الخليج والعالم
فلسفة النظام العالمي الجديد.. عنوان طاولة مستديرة في موسكو
لم تقتصر أعمال المنتدى العسكري والتقني الدولي "الجيش - 2024" في حديقة باتريوت في ضواحي العاصمة الروسية موسكو، على عرض منجزات الصناعات الدفاعية، بل أتيحت الفرصة لاستعراض حدثٍ مهمٍ سيترك بصماته على تطوّر السياسة الدولية، إذ عقدت على هامش المنتدى طاولة مستديرة تناولت موضوعات مهمّة مختلفة أهمها فلسفة النظام العالمي الجديد القائم على مفهوم "الغالبية العالمية" كمصطلح رئيسي تبلورت من خلاله فكرة تأسيس منظمة دولية بهذا الاسم.
المائدة المستديرة جمعت ثلة من كبار الخبراء والمفكرين والباحثين السياسيين من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم خبراء من إيران والهند ولبنان وروسيا والنمسا وفنلندا وكذلك سورية وجمهورية التشيك وأرمينيا وبلغاريا.
وبحث الخبراء في نهج الخروج من نظام الأحادية القطبية، الذي كان مهيمنًا في العقود الماضية، والانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب، تُحترم فيه مصالح وسيادة جميع الدول، بغضّ النظر عن حجمها وقوتها الاقتصادية.
وقد جرى إيلاء اهتمام خاص لدور روسيا باعتبارها أحد اللاعبين الرئيسيين في النموذج الجيوسياسي الجديد.و من هنا يبرز تحدي مصداقية روسيا الداعمة لفكرة "الغالبية العالمية" في التوجّه شرقًا وجنوبًا عبر تعزيز التعاون مع الشرق الأوسط، وآسيا، وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وذلك من أجل خلق توازن قوي قادر على مواجهة الإجراءات الأحادية للولايات المتحدة والغرب. وفي هذا السياق، جرت مناقشة أشكال التعاون الممكنة، مثل إنشاء تحالفات إقليمية جديدة، وتوسيع العلاقات الثنائية، وتعزيز العلاقات عبر المنظمات الدولية. والأهم عمليًا نصرة القضايا العادلة للشعوب، وأبرزها قضية الشعب الفلسطيني ووقف العدوان والإبادة الجماعية بحق أهل غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وصولًا لحصول الشعب الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره العادل.
وشدد المتحدثون على أن فلسفة "الغالبية العالمية" تعكس تنوع الثقافات والأديان والأنظمة السياسية الموجودة في العالم. وهي تقوم على الاعتراف بأن غالبية بلدان العالم، التي تمثل جزءًا كبيرًا من سكان العالم، تمتلك الحق في تحديد مسار التنمية الخاص بها على نحو مستقل.
النموذج الجيوسياسي للنظام العالمي الجديد
كان النموذج الجيوسياسي للنظام العالمي الجديد أبرز موضوعات النقاشات المهمّة. وقدم المتحدثون رؤيتهم لتمكّن الغالبية العالمية من مقاومة المحاولات الغربية لإملاء شروطها على بقية العالم. وأشار الخبراء إلى أن العالم المتعدد الأقطاب يتطلب تطوير مؤسسات وآليات دولية جديدة تضمن توزيعًا أكثر عدالة للسلطة والموارد.
نائب رئيس التجمع العالمي لدعم خيار المقاومة علي أكبر باراتي قال إن إيران اكتسبت خبرة كافية في مقاومة الهيمنة الغربية عندما طورت علاقاتها مع الشركاء، وأكد أن "إيران، وعلى الرغم من العقوبات العديدة، مستعدة لتقاسم هذه التجربة مع الأصدقاء". واستشهد علي أكبر باراتي بالتجربة الإيرانية في تجاوز حظر الأسلحة المفروض على إيران من قبل الدول الغربية والولايات المتحدة كمثال واضح، حيث إن الجمهورية الإسلامية أصبحت واحدة من مصدري السلاح.
