معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

النفط: سلعة سعودية وسلاح أمريكي
16/03/2020

النفط: سلعة سعودية وسلاح أمريكي

ايهاب زكي

"السيطرة على أسعار النفط وكمية إنتاجه هما من ركائز الأمن القومي الأمريكي"، هذه خلاصة دراسة في جامعة هارفارد. رغم أنّ هذه الخلاصة ليست بحاجة إلى دراسات بحثية استكشافية، فالواقع يغص بالشواهد والأدلة التي في متناول اليد، لذلك فإنّ ركائز الأمن القومي الأمريكي ليست للعبث حتى من ساكن البيت الأبيض شخصياً، فكيف يريدون إقناعنا أنّ حرب الأسعار النفطية المتجددة هي حربٌ سعودية روسية؟

محاولة إقناعنا بذلك هي عملية تهريج لكنها ترتدي ثياب الوقار، حتى تجعل السخرية والضحك على هذا الهزل مستهجناً بل سخيفاً، فلا يمكن فهم أو تأصيل حربٍ نفطية سعودية على روسيا، دواعيها ومبرراتها وأهدافها ونتائجها، والانطلاق من هذه الفرضية هو السخف عينه، لأنّه دون وجود الولايات المتحدة كطرفٍ أصيل في هذه الحرب، لا يستطيع أحدٌ الوصول إلى خلاصة واقعية وحقيقية، كما لا يستطيع قلمٌ مهما أوتي من أدوات التجميل أنّ يجعل من المسوخ أبطالاً أو حتى أنداداً.

عام 2014 هبطت أسعار النفط بشكل مفاجئ مما يقارب 120$ للبرميل إلى ما دون 50 % للبرميل، وكان ذلك بسبب الإصرار السعودي على عدم خفض الإنتاج، وقد تعاظمت الآمال في حينها أن يتسبب هذا الانخفاض الهائل في الأسعار بالضغط على روسيا وإيران تحديداً. وبدأ العالم في ضبط ساعته لساعة الصفر التي تعلن روسيا فيها عن تنازلاتٍ مؤلمة في الملفين السوري والأوكراني، كما تسارع إيران لفعل ذلك أيضاً تحت طائلة ذات الأزمة، بالإضافة لتنازلاتٍ في الملف النووي كذلك. وكانت الولايات المتحدة تسعى لإعادة اجتراح التاريخ لأواخر الثمانينيات من القرن المنصرم، حيث قامت السعودية بذات الفعل ليصل سعر البرميل إلى 10 دولارات، وهو ما أدى لاستنزاف الموازنة السوفياتية خصوصاً مع استنزافٍ حربي في أفغانستان، وهو ما ساهم في انهيار الاتحاد السوفياتي. والقياس على ذلك بوجود الولايات المتحدة بأهدافها يبدو وجيهاً، بعكس محاولات التنقيب بلا جدوى عن أهدافٍ سعودية تختبئ خلف صقوريةٍ كاذبة، حيث خسرت أرامكو 300 مليار دولار في اليوم الأول لهبوط الأسعار، هذا دون احتساب ما تخسره المملكة يومياً وهو مئات الملايين، وهذا الإصرار الذي هو أقرب للبلادة، يشبه ما قاله وزير النفط السعودي عام 2014، "سنظل ننتج حتى لو وصل السعر إلى 20$".

في أكثر من مناسبة وحين كان الدم العربي يُسفح في غزة أو لبنان، كان يتم توجيه سؤال لوزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، لماذا لا توقف الدول النفطية العربية انتاجها النفطي من باب الضغط لوقف الحروب؟ وكان الجواب واحداً ومكرراً، "النفط سلعة وليس سلاحاً"، وهو جواب بكل ما فيه من صفاقةٍ سياسية، إلّا أنّه حقيقة مؤكدة، فبالنسبة للسعودية هو مجرد سلعة تجني منه هامشاً ربحياً تحدده الولايات المتحدة، بينما بالنسبة للولايات المتحدة هو سلاح، ولكن السعودية تعرف أيضاً أن النفط هو منصة العرش، فحماية العرش أمريكياً تنطلق من المنصة النفطية، لذلك فإنّ ابن سلمان لا يتصرف بشكلٍ نافرٍ عن أسلافه، وإن بدا أنّه أكثر رعونة، وهو كما أسلافه لا يفكر مرتين في تنفيذ الأوامر الأمريكية، ولا يحسب النتائج المترتبة اقتصادياً، فالظن السائد في القصور الملكية أنّ أمريكا تحمي النفط، وبما أنّ العرش فوق النفط، فهو سيكون محمياً بالنتيجة، والسباق يتم داخل العائلة الحاكمة على من يقدم كل ما ترغب به الولايات المتحدة لتأتي به إلى العرش المُصان، وابن سلمان قدم على هذه الطريق المال، ثم أتبعه بالوهابية وما فرضته من نمطٍ اجتماعي على حياة أهل الجزيرة على مدى سبعة عقود، ثم التطبيع مع كيان العدو والاستعداد التام لإقامة علاقاتٍ كاملة وعلنية، وأخيراً وليس آخراً يقدم النفط بشكلٍ فاضحٍ حتى عن أسلافه.

فالسعودية دولة مستنزفة مالياً في عدوانها على اليمن، ومستنزفة من آثار فايروس كورونا على مواسم العمرة ومواسم الترفيه وقد يمتد لموسم الحج، ومستنزفة بالجشع الترامبي، وذات عجزٍ كبير في الموازنة، ويقول خبراء الاقتصاد إنّ موازنة سعودية بلا عجز، تتطلب سعر 84$ للبرميل، فيما قد يصل سعر البرميل حسب بعض التقديرات إلى 20-25$. وفي ظل استمرار هذا الواقع إذا كان الهدف الأمريكي هو الاقتصاد الروسي والإيراني، فلن يكون الاقتصاد السعودي أفضل حالاً بل سيكون أسوأ يقيناً، فروسيا وإيران تمتلكان مقومات الدولة التي تجعل الأضرار في حدودها الدنيا، وهذا بعكس السعودية التي لا تمتلك سوى الظنّ بالحماية الأمريكية وعقلية بن سلمان، ولكن أخطر ما سيواجه آل سعود هو فقدان النفوذ في العالمين العربي والإسلامي في حال استمرار هبوط الأسعار، حيث إنّه نفوذٌ قائمٌ على الرشوة، والرشوة قائمة على ارتفاع الأسعار، ولكن يبدو أنّ بن سلمان يرى أنّ تحول المملكة من سعوديةٍ إلى سليمانية، يستحق كل هذه المخاطر التي يرى أنّها ستصل به إلى العرش طالما كان فتىً مطيعاً في حديقة البيت الأبيض وفي الكنيست قريباً.

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف