نقاط على الحروف
حاج قاسم.. محزونين ما زلنا
ليلى عماشا
منذ عدة أيّام، يتداول الناس جملة "لم يعد شيء بخير" مرفقة بصور لسيد شهداء محور المقاومة قاسم سليماني.. يقول وجدان الناس عبر هذه الجملة البسيطة الكثير. فهي تختصر حكاية عمر الأممي الذي بذل كلّ أيامه حبًّا ودفاعًا عنّا، عنّا جميعًا، وتشي باليتم الذي غمر القلوب كلّها منذ ذلك الفجر الذي زفّه شهيدًا، وجرّحنا فردًا فردًا.
يقول وجدان الناس أيضًا، بالجملة البسيطة ذاتها، إنّ ما توالى عليها من أحداث مؤلمة زاد جرح الفقد اتسّاعًا، حتى بالنسبة للذين ما عرفوا قدره في قلوبهم إلا بعد استشهاده.. ربط النّاس كلّ دمع حلّ بعيونهم بهذا الفقد، كلّ وجع وكلّ حيرة.
على مرّ العصور، يؤرخ "الوجدان الشعبي" الحقائق بشكلها الأبسط والأصدق والأنقى، أي يكتب التاريخ بلغة لا تقبل الجدل ولا تدخل في سوق وجهات النظر. ينقل الذاكرة والمشاهد والمشاعر ويتوارثها ويحفظها بذلك من شرّ التعتيم والغياب.. وهكذا، أمكننا في هذه الفترة العصيبة أن نشهد أول تشكّل ملامح سليماني في نظر الأجيال الآتية.. سينقل جيلنا لهم حكاية الرجل الذي هزم أميركا بالحبّ، وما المعارك التي خاضها وقادها ودعمها وجهّز لها ضدّ هذا الشرّ المطلق إلا بعضًا من حبّه للحقّ.. وسيحكي لهم كيف قصم الفقد ظهر جيل كامل، جيل استمدّ القوّة والقدرة على مكافحة الصعاب من عينين حملتا الفكرة والعقيدة سلاحًا، سلاحًا لا يسقط ولا تنتهي مدة صلاحيته، وجيل تألّم حدّ الشعور بأنّ كلّ وجع أصابه بعد إغماضة العينين هو انعكاس للوجع الأكبر، جيلٌ تيتّم..
في اليوم الثاني من كانون الثاني لعام ٢٠٢٠، صحا الناس على خبر مرّ، وتلقّوه رغم العزيمة بالدّمع، بالغضب، بعهود الثأر وبوعود البقاء على النّهج، والوفاء للدم وللبسمات.. استمدّ المقاتلون على جميع جبهات المقاومة من الجرح قوة، والنّاس واساها الصبر واليقين بالثأر ومشهد الصبر الجميل في كلمات كريمته زينب.. توالت الصعاب، ولم يعلُ صوت أيّ منها فوق صوت الافتقاد.. بل بدا الأمر وكأنّها كلّها صدى لذاك الصوت..
"منذ رحيلك لا شيء على ما يرام.. لا شيء"، قالتها القلوب بحزن جميل، بوجع نقيّ كما لو أنّه ماء المطر، بشكوى يلفّها صوت اليتم، وبتسليم إيمانيّ جميل.. "مسّنا الضرّ" نقول، ويجيبنا صوتك أن "يقينًا كلّه خير" فنخجل من شكوانا ونشدّ ضحكتك سياجًا من ورد حول أوجاعنا.. "نفتقدك" يتمتم النبض، فتشير يدك إلى رجال حملوا من روحك دروعًا وذهبوا نحو السواتر.
أمس، كانت ذكرى ميلادك، بكينا، وليس البكاء إلّا بكاء علينا، نحن الذين لا نملك إلا دمعًا يطهّر قلوبنا كي تحوي من حبّك أكثر..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024