معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

حكومة لبنان 2019: الحريري يفتتح العام بمماحكات التشكيل ويختمه بالاستقالة
29/12/2019

حكومة لبنان 2019: الحريري يفتتح العام بمماحكات التشكيل ويختمه بالاستقالة

محمد أ. الحسيني
 

كانت بداية العام 2019 كما ختامه.. مماحكات رافقت تشكيل الحكومة اللبنانية، ولكن الفارق بينهما أن البداية كانت مع الرئيس سعد الحريري، الذي سعى إلى تكريس موقعه السياسي في البلاد من خلال فرض شروط تعجيزية على صعيد التأليف، إلا أن محاولاته على مدى ثمانية أشهر من التسويف لم تفلح في منع إخراج تشكيلة حكومية في نهاية الشهر الأول من العام، وجاءت متوازنة على مستوى التمثيل وتوزيع الحقائب، وهذا لم يرضِ الإدارة الأمريكية، التي رأت في خلاصات تقييمها لما جرى أن الحريري أخفق في الحدّ من نفوذ حزب الله والمحور المعادي للسياسة الغربية في لبنان، وبالتالي لم يعد خياراً أوحد لدى الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، باعتبار أن الهدف الساس هو المشروع وليس الشخص.

أما ختام العام فكان مع استقالة الحريري من الحكومة متظلّلاً باستجابته لضغوط الشارع اللبناني الذي انتفض احتجاجاً على الواقع الاقتصادي والمالي المتردّي الذي أرهق البلد، والواقع أن الرجل أراد من هذه الاستقالة تجيير المستجدّات السياسية والعوامل الخارجية المتمثّلة بالضغوطات الأمريكية القاسية سياسياً واقتصادياً، بذريعة القضاء على حزب الله والنفوذ الإيراني في لبنان، إلا أنه أخفق مرة أخرى في استثمار الفرصة وفشل في فرض نفسه لاعباً رئيسياً على الساحة الداخلية، فقد أدار ظهره لكل المساعي التي بذلها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقوى الثامن من آذار ليعود رئيساً لحكومة إنقاذ تواجه المأزق المالي وتكافح الفساد والفاسدين، وأصرّ على فرض شروط صعبة التحقّق، ومطالبته بامتيازات تجعل منه حاكماً بصلاحيات استثنائية، فوضع نفسه في دائرة خطر إخراج نفسه من الحياة السياسية برمّتها.

انطلق العام 2019 مع حراك قاده حزب "سبعة" تحت مظلّة "المجتمع المدني"، وسيّر تظاهرات متواضعة في بيروت والمناطق، انتقلت إلى إغلاق بعض المرافق العامة وصولاً إلى إعلان الإضراب العام، ورفض ممثّلو هذا الحراك تشكيل حكومة تكنوقراط أو أخصائيين من خارج الأحزاب التي تمثّلت في الندوة البرلمانية، لأن هذا الأمر "يتيح للطبقة الحاكمة الهروب من تحمّلها مسؤولية ما وصل إليه البلد من أزمات سياسية واقتصادية"، وحذّروا من أن التأخير المتمادي في تشكيل الحكومة سيدفع إلى المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة تحت رقابة من جهات مستقلة، لإعادة إنتاج سلطة تستعيد الأموال المنهوبة وتزجّ بالفاسدين في السجون.

حكومة لبنان 2019: الحريري يفتتح العام بمماحكات التشكيل ويختمه بالاستقالة

شهدت هذه المطالب الشعبيّة تغيّرات على مستوى الشكل ولكنها حافظت على المضامين نفسها مع تطوير في بنود أجندتها، لا سيما بعد أن توسّعت مروحة الأطراف والجهات والتيارات المشاركة في الاحتجاجات التي تصاعدت اعتباراً من 17 تشرين الأول/ اكتوبر، وأخذت مسمّيات متعدّدة منها: الحراك، والانتفاضة، والثورة، ورفعت شعارات متعدّدة طالبت بمكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين ورحيل سلاطين المال والتخلّص من سلطة المصارف التي كان لها الدور الأبرز في التماهي مع الضغوطات الاقتصادية الأمريكية وتعميق الأزمة المالية في لبنان. إلا أن بعض أطراف الحراك المطلبي رفع سقف مطالبه، باتجاه رحيل الطبقة الحاكمة المتمثّلة برئاسات الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، وتشكيل حكومة تكنوقراط (وهو مطلب كانت قد رفضته في البداية) وإجراء انتخابات نيابية مبكّرة، وإعادة صياغة النظام السياسي؛ والتقت هذه المطالب مع ما سعت واشنطن إلى تنفيذه، فتحوّل الحراك المطلبي إلى مطيّة ركبته الولايات المتحدة الأمريكية وأوعزت إلى وكلائها في لبنان بالتدخّل المباشر في القيادة والإدارة والتوجيه والمشاركة الميدانية، ولا سيما أحزاب الكتائب والقوات اللبنانية والتقدمي الإشتراكي وتيار المستقبل.

لم تكن الإحتجاجات الشعبية وليدة ساعتها، فعلى الرغم من أن جزءاً منها خرج بشكل عفوي وصادق اعتراضاً على خطط الحكومة لفرض المزيد من الضرائب على البنزين والتبغ، واستحداث ضريبة على استخدام تطبيقات المكالمات الهاتفية عبر الإنترنت في 22 تشرين الأول/ اكتوبر، وكان ذلك بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير؛ إلا أن تتبّع مسار الحوادث منذ بداية العام يؤشر بشكل واضح إلى وجود مخطّط ممنهج رسمته واشنطن كواحد من المسارات المرسومة لإعادة ترتيب شامل للوضع السياسي والأمني في المنطقة، بحيث يقود هذا المخطّط في شقّه اللبناني إلى ضرب الاستقرار الداخلي وإدخال لبنان في دوّامة من الفوضى وتأليب الشارع على الحكم وصولاً إلى إسقاطه، وفرط مؤسسات الدولة وإعادة تشكيلها في بنية غير معادية للولايات المتحدة، وبالتالي تصبح قابلة للدخول في إطار التسوية، الذي أوغل فيه أكثر العرب مع "إسرائيل"، وهذا لا يتحقّق إلا بتغيير النظام اللبناني الحالي برمّته باعتباره مغرداّ خارج السرب الأمريكي والإسرائيلي.

هذا المسار كان يهدف إلى تظهير الحكم في لبنان بمظهر الجسم الضعيف غير القادر على إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بلبنان، إلا أن واقع الأزمة كان ـ إلى جانب الفساد الإداري والمالي المستفحل في مؤسسات الدولة ـ هو الضغط الأمريكي الذي شلّ القطاع التجاري والمصرفي في لبنان بذريعة فرض العقوبات المالية على حزب الله وتجفيف مصادر تمويله، مع الإشارة إلى أن معظم الفاسدين في المنظومة المالية اللبنانية هم ضمن الرعاية الأمريكية أصلاً؛ وفي ظل هذا الواقع الراهن أكد حزب الله على ضرورة أن يكون البرنامج الأساسي للحكومة مكافحة الفساد، طالباً من وزرائه ونوابه إعداد الملفات اللازمة في هذا السياق، وأيّده في ذلك كل من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري وأبديا الاستعداد الكامل لرفع الغطاء عن كل فاسد في الدولة مهما علا أو دنا موقعه سواء أكان في مؤسسات الدولة أو خارجها.

انطلقت الاحتجاجات الشعبية، وحازت على دعم مختلف الفرقاء السياسيين في لبنان، ما استدعى استنفاراً رسمياً ضمن مهلة 72 ساعة، خلص إلى اجتماع للحكومة تراسه الرئيس عون في قصر بعبدا بتاريخ 21 تشرين اول/ اكتوبر وانتهى بإقرار موازنة العامة 2020 بعجز 0.6 % دون أي ضرائب، والإتفاق على ورقة إصلاحية، أعلن الحريري أنها تضمنت 24 بنداً إصلاحياً، وأهمها خفض موازنات الصناديق والمجالس الإنمائية بنسبة 70%، ودعم الصناعة المحلية وتشجيع التصدير ومعالجة ملفي الكهرباء والاتصالات، فضلاً عن مناقشة مشروع قانون استعادة الأموال العامة المنهوبة، وإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، معتبراً أن "قرارات مجلس الوزراء هذه هي أكبر إنجاز في تاريخ حكومات لبنان وانقلاب مالي".

لم تتوقف احتجاجات الشارع ورفضت الورقة الإصلاحية مطالبة بسقوط النظام ورموزه تحت شعار "كلّن يعني كلّن". ومع دخول الأسبوع الثاني على بدء الحراك بدأت تتبدّى الأهداف الخفيّة من وراء استغلال مطالب الناس للوصول إلى ما هو أبعد من الإصلاح في البلاد، لا سيّما مع بروز بوادر ممارسات عنفية لدى شريحة من المتظاهرين الذين كانوا رفعوا شعار "سلمية، سلمية"، ورفضوا دعوات الرئيس ميشال عون إلى إجراء حوار معه، وعمدوا إلى قطع الطرق الرئيسية في بيروت وتلك الموصلة إلى مناطق الجنوب والبقاع. وإزاء ذلك دعت قيادتا حزب الله وحركة أمل إلى إبقاء "الحراك بعيداً عن تبنّي بعض الأحزاب التي كانت في السلطة لعقود وركبت موجته وحركته، وتحاول أن تحرفه عن مساره باتجاه غايات وأهداف سياسيّة"، وأدانت القيادتان في بيان "ما أقدم عليه البعض من شتائم وسباب وعبارات نابية سوقية أساءت وتسيء للشعب اللبناني.. مع الدعوة الى الحفاظ على الأملاك العامة والخاصة والإبتعاد عن كل أنواع التخريب".

حكومة لبنان 2019: الحريري يفتتح العام بمماحكات التشكيل ويختمه بالاستقالة

ولعبت بعض محطات تلفزة الإعلام المموّل دوراً رئيسياً ومباشراً في تأجيج الخطاب الفتنوي، ونشرت مندوبيها في مختلف المناطق ليتجاوزوا وظيفتهم المهنية في نقل الوقائع باتجاه تقمّص شخصية صنّاع الرأي والموجّه المباشر للمتظاهرين في ما يقولونه وما يعبّرون عنه، فضلاً عن تظهير حضور الأكاديميين والإعلاميين والفنانين من ممثّلين ونجوم الكوميديا في مسعى لإعطاء الزخم الإعلامي لهذا الحراك، ودأبت هذه الوسائل على تضخيم الأعداد بشكل تدريجي حتى وصل إلى الإدّعاء بوجود مليوني مشارك، فيما رجّحت أقصى التوقعات عدم تجاوز عدد المشاركين في الحراك الـ 250 ألف متظاهر فقط في وقت الذروة.

ارتفاع نسبة التوتّر على الأرض حدا بالأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله لدعوة مؤيدي الحزب إلى الخروج من الشارع، بعدما بدا له أن هناك اتجاهاً لتقسيم مجموعات الحراك وفرزهم سياسياً ومذهبياً، وإذ جدّد سماحته تأييده لمطالب المحتجين في تحقيق إصلاحات اقتصادية، حذّر من دخول أيادٍ خارجية تعمل على استغلال أوجاع الناس ومطالبهم وتحرف تحرّكهم عن الأهداف المشروعة التي يطالبون بها والتأسيس بذور لحرب أهلية في لبنان، وهذا التحذير جاء بعد أن عمد أنصار حزب القوات اللبنانية إلى استعادة أجواء الحرب الأهلية من خلال إطلاق شعارات عنصرية لها طابع طائفي ومذهبي فضلاً عن إقدامهم على قطع طريق نهر الكلب في تجسيد لمشروع الفدرلة الذي طالما نادى به سمير جعجع بترسيم حدود الوطن المسيحي من المدفون إلى نهر الكلب.

ولعلّ الحادث الأخطر الذي يؤشر إلى خطورة الأهداف المبيّتة لبعض شرائح الحراك الجريمة المروّعة التي ارتكبها قطّاع الطرق على أوتوستراد الجية بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، وأسفرت عن استشهاد المواطنين حسين شلهوب وسناء الجندي اللذين قضيا احتراقاً داخل السيّارة التي كانا يستقلّناها، ما ساتدعى اتنطاراً عارماً من كل المستويات السياسية والاجتماعية في لبنان.
وفي خطوة متوقّعة، أعلن الحريري بتاريخ 29 تشرين الأول في خطاب متلفز، استقالته من الحكومة "نظراً للتحديات الداخلية التي تواجه البلاد ولقناعتي بضرورة إحداث صدمة إيجابية وتأليف حكومة جديدة تكون قادرة على مواجهة التحديات والدفاع عن المصالح العليا للبنانيين"، حسب قوله، وزار الحريري قصر بعبدا واضعاً الاستقالة بين الرئيس ميشال عون الذي لم يتأخر في الإعلان عن تكليف الحريري تصريف أعمال الحكومة، تمهيداً لإجراء استشارات نيابية لتكليف حكومة جديدة، وفيما اعتبرت قوى 8 آذار أن الاستقالة خطوة في المجهول وتعمّق الأزمة في البلاد، باركت قوى 14 آذار قرار الحريري "التاريخي الذي استجاب لإرادة الشعب"، وأنها "بداية مسار التغيير وتشكيل حكومة اختصاصيين مستقلّين عن القوى السياسية وإقرار قانون انتخابي عصري وإجراء انتخابات مبكرة". وفيما اعتبرت شريحة من الحراك بأن الاستقالة خطوة إيجابية تؤسس لإنتاج فريق حكومي جديد يطبّق بنود الورقة الإصلاحية، اعتبرت شرائح أخرى أن الاستقالة شكلية، داعية إلى متابعة "المقاومة المدنية وصولاً إلى الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة تحت إشراف دولي".

