معركة أولي البأس

الخليج والعالم

عودة ترامب تعني زوال "الاستثنائية الأميركية" بشكل دائم
12/11/2024

عودة ترامب تعني زوال "الاستثنائية الأميركية" بشكل دائم

رأى دانييل درينزر في مقالة نشرت بمجلة فورين أفيرز أنه "يجب أن تكون الصورة واضحة لبقية العالم، وهي أن حراك ترامب تحت شعار "اجعلوا أميركا عظيمة مجددًا" سيحدد معالم السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الأربع المقبلة.

وأضاف: "ستكون هناك على الأرجح ثلاثة فوارق أساسية بين سياسات ترامب الخارجية في ولايتيه الأولى والثانية، حيث إن ترامب سيأتي إلى الحكم أولًا ومعه فريق أمن قومي أكثر تجانسًا. وثانيًا، فإن العالم اليوم مختلف بعض الشيء عما كان عليه في عام 2017، أما ثالثًا، فإن الأطراف الخارجية سيكون لديها قراءة أفضل بكثير لدونالد ترامب، إلّا أن المؤكد هو أن عصر الاستثنائية الأميركية انتهى، إذ إن السياسة الخارجية الأميركية تحت ترامب لن تروج للمعتقدات الأميركية التقليدية".

وتابع: "كانت رؤية ترامب العالمية للسياسة الخارجية واضحة منذ أن دخل الحياة السياسية، حيث يرى أن النظام الليبرالي الذي أنشأته الولايات المتحدة لم يعد يصب في صالح الأخيرة. ومن أجل تغيير عدم التوازن هذا يريد ترامب الحد من التدفقات الاقتصادية إلى الداخل، مثل الإيرادات والمهاجرين. كما يريد أن يتحمل الحلفاء عبء أكبر للدفاع الذاتي، ويرى أن باستطاعته إبرام الصفقات مع الحكام المستبدين مثل فلاديمير بوتين في روسيا وكيم جونغ أون في كوريا الشمالية، وبأن ذلك سيخفض التوّتر في الأماكن الساخنة من العالم ويسمح للولايات المتحدة بأن تركز على الداخل".

كذلك، وبحسب الكاتب يعد الرئيس السابق والمستقبلي من المؤمنين بقوة بالاستفادة من أساليب الإكراه، مثل العقوبات الاقتصادية من أجل الضغط على لاعبين آخرين. كما يعتمد نظرية الرجل المجنون حيث يهدّد بزيادة كبيرة في الرسوم الجمركية أو "النار والغضب" ضدّ بلدان أخرى انطلاقًا من إيمانه القوي بأن مثل هذه التهديدات ستجبرها على عرض تنازلات أكبر. غير أن ترامب يتبنى في نفس الوقت رؤية معاملتية في السياسة الخارجية، حيث أبدى الاستعداد خلال ولايته الأولى لربط ملفات مختلفة بتأمين تنازلات اقتصادية. فمع الصين على سبيل المثال أبدى ترامب استعداده لتقديم التنازلات في ملفات مثل القمع في هونغ كونغ و(إقليم) شينجيانغ واعتقال أحد المديرين التنفيذيين الكبار في شركة هاواوي، وذلك مقابل الحصول على اتفاق تجاري ثنائي أفضل. والحقيقة هي أن ترامب سيجد أن سحب الولايات المتحدة من النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط سيكون أصعب بكثير مما زعم خلال حملته.

وأردف: "بالإضافة إلى ذلك فقد تغيرت قواعد اللعبة منذ عام 2017 عندما كانت المبادرات والائتلافات والمؤسسات الأميركية لا تزال تتمتع بالكثير من القوّة. فمنذ ذلك الحين أصبحت قوى عظمى أخرى أكثر نشاطًا على صعيد إنشاء وتقوية مؤسساتها بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، من بينها البريكس وأوبك ومنظمة تعاون شنغهاي. يمكن أن يرى المرء ائتلافًا يتكون من الأطراف التي فرضت عليها العقوبات (coalition of the sanctioned)، حيث إن الصين وكوريا الشمالية وإيران هي على كامل الاستعداد لمساعدة روسيا على تعطيل النظام العالمي. قد يريد ترامب بالفعل الانضمام إلى بعض هذه التجمعات بدلًا من إنشاء بدائل عنها. كما ستشفل على الأرجح مساعيه الهادفة إلى تقسيم هذه التجمعات، إذ إن الحكام المستبدين قد لا يثقون ببعضهم، لكن عدم ثقتهم بترامب هو أكبر.

ورأى الكاتب، أن الفارق الأهم بين ترامب 2.0 وترامب 1.0 الأهم هو الأبسط، والذي يتمثل بكون ترامب أصبح عملة معروفة على المسرح العالمي. توقع أفعال ترامب في عام 2024 هو أسهل بكثير، فالمرشح الذي أراد أن يكون الرجل المجنون والذي عشق أن يكون غير قابل للتنبؤ بنظر الدول الأخرى أصبح سياسياً لديه أجندة يمكن التنبؤ بها عمومًا.

هل يعني كلّ ذلك أن ترامب 2.0 سيكون استمراراً لما مضى؟ يقول الكاتب، ليس بالضبط. فإعادة انتخاب ترامب يعني اتّجاهين في السياسة الخارجية الأميركية سيكون من الصعب وقفهما، الأول هو الفساد الحتمي الذي سيقوض السياسات الأميركية. استفاد مسؤولون في إدارات سابقة، مثل هنري كيسنجر وهيلاري ملنتون، استفادوا ماديًا من حياتهم السياسية عبر المؤلفات والخطابات والاستشارة الجيوسياسية. إلا أن مسؤولين سابقين في إدارة ترامب السابقة أوصلوا هذه الأمور إلى مستوى جديد تمامًا. وإذا ما جمعنا ذلك مع الدور المتوقع الذي سيلعبه أصحاب المليارات مثل ألون ماسك في ترامب 2.0، يمكن أن نتوقع تنامياً دراماتيكياً في فساد السياسة الخارجية الأميركية.

وأضاف: "أما الاتّجاه الثاني الذي ستتسرع وتيرته في ولاية ترامب الثانية فهي نهاية الاستثنائية الأميركية. فقد تبنى الرؤساء الأميركيون من هاري ترومان إلى جو بايدن المفهوم الذي يقول إن القيم والمعتقدات الأميركية تلعب دورًا مهمًا في السياسة الخارجية. وبينما جرى الاعتراض على هذا الزعم مرات عدة، فأن الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان اعتبر عمومًا بأنه يخدم المصلحة الوطنية، وذلك منذ فترة ليست بالوجيزة. كما يقول العالم السياسي جوزيف ناي إن المعتقدات الأميركية هي من المكونات الأساسية للقوة الناعمة الأميركية.

ويخلص الكاتب إلى أن ولاية ترامب الثانية ستنهي بشكل كامل قوة الاستثنائية الأميركية من دون رجعة، فقد قال ترامب خلال ولايته الأولى: "لدينا العديد من القتلى، هل تعتقدون فعلًا أن بلدنا هو ذاك البريء؟". كان باستطاعة الأجانب حينها تبرير الموضوع على أساس أن غالبية الأميركيين لا يؤمنون بهذا الكلام، نظرًا إلى أن ترامب لم يفز بالتصويت الشعبي. حطمت انتخابات عام 2024 هذا الاعتقاد، فخلال الحملة الانتخابية وعد ترامب بقصف المكسيك وترحيل المهاجرين الشرعيين. كما وصف سياسيي المعارضة بأنهم أعداء من الداخل وزعم بأن المهاجرين يسممون دماء البلد، ورغم كلّ ذلك، أو ربما بسببه، فاز ترامب بالغالبية الشعبية. عندما تنظر بقية العالم إلى ترامب، لن يروا بعد الآن حالة استثنائية شاذة عن الاستثنائية الأميركية، بل سيرون ما الذي تمثله الولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين.

الولايات المتحدة الأميركية

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم