الخليج والعالم
سياسة بايدن الداعمة لكيان العدو قوَّضت أميركا داخليًا وخارجيًا
كتب أستاذ القانون والتاريخ في جامعة "ييل" المدعو صموئيل موين مقالة نشرت في مجلة "بروسبكت" قال فيها إنَّ تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي سيُسجل على أنه شكل نقطة التحول للدور الأميركي العالمي.
وتحدث الكاتب عن ضربة قوية للوعود الأميركية حول الدفاع عن الديمقراطية وتقديم نموذج عنها على المسرح العالمي، مشككًا بما إذا كان بإمكان واشنطن أن تتعافى من هذه الضربة. كما اعتبر أن تداعيات ما يحصل اليوم في قطاع غزة تذهب أبعد بكثير من أراضي القطاع وسكانه، إذ قضي على الأحلام بإعادة إحياء المساعي الأميركية "الوهمية" عن نشر الديمقراطية حول العالم، الأمر الذي يحمل معه تداعيات كبرى للنظام العالمي الجديد القادم.
كذلك رأى الكاتب أنَّه لم تعد هناك ثقة بالولايات المتحدة لتكون "العمود الفقري" للحرية والعدالة حول العالم.
وحول مقارنة الرئيس الأميركي جو بايدن حركة حماس بروسيا، قال الكاتب، إنها في غير محلها، لكنه أشار أيضًا إلى أنَّ الأزمتين (أي حرب أوكرانيا والعدوان على غزة)، إنما تكشفان سقف القوة الأميركية. كذلك أضاف أنَّ كِلا الملفين على ما يبدو يسرعان من انحدار دور أميركا القيادي، وفي نفس الوقت يعرضان الديمقراطية الأميركية نفسها للخطر.
كما تابع بأن على الضحايا أن لا ينتظروا الولايات المتحدة التي لفت إلى أنَّها تُعاني من أعباء كبيرة بسبب أخطائها في الماضي والحاضر بحيث قد لا تنجح في إنقاذ الديمقراطية الأميركية نفسها من هذه الأخطاء.
وأوضح أن الأخطاء هذه مكّنت الرئيس السابق دونالد ترامب من المجيء إلى الحكم، وبالتالي وضعت استمرارية الديمقراطية الأميركية في خطر.
كما اعتبر الكاتب أنَّ الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو أنَّ أميركا وبعدما سعت إلى الترويج لنفسها كمناصرة للديمقراطية في حرب أوكرانيا، فإنَّ رد فعلها على عملية طوفان الأقصى قضى على مصداقيتها في هذا السياق منذ البداية تقريبًا وبشكل مفضوح.
كذلك قال الكاتب، إن بايدن وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى استخدم خطابًا مشابهًا للخطاب الذي كان استخدمه الرئيس الأسبق جورج بوش الابن عن مواجهة "الشر"، إلا أنَّ رد الفعل السلبي على هذا الخطاب بيّن أن هناك رفضًا كبيرًا له هذه المرة.
كما أضاف الكاتب أن ما قامت به حركة حماس لا ينفي أن هناك "تاريخًا استعماريًا" أنتج الأوضاع الراهنة في غزة، مبينًا أنَّه مر وقت طويل قبل أن يدرك بايدن وكبار معاونيه أن الوقوف مع "إسرائيل" لن ينجح.
كذلك تابع الكاتب أنَّ النزاع الحاصل اليوم أظهر بصورة واضحة كيف تراجع التعاطف مع الكيان الصهيوني خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة عند جيل الشباب في الولايات المتحدة. ولفت إلى أنَّ بايدن ومعاونيه سرعان ما بلغوا "إسرائيل" بأنَّ هامش المناورة قد لا يستمر إلى أجل غير مسمى، وذلك في ضوء التحولات الكبيرة في الرأي العام الأميركي الليبرالي واليساري والدعم العالمي للقضية الفلسطينية.
وأشار في هذا السياق إلى ما كشفته شبكة "CNN" عن ترجيح بعض مستشاري بايدن الكبار بأن هناك فترة أسابيع فقط قبل أن تصبح الولايات المتحدة مضطرة إلى الاستجابة للأصوات المطالبة بوقف إطلاق النار.
وأردف الكاتب أنَّه وبعد مرور أيام على عملية طوفان الأقصى، تبيَّن أنَّ حسابات بايدن الإستراتيجية هي تأجيل هذا السيناريو قدر المستطاع من خلال التأكيد على ضرورة أن تلتزم "إسرائيل" بالقيود الإنسانية في ردها.
كما اعتبر الكاتب أن سياسة أميركا حيال كيان العدو قوَّضت الدعم لأوكرانيا، فضلًا عما تبقّى من النظرة الإيجابية الجيوسياسية لدورها القيادي.
