نقاط على الحروف
شبح الإنهيار الإقتصادي سبق أن مرّ في الثمانينيات.. فهل تعود الكارثة؟
محمد علي جعفر
يعيش اللبنانيون حالة من الهلع تتعلق بوضع عملتهم الوطنية. الوضع القائم يدفع المواطن لطرح أسئلة كثيرة، لا تتعلق فقط بمسألة سعر الصرف ومستقبل الليرة اللبنانية - وهي الأزمة البنيوية المؤجلة والتي تعاني منها الدولة منذ سنوات طويلة - بل تتعدى التساؤلات للحديث عن مصير لبنان واللبنانيين ومسؤولية الدولة والمواطن والخيارات الحالية والمستقبلية. لكن الدولة التي ساهمت في وصول الأمور الى الوضع الحالي نتيجة غياب السياسات النقدية والمالية والإقتصادية الواضحة، وتقاعسها عن القيام بواجباتها البديهية، باتت تُعتبر جزءًا من المشكلة. فكيف لدولة فاقدةٍ للأهلية أن تُقدم حلولًا بمستوى الوطن؟
الأمور اليوم باتت تحتاج لمقاربة جريئة وجدية بقدر ما هي جديدة وحديثة. وعلى اللبنانيين أن يعرفوا أن ما يجري ليس بجديد. وأن شبح الإنهيار الإقتصادي والذي بات يلوح في الأفق اليوم، يحتوي إشاراتٍ سبق وأن كانت السبب في انهيار سعر صرف الليرة خلال الثمانينيات (1984 - 1992). فهل تعود الكارثة؟
خلال الثمانينات حصل نزاع بين الدائنين والمدينين في سوق بيروت، ووقف مصرف لبنان الى جانب المدينين وعمد الى طبع أوراق نقدية لتمويل عجز الموازنة والخزينة. خاب أمل الدائنين حينها، واندفعوا لشراء العملات الأجنبية ما ساهم في انهيار العملة الوطنية. السبب الحقيقي كان وجود مضاربات في سوق القطع، في ظل غياب الدولة وتجاهل مصرف لبنان للوضع حينها ما ساهم في استغلال المضاربين للوضع آنذاك لتحقيق أرباح كبيرة في سوق القطع. فماذا يجري اليوم؟
ليس خفيًا أن لبنان يترقب تقرير وكالة التصنيف الإئتماني ستاندرد آند بورز (S&P) في ظل ضبابية حول الإشارات التي يطلقها البعض والتفسيرات العديدة والتي تؤثر بالنتيجة على الأسواق المالية. يجري ذلك وسوق النقد اللبناني يعيش ندرة في الدولار. كما أن مصرف لبنان يعتمد سياسة سحب الدولار من السوق. خلال الأيام السابقة بدا واضحًا انفلات سعر الصرف، في ظل صمت المصرف المركزي والسلطات المالية!
يحمل الوضع القائم عددًا من المؤشرات الجديدة والسلبية. الصمت المُطبق وغياب الدولة والسلطات المعنية وترك التفسيرات والتأويلات للإعلام والشارع، بالإضافة الى غياب التدخل الحاسم لمصرف لبنان فيما يخص سعر الصرف، وخروج أصوات علنية تنادي يإعتماد سعر صرف للدولار مُخالف للسعر الرسمي، كلها تدل على نهج جديد سيكون له آثاره المباشرة على السوق المالية والنقدية وبالنتيجة على وضع العملة الوطنية. فمن يتحمل المسؤولية؟
التساؤلات التي تُطرح حول الوضع الحقيقي للعملة لا تقل أهمية عن التساؤلات التي تُطرح حول نهج الجهات المعنية تحديدًا مصرف لبنان ووزارتي المالية والإقتصاد. فماذا لو صح كلام الخبراء في قراءتهم لدلالات ما يجري في سوق النقد وتجاهل المسؤوليين وتقاعس الدولة؟ وهل صحيح أن ما فعلته نقابة أصحاب محالّ الخلوي عبر اعتمادها لسعر صرف مخالف وأعلى من السعر الرسمي (1686 ليرة للدولار) هو نهج جديد يتماشى مع ردات فعل السوق لا سيما في اعتماد أدوات مالية جديدة في المضاربة؟ وهل تتحول خدمة أساسية كالإتصالات الى عملة ثانية من خلال بطاقات التشريج المُسعرة بالدولار؟ وهل بات لبنان أمام سوق ثانية تُحدد سعر صرف الليرة اللبنانية؟ وأين نهج مصرف لبنان القائم على تثبيت سعر صرف العملة الوطنية مهما حصل؟
أسئلة كثيرة تفتح أبواب النقاش حول مستقبل الوضع النقدي في لبنان. وفي ظل غياب الدولة والمسؤولين، يُصبح استغلال التجار للوضع القائم مسألة طبيعية. فأولى واجبات الدولة حماية المواطن من مضاربات التجار. ولأنه ليس بجديد وقوف مصرف لبنان مع أصحاب الرساميل ضد المواطن، فليس مُستغربًا ما يجري من تقاعس! والكارثة الأكبر في حال اقتنع مصرف لبنان بتشكيل سوق غير رسمية تُساهم في تأمين خفض الليرة اللبنانية وبالتالي تأمين مُبررات الإنهيار التي تُبعد المسؤولية عن السلطة الحاكمة! بالنتيجة يعيش لبنان أمام واقعٍ أشبه بإدارة الإنهيار. دولة غائبة إلا عن مصالح نُخبتها الحاكمة ومؤسسات مُعطلة إلا عن مصالحها الخاصة. يبقى وحده المواطن ضحية غياب الدولة والمسؤولين، ليتحمل وحده أعباء التقصير والتقاعس. هي قصة إدارة الإنهيار وكيف يُصبح المواطن اللبناني ملزماً بتحمُّل إرث الدين!
الدولارالليرة اللبنانيةمصرف لبنان
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024