعالي قد حلّ مئة من مشكلاتنا، وهذه الآن أيضاً مشكلة، فما أهميّتها. علَّمونا في الأدعيّة: «اللهُمَّ تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيتَ، فَلَكَ الحَمدُ رَبَّنا، وَبَسَطتَ يَدَكَ فَأَعطَيتَ، فَلَكَ الحَمدُ رَبَّنا، وَعَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوتَ، فَلَكَ الحَمدُ رَبَّنا»[4]، فاذكروا النِّعم الإلهيّة. ما إن يعترض طريقنا حجرٌ، حتى يغيب عن ذهننا أنّه كان أمام أقدامنا صخور هائلة وأزالها الله فننسى ويعترينا التردد ويُداخلنا الشك وينتابنا الكسل ونيأس. هذه أمراض مهلكة، فينبغي لكم الحذر منها.
في هذا المجال، فلننتبه إلى أنّ بعض الفئات إذا ارتكبت خطأً، فإنّ الله المتعالي يحسِبه خطأين، ونحن المعمّمون من هذا القبيل، فخطؤنا خطآن. يقول الله المتعالي لنساء النبي: {يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبِينَةٍ يُضاعَفُ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَينِ} (الأحزاب، 30)، لنساء النبي! ونساء النبي هنّ أمهات المؤمنين، فمقامهن رفيع إلى هذه الدرجة، وإذ بالله المتعالي يقول لهذه السيدات المحترمات أنفسهن: إذا ارتكبتنَّ خطأً، {يُضاعَفُ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَينِ}؛ نُعذبكنَّ ضعفين ونؤاخذكنَّ. وبالطبع، {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَينِ} (الأحزاب، 31). أنتم رجال الحرس كذلك، فإذا عملتم صالحاً، تُؤتون أجركم مرّتين: واحد هو أجر ذاك العمل الصالح، وآخر هو أجر صيرورتكم قُدوةً للآخرين. نحن المعمّمون على هذا النحو أيضاً: ضعفين. في المقابل، إذا ارتكبنا خطيئة، فالأمر كذلك: ذنبٌ هو الذنب نفسه، وذنبٌ أيضاً من أجل الآثار الظاهرية لذنبنا. يجب الالتفات إلى هذا الأمر.
أوصي أجيال الحرس الجديدة – الحمد لله، التحق عشرات الآلاف من الشباب بالحرس طوال هذه الأعوام وهم يسعون وراء أهداف كبيرة وقد سطّروا المفاخر، وهؤلاء الشباب أنفسهم أنجزوا أعمالاً عظيمة – وصيّة مؤكدة: حاولوا أن تجعلوا حليتكم الروحية والعلمية والعملية أعلى من أسلافكم. كان أسلافكم أُناساً طيّبين، فأولئك جاؤوا في عهد الصّبا من الجامعة ومن مناطق مختلفة وخاضوا ساحة الحرب وضعوا أرواحهم على أكفهم في يوم لم يكن ثمّة أمل في النصر. لم يكن هناك أمل في النصر حقّاً؛ لمّا بدأ «الدفاع المقدّس»، وبعد مدّة قصيرة حينما كان يذهب المرء إلى مناطق الحرب، لم يكن يرى شيئاً سوى الحزن والهمّ والظُّلمة والبؤس. في هذه الأجواء، تخلّى هؤلاء الشباب عن أرواحهم وجاؤوا وخاضوا الميدان ووقفوا ثابتي القدم واستطاعوا أن يقلبوا المعادلة وأن يستجلبوا الهداية الإلهيّة ونصر الله؛ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت، 69). إنّ الله المتعالي يهب لمن يجاهدون هدايتَه وعونَه ونصرتَه.
هذه الآيات التي تَلوها - {تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدونَ فِي سَبِيلِ اللَهِ بِأَمْوالِكُم وَأَنْفُسِكُم} إلى قوله {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ (11) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَفَتْحٌ قَرِيْبٌ... (13)} (الصف) - تقول: إن نسعَ، فإنّ الله المتعالي يُرسل نصره، وفي المقابل، إنِ ارتكبنا خطيئة، نَرَ أثرها للتوّ في ساعة الخطر في الصفّ الأمامي؛ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} (آل عمران، 155). إنّ من زلّت أقدامهم في غزوة أُحد وحوّلوا مشهد النصر إلى هزيمة وألحقوا تلك الخسارة الجسيمة بجبهة الحق {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}. كانت المشكلة مِن قَبلُ، فلم يكن سلوكهم مع أنفسهم جيداً فظهر أثره في الجبهة وتلك المنطقة الحسّاسة وذاك المنعطف الحسّاس. على هذا الأساس هذا المحور محور مهم: محور الحفاظ على النفس، وحراسة النفس.
حسناً. فلنتناول الآن حراسة الثورة: «حرس الثورة الإسلامية»! أول سؤال يعرض لنا: ما الخصيصة في الثورة الإسلامية التي تجعلها هدفاً لهجوم العدو فتدعو الحاجة إلى حارس ليحرسها؟ ما الشيء في الثورة الإسلامية الذي يُوجب أن يصطف الأعداء العلنيون والمخفيون ونصبح مرغمين على تأمين حارس لها ليحفظ الثورة ويحرسها؟ جواب هذا السؤال جواب جليٌّ، وهو: الحاكميّة السياسيّة للثورة. الإسلام موجود في أماكن كثيرة من العالم، وهو إسلامٌ لا شأن له حتى ببقر وخِراف المستعمر والمُستغِل والمستكبر والشركات المعلومة الحال، وهي أيضاً لا شأن لها به، ومع أنّ قلوبها غير نقيّة معهم (أتباع هذا الإسلام)، لكنها أيضاً لا توليهم اهتماماً كبيراً. ذاك الشيء الذي يحشد العدو للوقوف في وجه الإسلام هو الحاكميّة السياسيّة له، وهو الذي تحقّق هنا بهمّة الشعب الإيراني وبقيادة ذاك الرجل المنقطع النظير. كان الإمام [الخميني] الجليل منقطع النظير بالمعنى الحقيقي للكلمة. ما أرغم الأعداء على الاصطفاف في وجهه الحاكمية السياسية للإسلام.
حسناً، السؤال التالي: أيّ ميزة للحاكميّة السياسيّة للإسلام تدفع هؤلاء أن يُبدوا حساسيّة، وتسوقهم إلى ردّ فعل ويُبدون ردّ فعل؟ ما هي؟ هذه مهمّة، وينبغي أن نتعمّق فيها. إنّه هنا: كلما كان فهمنا الثورة الإسلامية أعمق وأدق وأوضح، صارت همّتنا للحراسة أكثر. طبعاً البديهي أنّ المرء لو أراد أن يبحث في هذا المجال، فلن يكون بحث ساعة وساعتين، فالميزة في النظام والمجتمع والسياسة الإسلامية تحتاج بطبيعة الحال إلى أبحاث طويلة. أشير إلى بضع نقاط فقط.
إنّ النظام السياسي للإسلام يعارض الظلم والظالم، بمنتهى البساطة. لديه حكم: «كُونا لِلظّالِمِ خَصماً». لقد قالوا لنا: «كُونا لِلظّالِمِ خَصماً». وصيّة أمير المؤمنين (ع) الذي هو تجسيدُ الإسلام الحقيقي لأعز أفراد العالم، أي لابنيه: «كونا للظالم خصماً»؛ اختصموا مع الظالم، «وَلِلمظلوم عوناً». هذا أولاً. حسناً، إذا بُنيت سياسة في العالم، ومنظومة في العالم، وقوّة في العالم، على أساس الظلم، فمن الواضح بداهةً أن تعارض هذا النظام لأنّها تعلم أنّه خصم لها. إنّ أساس الكيان الصهيوني على الظلم، وأساساً هو مبنيٌّ على الظلم، فقد طردوا شعباً من أرضه وحياته، وليس ذلك أيضاً بالمال والترجِّي بل بالبندقيّة والتعذيب والهراوة، وجلسوا مكانه، فأساسه الظلم. البديهي أنّ هذا الكيان سيُعارِض قهريّاً نظاماً رفع راية «كُونا لِلظّالِمِ خَصماً» واحتفظ بها فوق رأسه؛ هذا طبيعي.
النظام الإسلامي يُعارض التطاول على مصالح الشعوب حتى إن لم يتّفقوا معاً بالعقيدة والسلوك؛ {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} (المائدة، 8)، تعاملوا في تعاطيكم مع الشعوب بالقسط والعدل حتّى إن لم يتّفقوا معكم في العقيدة. «شَنَآنُ قَوْمٍ» بمعنى صحيح أنَّهم يُعارضونكم، لكن ينبغي ألا تجانبوا العدل في تعاملكم معهم. حسناً، من الطبيعي أنْ تعارِضَ الأنظمةُ التي أساس عملها الظلم. كانت إنكلترا في حينٍ أغنى الدول الأوروبية، فمن أين أتت [بالثروة]؟ من الهند، ومن المنطقة الشرقية ما وراء شبه القارة الهنديّة، ومن أراضي أمريكا حينما كان يحتلها الإنكليز. أتت الثروة من نهب مصالح الآخرين. غدت فرنسا دولة غنيّة؛ استطاعت إنجاز أعمال علميّة؟ من أين نالت ثروتها؟ من الجزائر والمغرب وتونس والمستوطنات الفرنسية الأفريقيّة أو الأمريكيّة اللاتينيّة، والباقي هم كذلك. كان مبنى عمل هؤلاء الاستغلال لأنهم كانوا يحترفون الملاحة البحريّة ومجاورين للبحر، فكان في مقدورهم الذهاب هنا وهناك، أولاً بالمكر والخديعة، ثم بعدما حصلوا على البنادق، استطاعوا بها أن ينتزعوا مصالح الشعوب من حلقها بالقوة. إذن، من الواضح أن تكون هذه الدول والقوى والأنظمة معارِضة لنظام أساسه رفض ظلم الشعوب أو التدخل في شأنها. البديهي أن يكون الأمر كذلك. ثمّ يجلس الآن من يُدعى «محلّل سياسي» ويُحلّل: ما الذي فعلته الثورة والنظام والجمهورية الإسلامية ليُعارضها البلد الفلاني والبلد الفلاني والبلد الفلاني... أَوَيحتاج الأمر تحليلاً؟ الأمر بديهي. هذه هي القضية: لا يمكن لجهاز الاستعمار الغاشم أن يكون حسناً مع نظام كالنظام الإسلامي.
النقطة التالية أنّ النظام الإسلامي يؤمن بكرامة الإنسان، الإنسان بما هو إنسان لا الإنسان في المنطقة الفلانيّة، والإنسان من العرق الفلاني أو اللون الفلاني. {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء، 70). هذا هو القرآن. أسمر اللون في المنطقة التي تضمّ ذوي الألوان السمراء «بني آدم» أيضاً. لا فرق أبداً. المنطق التمييزي الذي نشره الغربيّون على نحو فاضح وعملوا به ولا يزالون متعارضٌ مع الإسلام والقرآن مئة في المئة، والنظام الإسلامي يعارضه. حسناً، أنتم تريدون أن تكون أمريكا التي لا تزال بعد انقضاء مئتي عام أو ثلاثمئة أو أربعمئة على دخول الغربيّين إلى أمريكا، و[حيث] لا تزال قضيّة التمييز العرقي هناك، تريدون أن يكون هذا الكيان والنظام عطوفاً في تعامله مع النظام الإسلاميّ؟ حسناً، النظام الإسلامي يعارض هذه الأمور. هذه خصوصيّة أيضاً.
خصوصيّة أخرى من خصوصيّاته [هي أنّ] النظام الإسلامي يؤمن بأنه لو أنّ بلداً أو حكومة لا يخاصمه ولم يناصب العداء، وقال: تعالوا نتجنّب الحرب معاً، فعلى النظام الإسلاميّ أن يوافق على هذا الأمر؛ {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنفال، 61). الطرف المقابل حكومة لا تشارككم الفكر والعقيدة لكنّه لا ينوي المخاصمة، فيقول: تعالوا لنتعاطى معاً بسلام. لا ضير في هذا. {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} (الممتحنة، 8). فلتقبلوا إن لم يقاتلوكم ولم يُخرجوكم من بيتكم ودياركم ولم يعارضوكم. لكن لو رأيتم أنّ الطرف المقابل ليس موضع ثقة واطمئنان ويكذب ويحتال، فلا؛ {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ} (محمّد، 35). لا يحقّ لكم إذا كان الأمر على هذا النحو، أي إذا شعرتم واكتشفتم وأثبتت القرائن أنّ الطرف المقابل ليس صادقاً ويكذب، ومدّ في الظاهر هذه اليد لكي يسلّم عليكم وبيده الأخرى يحمل خلف ظهره خنجر مسموم ويقبض عليه، {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ}، أي لا تقبلوا أبداً، أو إذا عقدتم عهداً، {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} (التوبة، 12)، أي قابلوهم بالمِثل أيضاً: نكثوا العهد، فانكثوا العهد أيضاً. لاحظوا! هذه هي دروس النظام الإسلامي.
حسناً، هذه الدروس في التصدّي للشياطين تصنع الأعداء. نعم! الذين لا يكونون شياطين ولا خبث ودناءة لديهم يكون الأمر مقبولاً بالنسبة إليهم لكن ذاك العدوّ الخبيث والدنيء والحقود والناكث للعهود والكاذب يُصبح عدوّاً بصورة قهريّة طبعاً. إذاً، هذه الأمور في النظام الإسلامي تصنع الأعداء وهي من هذا القبيل.
من قِبل مَن هذا الهجوم؟ من الذين يعارضون هذه الخصائص. إذاً، عرفنا العدوّ. نحن حين نتعمّق في هذا، يتكوّن الدافع لدينا من أجل الحراسة، وندرك كذلك في وجه من ينبغي أن نحرس ثورتنا، ونعرف الطرف المقابل ولا نُخطئ. من المآزق التي نُبتلى بها أحياناً وعلينا أن نحرص على اجتناب الابتلاء بها قضيّة وقوعنا في الخطأ بشأن معرفة العدوّ. يُخطئ المرء أحياناً في معرفة العدوّ. الإمام [الخميني] (رض) بعين البصيرة تلك التي كان يملكها – لا يمكن حقّاً ذكر أيّ تعبير أفضل من هذا أمام ذاك الرجل، فقد كان يملك بصيرة بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكان يخترق الحُجب الخفية ويرى بعض الأمور – قال: صبّوا هتافاتكم كلها فوق رأس أمريكا.[6] إذاً، اتّضح السبب في نصب العداء لهذه الثورة ومن هم أولئك الذين ينصبون العداء لها.
هناك نقطة أخرى أيضاً بشأن هذه العداوات: لو لم تغدو الجمهوريّة الإسلاميّة قدوة، لكانت هذه العداوات أقلّ، لكنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تحوّلت إلى قدوة ورائدة، كما باتت الدافع لحركات المقاومة في هذه المنطقة الحسّاسة. هذه هي القضيّة. هذا أيضاً من الأمور المهمّة. لاحظوا! إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة، كان هذا الكيان الصهيوني الحقير قادراً على إلحاق الهزيمة بدول عدة محيطة به وقويّة نسبياً في غضون أيّامٍ ستّة: مصر وسوريا والأردن. عام 1967 وفي حرب الأيام الستّة استطاع الجيش الصهيوني الإيقاع بثلاثة جيوش مجهّزة لهذه البلاد الثلاثة، وتمكّن أيضاً من السيطرة على مساحات كبيرة من أراضي هؤلاء، وسلب مئات الكيلومترات المربّعة من أراضي هذه الدول الثلاث. تكرّرت هذه القضيّة نفسها عام 1973، وهنا استطاعت دولتا مصر وسوريا الاستفادة من هذه المباغتة وتمكّنا من حركة معيّنة في البداية لكنّه استطاع محاصرتهما مرّة أخرى فوراً وألحق الهزيمة بهما، أي إنّ الكيان الصهيوني كان على نحو تعجز معه ثلاث دول مع كلّ جيوشها عن مناوئته ومنافسته فكان يوقع بهم في غضون أيام ستّة.
بعد انتصار الثورة الإسلاميّة بات الأمر على نحو أن هذا الكيان نفسه بذل قصارى جهوده في 33 يوماً لكي يُلحق الهزيمة بحزب الله في لبنان، وعجز وأُجبر على الفرار بطريقة مُخزية، ولم يستطع أن يصمد أمام حزب الله. المسافة بين ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة وبعدها هي المسافة بين حرب الأيام الستّة وحرب الأيام الثلاثة والثلاثين. وصلت الأمور اليوم إلى نقطة يتحرك فيها الشباب ويهاجمون في الأراضي المحتلة والضفة الغربية لنهر الأردن على نحو يجعل الكيان الصهيوني يقف عاجزاً وقد جعلوه يقف عاجزاً. هذه هي الثورة الإسلاميّة. حسناً، يبرز العداء بصورة قهريّة.
لأعرض النقطة الأخيرة أيضاً. نماذج التقدّم كثيرة، والأعمال الجيّدة كثيرة، والقدرات في تصاعد يومي. لقد ألقى القائد الموقّر للحرس كلمة مميّزة عن القدرات وفي شرح ما هو متوفّر. هذه الأمور كلّها متوافرة، ولعلّ هناك أموراً أخرى أيضاً لا ترد في التقارير طبعاً، لكن ما أودّ قوله هو ألّا تغترّوا بالقدرات وأنواع التقدّم، واحرصوا على ألّا نغترّ بما لدينا، وإنما نعرف قدرها وأهميّتها، ولنعلم بأنّ تلك السياسة الإستراتيجيّة المتمثّلة في افتعال الأزمات المتتالية، التي جرى إقرارها في «غوادلوب»، لا تزال. تلك السياسة قائمة ولم يكفّوا عن متابعتها. [يريدون] افتعال الأزمات دائماً داخل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وبلدنا العزيز، تارةً بذريعة الانتخابات، ويوماً آخر بذريعة الوقود، وفي يوم بذريعة المرأة... بمختلف الذرائع والدواعي [يريدون] افتعال الأزمات ويفتعلونها. الأدوات اليوم أيضاً أدواتٌ متقدّمة. من الواضح هذا الأمر. هدف العدوّ أيضاً من هذه الأزمات هو في الدرجة الأولى أن يقضي على الأمن في البلاد، وفي حال انعدم الأمن، ينعدم الاقتصاد أيضاً، ولو انعدم الأمن، ينعدم العلم ولا يكون هناك وجودٌ للجامعات والمراكز البحثيّة. عندما ينعدم الأمن، لا يكون هناك فرص للعمل. ومتى ما انعدم الأمن، فلا تتمّ أعمال البنى التحتيّة أيضاً، وحين ينعدم الأمن، لا تنطلق المصانع المتوقّفة عن العمل أيضاً؛ الأمن أساس. الهدف من افتعال الأزمات هو تشويه أمن البلاد، فيجب أن ندرك هذا الأمر كحقيقة ونحدّد مسؤوليتنا تجاهه. يريد العدوّ أن يتحكّم في أمن البلاد وأن يُخلّ بحياة الناس. هذه هي حركة العدوّ. حسناً، العنصر الأساسي واضحٌ طبعاً، وهو أجهزة التجسّس هذه: CIA و«الموساد» وMI6 ومثيلاتها. هذه هي الأساس لكن لديها خدم: خدمٌ في الداخل وخدمٌ في الخارج، وهم عناصر منحازون إلى الغرب وغير مكترثين. هؤلاء يمارسون الخدمة لكنّ أساس القضيّة ورأسها هناك.
إنّ مسؤوليّتنا اليوم هي الحرص الدائم على الثورة الإسلاميّة، ومسؤوليّتنا اليوم هي الوحدة الوطنيّة. الوحدة الوطنيّة مهمّة. مسؤوليّتنا اليوم هي إشراك الناس ومساعدة آحاد الناس وبخاصّة الطبقات الضعيفة. مسؤوليّتنا اليوم أن يعمل المسؤولون بأسلوب جهادي. لا يرتبط هذا الأمر بـ«حرس الثورة الإسلاميّة» خاصة، فكلّ المسؤولين في البلاد مكلّفون اليوم العمل الجهادي، وأن يعملوا ليل نهار دون أن يعرفوا للتعب معنى. لقد قطعنا شوطاً طويلاً وعبرنا هذا التل والسّفح الحادّ واقتربنا من القمم. يجب ألّا نتعب. ليس اليوم يوم التعب والشعور باليأس والإحباط. اليوم يوم الشّوق والأمل والتحرّك. يجب أن يتحرّك مسؤولو البلاد في القطاعات شتّى بهذه الروحيّة. لا بدّ أن تكون هناك ثقة. لا أقول بوجوب ألّا يكون هناك انتقاد، [إنما] الانتقاد مع الثقة. يريدون أن ينتقدوا، لا ضير في ذلك. لكن ليكن لديهم ثقة. المسؤولون يعملون بإخلاص ورغبة وشوق واعتماد على الله وبكلّ قدراتهم، فليجرِ الوثوق بهم والانتقاد لو لزمَ الأمر. لستُ معارضاً للانتقاد. إذا تابعنا هذا المسار، وقد تمّت متابعته حتّى اليوم - بفضل الله - وستجري متابعته بعد الآن - بفضل من الله وتوفيق منه -، فسيكون تحقيق النّصر على العدوّ حتميّاً.
والسّلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاته".
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
24/11/2024
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
24/11/2024