الخليج والعالم
هل يفرض الشعب الأميركي تحولات كبرى في السياسة الخارجية لبلاده؟
كتب دان كالدويل وريد سميث مقالة نشرت بمجلة "فورين أفيرز" تحدثا فيها عن عملية إعادة اصطفاف على المستوى الديمغرافي في قاعدة الحزب الجمهوري والتي تسلط الضوء على عملية تحول أكبر لدى الناخبين أنفسهم.
وقال الكاتبان، إن فهم أسباب هذا التحول الزلزالي يتطلب التدقيق بشكل أكبر في أحد جوانب تأييد الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب، وهو نهجه غير التقليدي في السياسة الخارجية. كما أضافا أن رؤية ترامب للدور الأميركي في العالم تتناقض بشكل كبير مع التزام جو بايدن بالإجماع الذي ساد عقب الحرب الباردة حول ضرورة مواصلة الولايات المتحدة مسعاها وراء الهيمنة الليبرالية عبر التفوق، وأن نائب الرئيس كامالا هاريس تبنت نفس هذه العقيدة خلال الحملة الانتخابية.
كذلك تابع الكاتبان القول، إنه على الرغم من أن الناخبين قالوا إن ملفات داخلية مثل الهجرة والتضخم كانت أولويتهم، فإن هذه الأولويات تعكس التحول في المواقف تجاه السياسة الخارجية الأميركية وتعود إلى هذا التحول. وبيّنا أن السياسة الخارجية كانت مسألة حاسمة لدى مكونات أساسية في ولايات متأرجحة مفصلية.
هذا، وأشار الكاتبان إلى أن عددًا متزايدًا من الأميركيين رفضوا اعتماد بلدهم المفرط على استخدام القوّة من أجل تحقيق أهداف في السياسة الخارجية، وذلك عقب حدوث هجمات الحادي عشر من أيلول. وأوضحا أن هؤلاء المواطنين الأميركيين أرادوا تركيز المساعي على التحديات في الداخل وتوخي حذر أكبر عند إرسال الجنود إلى المعركة. كما خلصا إلى أن فوز ترامب يفيد بأن التخلي عن السياسة الخارجية لحقبة ما بعد الحرب الباردة يمثل سياسة سليمة، وفي نفس الوقت يحقق مكاسب سياسية داخلية.
وأكد الكاتبان على ضرورة أن يتبنى الحزب الجمهوري سياسة خارجية، تقوم على الواقعية وضبط النفس والتي تعطي أولوية للمصالح الأميركية بدلًا من استمرارية هيمنة القيم الليبرالية حول العالم. كذلك تحدثا عن شكوك متزايدة لدى العديد من الأميركيين حيال التدخلات العسكرية التي لا يبدو أنها تحقق تلك المكاسب وتفرض أثمانًا باهظة على الولايات المتحدة. كما نبها من أن حالة التعب هذه ربما ترجمت إلى تأييد مرشحين لديهم نهج أكثر واقعية تجاه الشؤون الخارجية، وذلك خلال الانتخابات التي جرت مؤخرًا في البلاد.
وأشار الكاتبان إلى دراسات أُعدَّت بعد انتخابات عام 2016، بينت أن الناخبين في الولايات التي فيها نسب عالية من الضحايا إثر المعارك هم أكثر ميلًا نحو ترامب. كما لفتا إلى أن استياء العرب الأميركيين في ولاية ميشيغان—وهي ولاية متأرجحة رئيسية - إزاء النهج الذي اعتمده بايدن حيال النزاع المستمر في الشرق الأوسط هو على الأرجح جعلهم يختارون ترامب.
كذلك أشار الكاتبان إلى أن المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي لعام 2024 هاجم ترامب بسبب المفاوضات التي أجراها مع كوريا الشمالية عندما كان رئيسًا، وأيضًا بسبب دعمه لحل دبلوماسي للحرب في أوكرانيا. كما لفتا في نفس السياق إلى أنه جرى انتقاد ترامب حتّى بسبب "ضعفه" أمام إيران خلال فترة رئاسته.
وسلط الكاتبان الضوء على كون هاريس جعلت ليز تشيني—وهي ابنة نائب الرئيس الأسبق ديك تشيني ومن أهم الشخصيات المحسوبة على معسكر المحافظين الجدد—شخصية مقربة، حيث شاركت معها في الحملات الانتخابية في ولايات متأرجحة محورية.
غير أن الكاتبين لفتا في المقابل إلى أن محاولات هاريس لكي تبدو أكثر تشددًا من ترامب في السياسة الخارجية لم تساعدها في الانتخابات. وأضافا بأن الاحتمال الأكثر ترجيحًا اليوم كما يبدو هو أن علاقة هاريس بتشيني وموافقتها الضمنية للدعم المادي السخي الذي قدمه بايدن لـ"إسرائيل" أدى إلى نفور ناخبين محوريين أكثر مما طمأنهم. كذلك قالا، إن تبني هاريس سياسة خارجية أكثر تصعيدية وعسكرية من ترامب ربما أضر بها حتّى في ولايات متأرجحة مثل ميشيغان، بحيث قلل من حماسة الأقليات وخاصة ذوي الأصول الإفريقية والعربية، والذين عادة ما هم أكثر رفضًا للتورط العسكري بالمقارنة مع بقية مكونات الشعب.
كما قال الكاتبان، إن إستراتيجية هاريس مكنت ترامب من تقديم نفسه على أنه مرشح السلام، مشيرَين إلى اختياره جي دي فانس لمنصب نائب الرئيس. ولفتا إلى أن فانس الذي حارب مع الجيش الأميركي في حرب العراق كان من كبار المشككين بدعم بايدن لأوكرانيا ومنتقدًا لحروب أميركا في الشرق الأوسط. ونبها إلى أن ترامب اختار هذه الشخصية رغم اعتراض الكثيرين في مؤسسة السياسة الخارجية لدى الحزب الجمهوري.
كذلك أردف الكاتبان بأنه ورغم توتر الحزب الجمهوري القديم مع إيران، فإن ترامب قال صراحة خلال حملته، إنه لن يعمل على تغيير النظام في إيران، وإن فانس قال الشيء نفسه.
ولفت الكاتبان إلى أن ترامب دعا أيضًا إلى تسوية دبلوماسية سريعة للنزاع في أوكرانيا، وأعرب عن رفضه القتال بالنيابة عن أوكرانيا. كما أضافا بأن ترامب لخص نهجه في السياسة الخارجية خلال خطاب النصر عندما قال، إنه لن يبدأ حروبًا جديدة بل سيوقف الحروب.
كذلك تابع الكاتبان بأن موقف ترامب يلقى صدى لدى طيف واسع من الناخبين، بمن فيهم المعتدلين والمستقلين الذين يرون أن ميزانية البنتاغون التي تبلغ ترليون دولار لم تمنع اشتعال اللهيب في العالم. وشددا على أن الناخبين الأميركيين يريدون التركيز على الجبهة الداخلية بعد عشرين عامًا من الحروب الفاشلة في أفغانستان والعراق وليبيا وأماكن أخرى.
وأكد الكاتبان على أن هذا التبدل في أولويات الناخبين ليس بالأمر الجديد، إذ إنه اتضح منذ فترة أن الأميركيين باتوا يركزون أكثر على القلق الداخلي بدلًا من تحصين تفوق بلادهم جراء الانتشار العسكري المكلف في أماكن بعيدة. كما شددا على ضرورة أن يأخذ المرشحون المستقبليون العبرة من أجل تجنب نفس المصير، وعلى أن ذلك ينطبق ليس فقط على الديمقراطيين بل الجمهوريين أيضًا. وتوقعا أن يؤدي فوز ترامب إلى تعزيز وتيرة النقاش الذي كان يدور أصلًا داخل الحزب الجمهوري بين الصقور التقليديين من جهة ومؤيدي سياسة خارجية أكثر انضباطًا تعتمد على سياسة "أميركا أولًا" من جهة أخرى. كذلك أردفا بأن التفضيلات التي أعرب عنها الناخبون في الخامس من تشرين الثاني نوفمبر الجاري تفيد بأن الجمهوريين تحت قيادة ترامب وفانس يجب أن يؤكدوا أكثر فأكثر على الالتزام بالواقعية وضبط النفس ووضع سياسات تنسجم وهذه الرؤية.
هذا، وشدد الكاتبان على ضرورة إدراك أن الولايات المتحدة تنشط وسط القيود، مشيرَين إلى أن الدين الوطني أصبح يفوق 35 ترليون دولار. كما لفتا إلى أن الاقتصاد الأميركي يعاني بسبب التضخم في فترة ما بعد وباء الكورونا، ما قلل من استعداد الناخبين لتقديم الدعم المالي للحلفاء الأثرياء وتمويل الحروب الخارجية إلى أجل غير مسمى. كذلك تحدثا عن تحديات يواجهها الجيش الأميركي في التجنيد، وعن تآكل الكثير من المعدات العسكرية بعد قرابة 25 عامًا من العمليات العالية الوتيرة. ونبها إلى أن الولايات المتحدة اقتربت من استنزاف مخزونها من الأسلحة والمعدات بسبب دعمها لأوكرانيا والشركاء في الشرق الأوسط. كما حذرا من أن قدرة الولايات المتحدة الصناعية المحدودة تجعل من الصعب سد النقص.
وأشار الكاتبان إلى أن إدارة بايدن اضطرّت إلى الغاء شحنة سلاح إلى أوكرانيا لتحويلها إلى "إسرائيل"، الأمر الذي يؤكد بأن الموارد الأميركية محدودة.
كما شدد الكاتبان على ضرورة أن يكون الجمهوريون صادقين في موضوع حدود القوّة الأميركية، وقالا، إن على الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في المناطق التي لا تشكّل أولوية للمصالح الأميركية، مثل أوروبا والشرق الأوسط، وخاصة عندما تستطيع نقل المسؤوليات إلى شركاء أثرياء ومقتدرين نسبيًا في هذه المناطق، والتي هي أكثر معنية في ما يجري في مناطقها.
وأضاف الكاتبان في هذا السياق بأنه يمكن تحقيق التوازن مع إيران من خلال "إسرائيل" ودول الخليج العربية، وبأن الولايات المتحدة يجب ألا تضطر إلى تقديم ذاك الدعم لهؤلاء الشركاء أو تقديم الرشوة لهم كي يعملوا على تحقيق مصالحهم الذاتية. كذلك تحدثا عن ضرورة أن تطلب الولايات المتحدة من الحلفاء في شرق آسيا تحمل مسؤولية أكثر من أجل إدارة التنافس مع الصين عبر التوازن الإستراتيجي، بدلًا من الانفلات الأمني الذي قد يؤدي بسهولة إلى حرب شاملة.
كما شدد الكاتبان على ضرورة أن يتبنى الحزب الجمهوري مقاربة ترامب في السياسة الخارجية التي تعتمد على "فن إبرام الصفقة" (art of the deal)، لافتَين إلى أن ترامب أعرب عن رغبته بالتفاوض مع خصوم الولايات المتحدة مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، وذلك من أجل خفض التصعيد وتجنب نزاعات جديدة.
كذلك تابع الكاتبان بأن بعض الجمهوريين في مناصب قيادية في الكونغرس بالإضافة إلى بعض مراكز الدراسات المؤثرة والمحسوبة على تيار المحافظين، ما زالوا ملتزمين بسياسة الحزب الجمهوري التي تعود إلى ما قبل عام 2016. وأشارا إلى أن من بين هؤلاء بعض المرشحين لتولي مناصب رفيعة في إدارة ترامب الثانية. غير أنهما تحدثا عن تحولات تحصل، حيث أشارا إلى أن ماركو روبيو (المطروح اسمه لتولي منصب وزارة الخارجية) كان تبنى أجندة المحافظين الجدد عندما ترشح للانتخابات الرئاسية عام 2016.
إلا أن الكاتبين قالا إن رؤية روبيو العالمية تحولت باتّجاه التشديد على "تجديد" أميركا الذي قد يؤدي كما قال الأخير نفسه إلى نقل العبء الأمني إلى حلفاء أميركا وتقليص المساعدات لأوكرانيا. كما تحدثا عن احتمال أن تتحرك الأمور بهذا الاتّجاه خلال الأعوام الأربعة القادمة.
الولايات المتحدة الأميركيةالجمهورية الاسلامية في إيراندونالد ترامب