وعلى وقع استمرار الإحتجاجات الشعبية واتّساع رقعة انتشارها، اعتمد الحريري سياسة الإستنكاف عن القيام بواجباته الحكومية وتعطيل عمل الوزارات، وأبلغ وزير الخارجية جبران باسيل، بحسب ما نشرته صحيفة "الجمهورية" بتاريخ ٦ تشرين الثاني/ نوفمبر، أنّه "لا يرغب بالعودة إلى رئاسة الحكومة في هذه المرحلة، وأنّه مستعدّ لتسمية شخصيّة يتوافق عليها الجميع بحيث تتولّى رئاسة حكومة من اختصاصيّين لا وَلاء لهم لأيّ من المرجعيّات والأحزاب والقوى السياسيّة"، وسعى حزب الله وحركة أمل إلى ثني الحريري عن قراره بدون جدوى، ولم يفلح المعاون السياسي للسيد نصر الله الحاج حسين الخليل ووزير المال علي حسن خليل في دفعه إلى التراجع عن رفضه تشكيل الحكومة، باعتباره "شريكاً أساسياً في حل الازمة الحكومية الراهنة".
السيد نصر الله قارب الأزمة بنظرة موضوعية، فدعا المشاركين في الحراك الشعبي إلى تحديد شخصيات ممثّليهم وتوحيد مطالبهم ولا سيما لجهة مكافحة الفساد وإستعادة الاموال المنهوبة، باعتباره مطلباً إجماعياً عابراً للطوائف والمذاهب والأديان والانتماءات الحزبية والسياسية ولا يجرؤ أحد على مخالفته، ورأى أن "هذا تطوراً كبيراً حصل في البلاد" معتبراً أن "الفاسد كالعميل لا دين ولا طائفة له"، ولفت سماحته في خطاب لمناسبة يوم الشهيد في 11 تشرين الثاني، إلى أن الأمريكية على القطاع المصرفي هي عقوبات على لبنان والشعب اللبناني، وتهدف لإحداث فتنة بين الشعب اللبناني والمقاومة"، مؤكداً على ضرورة تشكيل "حكومة سيادية تأخذ مصالح لبنان بعين الإعتبار، وتقول لأميركا هذا الموقف هو لمصلحة لبنان وحلّي عن سمانا".

حكومة لبنان 2019: الحريري يفتتح العام بمماحكات التشكيل ويختمه بالاستقالة

موقف السيد نصر الله أضاء على تدخّل الولايات المتحدة المتمادي في الشأن الداخلي اللبناني، وعبّر عنه مختلف مسؤولي الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو الذي سعى إلى توظيف الحراك في لبنان في إطار الحملة الأمريكية على إيران، فقال إن "إيران هي العامل المشترك وراء الإحتجاجات في جميع أنحاء الشرق الأوسط"، مشيراً إلى إن "المتظاهرين في العراق ولبنان وإيران نفسها يعارضون النظام الديني"، وزعم أن "المتظاهرين في لبنان يريدون أن يخرج حزب الله وإايران من بلادهم". ويتساوق هذا الموقف مع ما جاء في الشهادة التي أدلى بها السفير الأمريكي الأسبق في بيروت جيفري فيلتمان أمام الكونغرس بتاريخ 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث اعتبر أن "الاحتجاجات في لبنان بيّنت أنّ ما كان غير وارد في السابق قد يصبح الآن ممكناً"، مطالباُ الإدارة الأمريكية بإيلاء الشأن اللبناني اهتماماً أكبر لدفع الشعب اللبناني إلى "اتخاذ خيارات في خدمة مصالحنا الخاصة، والمساهمة في التقديرات التي سيقوم بها اللبنانيون في ما يتعلق بالحكومة والقرارات السياسية، ومنع فراغ من شأنه أن يملأه الآخرون على حسابنا".

في موازاة ذلك، استمر الحريري في سياسة الابتزاز والكيد السياسي، مبقياً على رفضه الشكليّ لتولّي تشكيل الحكومة الجديدة إلاّ إذا تم الرضوخ لشروطه في تشكيل حكومة تكنوقراط مع صلاحيات استثنائية، وإزاء ذلك تمنّى حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر على الرئيس عون تأجيل الاستشارات النيابية لضمان عملية التكليف والتأليف بسلاسة وهدوء بدون افتعال أي مشكلة قد ترفع نسبة التوتّر الداخلي أكثر، ولأنهم لا يزالون يراهنون على تغيير الحريري موقفه وهو ما لم يحصل، فانتقل البحث في طرح الحريري نفسه إسم المرشّح العتيد الذي يراه مناسباً، وبدأت بورصة الأسماء في الصالونات المقفلة، لكن الحريري بدا مطمئناً إلى أن أي إسم سيتم طرحه كبديل عنه سيتعرّض للحرق في الشارع، وهذا ما حصل حين الإتفاق على تسمية سمير الخطيب الذي باشر اتصالاته ولقاءاته لضمان موافقة الأفرقاء المعنيين، إلا أن إسقاطه هذه المرّة جاء بموقف من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي أبلغ الخطيب أن مرشح السنّة في لبنان هو سعد الحريري.

أعلن الرئيس عون إرجاء موعد الاستشارات النيابية من الإثنين 8 كانون الأول/ ديسمبر إلى يوم الاثنين 15 كانون الأول/ ديسمبر، إفساحاً في المجال للمشاورات التي كادت أن تفضي إلى موافقة الحريري على تشكيل حكومة تكنو ـ سياسيّة، وانتقل النقاش للبحث في توزيع الحقائب الوزاريّة، لكنّه تراجع عن قراره متمسّكاً بتشكيل حكومة تكنوقراط؛ ودفع هذا التعنّت الوزير جبران باسيل إلى إعلان القرار بعدم المشاركة في حكومة يترأسها الحريري، مؤكداً أن "مرحلة إلغاء الآخر ولّت إلى غير رجعة، ولن نقبل لأحد أن يركب موجة الإنتفاضة لضرب الميثاقية والشراكة الإسلامية – المسيحية"، وأضاف: "إذا أصرّ الحريري على "أنا أو لا أحد" وأصرّ حزب الله وأمل على مقاربتهما بمواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، فنحن كتيّار وطني حرّ، وكتكتّل لبنان القوي، لا يهمّنا أن نشارك بهكذا حكومة لأن مصيرها الفشل حتماً". في المقابل، جدّد السيد نصر الله تحذيره من ركوب الأمريكيين موجة التظاهرات في لبنان وتحويرهم لأهدافها وتصويرها أنها ضد إيران وحزب الله، وقال في كلمة له بتاريخ ١٣ كانون الأول، إن حزب الله وحركة أمل يرفضان تشكيل "حكومة من لون واحد لا يمكنها معالجة الأزمة الخطيرة التي نعيشها".

وإزاء هذه المستجدّات في المواق اتصّل الحريري بالرئيس برّي طالباً منه التمنّي على الرئيس عون تأجيل الاستشارات أسبوعاً ثانياً، بعد أن يكون المبعوث الأمريكي ديفيد هيل أنهى زيارته إلى بيروت، ولكن عون رفض وحدّد موعد الاستشارات يوم الخميس 19 كانون الأول/ ديسمبر قبل مجيء هيل، وأسفرت الاستشارات عن تسمية د. حسان دياب بـ 69 صوتاً مقابل 14 صوتاً لنواف سلام وصوتاً واحداً لحليمة قعقور ولا تسمية 43 صوتاً. وأفرزت هذه الإستشارات حقيقة مرّة لم يكن الحريري يتوقّعها، بحيث غدر به حليفه سمير جعجع ولم يسمّه، فيما غدر به الحليف الآخر وليد جنبلاط الذي سمّى نواف سلام، وهذا ما قرأته مصادر مطّلعة بأنه رسالة واضحة على أن الحريري لم يعد خياراً سياسياً معتمداً في لبنان من قبل واشنطن والرياض.

قصد دياب القصر الجمهوري وأبلغه الرئيس عون قرار التكليف، فيما تجمهر عدد من المتظاهرين أمام منزله معلنين رفضهم تسميته لتشكيل الحكومة، إلا أنه قطع الطريق أمام المحاولات التي قد تستهدف حرقه كما حصل مع سلفه، قائلاً: " لست محسوباً على أحد .. ولن أعتذر عن تأليف الحكومة وهو سيكون سريعا بالنسبة الى الوقت الذي أخذته الحكومات السابقة"، وشدّد في حديث تلفزيوني على رفض وصفه بأنه "مرشّح أو رئيس حكومة حزب الله ولا فئة أخرى بل حكومة لبنان وأنا رئيس حكومة كل اللبنانيين، بمن فيهم الحراك اللبناني، ولا أحد يزايد على سنّيتي".

أحداث تشرين أول 2019بانوراما 2019

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل