الخليج والعالم
دمشق تنتظر خطوات جدية من أنقرة..
منذ البداية لو رضخت سورية للضغوط الخارجية التي مورست عليها، خصوصًا تلك التي ترمي إلى التدخل في الشأن الداخلي السوري، كمحاولات إشراك "المعارضة الخارجية" التي تأتمر بالخارج، في حكومة الوطنية السورية، لكانت تجنبت نشوب حربٍ كونيةٍ على البلاد. غير أن دمشق أبت التدخل في قراراتها السيادية وشؤونها الداخلية، مهما بلغت التضحيات، لا بل ذهبت إلى مقاومة كلّ محاولات السيطرة على قرارها الوطني، وبالتالي دفعها إلى تغيير تموضعها الاستراتيجي في محور المقاومة، والتخلي عن دورها الريادي في هذا الحور، الذي تشكّل ركنًا أساسًا فيه.
كذلك هب أفرقاء المحور لمساندة الجيش السوري في الدفاع عن بلده ودوره، والمشاركة في إسقاط مشروع تفتيت المنطقة، وتحويلها إلى بؤرٍ تسيطر عليها المجموعات التكفيرية المسلحة، تحت عناوين وشعارات "نشر الحرية وإرساء الديمقراطية" في الشرق الأوسط، الأمر الذي عبرت عنه بوضوحٍ مستشارة الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس في مقال نشرته في صحيفة "واشنطن بوست"، في السابع من آب/أغسطس من العام 2003، غداة احتلال القوات الأميركية للعراق، تحت عنوان "تحويل الشرق الأوسط"، ومما جاء فيه: "مهمتنا تتمثل بالعمل مع الذين يسعون في الشرق الأوسط إلى التقدم بمزيد من الديمقراطية والتسامح والازدهار والحرية".
وبالعودة إلى التدخل في الشؤون الداخلية السورية، فقد حاولت تركيا في الأشهر الأولى من الحرب الكونية على سورية، التدخل في الشأن الداخلي السوري، عبر رئيس الدبلوماسية التركية وقتذاك أحمد داود أوغلو، الذي زار دمشق في التاسع من آب/أغسطس 2011، والتقى الرئيس بشار الأسد، وتوافرت معلومات في حينه أن الوزير التركي طالب بإشراك ممثلين عن تنظيم "الإخوان المسلمين" في الحكومة، غير أن القيادة السورية رفضت هذه الإملاءات الخارجية، حرصًا منها على سيادة الدولة، وعملًا بمبادئ القانون الدولي، الذي يمنع التدخل في شؤون الدول ذات السيادة.
اليوم بعد صمود سورية على مدى عقدٍ ونيفٍ، وبالتالي فشل مخطّط تقسيمها وتفتيت المنطقة، بادر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى إطلاق مواقف إيجابية تجاه دمشق، قوبلت بردٍّ سوريٍّ واقعيٍّ واضح، مفاده أن "سورية مع عودة العلاقات الطبيعية مع تركيا على ما كانت عليه قبل العام 2011، وليست مع "العلاقات التطبيعية مع أنقرة"، أي انسحاب قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية، ووقف دعم النظام التركي للمجموعات الإرهابية المسلحة الناشطة على الأراضي المذكورة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية"، على ما يؤكد مرجع قيادي في العاصمة السورية.
وهنا تلفت مصادر سياسية متابعة لمسار العلاقات السورية - التركية إلى أن الأمور "لا تزال تقتصر على الكلام الإيجابي من الجانبين، ليس إلا". وتعقيبًا على ذلك، يؤكد المرجع المذكور آنفًا، "تمسك سورية بالمسلمات الثلاث المذكورة آنفًا، مجددًا رفض بلاده ربط الانسحاب الاحتلال التركي من الأراضي السورية، بإجراءات داخلية، كإشراك "المعارضة الخارجية" التي تأتمر بعواصم خارجيةٍ في أي حكومةٍ جديدةٍ، على سبيل المثال، ما يشكّل انتهاكًا فاضحًا للسيادة الوطنية والقانون الدولي".
وعن إمكان عقد لقاءٍ بين الرئيسين بشار الأسد وإردوغان، اعتبر المرجع المذكور أن "اللقاء هو وسيلة لا أكثر، الأهمية تكمن في جدوى هذا اللقاء، في حال انعقاده، وإذا كان سيدفع الجانب التركي إلى احترام الثوابت الوطنية السورية، وفي طليعتها المسلمات الثلاث المذكورة آنفًا، وبالتالي يبادر إلى بدء برمجة انسحاب قواته التي تحتلّ أراضيَ سورية، برعاية الوسيط الروسي".
وعن اللقاءات الأمنية وحتى السياسية بين الجانبين، يشير المصدر إلى أنها قائمة. أما في شأن تعديل النظام السياسي، فيجزم المرجع أن "هذا الشأن يعود للشعب السوري وحده دون سواه، لاإلى الجامعة العربية ولا سواها"، لافتًا إلى أن "مسألة التعديل، منصوص عليها في الدستور السوري، ولها أصول قانونية، يتبعها مجلس الشعب في حال قرر إجراء أي تعديلٍ، كونه الممثل الشرعي للشعب السوري".
إقرأ المزيد في: الخليج والعالم
23/11/2024