معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

مسوَدّة مشروع قانون العفو العام: بنود ملغومة لا تراعي مطالب الناس
08/11/2019

مسوَدّة مشروع قانون العفو العام: بنود ملغومة لا تراعي مطالب الناس

المحامي غسان المولى

 عاد ملف المشروع المقترح لقانون العفو العام إلى التداول في الساحة السياسية مجدّداً بعد إدراجه في الورقة الإصلاحية على وقع الحراك الشعبي، وسُرّبت مسوَدة هذا المشروع إلى الإعلام، وتضمّنت المادة الأولى منه التالي: "يمنح العفو العام عن الجرائم التالية المرتكبة قبل تاريخ صدور هذا القانون، سواء التي حرّكت فيها دعوى الحق أو لم تحرّك، وفي حال تم تحريكها، سواء التي صدرت بنتيجتها أحكام أو ما زالت عالقة أمام المحاكم العدلية أو العسكرية، وعلى ألا يشمل هذا العفو الحق الشخصي:

- المخالفات
- الجنح والجنايات غير المستثناة بموجب هذا القانون
- جرائم تعاطي أو تسهيل المخدرات المنصوص عنها في القانون رقم 673 بتاريخ 16/3/1998 المتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف.
- الجرائم المنصوص عليها في الفصل الأول من الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات متى كانت في طور المحاولة الجرمية، أو متى كانت شروط المادة 560 عقوبات متوافرة.

ولا يستفيد من هذا العفو الذين ارتكبوا الجرائم التالية:

-  قتل مدنيين و/أو عسكريين.
- خطف مدنيين و/أو عسكريين.
- استخدام أو صنع أو اقتناء أو نقل مواد متفجرة أو ملتهبة، ومنتجات سامة أو محرقة أو الأجزاء التي تستعمل في تركيبها أو صنعها.
- تجنيد و/أو تدريب و/أو إعداد أشحاص للقيام بأعمال إرهابية.

 وكان الرئيس سعد الحريري أكّد في الجلسة الأولى للجنة الوزارية المكلّفة دراسة المشروع، التي انعقدت أواخر الشهر الماضي، على ضرورة الإسراع في دراسة مسوّدة المشروع المقترح "نظراً لأهميته الوطنية، وكونه يلبّي مطلباً أساسياً من مطالب الناس، ويرفع الكثير من المظلومية بحق عدد من الموقوفين، نتيجة عدم تمكّن القضاء من القيام بواجبه، نظراً لحجم القضايا التي ينظر فيها". ووفق مصادر مطّلعة فإن هذا المشروع، الذي ينتظر وضعه في عهدة الهيئة العام لمجلس النواب للتصويت عليه وإصداره بقانون، لن يشمل بأي حال من الأحوال جرائم الخيانة والعمالة للعدو الإسرائيلي والجرائم المرتكبة بحق أمن الدولة من قبل المجموعات الإرهابية، على أن المطلوب وضع توصيف دقيق للجرائم التي يتعين أن تُستثنى من هذا القانون، ولا سيما جرائم القتل، وتلك المتصلة بقضايا الإرهاب والتفجيرات وسواها.

    لا يختلف اثنان على أن منطقة بعلبك - الهرمل تحمل الرقم القياسي بعدد مذكرات التوقيف الصادرة بحق مطلوبين، والكلّ يعلم أن معظم المطلوبين من منطقة البقاع، بموجب مذكرات توقيف تبعاً لمواد الإتجار والترويح من قانون العقوبات اللبناني، هم من مزارعي حشيشة الكيف، ولم يفصل القانون بين المزارع والمصنّع بسبب تلازم الجرم القانوني، وهنا الظلم بعينه، وبالتالي فإن العقدة الأساسية للقضية تكمن في مساواة تاجر المخدّرات بالفلاح الذي يزرع أرضه من أجل المعيشة، ومساواته بأصحاب المصانع المنتجة لهذه المادة، فلا يمكن أن نضع المزارع الذي أجبره الفقر والحرمان المقصود وظروف الحياة والاستهداف المباشر له في مقوّمات عيشه وصموده، على زراعة أرضه بنبتة حشيشة الكيف، على حد المساواة بين التاجر والمصنّع ومع العملاء والمعتدين على الوطن وسيادته وأمنه وجيشه.

    إن أدنى مقتضيات العدل هو في إصدار عفو عام شامل، مع التشدّد بالعقوبات ومضاعفتها بعد إصدار هذا العفو، يأخذ بعين الاعتبار الأسباب الموضوعية التي دفعت الناس إلى اتّباع مسارات غير قانونية، ليس بسبب جنوحهم إلى هذا الأمر، بل بسبب الحرمان التاريخي الذي عانته هذه المنطقة على مدى الحكومات والعهود المتعاقبة في لبنان، وعدم تخصيص الموازنات الكافية العادلة التي تؤمن للمواطنين الفرصة للعمل في أرضهم بما يعود على الوطن وفرة في الإنتاج وتشغيلاً لليد العاملة ودعماً للخزينة العامة، على أن يتم زراعة هذه الأراضي بمعرفة من المؤسسات المعنية في الدولة وتحت إشرافها، وأن تعمد الدولة إلى شراء المحصول من المزارع والاستفادة منه، سواء بإنشاء معامل للأدوية (بما يتعلق بزارعة القنّب) أو بتصريفه في السوق الاستهلاكية الداخلية (بما يتعلق بالزراعات الأخرى)، وهذا ما يكفل عودة الكثير من المطلوبين إلى حضن الدولة والوطن.

    إن مسوَدّة المشروع، وفق البنود المقترحة، لم تتعرّض إلى المستوى الأدنى من الحقوق المنتظرة في منطقة بعلبك - الهرمل، وهو ما يستدعي التنبيه من خطورة هذا الوضع، فإن من شأن إقرار المشروع كما هو بدون تعديل أن يؤدي إلى ثورة حقيقية في المنطقة، وأهالي بعلبك - الهرمل الذين خرجوا إلى الطرقات في إطار الحراك الشعبي المطلبي - كما الحقوقيين من هذه المنطقة - يأملون في أن ينصفهم هذا المشروع، مؤكدين على ضرورة إصدار قانون عفو عام شامل يكفل طيّ هذا الملف بشكل نهائي، بما يضمن للناس حقوقهم، وفتح المجال أمام إعادة دمجهم بدورة الحياة الطبيعية في المجتمع.

    وعليه نناشد فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس مجلس الوزراء الجديد بالإسراع في إصدار قانون العفو الشامل على ألا يتعرّض هذا القانون للحقوق الشخصية، إنما لكل ما هو حق عام يتعلّق بالمواد 125 و126 و127 و128 من قانون العقوبات اللبناني.

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف