الخليج والعالم
كاتبة أميركية: نفوذ واشنطن يتراجع وعصر فرض إرادتها انتهى
قالت الكاتبة الأميركية آن سي فيليبس إن الولايات المتحدة تجازف منذ فترة، وتبالغ في مستوى نفوذها الدولي من خلال التمسك بتجارب الماضي.
وفي مقالة نُشرت على موقع "Responsible Statecraft"، أضافت الكاتبة أنه خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، مارست واشنطن سلطة ونفوذ من دون ضوابط نتيجة ظروف لم تعد قائمة اليوم، مردفةً أن قوى آخرى كانت قد تآكلت في الحرب العالمية الثانية تعافت، وهناك قوى جديدة نشأت، متحدثة عن نظام متعدد الأقطاب يتشكل.
وأشارت الكاتبة إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تملك الاقتصاد الأكبر في العالم، وفق مقياس الناتج المحلي الاجمالي، بينما صعدت الصين إلى المرتبة الثانية.
كما لفتت إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تملك الجيش الأقوى في العالم بفارق شاسع عن أهم منافسيها، وواشنطن تنفق نسبة 40.5% من الإنفاق العسكري العالمي، وأن الإنفاق هذا يفوق مجموع إنفاق الدول العشرة التالية في المجال العسكري.
ورأت أن الصين تمثل 10% من نسبة الإنفاق العسكري العالمي، بينما تمثل روسيا 4.8%، مشيرةً إلى أن ذلك لا يترجم بالضرورة إلى نفوذ، كما يتبين من خلال العدد المتزايد من التحديات التي تواجهها الضغوط والرغبات الأميركية.
وسلطت الكاتبة الضوء على قمة "BRICS-plus" التي عقدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر الفائت في مدينة قازان الروسية التي قالت إنها تعكس هذا الواقع الجديد.
ولفتت إلى أنه بدلًا من أن تكون منبوذة ومعزلة دوليًا كما يقول مسؤولون وخبراء في واشنطن، فإن قادة 36 بلدًا من كافة أنحاء العالم اجتمعوا لبحث أجندة شملت الحرب الروسية الاوكرانية والنزاعات في الشرق الأوسط وتقليص الاعتماد على الدولار الأميركي، مشيرةً إلى أنه جرى عقد عدد من اللقاءات الثنائية على الهامش، وإلى أن كل الدول الأعضاء التسعة أيدوا إعلان قازان.
وأردفت الكاتبة أن "BRICS" تستمر في استقطاب أعضاء جدد منذ تشكيل التنظيم عام 2006، مضيفةً أنه رغم أن الاختلافات بين الدول الأعضاء الحاليين والطامحة للانضمام هي حقيقية، إلا أن المشاركين تجمعهم مصلحة تتمثل في إنشاء نظام عالمي جديد أكثر عدلًا من الذي نشأ وطبق منذ الحرب العالمية الثانية.
كما تحدثت الكاتبة عن أمثلة آخرى على تراجع النفوذ الأميركي في حديقة واشنطن الخلفية وأيضًا في أماكن آخرى في العالم. وقالت إن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو استهزأ بتحذيرات واشنطن حول انتخابات غير عادلة، وإن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو تجاهل تحذيرات إدارة بايدن بشأن الالتزام بالقانون الدولي في غزة والضفة الغربية ولبنان.
كذلك تابعت الكاتبة أن دول تعتبرها واشنطن شركاء مثل الهند تواصل التبادل التجاري مع روسيا وإيران رغم عقوبات واشنطن التي تزداد تشددًا على موسكو وطهران.
ولفتت إلى أن إندونيسيا التي تتودد إليها الولايات المتحدة أجرت أول مناورة عسكرية لها مع روسيا هذا الشهر، وإلى أن دول عربية ترفض ضغوط واشنطن لانتقاد حركة انصار الله.
وأضافت الكاتبة أن أهم الدوافع لجعل الدول تتحدى الولايات المتحدة هو سمعة واشنطن المشوهة، والتي إلى جانب السلبيات التي فرضها النظام العالمي القائم على الدول خارج المعسكر الغربي، إنما تدفع بهذه الدول إلى البحث عن قواعد وأعراف عالمية جديدة.
وأكدت الكاتبة أن المستوى الرسمي في واشنطن يواجه صعوبة في التكيف مع الواقع الجديد، والقادة الأميركيين وبغض النظر عن الانتماء الحزبي عادة ما يقللون من أهمية منظمة "BRICS" وتحديات آخرى، ويواصلون اعتماد فرضية دور استثنائي وبارز لهم في العالم، بحيث يتحدثون عن مصالح وأهداف في السياسة الخارجية على أساس انها معركة بين الخير والشر والصواب ضد الباطل والحقيقية ضد الاكاذيب، بينما يتجاهلون واقع فيه الكثير من الرمادية.
كذلك، أضافت الكاتبة أن المشاركين في قمم "BRICS" يعكسون عالمًا غير ثنائي، حيث هناك البعض مثل روسيا والصين وإيران هم في حالة عداء مع الولايات المتحدة، بينما هناك البعض الآخر مثل الهند والبرازيل واندونيسيا يريدون إقامة علاقات جيدة مع روسيا والصين وأيضًا مع الولايات المتحدة.
واشارت إلى أن مصالح تلك الدول تتطلب عدم الاصطفاف في النزاعات بين القوى الكبرى على غرار حركة دول عدم الانحياز التي تشكلت عام 1961 من قبل الهند ويوغسلافيا والتي لا تزال تنشط اليوم مع حاولي 120 عضو.
كذلك تابعت الكاتبة أن القوى الكبرى طالما واجهت صعوبة تاريخية عندما تراجعت قوتها، وأن النتيجة عادة ما كانت النزاعات. وشددت على ضرورة تخلي واشنطن عن منظار التنافس الثنائي في مقاربتها للعلاقات الدولية وأن تعترف في المقابل برغبة العديد من الدول بشركاء متنوعين في المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
كما أردفت أنه قد يبدو للوهلة الأولى بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستقبل بتراجع النفوذ الأميركي وتتكيف معه، وذلك بسبب تركيزها على التغيير في الداخل استنادًا إلى اجندة اميركا أولًا. ورجحت أن يواصل ترامب وفريقه نهج الوهم، في ما يخص النفوذ الاميركي، بينما يسرعون من انحدار الولايات المتحدة.
ولفتت الكاتبة إلى استطلاعات أجرتها مؤسسة "Pew" حول الثقة الدولية بالقادة الأميركيين بينت أن نسبة الثقة الدولية بترامب تراجعت إلى أدنى المستويات في ولايته السابقة، حيث وصلت إلى ما بين 23 و31%، مقارنة مع 74% لسلفه باراك أوباما خلال ولاية الاخير الاولى. وقالت إنه وعلى الرغم من أن الثقة بالرئيس الحالي جو بايدن وصلت إلى 43%، إلا أن التوجه خلال الأعوام الثمانية الأخيرة يعكس تراجعًا بشكل عام للنفوذ الاميركي.
كذلك قالت الكاتبة إن غطرسة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب المعروفة، وأيضًا غطرسة الفريق الذي اختاره للامن القومي، ليس مدعاة للتفاؤل بشأن امكانية التكيف السلس مع عالم متعدد الاقطاب.
وشددت على أن السؤال هو ما إذا كانت حقائق العالم الجديد هذا ستساعد بدفع ترامب نحو اعتماد سياسة خارجية أكثر دقة، كون لديه علاقات مع بعض الشخصيات البارزة مثل قادة كل من روسيا والهند والصين وتركيا، وذلك بدلًا من تفاقم حالة انعدام الاستقرار وعصر جديد من التنازع على السلطة.