معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

تونس أعطت صوتها لفلسطين
15/10/2019

تونس أعطت صوتها لفلسطين

عبير بسام
أعلن وبشكل رسمي وصول المرشح قيس سعيد إلى سدّة الرّئاسة التّونسية وبنسبة قدرت بحوالي 72% وأكثر. فوز كاسح ودليل ساطع على أن الشّعب العربي في تونس لم يكن يوماً رهينة لأيّ من حكّامه، ولم يكن لحاكم في تونس وحتى في المغرب العربي القدرة على اقتلاع هذا الشّعب من جذوره العربية والوطنية الملتزمة بقضايا الأمة وآلامها وخاصة في فلسطين، وتعريفه بتسميات مختلفة: سكان شمال أفريقيا أو الاتحاد الأفريقي لا يمكنه أن يلغي الحقيقة بأن ما يجمع بين الشّعب العربي أعمق من اللغة، ألا وهو القضايا الأساس المتمثلة بالحريات والعدالة الإنسانية وفلسطين.

منذ اللحظة التي أقيمت فيها المناظرة ما بين المرشحين التّونسيين ما قبل الثّالث عشر من تشرين الأول/ أكتوبر، بدت نتائج الانتخابات واضحة وضوح الشّمس في علياء السّماء، بأن المرشح قيس السعيد سوف يربح الانتخابات، فالشّعب العربي في تونس لم يكن يوماً بعيداً عن قضايا العرب أجمعين، وأثبتت الثّورة في تونس أنها كانت من أجل تفعيل  تغيير جذري فعلي لتطوير النّظام ومواقفه. ففي اللحظة التي أعلن فيها الرّئيس التّونسي السّعيد أنه يرفض التّطبيع مع الكيان الصهيوني، بل وأكثر من ذلك أنّه يعتبره خيانة وأنّه مصطلح هزيمة استنبط بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد ووصفه خلال المناظرة التي تمت بأنه "جريمة وخيانة عظمى"، كانت اللحظة التي جعلت الشّباب التّونسي - ولربما العربي أيضاً - يقرر النزول للانتخابات، إذ إنّ هناك فرقًا كبيرًا ما بين نسبة المقترعين في المراحل الأولى من الانتخابات وما بين نسبة المقترعين عندما دقت ساعة الحقيقة.

الأمر في الحقيقة ليس مستغرباً، فالعلاقة ما بين تونس والقضية الفلسطينية هي علاقة قديمة. وقد قاتل الشّباب التّونسي كما باقي الشّباب العربي إلى جانب الفدائيين الفلسطينيين، واستضافت تونس حوالي 5000 آلاف فلسطيني، بعد أن تم الاتفاق على خروج الفدائيين الفلسطينيين بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. من بين هؤلاء قيادات المنظمة: ابو عمار وأبو اللطف وأبو إياد وأبو مازن وأبو جهاد، وهذا الأخير أدار الانتفاضة الفلسطينية الأولى من تونس مباشرة. والحقيقة أنه لم يكن من الممكن إدارة عملية أوسلو لولا اغتياله في 15 شباط/ فبراير 1988، حيث توقفت الانتفاضة بعد ذلك ودخلت منظمة التّحرير الفلسطينية في دوامتها. وشهد أهل تونس على عملية الإغتيال الإسرائيلي التي قادها وزير الأمن الإسرائيلي السّابق موشي يعالون، في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وهناك أسئلة كثيرة تطرح حول تورطه والمخابرات التونسية في زمنه في تسهيل العملية.

كما كان التّونسيون قبلها شهود عيان على عملية قصف مدينة حمام الشّط، أو عملية "السّاق الخشبية" كما أسماها الكيان الغاصب، في ا تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1985. وأسفرت العملية عن استشهاد 50 فلسطينياً و18 تونسياً وخسائر مادية قدرت آنذاك بـ 8.5 ملايين دولاراً أميركياً، وحوالي 100 جريح ما يزالون شاهدين على المجزرة المروعة والمباني التي سويت بالأرض، ودمرت مقر منظمة التحرير ومكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات. وحتى اليوم مقبرة المدينة التي تبعد 22 كم عنها تضم الجثامين في مقبرة خاصة تعبر عن امتزاج دماء الفلسطينيين بالتّونسيين فيها. وفي كل عام يعيد التونسيون التّذكير بهذه المجزرة مطالبين حكوماتهم بفتح تحقيق بالموضوع.

لقد اختار التّونسيون ابن تونس الحقيقي الذّي تعلم في مدارسها وجامعاتها، وترعرع فيها. ليس هنا من مجال للمقارنة ما بين تاريخ الرجلين، خاصة وأن الرئيس التونسي الراحل الباجي السبسي كان على وشك أن يوقع قانوناً يمنع بموجبه من توجه لهم تهم قضائية، من التّرشح للإنتخابات الرّئاسية، ولكن المنية وافته قبل أن يوقع القانون، والمرشح نبيل القروي، أدخل السجن بتهم التحايل الضريبي واستغلال الأعمال الخيرية من أجل كسب الانتخابات من خلال تقديم المساعدات. هذا على الرّغم من استغلاله لمؤسساته الإعلامية من أجل بث الدّعاية الانتخابية، إلا أن مقتله كمن في جوابه الخاطئ، الذي اظهر فيه استعداده للتطبيع والتعامل مع "اسرائيل" في وقت تلتهب فيه فلسطين بجُمعات غضبها، وهو ما أظهر معدن تونس وأهلها.

إن أحد أسباب الفرقة العربية يكمن في عدم قدرة سكان الدول العربية السّفر إلى الدول العربية البعيدة والتعرف عليها وعلى أهلها. وأهم أسباب هذه الغربة العربية - العربية يعود إلى القدرات الإقتصادية المحدودة التّي تمنع المواطنين العرب من زيارة بعضهم البعض والتّعرف على بعضهم بعضًا عن قرب. والسّبب الثاني يعود للإغراء الدّعائي الذّي نعيش تحت كاهله وهو أن الأحلام الكبيرة لا تتحقق إلا في بلاد الغرب، ومعظم المسافرين هم مهاجرون من أجل لقمة العيش.  

لا يقل إحساس التّونسيين بعروبتهم عن أهل الشّام، (بمعنى بلاد الشام)، وهم يقدرونهم ويتفاعلون مع أزمات البلاد العربية مجتمعة وخاصة مع القضية الفلسطينية. فهم يتألمون لألم إخوانهم في الشّرق العربي، ويفتخرون بهم. قبل الثّورة التّونسية كنت اذا ما نزلت إلى السّوق العربي أو جلست في أي مقهى تونسي، سترى العيون ترنو إليك، ويقتربون منك "أنت من الشّام، أحسن ناس". وهم ما زالوا على عهدهم بعد الثورة، حيث يناقشون ويمتدحون المقاومة ليس فقط في فلسطين، بل في لبنان، ويفتخرون بأن قائد المقاومة عربي حرّ ومقاوم فذ. فلا عجب أنه حينما قدر لتونس أن تقول كلمتها، انتفضت ونزلت إلى الانتخابات وقالت كلمتها وانتخبت رئيساً يقف إلى جانب قضية فلسطين، ويرفض تدمير الدولة في سوريا وسيبدأ زياراته الرئاسية في الجزائر. حقيقةً هذه هي تونس التّي نعرفها.

قيس سعيد

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل