معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

دائرة التدخلات الخارجية بالاقتصاد اللبناني تتوسع.. لماذا لا يكون الاصلاح ذاتيًا؟
07/09/2019

دائرة التدخلات الخارجية بالاقتصاد اللبناني تتوسع.. لماذا لا يكون الاصلاح ذاتيًا؟

يوسف الريّس

تتوالى التصنيفات الخارجية للبنان من مختلف الجهات، وهي تتسم بسلبيتها وإن كانت تعكس واقع البلد. آخر التصريحات كانت للموفد الفرنسي بيار دوكان المكلّف متابعة مؤتمر "سيدر". أعرب دوكان عن عدم وجود الحلّ السحري الذي يأمل به البعض مشيرًا إلى حاجة لبنان الماسة إلى البنى التحتية والهرمية للمضي في مشروع سيدر.

لم ينفِ الموفد الفرنسي التمويل ولكن اشترطه بالتزام الحكومة بالإصلاحات التي ستنهض بالاقتصاد، واعتبر أن الاعتماد على النفط للهروب من الأزمة بات غير واقعي. فقد صرّح في مؤتمره الصحفي أمس قائلا: "إن اكتشاف النفط ليس الحل السحري الذي سينهي كل الصعوبات التي واجهها لبنان".

أما من جهة الدولة اللبنانية، والتي لطالما وعدت المواطنين بإصلاحات جوهرية، فلا زالت إصلاحاتها في نطاق الوعود واللقاءات التي كان آخرها الاجتماع الاقتصادي في بعبدا. وفي سياق حديثه في حوار اعلامي مساء الخميس عبّر وزير المال علي حسن خليل عن امتنانه للجهد الفرنسي بانجاح مؤتمر سيدر ولكنه اعتبر أن كلام السيد دوكان غير مستحب.

يعود طموح الدولة اللبنانية للحصول على مقررات "سيدر" إلى الواجهة، فهو السبب الرئيس للإصلاحات في دولة مهترئة، والدول الأجنبية المحاسب الأساسي للسلطة عوضًا عن الشعب. لا يمكن تجاهل حقيقة ما طرحه الموفد دوكان أو الاعتراض على مضمونه ولكنه يأتي في سياق تدخل أجنبي بالاقتصاد اللبناني والذي بات متاحًا بل وشبه طبيعي. فهذا ما يدفعه لبنان مقابل سياسته الاقتصادية المتبعة المبنية على الاستدانة لسدّ عجز الموازنات المتراكمة.

بعيدًا عن مدى صحة خيار الاستدانة في ظل فشل متكرر في إدارة الدين من باريس 1 وحتى باريس 4 بحيث فشلت الدولة بإنجاز البنى التحتية التي كانت عنوانًا أساسيًا لكل مشاريع الاستدانة والتي هي نفسها سبب أساسي لسيدر، لا بد من مواجهة حقيقة استسهال التدخل الاجنبي في الاقتصاد اللبناني.

فإذا ما سلمنا حكمًا لتقارير وكالتي التصنيف "ستاندرد أند بورز" و"فيشر" فلا يمكن التغاضي عند التدخل الواضح في القطاع المصرفي من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي OFAC في الأسبوع الماضي والذي تمثل بالعقوبات على "جمال ترست بنك" ليمثل ذلك تهديدًا لجميع المصارف، وليأتي تصريح الموفد الفرنسي كتدخل مباشر وواضح من الدول الغربية.

إن الواقع الاقتصادي المهترئ يجعلنا نفرح لبرهة بأي حديث عن إصلاح حقيقي بمعزل عن الجهة الراعية لهذا الإصلاح. ولكن لا يمكن أن يكون الإصلاح حقيقيًا في ظل القبول بإملاءات خارجية لهذا الإصلاح.

مبدأ السيادة الاقتصادية يجب أن يبقى قائمًا لكي لا نقع في دوامة المصالح من جديد، إذ إن جميع مصاعب البلد ليست سوى ترجمة لحقيقة ترجيح أهل السلطة لمصالحهم الشخصية على المصلحة العامة. فكيف لصاحب القرار أن يعطي قانونًا أو تشريعًا يقلص من أرباحه؟

الغوص أكثر في إملاءات الخارج سيعني إدراج اولوية جديدة على حساب الاقتصاد والشعب المتمثلة بالمصالح الاقتصادية الأجنبية والتي باتت تظهر بشكل واضح في الآونة الأخيرة.

إن الإصلاح الاقتصادي في لبنان يجب أن يبنى على دراسات داخلية تقوم بها الوزارات تحت استراتيجية إنماء القطاعات الإنتاجية. فالإنماء الحقيقي سيترجم بنمو بالناتج المحلي، خفض نسبة البطالة، خفض العجز في ميزان المدفوعات، وارتياح الليرة.

بالتالي، إن الهدف الأخير للخطط الإصلاحية سيشكل ضمانة لنجاح الخطوات الإصلاحية والتي يتم الحديث عنها إن على صعيد الكتلة المتضخمة من موظفي القطاع العام أو لإصلاح نهائي لملف الكهرباء من أجل خفض العجز في الميزانية. فنقطة البداية في الإصلاح هي أن لا اقتصاد صحّيًا بلا إنتاج محلي، ولا إصلاح بدون إنتماء، بعيدًا عن التدخلات الخارجية بالاقتصاد اللبناني التي تتوسع دائرتها.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف