نقاط على الحروف
عودة سوريا إلى الجامعة العربية.. والاجراءات المعقدة!
إيهاب شوقي
في انتفاضة لافتة للدول العربية تجاه ما يحدث في سوريا، عقدت جامعة الدول العربية اجتماعا وزاريا تحت مسمى قمة طارئة، وقبل رصد وتحليل ما جاء فيها، ينبغي ان نقول ان مجرد عقد قمة عربية وسط هذا التفتت والوضع العربي المهترئ، هو أمر جيد في ذاته، كما أن عقد قمة بخصوص العدوان التركي على سورية هو امر محمود في ذاته بعد سنوات كانت اجتماعات القمة فيها بمثابة نذير شؤم لاتخاذ قرارات او تنسيق مواقف معادية لسوريا ووحدتها وللمصالح العربية بشكل عام.
وبخصوص هذه القمة فإن هناك عدة أمور لافتة يمكن ان نرصد منها ما يلي:
الأول: القمة تمت الدعوة اليها باعتبارها طارئة ولكن عقدها وزاريا دون ان تكون للقادة لا يتسق مع اهمية المسمى واهمية الحدث المتمثل في عدوان على ارض وسيادة دولة عربية مما يشي بأن الغرض الدعائي كان الأقرب من الإجراء السياسي الفعال، وان المكايدة السياسية غلبت العقاب الرادع، وهو ما بينته وأكدته نتائج القمة وبيانها الختامي.
الثاني: هذه ليست المرة الاولى التي تنتهك بها تركيا الحدود السورية، فقد سبقها على الاقل عمليتان تشكلان انتهاكا واضحا، ناهيك عن الدور التركي الأصيل في المؤامرة منذ بدايتها عبر تدريب وادخال التكفيريين والنهب المنظم للأصول السورية والذي تجاوز 100 مليار دولار اضافة الى النفط والمصانع وغيرها من الخسائر، فما الذي حرك الجامعة لتنتفض هذه المرة وقد كانت انتفاضاتها السابقة مضادة للدولة السورية ولانتزاع مقعدها من الجامعة؟
يبدو ان الشراكة العربية وتحديدا الخليجية للاتراك في إعداد وتمويل التكفيريين لم تدع معنى لأي إجراء عربي متعاطف علنا مع سوريا. ويبدو ان الخلاف المتجه نحو الصراع بين تركيا وقطر من جهة وبين الامارات والسعودية هو الذي فتح الباب لمكايدة شكلية تسجل النقاط دون اجراء فعال، لأن الهدف يكاد يكون مشتركا بين المعسكرات المتصارعة وهو عدم خروج سوريا منتصرة وقوية ومنتمية لمحور المقاومة.
ثالثا: عقد الاجتماع دون تواجد رسمي سوري ووسط قطيعة دبلوماسية، هو نوع من الدجل السياسي والكوميديا السوداء، ناهيك عن القرارات الهزيلة التي خرجت بها القمة والتي لا يوجد بينها قرار واحد يمكن وصفه بالرادع او حتى القوي!
الأمر اللافت حقا والذي تولد عند المطالبة بعودة المقعد السوري في الجامعة، هو رد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في المؤتمر الصحفي لعرض البيان الختامي، والذي جاء غريبا وموحيا، بل وفاضحا للوضع العربي الراهن وارتهان قراره، حيث قال ابو الغيط نصا: "إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية أمر معقد للغاية، وإن هناك بعض الإجراءات المتعددة التي يجب على السلطة السورية القيام بها، حتى تتم استعادة المقعد". مضيفا: إننا بحاجة إلى عقد اجتماع محدد تحت عنوان: "استعادة المقعد السوري"، ومشددا على أن هناك مسؤوليات وأعباء على النظام السوري من أجل استعادة المقعد السوري.
ترى ماذا يعني كلام ابو الغيط؟ وما هو معنى التعقيد؟ وما هي الاجراءات المتعددة التي لم يفصح عنها، والتي يجب على السلطة السورية القيام بها؟ وما هي المسؤوليات والاعباء التي تقع على عاتق النظام السوري لاستعادة المقعد؟
قبل الدخول في اجابات، ينبغي ذكر ان النظام السوري المقاوم الحريص على الوحدة العربية، لم يعد راغبا بل والأصح أنه يرفض العودة الى الجامعة بشكلها الحالي الجديد والمتمثل في ارتهان قراراتها بالأمريكيين والعدو الاسرائيلي، والتي تسيطر عليها المملكة السعودية شكلا ومضمونا.
أما من حيث الاجابات على التساؤلات التي طرحتها تصريحات ابو الغيط فيمكننا وباطمئنان شديد ودون مجازفات تحليلية ان نقول ما يلي:
اولا: مصدر التعقيد هو ان هناك أكثر من رؤية عربية لعودة سوريا، فهناك دول تطالب بعودتها ورد اعتبارها بعد الصمود والانتصار، ودول لا ترغب في عودتها بنظامها الحالي، ودول تشترط على نظامها اجراءات واعباء ذكرها ابو الغيط كعناوين دون توضيح، كي تسترد مقعدها، وهو بكل تأكيد امر معقد لأن خلو المقعد من بلد بحجم سوريا هو امر معيب ويمس شرعية الجامعة، كما ان تغيير النظام وفقا للمؤامرة بات امرا صعبا وفقا للاوضاع السياسية والميدانية وتوازنات القوى الراهنة، ناهيك عن ان وضع مسؤوليات واعباء على النظام هو بمثابة شروط، وهو ما يرفضه النظام، فما بالنا بهذه الشروط والتي تعني بكل يقين تخليا من النظام عن المبادئ التي حورب من اجلها؟
ويؤكد هذا الطرح ـ رغم وضوح شواهده وعدم احتياجه لتأكيدات- تصريحات سابقة لاحمد ابو الغيط نفسه في شباط/ فبراير الماضي خلال مؤتمر صحفي، على هامش الاجتماع الوزاري (العربي ـ الأوروبي الخامس) في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث قال وقتها: "أي عودة لسوريا لشغل المقعد تتوقف على وجود توافق عربي كامل، وحتى هذه اللحظة هناك تحفظات ولست في وضع لأن أتحدث عمن يتحفظ ومن لا يتحفظ، ومن له رؤية، ومن لا يفضل أن يكشف عن رؤيته، ولكن في اللحظة التي نستشعر فيها أن هناك توافقًا كاملًا عندئذ فقط يجب أن يصدر قرار من مجلس وزارء الخارجية العرب يدعو وفدا سوريا من دمشق إلى شغل المقعد، ولم نصل إلى هذه اللحظة بعد".
ثانيا: بخصوص الاجراءات فإن ما لم يذكره ابو الغيط، فإننا نريد رفع الحرج عنه لنقول انها متعلقة برفع الفيتو الامريكي والاسرائيلي، ولا يتطلب الامر بعد ذلك سوى جرة قلم لعودة المقعد لأصحابه.
ثالثا: بخصوص المسؤوليات والاعباء الملقاة على عاتق النظام السوري والتي لم يفصح عنها ابو الغيط، فإننا نعفيه من الحرج ايضا لنقول انها تتلخص في تخلي النظام السوري عن انتمائه لمحور المقاومة، وقطع او على الاقل تقليص علاقاته بايران وحزب الله وقوى المقاومة، وانضمام سوريا الى حافلة التطبيع والتحول لجوقة عرابي صفقة القرن وعدم الدخول في تحالفات او مشروعات تمس مصالح الخليج او العدو الاسرائيلي!
أليست هذه هي الاعباء والاجراءات ومصادر التعقيد؟
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024