الخليج والعالم
كاتب بريطاني: "إسرائيل" لم تعد مكسبًا استراتيجيًا لواشنطن
ذكر الكاتب البريطاني دايفيد هيرست أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلّف المدعو رون ديرمر، وهو من أقرب معاونيه، ببحث سبل تقليص عدد سكان قطاع غزّة.
وفي مقاله، على موقع "ميدل إيست آي"، قال هيرست إنّ الغاية هي تخطّي ممانعة مصر والولايات المتحدة وأوروبا لموجة لاجئين كبرى جديدة، وذلك من خلال فتح البحر على أساس لفتة إنسانية. وأشار إلى ما نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم" التي حصلت على نسخة من الخطة المطروحة في هذا السياق، إذ ورد فيها أنّ ظاهرة اللاجئين في ساحات الحرب أمر مقبول.
كذلك لفت الكاتب إلى ما جاء في الصحيفة إلى أنّ عشرات ملايين اللاجئين غادروا ساحات الحرب حول العالم، خلال العقد المنصرم، من سورية إلى أوكرانيا. ولا توجد مؤشرات تفيد بأنّ نتنياهو تخلّى عن خطته لدفع أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى القوارب، أو بأنّ الجيش يرفض هذه التعليمات بالرغم من التوّتر الحاصل داخل حكومة الحرب، بحسب ما يقول هيرست.
وقال إنّ الأمور تسير وفقًا للمخطّط، إذ إنّ نصف سكان القطاع استنزفوا مخزونهم من الطعام ويواجهون المجاعة الكارثية، مضيفًا أنّ المجاعة الجماعية سبق وأن اعتمدت وسيلةً لدفع الناس نحو المنفى، وبأنّ بريطانيا هي أول من اعتمدت هذا الأسلوب. وتابع: "رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار ذكّر الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال لقائهما الأخير في البيت الأبيض، وأشار إلى أنه ذكّره بأوجه التشابه بين ما يجري اليوم في غزّة والمجاعة التي شهدتها إيرلندا في القرن التاسع عشر والمعروفة بـ"المجاعة الكبرى"، وأردف: "مجموعة من المؤرخين للمجاعة الكبرى خاطبوا مؤخرًا في رسالة لهم "ضمير الإيرلنديين الأميركيين".
وتابع الكاتب أنّ القمع البريطاني لم يخمد نيران التمرد بل أجّجها، مشيرًا إلى أنّ بايدن يدرك ذلك جيدًا كونه من أحفاد ناجين من المجاعة الكبرى. وتابع الكاتب أنّ المجاعة الكبرى أسّست للنضال من أجل الاستقلال في المناطق الإيرلندية الأكثر تأثيرًا، وأنّ الأمر ذاته ينطبق على القضية الوطنية الفلسطينية اليوم. وأضاف أنّ الصراع من أجل دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي أصبح لها زخم أكبر بسبب المجاعة الجماعية في غزّة. كذلك نبّه من أنّ تداعيات ما يحصل اليوم هي كافية لدعم المقاومة والانتصار للأجيال مقبلة.
مخطّط نتنياهو مستمرّ
وقال الكاتب إنّ مخطّط نتنياهو مستمر؛ بل وما يزال في بدايته، مشيرًا إلى اندلاع القتال في المحافظات الشمالية لقطاع غزّة ومعركة أخرى تدور عند مستشفى الشفاء، وذلك منذ رفض زعماء العشائر في غزّة خططًا لتوزيع المعونات تحت إشراف إسرائيلي. وقال إنّ هناك ترابطًا بين الأمرين، إذ إنّ العشائر قامت بتنظيم "لجان شعبية" لضمان إيصال مواكب المساعدات إلى مراكز التوزيع التابعة لمنظمة أونروا، مضيفًا أنّ المواكب كانت في الواقع تحت حراسة عدد من الفصائل، من بينها حركتي فتح وحماس. كذلك أردف أنّ الترتيبات كانت ناجحة جدًا، والمساعدات التي دخت كانت الأولى منذ أسابيع.
غير أنّ الكاتب استدرك ليقول إنّ الموضوع شكّل في الوقت نفسه صفعة قوية لـ"إسرائيل"، أولًا تبين بأنّ حماس لا تزال نشطة وقادرة على التنظيم في الشمال، وثانيًا تبين أنّ "إسرائيل" فقدت موقتًا السيطرة على توزيع المساعدات، وهو عامل أساس في أسلوب الضغط على السكان.
وأشار الكاتب إلى أنّ القوات الإسرائيلية قتلت الشخص المسؤول عن تنسيق مواكب المعونات وهو مدير عمليات الشرطة فائق مبحوح، وذلك بعد حصاره في مستشفى الشفاء، ورأى أنّ "إسرائيل" توحّد سكان غزّة خلف الفصائل الفلسطينية، وذلك من خلال إعلان الحرب على العشائر. كذلك تابع الكاتب أنّ مخطّط نتنياهو أصبح واضحًا، وهو إطالة أمد الحرب قدر الإمكان، واغلاق المعابر الحدودية كافة حيث تكون رفح المحطة الأخيرة، وجعل البحر مسار الفرار الوحيد للفلسطينيين من غزّة.
ورأى الكاتب أنّ بايدن والاتحاد الأوروبي يتصرفون بما يخدم نتنياهو في هذا المخطّط بالرغم من كلام الإدانة، وأنه يجري بناء البنية التحتية للمخطّط بمساعدة واشنطن، وأكمل: "يجري بناء رصيف بحري "مؤقت" من أجل إدخال المساعدات مباشرة إلى غزّة، وبايدن يتحدث وكأن الفكرة هي فكرته وعلى أساس أنّها تأتي في سياق الرد على المجاعة"، مشددًا على أنّ الحقيقة ليست كذلك".
وأضاف الكاتب أنّ نتنياهو هو من بادر إلى طرح خطة لمسلك بحري من غزّة عبر قبرص، وذلك وفقًا لما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مصدر دبلوماسي رفيع، مشيرًا إلى ما نقل عن هذا المصدر بأنّ نتنياهو تقدم بهذه المبادرة بالتنسيق مع إدارة بايدن. كما أشار الكاتب إلى أهمية تاريخ الأحداث، إذ إنّ التقارير تفيد بأنّ نتنياهو طرح استراتيجيته أمام الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من عملية طوفان الأقصى. ولفت إلى أنّ نتنياهو طرح الموضوع مجددًا مع بايدن بتاريخ التاسع عشر من كانون الثاني/يناير الماضي.
الرصيف البحري جزء من مخطّط التجويع
ووفقًا للكاتب، موضوع الرصيف البحري لم يكن ردّ فعل على مجاعة وشيكة، بل هو جزء من التخطيط الذي تسبّب بالمجاعة. هذا وشدّد الكاتب على ضرورة أنّ تدرك واشنطن مسألة أخرى، وهي أنها استمعت إلى نتنياهو في العام 2002 عندما قال في شهادة أمام الكونغرس إنّ غزو العراق سيكون "خيارًا جيد"، ليتبين في ما بعد بأنّ غزو العراق تسبب بأحداث أدخلت الشرق الأوسط برمته في اضطراب.
اجتياح غزة يوحّد العالم العربي ضدّ "اسرائيل"
وتابع الكاتب أنّ الاجتياح الإسرائيلي لغزّة يوحّد العالم العربي ضدّ "إسرائيل"، ونتنياهو يواصل توجيه السياسة الأميركية. كما قال إنّ هناك حالًا من الغضب والشعور بالإذلال والذنب في الشارع العربي، وذلك هو وصفة لحرب وجودية لم يسبق وأن شهدها الجيل الحالي من الإسرائيليين، والتي هو غير مستعدّ لها. كذلك نبّه الكاتب من أنّ بايدن سيخسر الانتخابات الرئاسية إذا ما سار خلف "إسرائيل" في هذا المسار في ظلّ غضب العرب الأميركيين العارم، لكنّه أضاف أن ذلك ليس له بعد استراتيجي يذكر.
ووفقًا لرأيه، إذا سمحت الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" بأن تحول غزّة إلى مخيم للاجئين؛ حيث سيضطر الفلسطينيون إلى المغادرة عبر القوارب، فذلك سيكون له تداعيات استراتيجية كبرى، والتي ستفوق أكثر بكثير تداعيات غزو العراق.
في الختام، قال الكاتب إنّ "إسرائيل" لم تعد مكسبًا استراتيجيًا وشريكًا عسكريًا لأميركا؛ بل إنها بذرة الحرب الإقليمية، وفي حال اندلعت مثل هذه الحرب، فستستحق الولايات المتحدة كلّ ما ستواجهه.