وأشار باراتي إلى أن "إيران تشارك اليوم في المعرض العسكري التقني الدولي "الجيش 2024" وتعرض أسلحتها لجميع الدول الشريكة". ونتيجة لذلك، اقترح باراتي إنشاء المنظمة الدولية التي تمثل مصالح الغالبية الإنسانية لبناء تعاون فعال في المجالات العلمية والتقنية والاقتصادية والثقافية والسياسية، والمجالات القانونية والإعلامية وغيرها من المجالات التي تمثل المصالح المشتركة "لبلادنا وشعوبنا".
من جهته الصحافي الدولي والخبير في قضايا غرب آسيا والعلاقات والصراعات الإقليمية والدولية أحمد حاج علي أشار إلى أن أحد أسباب تفاقم الوضع في قطاع غزّة هو رغبة "إسرائيل" في تنفيذ مشروع قناة بن غوريون البحرية بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
وذكر حاج علي في مقابلته مع أوراسيا اليوم أن "ما يعيق تنفيذ المشروع الصهيوني الأميركي في المنطقة هو القوى الداعمة لخيار المقاومة، "حماس" وغيرها في فلسطين، و"حزب الله" في لبنان، و"أنصار الله" في اليمن، والمقاومة الشعبية في العراق، والجمهورية الإسلامية الإيرانية وسورية، فضلًا عن دعم الدول الأخرى التي ترى أن من واجبها دعم هذه القضية. لذلك يسعى الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة لإزاحة هذه العقبات، وأولاها إبادة الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزّة".
أضاف حاج علي أن الوضع المتفجر الناشئ برمته في غرب آسيا، من جراء اغتيال قائدي "حماس" و"حزب الله" في بيروت وطهران، والهجمات الإرهابية الاستفزازية ضدّ اليمن ولبنان وإيران، لم يكن من الممكن أن تنفذها "إسرائيل" من دون موافقة الولايات المتحدة ودعمها.
وقد استحوذت مناقشة القاعدة المالية والاقتصادية للمراكز العالمية على جانب مهم من الطاولة المستديرة. وأشار الخبراء إلى أن النظام المالي العالمي الحالي، القائم على هيمنة الدولار الأميركي، لا يلبي مصالح معظم الدول ويتطلب إعادة النظر فيه. وكجزء من النظام العالمي الجديد، يجب إنشاء أنظمة مالية بديلة تسمح للدول بتجنب الاعتماد على المؤسسات المالية الغربية وضمان استقلالها الاقتصادي.
وكان أحد المقترحات التي طُرحت في الطاولة المستديرة هو تطوير أنظمة المدفوعات المتعددة الأطراف والعملات الاحتياطية البديلة، والتي يمكن أن تصبح أساسًا لقاعدة مالية واقتصادية جديدة للغالبية العالمية. وهذا من شأنه أن يسمح للبلدان التي تمثل الغالبية العالمية بتعزيز اقتصاداتها، وتجنب الضغوط من جانب المؤسسات المالية الغربية.
وإضافة إلى ذلك، لا بد من إنشاء مؤسسات وصناديق مالية دولية جديدة تكون مهمتها دعم تنمية اقتصادات معظم دول العالم.
وقد شدد الخبراء على أهمية الاستثمار في مشروعات البنية التحتية التي تسهم في النموّ الاقتصادي والتنمية الاجتماعية لهذه الدول. وكان الموضوع الأخير للمناقشة في الطاولة المستديرة هو التنوع الحضاري للأكثرية العالمية، حيث أشار الخبراء إلى أن إحدى الميزات الرئيسة للنظام العالمي الجديد هي الاعتراف بالتنوع الثقافي والحضاري واحترامه، وعلى عكس ما جرت عليه عادة هيمنة عالم أحادي القطب، الذي يسعى لفرض معايير وقيم غربية مريبة، فإن العالم المتعدد الأقطاب يجب أن يأخذ في الاعتبار الميزات الخاصة والتقاليد الفريدة لكل حضارة.