ولفت إلى اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي بنظيره الصيني شي جينبينغ في مدينة سان فرانسيسكو، حيث قال إن نتائج اللقاء لم توحِ بأنَّه جرى تأجيل أو تخفيف وطأة الحرب الباردة "الناشئة" مع الصين. وأضاف أنَّه حتى وإن كانت الولايات المتحدة قادرة على خوض عدة حروب في نفس الوقت، فإن مصداقية وشرعية وعداوات أميركا العالمية لا تحظى بالتأييد الكافي الذي يمكن من استدامتها.
وتابع أن المعسكر الجنوبي العالمي لا يصدق الشعارات التي يهتف بها صناع السياسة الغربيون عن الحرية. غير أنه أضاف بأن حرب غزة تبين بأن تلك الشكوك "بالإحسان الأميركي" بدأت تنتشر بين الأميركيين أنفسهم وخاصة جيل الشباب.
هذا، ولفت الكاتب إلى ما كتبه الصحافي من المعسكر الليبرالي جورج باركر أواخر عام 2022 الماضي تحت عنوان: "نظرية جديدة للقوة الأميركية". وأوضح أنَّه اعترف بمقالته أن التدخلات التي حصلت قبيل وبعد الحرب الباردة بات من الصعب الدفاع عنها كما يبدو، إلا أن التعامل مع ذلك وفقًا لباركر ليس الذهاب بعيدًا في سياسات ضبط النفس.
كما أشار الكاتب إلى أنَّ باركر اقترح في مقالته تصحيح الرؤية بشأن "القوة الأميركية"، وذلك في مواجهة روسيا، بحيث بإمكانها "إنقاذ الديمقراطية في أوكرانيا" من خلال إرسال المال والسلاح بدلًا من الجنود.
وأضاف أنَّ الدروس هذه جرى تعميمها حيث وصفها باركر "بعقيدة بايدن" وتقوم على وضع قيود من أجل القبول بسياسة خارجية تستند على القيم الليبرالية وجعلها أكثر قابلية للاستمرار لدى الناخبين الأميركيين.
غير أن الكاتب قال إن الأمور لم تسِر بالاتجاه الذي يخدم مثل هذه الرؤية، مشيرًا إلى ما كتبه باركر عن أن الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا لم تحقق شيئًا سوى منع روسيا من إحراز المزيد من التقدم الميداني (دون هزيمتها).
وتساءل عما إذا كانت النتائج في الشرق الأوسط ستختلف، بينما يتوقع نتنياهو معركة طويلة وصعبة، ويحذر الإسرائيليون نظراءهم الأميركيين من أن العمليات الحالية قد تستمر عشر سنوات. كما أردف أنَّ النظرية الجديدة القائمة على التدخل الحذر غير المباشر في الخارج لا يُخفِّف بشكل ملموس من أزمة الثقة بنُخب السياسة الخارجية الأميركية، خاصة بينما يتبيَّن أنَّ النخب يجيدون رعاية النزاعات بدلاً من تسويتها، وأنَّ الولايات المتحدة يمكن أن تتورط في الحروب حتى عندما لا ترسل قواتها.
وتحدث الكاتب أيضًا عمَّا أسماه "الديمقراطية المتعطلة" في الولايات المتحدة نفسها، مضيفًا أنَّ هذه الديمقراطية لم تكن يومًا نموذجية وأنَّ الوضع على هذا الصعيد يزداد سوءًا بشكل فاضح، معتبرًا أنَّ أحد أسباب ذلك هو "حلم" نشر الديمقراطية في الخارج عبر قوة السلاح.
كما رأى الكاتب أنَّ أكبر تداعيات الحروب الأميركية هو التدمير الذاتي لنظامها الداخلي المبني على الليبرالية والقواعد.
وقال الكاتب إن سياسات بايدن على ما يبدو تقوض الديمقراطية في الداخل نتيجة المزاعم بنشرها في الخارج عبر الحروب. وأضاف أنَّ التحولات في الكونغرس تجمع كل سمات "الوضع الأميركي الجديد"، لافتاً إلى أنه وإلى جانب وجود منتقدين جدد للسياسة الأميركية تجاه "إسرائيل" من معسكر اليسار، هناك ايضاً معسكر يميني جديد يشكك حيال "التمدد الإمبريالي". كذلك أشار إلى أن رئيس مجلس النواب الأميركي الجديد مايك جونسون رفض تخصيص المزيد من التمويل لدعم أوكرانيا.
كما تابع الكاتب بان الحلم الأميركي بنشر الديمقراطية عبر السلاح "عفا عليه الزمن"، مضيفاً بأن هذه السياسة فشلت على الصعيد العملي. كذلك أردف بأن مثل هذه المقاربة لا يمكن أن تستمر محلياً بينما الديمقراطية الأميركية نفسها هي على الحافة.
واعتبر أن ما يحدث في غزة إنما يشير إلى جيل من سياسات العسكرية الفاشلة، مضيفًا أنَّ ذلك يشير إلى حقائق جديدة عن الانحدار الأميركي وسط الحروب المستمرة، وإلى ضرورة النظر في سياسات جديدة يمكن أن تشكل نظامًا عالميًا بديلًا أفضل.
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
23/11/2024