معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عن طرابلس الفيحاء وإعلام
24/10/2019

عن طرابلس الفيحاء وإعلام "الثورة"

 علي ابراهيم مطر*

هي طرابلس الفيحاء عاصمة الشمال اللبناني. المدينة التاريخية التي تعد أكبر مدن لبنان بعد العاصمة بيروت. عرفت طرابلس منذ القدم بموقعها الجغرافي المميز لأنها صلة الوصل ما بين الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والداخل السوري والعربي، مما جعلها مركزًا تجاريًا مهما على مستوى لبنان والمنطقة. منذ الحرب الأهلية عاشت هذه المدينة الفقر المدقع نتيجة إهمالها من الحكومات المتعاقبة، على الرغم من تأييد أهلها لرؤساء هذه الحكومات، لا بل على الرغم من إفرازها الكثير من الشخصيات التي وصلت إلى رئاسة مجلس الوزراء. تم إفقار شعبها وتحويل أحيائها إلى بؤر أمنية، ودفع أبنائها نتيجة الحرمان إلى التطرف والانضمام الى جماعات دخلت في نزاعات مع السلطة.

على مدار 40 سنة تم تصوير طرابس من قبل فريق معروف في السلطة على أنها مدينة خارجة عن طاعة الدولة. ومنذ عام 2000 حتى اليوم يتم تصويرها وكأنها مدينة متشددة تابعة لـ"القاعدة" من قبل وسائل إعلام محسوبة على فريق سياسي معروف، لا بل تم تعويمها على أنها المدينة التي أصبح العيش فيها سوداوياً، وكأنها الإمارة الخارجة عن الدولة، وتم ممارسة البروباغندا ضد أهل هذه المدينة الطيبة على مدار سنوات، التي لم يكن لأهلها ناقة ولا جمل في ما يحصل، لم يكن لابنائها الإرادة لمنع تصوريها هكذا، بل تم دعم بعض الشخصيات المتطرفة خاصةً ـ من ينسى تعويم شادي المولوي من قبل بعض السياسيين ـ إبان الأحداث السورية لتحويلها إلى إمارة تابعة لجبهة النصرة وداعش ومشاركتها في إسقاط الدولة السورية من أجل مآرب سياسية للذين دخلوا في المشروع الأميركي ـ الخليجي لإسقاط الدولة السورية.

اليوم انتفضت طرابلس على واقعها المؤلم. ثارت على الفقر المدقع الذي تعيشه مثلها مثل عكار والبقاع. تحركت ضد الفساد والإهمال وعدم الإنماء. فتحولت وسائل الإعلام ذاتها التي سوقت عبر سيميائيتها أن طرابلس قندهار الشمال، إلى إستغلال ثورة الجياع وتحويرها من ثورة ضد الفقر والإهمال إلى ثورة لمآرب سياسية ضيقة، وهكذا لم تعد طرابلس لديهم قندهار، لأن هناك فرصة لاستخدام صرختها من أجل المشروع السياسي ـ الإعلامي الذي يريد محاصرة العهد لمصالح بعض السياسيين المنفذين لمشاريع أميركية ـ سعودية.

هكذا هي، البروباغاندا التي يتمّ اللجوء إليها في عالم السّياسة والاقتصاد وغيرهما من ميادين النشاطات العامّة من أجل تحسين صورة عملها أو تحسين صورة أحد رموزها، وذلك عبر استخدام مجموعة من الآليات الّتي لا تُولّي الحقيقة الكثير من اهتمامها، ولا تعتبرها المقياس الّذي تقيّم على أساسه عملها.

اليوم، باتت مدينة طرابلس شمالي لبنان محط أنظار المواطنين ووجهة وسائل إعلام محلية تفرد هواءها للبث المباشر بشكل يثير الريبة، بعدما كانت تتسابق قبل سنوات لمواكبة جولات اقتتال دامية شهدتها وتصوير أطفال يحملون الأسلحة أو تقصي أخبار المسلحين. فمنذ بدء مظاهرات الحراك الشعبي، تحول ليل طرابلس التي وُصفت يوماً بأنها "قندهار لبنان" إلى مسرح كبير يصدح بالأغاني وحلقات الرقص في ساحة النور "ساحة عبد الحميد كرامي"، وهذا ما يطرح علامات استفهام عدة حول ما يحدث.

بعض العناوين السابقة كفيلة بأن تبين كيف كانت صحيفة  "النهار" تتعامل مع طرابلس، "بالصورة... هذا هو ارهابي طرابلس"، "ذئب طرابلس" يُلهب سباق الإرهاب والاحتقان!"، "طرابلس : الجولة الـ 18 تهدّد السلم"، هكذا كان دائماً الحديث عن طرابلس وتصويرها من قبل هذه الوسائل الإعلامية إلى إمارة مغردة خارج سرب الدولة، اليوم لأن هناك ما يحضر لكل لبنان، والذي هو لا يقارب الإصلاح كما يريده الناس، بل يقارب ضرب النظام السياسي.

لقد انقلبت الأمور لدى "النهار" وأخواتها، فتحولت قندهار إلى "أميرة الثورة اللبنانية"، حيث تقول الصحيفة "تتواصل التحركات الطرابلسية بأسلوب منتظم ومدهش لليوم السابع على التوالي، بطريقة لافتة على أكثر من صعيد، إن بحجم المشاركة، أو باستمراريتها، أو بنظاميتها، حيث لم يقع أي إخلال بأصول التحركات، ما أدهش العالم بعد أن كانت طرابلس المدينة الوحيدة التي تعيش حالة الفوضى التي جرت ابان اندلاع الأحداث العربية، خصوصاً السورية".

إنه الإعلام الذي يعمل في خدمة الأجندات الخارجية ويتحول في ليلة وضحاها من بوق يهاجم هدفاً ما، إلى بوق يسبّح بحمد هذا الهدف الذي في كلتا الحالتين ليس في دائرة اهتمام هذا الإعلام الا لغرض الدعاية الإعلامية.

* دكتور في العلاقات الدولية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف