إنا على العهد

الخليج والعالم

شهادات صادمة عمّا حدث في الساحل السوري.. إعدامات ميدانية ومعركة تطهير
11/03/2025

شهادات صادمة عمّا حدث في الساحل السوري.. إعدامات ميدانية ومعركة تطهير


كشف ناجون من سكان الساحل السوري ما حدث من إعدامات ميدانية وعمليات تطهير طائفية استهدفت مدنيين سوريين؛ ما تزال الأرقام تتضارب حول عدد الذين طالتهم، إلا أن معظمها يتحدث عن آلاف الضحايا.

تحت عنوان "إعدامات ميدانية" من قوات موالية للحكومة و"جثث في الشوارع".. قالت شبكة CNN الأميركية في مشاهدات وشهادات جمعتها من مكان الحدث: "إن رجالًا مسلحين موالين للحكومة السورية المؤقتة نفذوا عمليات إعدام ميدانية و"تطهير البلاد" مستندة إلى شهود عيان ومقاطع فيديو، توفر صورة مروّعة عن حملة قمع ضدّ ما سُمي بـ"فلول نظام الأسد"، وفقًا لزعمهم، والتي تحولت إلى عمليات قتل جماعية". 

كما أكدت الشبكة الأميركية أنّ ما شهدته سورية هو: "أسوأ موجة من العنف منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في أواخر العام الماضي. ونقلت عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان (مجموعة مراقبة مستقلة مقرها المملكة المتحدة) أن القوات الحكومية ارتكبت "إعدامات ميدانية واسعة النطاق".

أعلنوا الجهاد

كذلك نقلت الـCNN عن أحد سكان اللاذقية قوله: "لقد تنقل رجال مسلحون من منزل إلى آخر، وهاجموا الناس كنوع من التسلية... لقد أعلنوا علينا الجهاد من كلّ أنحاء سورية". وقال الساكن نفسه، والذي فرّ من المدينة، يوم السبت، بعد 30 عامًا من العيش هناك، لـCNN :"إن السكان بدأوا برؤية الجثث في الشوارع.. كان الناس يهربون، ومن لم يستطع فعل ذلك قُتل"، في حين قال أحد المقيمين في اللاذقية، واسمه بشير، لـCNN: "عمي الذي يبلغ من العمر 70 عامًا، وهو بروفيسور في التاريخ، وزوجته البالغة من العمر 60 عامًا قُتلا بدم بارد". كلاهما كانا من الطائفة العلوية ويستقران في مدينة بانياس غربي محافظة طرطوس. وأضاف بشير قائلًا: "أخشى على حياتي وحياة طفلاي الاثنين". 

وقالت رشا صادق، والبالغة من العمر 35 عامًا وهي والدة لثلاثة أطفال وتنتمي للطائفة العلوية وتعيش في حمص، لشبكة CNN :"إنها تلقت مكالمة هاتفية خلال عطلة نهاية الأسبوع من شريك شقيقها في العمل، ليخبرها أن والدتها واثنين من أشقائها قتلوا على يد جماعات مسلحة موالية للحكومة الجديدة في بانياس". وأضافت رشا: "لقد كنت على تواصل دائم مع عائلتي، وكانوا يخبرونني بأن هناك أصوات رصاص"، وأضافت بأن عائلتها قالت إنهم سمعوا هتافات دينية"، مؤكدة أن عائلتها مدنية وليست مناصرة للأسد. 

وقال بشير لـCNN: "فلول الأسد لم يكونوا في القرى التي هاجموها، هؤلاء (الرجال المسلحون) كانوا يقتلون الناس العاديين في هذه القرى".  لكن مصدر حكومي سوري قال لوسائل الإعلام الرسمية: "إن "انتهاكات فردية" ارتكبت بعد أن سافرت حشود كبيرة وغير منظمة إلى المنطقة".

معركة من أجل التطهير

أظهرت عدة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي قوافل من الرجال المسلحين في مركبات متجهة إلى مدينتي اللاذقية وطرطوس في المرحلة التي سبقت العنف. وظهر أحد الأشخاص الذين كانوا يرافقون القوات وهو يقول: "هذه معركة تحرير. الآن هذه معركة تطهير سورية"، وقال رجل يرتدي زيًا عسكريًّا وتحدث بلهجة أقرب للمصرية في أحد مقاطع الفيديو التي صوّرت في الليل: "إلى العلويين، جئنا لنذبحكم ونذبح آباءكم". وأردف الرجل نفسه قائلًا: "الجميع خرج بأسلحته، سنريكم قوة السنة"، فيما لم تتمكّن CNN من تحديد موقع تصوير الفيديو الذي تظهر فيه العديد من العربات العسكرية. 

وسرعان ما بدأت تقارير عن أعمال عنف مروّعة بالظهور. وأظهرت مقاطع الفيديو التي حدّدت شبكة CNN موقعها العشرات من الجثث على الأرض في قرية المختارية بينما كان الناس يبكون. ويُسمع صوت يقول قبل إطلاق النار على جثة هامدة على الأرض المفتوحة في فيديو آخر: "هؤلاء العلويون الخنازير". ولم يكن من الواضح أين أو متى وقع إطلاق النار.

وانتشر فيديو آخر على وسائل التواصل الاجتماعي السورية يظهر رجلًا يرتدي زيا عسكريًّا يقترب من منزل على دراجة نارية، ويطلب من ساكنه أن ينظر إلى الكاميرا قبل إطلاق النار عليه. ويقول الجاني في الفيديو وهو يضحك: "لقد أمسكت بك... أما زلت على قيد الحياة؟ لم تمت بعد؟"، قبل أن يُطلق النار عليه مجددًا. 

وفي فيديو آخر، يظهر رجل يرتدي زيًا عسكريًّا يطلب من أسير أن يخرج من مبنى، ثمّ يطلب منه أن ينبح مثل الكلب قبل أن يقتله. ورأت CNN أن: "هذه الهجمات تثير تساؤلات كبيرة حول الإدارة السورية الجديدة التي بذلت جهودًا لتنأى بنفسها عن ماضيها الجهادي".

كانت الجثث ملقاة في الطريق

بدورها، وتحت هذا العنوان "كانت الجثث ملقاة في الطريق" نشرت BBC البريطانية تقريرًا حول ما جرى مساء السادس من آذار/مارس على الساحل السوري، أكدت فيه أن أحداث الساحل السوري لم تقتصر على اشتباكات بين قوات الأمن التابعة لحكومة المرحلة الانتقالية في دمشق ومسلحين يوصفون عادةً على أنهم "فلول نظام الأسد"، بل امتدت لتشمل أعمالًا انتقامية على خلفية طائفية ضدّ المدنيين من الطائفة العلوية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقد وثّق المرصد، في حصيلة غير نهائية، مقتل 973 مدنيًا علويًا، خلال 72 ساعة، ووجه الاتهام لقوات الأمن السورية ومجموعات رديفة بارتكاب "جرائم حرب". وتحدثت "بي بي سي" مع ثلاث شابّات سوريّات كن شاهدات على ما حصل، اثنتان منهن كانتا في قلب الحدث، وأخرى كانت على تواصل مع عائلتها التي تقطن في الساحل.

تُعرّف رانيا، وهو اسم مستعار، عن نفسها بأنها علوية من مدينة بانياس الساحلية، وناشطة مدنية كانت معارضة لنظام بشار الأسد. وتقول إنها كانت خارج المدينة وقت وقوع الأحداث، لكنّها كانت على تواصل مستمر مع عائلتها. تروي رانيا قصتها، فتقول: "دخل المسلحون- وصفتهم بالجهاديين- إلى حيّ القصور في مدينة بانياس، حيث يعيش أهلي، وفي آخر تواصل معهم أخبروني أن فصائل الهيئة يريدون الدخول للتفتيش"، وتقصد رانيا بكلمة "الهيئة" هنا "هيئة تحرير الشام" التي انضوت تحت الأجهزة الأمنية للدولة بعد سقوط نظام بشار الأسد. وتضيف رانيا "والدتي واثنين من أخوتي قتلوا داخل منزلهم".

أمّا أماني، وهي شابة من إحدى القرى على مشارف مدينة اللاذقية، فتقول إنها فقدت اثنين من أبناء عمومتها على يد مسلحين "لم تعرف إلى من ينتمون"، وشهدت على رؤية "الكثير من الجثث ملقاة في شوارع قريتها". تحدثت أماني، وهو اسم مستعار، بصوت طغت عليه علامات الصدمة: "كنت في بيت عمتي يوم الجمعة، سمعنا أن فصيلًا مسلحًا دخل إلى قريتنا، وبدأنا نسمع أصوات الرصاص، خرج معظم شبان العائلة من منازلهم لأن أحاديث تردّدت عن أن المسلحين يريدون قتل الشباب. دخل مسلحون بيت أحد أعمامي، ولا أعرف إلى أي فصيل ينتمون، وكان لدى عمي ولدان لم يهربا من المنزل مثلما فعل بقية الشباب في القرية". تابعت أماني: "أخذ المسلحون أبناء عمي، يوم الاثنين، وطمأنوا أمهما بالقول إنهم لن يفعلوا بهما شيئًا، لكننا وجدناهما بعد ذلك جثتين ملقاتين في الطريق العام، ومصابين بعدد كبير من الرصاصات".
تروي راما، وهي شابّة من اللاذقية، بأنها رأت مسلحًا يطلق النار على أحد أقاربها عند باب بناية مقابلة للمنزل الذي كانت فيه في مدينة جبلة، حيث كانت في زيارة لبيت جدها وقت وقوع الأحداث. وتقول راما، وهو اسم مستعار: "كنا وأفراد من العائلة في بيت جدي، يوم الجمعة السابع من مارس/آذار، ونظرنا عبر النافذة باتّجاه بناية يسكن فيها أقاربنا. رأينا أحد أقاربنا ومعه شخص مسلح، فأطلق عليه النار عند باب البناية وسقط أرضًا، تحدثنا مع عائلته عبر الهاتف، وأخبرناهم بما رأينا، نزلت أمه وإخوته عند باب البناية، وضع مسلحون بندقية في رأس أمه الثكلى وسألوها عن دينها، فأخفت الحقيقة وأخبرتهم أنها سنية، فساعدها المسلحون حين ظنوا فعلًا أنها سنية ووضعوا جثة قريبنا داخل سيارة لنقلها إلى المستشفى"

عرفتهم من لهجتهم

لفتت "بي بي سي" إلى أن وزارة الداخلية السورية أقرّت بوقوع ما وصفتها بـ "الانتهاكات الفردية" في منطقة الساحل، وقالت إن "حشودًا شعبية غير منظمة" توجهت إلى المنطقة على إثر الاشتباكات والكمائن التي وقعت فيها، وهو ما أدى إلى هذه الانتهاكات. وتصف رانيا مدينة بانياس بأنها مقسومة إلى قسمين، والقسم الشمالي منها "تقطنه غالبية علوية". وتقول رانيا إن المسلحين الذين دخلوا المدينة كان من بينهم أجانب، و"كانوا يدخلون المنازل ويسألون عن الطائفة التي ينتمي إليها قاطنوها".

أما راما، فتصف المسلحين الذين دخلوا مدينة جبلة بالقول: "كانوا سوريين، عرفتهم من لهجتهم، وكانوا ملثمين، لم يسألونا عن سلاح، كانوا يسألون عن المصاغ الذهبية والنقود، وسرقوا أي شيء يستطيعون سرقته". تكمل راما في سرد أحداث يوم الجمعة في مدينة جبلة: "بعد الظهر، تسربت إلى أسماعنا أحاديث عن وصول أرتال من إدلب لمعاقبة العلويين، واشتعلت بعد ذلك الاشتباكات عند منزلنا، وكانت أصوات الاشتباكات مدوية، تعرض منزلنا لرصاص طائش، رأينا سرقة لكابلات الكهرباء، وأطلقوا النار على المنازل، والسيارات، وتعرضت المحال التجارية للنهب والإحراق". لكن أماني، لا تعرف حتّى الآن الجهة أو الفصيل الذي ينتمي إليه المسلحون الذين دخلوا قريتها القريبة من اللاذقية، وتصفهم بالقول: "كانوا يرتدون لباسًا موحدًا، وبعضهم يضع لثامًا على وجهه".

كانوا مسالمين

"كانا مسالمين" تقول أماني في وصف ابني عمها اللذين قُتلا رميًا بالرصاص، "لم يكونا مسلحين، ولم يطلقا النار على قوات الأمن، لكنهما قُتلا بطريقة وحشية وهمجية". تروي راما وأماني قصصًا متشابهة عن الجثث التي أُلقيت في الشوارع. تقول أماني إنها خرجت برفقة عائلتها، يوم السبت الثامن من مارس/آذار، من منزلهم لتفقد أحوال قريتهم القريبة من اللاذقية: "تفاجأنا بوجود أعداد كبيرة من جثث شباب القرية ملقاة في الطريق، معظمهم مدنيون، وبعضهم مسنون، كانت المحال التجارية في القرية محروقة، وكذلك السيارات، بعضها محروق والآخر مسروق"، تضيف أماني.

أما راما، فتقول: "صعد المسلحون إلى بنايتنا، ودقوا علينا الباب، سألونا: أين الرجال؟، فردت عليهم خالتي: ذهبوا إلى المستشفى، فرد عليها: أنتم عائلة ذلك العلوي الذي قاتلنا أمس وأصيب وذهب لتلقي العلاج؟، فأجابته: لا. دق المسلحون باب جيراننا، وكانت جارتنا تستجديهم كي لا يقتلوا ابنها، فوعدوها أن يأخذوا ابنها للتحقيق وأن يعيدوه في اليوم التالي، لكن عائلته عثرت على جثته في الشارع يوم الأحد إلى جانب عدد من الجثث".

تضيف "بي بي سي"؛ تحدثت الشاهدات عن صعوبة دفن جثامين الضحايا، ووصل الأمر إلى التحايل بشأن طائفة القتلى للتمكّن من دفنهم. تسرد راما قصّة دفن قريبها الذي قُتل في جبلة: "أردنا دفن قريبنا، وكان الدفن ممنوعًا، تحدثنا مع عائلة أخرى من معارفنا تتشارك الكنية ذاتها مع عائلتنا، لكنّها من الطائفة السنية، فأخذوا جثمان القتيل إلى المقبرة"، لم يكن واضحًا في شهادة راما من كان في المقبرة وقت الدفن، لكنّها قالت إن أحدهم سأل عن دين القتيل، فأخبروه أنه سني، وذلك كي يتمكّنوا من دفنه.

تضيف راما: "تحدثت معي صديقتي من قرية قريبة، تستنجد بي، وتسألني إذا ما كنت أعرف جهة ما يمكن نقل الجثث إليها، إذ لم يُسمح لهم بدفنها".

تنفرج نبرة راما في الحديث قليلًا حين تروي قصصًا عن عائلات سنية في مدينة جبلة ساعدت العائلات العلوية خلال تلك الأحداث، فتقول: "لولا أن أبناء الطائفة السنية في المدينة ساعدونا في دفن قتيلنا، لما استطعنا دفنه، الطائفة السنية كذلك تعرضت للتنكيل، ولو بشكل أقل، كما أنهم ساعدوا عائلات من الطائفة العلوية، وأخفوها داخل بيوتهم".

سوريا

إقرأ المزيد في: الخليج والعالم