معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

خطاب بومبيو وتغريدات ترامب وجهان لعملة واحدة
14/01/2019

خطاب بومبيو وتغريدات ترامب وجهان لعملة واحدة

بغداد ـ عادل الجبوري

المتابع بدقة لخطاب وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو من على منبر الجامعة الاميركية في العاصمة المصرية القاهرة، في العاشر من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، يكتشف أن ما جاء فيه لا يختلف كثيراً عن عموم تغريدات الرئيس الاميركي دونالد ترامب في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) على مدى العامين الماضيين، والتي عكست في جانب منها طبيعة شخصية ترامب الفوضوية المتقلبة، وفي جانب آخر، عكست اتجاهات ومسارات السياسة الأميركية في المرحلة الراهنة.

ولا يتوقع أو يتصور أحد، أن الوزير بومبيو، يختلف عن ترامب في قناعاته وتوجهاته وتفكيره، ولو كان مختلفا عن رئيسه، لكان قد استقال أو أقيل كما هو الحال مع أكثر من خمسين مسؤولاً أميركياً رفيع المستوى، خلال العامين المنصرمين، ومن بينهم سلفه ريكس تيلرسون.         

وخلال البضعة شهور الماضية، تضمنت تغريدات ترامب الانفعالية المتسرعة، تهديدات لايران وحلفائها وأصدقائها في المنطقة، وانتقادات حادة للادارة الاميركية السابقة بزعامة باراك أوباما، وتأكيدات متكررة على أن واشنطن لن تستمر بحماية الآخرين دون ثمن، وتعهدات باستمرار الدعم والحماية للكيان الصهيوني، والتلويح بالقوة ضد الآخرين، ومن بينهم حلفاء وأتباع للولايات المتحدة في المنطقة والعالم.

ومن الصعب جداً، أن يتمكن أياً كان من تحديد مسارات واتجاهات واضحة لطبيعة وجوهر مواقف ترامب من خلال تغريداته، بل إن ما يميزها هو الانفعال والتسرع والتناقض، واللغة المبتذلة البعيدة الى حد كبير عن السياقات واللياقات الدبلوماسية المتعارف عليها.

واذا كان الوزير بومبيو قد تحدث من القاهرة بلغة دبلوماسية هادئة، خلافاً لرئيسه، فإنه بدا قريباً جداً في مجمل اطروحاته من تغريدات الرئيس.    

فعن ايران قال بومبيو "لقد قلب الرئيس ترامب "العمى الاختياري" لدينا لخطر النظام الإيراني وانسحب من الصفقة النووية الفاشلة، بوعودها الكاذبة، وأعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات التي لم يكن ينبغي رفعها اساسا، وشرعنا في حملة ضغط جديدة لقطع الإيرادات التي يستخدمها النظام لنشر الرعب والدمار في جميع أنحاء العالم،. انضممنا إلى الشعب الإيراني في الدعوة إلى الحرية والمساءلة"، حزب زعمه.

بيد أن بومبيو، لم يقل إن الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي بقيت ملتزمة به، واعتبرت خروج الولايات المتحدة منه أمراً خاطئاً وغير شرعي، ولم يقل إن ادارة ترامب فشلت فشلاً ذريعاً في محاصرة ايران وعزلها، كما فشلت الادارات السابقة في ذلك على امتداد أربعين عاماً، ولو كانت أي منها قد نجحت لما بقي نظام الحكم في ايران قائماً حتى الآن، قوياً ومتماسكاً ومؤثراً ومقبولاً.

وعن إدارة أوباما، قال بومبيو مخاطباً الحاضرين وعموم العرب والمسلمين "لقد وقف أمامكم في هذه المدينة بالذات قبلي أمريكي آخر، وأخبركم أن الإرهاب الإسلامي المتطرف لا ينبع من أيديولوجية، وأخبركم أن 11 أيلول/ سبتمبر قد قاد بلدي للتخلي عن مثلها العليا، ولا سيما في الشرق الأوسط، وقال لكم إن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي احتاجوا إلى بداية جديدة، ولكن نتائج هذه التقديرات الخاطئة كانت سيئة للغاية".

وفي مواضع اخرى تكلم عميد الدبلوماسية الاميركية بصورة فجة و"غير لائقة" عن الرئيس السابق اوباما، كما فعل ترامب بالضبط، حتى أنه ـ أي بومبيو ـ وصف عهد اوباما بـ"عصر العار والخزي الاميركي"، ووصف بلاده في عهد ترامب بأنها "قوة للخير في الشرق الأوسط"!.

وختم بومبيو "ان عمر الخزي الأمريكي الذاتي انتهى، وكذلك انتهى عهد السياسات التي أنتجت الكثير من المعاناة التي لم يكن لها من مبرر، والآن تأتي البداية الجديدة الحقيقية".

وهل يعقل أن بومبيو حينما اعتبر أميركا قوة للخير في الشرق الأوسط، نسي أو تناسى ما سببته وتسببت به من مآسي وويلات وكوارث على شعوب ودول المنطقة، لا سيما خلال العامين الماضيين، وقبلهما أيضا، ادت الى سقوط آلاف الضحايا، ناهيك عن حجم الدمار والخراب الهائل الذي خلفته، في سوريا والعراق واليمن وفلسطين ودول أخرى.

ولعل المضحك المبكي، حينما يدّعي وزير الخارجية الاميركي "أن اميركا كانت، وستبقى دائما، قوة مُحرِّرة، وليست قوة احتلال، واننا لم نحلم أبدا بالهيمنة على الشرق الأوسط"! لأنه إما يخدع نفسه أو يتصور أن بإمكانه استغفال الاخرين ببساطة، فإذا لم تحلم اميركا بالهيمنة على الشرق الأوسط ولم تكن في يوم من الأيام قوة احتلال، فمن الذي جلب كل تلك الحروب الفتن والصراعات الى المنطقة؟ ومن أغرقها في بحور من الدماء؟ ومن الذي أنشأ القواعد العسكرية، وحاك المؤامرات، وخطط لتقسيم الدول وافقارها وتجويعها واذلالها، وجاء ببدعة "ثورات الربيع العربي"؟

لم يكن بومبيو بحاجة الى أن يكون أكثر وضوحاً في التأكيد مرة أخرى على دعم الكيان الصهيوني بقدر معاداة ايران ومحاربتها، ففي الوقت الذي أشاد بخطوات التطبيع العربية الأخيرة من جانب دول خليجية مع الكيان الصهيوني، أكد على أن واشنطن "ستدعم بقوة جهود "إسرائيل" لمنع طهران من تحويل سوريا إلى لبنان ثان، وستعمل الولايات المتحدة على الحد من تهديد ترسانة حزب الله الصاروخية التي تستهدف إسرائيل ويمكن أن تصل إلى جميع النقاط داخل ذلك البلد".
ويضيف في موضع آخر "إن الولايات المتحدة تؤيد بالكامل حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها ضدّ المغامرة العدوانية للنظام الإيراني، وسنواصل ضمان امتلاك "إسرائيل" القدرة العسكرية للقيام بذلك بشكل حاسم".

ولأن واشنطن تدرك قوة ايران وتأثيرها وحجم حضورها في المنطقة، لذلك، فأنها ـ أي ايران ـ ربما تكون أكثر من ذكرها بومبيو في خطابه، الى جانب أطراف محور المقاومة.

والرسائل التي بدت ايجابية في ظاهرها تجاه ما يطلق عليهم أصدقاء واشنطن وحلفائها في المنطقة، مثل دول الخليج والاردن ومصر وغيرها، حملت بين طياتها الكثير من التهديدات والنصائح والتحذيرات، ناهيك عن أن الوزير الاميركي راح يفصل الأمور على مقاسات البيت الابيض، ويطلق الأحكام ويوزع شهادات حسن السلوك، وكأن الآخرين من زعماء وساسة، موظفين ومستخدمين وأُجراء وأذناب لدى حكام واشنطن.  

كذلك انطوت الرسائل على تلميحات الى أن القوة العسكرية الأميركية ستبقى حاضرة في المنطقة، من أجل حماية المصالح الاميركية، ومصالح وأمن الحلفاء، لكن يجب على الحلفاء دفع تكاليف توفير الأمن والحماية لهم، الى جانب الاصغاء لنصائح وتوجيهات واشنطن والاخذ بها على محمل الجد.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف